قال تعالي: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا ينفَعُ النَّاسَ فَيمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ) الرعد 17. يقول صاحب لسان العرب: الفَقْعُ: الضُّراطُ (أجلكم الله)، وإِنه لَفَقَّاعٌ أَي ضَرَّاطٌ. والتفْقِيعُ: التشَدُّقُ. يقال: قد فَقَّعَ إِذا تَشدَّقَ وجاء بكلام لا معني له. والفَقاقِيعُ: هَناتٌ كأَمثالِ القَوارِيرِ الصغار مستديرة تَتَفَقَّعُ علي الماء والشرابِ عند المَزْجِ بالماء، واحدتها فُقَّاعةٌ؛ قال عدي بن زيد يصف فَقاقِيعَ الخمر إِذا مُزِجَتْ: وطَفا فَوْقَها فَقاقِيعُ، كالياقُوتِ، حُمْرٌ يثِيرُها التصْفِيقُ, والفُقَّاعُ: شَراب يتخذ من الشعير سمي به لما يعلوه من الزَّبَدِ. والفاقِعُ: الغلامُ الذي قد تحَرَّكَ وقد تَفَقَّعَ؛ قال جرير: بَني مالِكٍ، إِنَّ الفَرَزْدَقَ لَمْ يزَلْ يجُرُّ المَخازِي مِنْ لَدُنْ أَنْ تَفَقَّعا, والإِفْقاعُ: سوءُ الحالِ. وأَفْقَعَ: افْتَقَرَ. وفَقِيرٌ مُفْقِعٌ: مُدْقِعٌ فقير مجهد. وأَصابته فاقِعةٌ أَي داهِيةٌ. وفَواقِعُ الدهر: بَوائِقُه. وعلي ذكر الفقاع أو كحول الشعير فهناك من (الفقهاء) من يراه حلالا ويري ذلك من المعلوم من الدين بالضرورة ومن بينهم (شيخ الإسلام ابن تيمية) الذي أرسل إلي السلطان قلاوون يحرضه علي قتل شيعة كسروان لأنهم لا يبيحون الفقاع قائلا: (وعندهم أن كل من لم يوافقهم علي ضلالهم فهو مرتد. ومن استحل الفقاع فهو عندهم كافر. ومن مسح الخفين فهو عندهم كافر. ومن حرم المتعة فهو عندهم كافر)!!. حالة تفقع!! الحالة الفقاعية هي جزء لا يتجزأ من الحالة (الزَبَدية) التي تعاني منها أمتنا الإسلامية بعد أن تم تقسيمها إلي أمتين عربية وأخري غير عربية يحل فيها للعربي ما لا يحل لغير العربي وهي حالة تتكامل مع الحالة القصعوية التي دأب خطباء المساجد الندابون علي التشكي منها (توشك الأمم أن تداعي عليكم كما تداعي الأكلة إلي قصعتها..). الفقاعة إذا هي شيء عديم القيمة أو كريه الرائحة أو كلام لا معني يتشدق به أدعياء الثروة والأصالة المتفقعين علي عالم عربي يعاني أغلبه من فقر مفقع مدقع وجهل مفجع!!. شتان بين اقتصاد فقاعي يقوم علي المضاربة بالأوراق المالية والأسواق العقارية ويمنح الملايين لمتفقعي الدعاية والإعلام فيذهب جفاء ويضيع هباء، واقتصاد يقوم علي مضاعفة القدرة الإنتاجية فينفع الناس ويمكث في الأرض لأنه يقوم علي استثمار ما تخرجه الأرض من معادن وزروع وغلات تطعم الناس وتكسي عريهم وتوفر فرصا للعمالة وتقضي علي الفقر. الاقتصاد في صورته الأخلاقية يهتم بتلك الطبقة العريضة من الناس لا بتلك الشريحة الفوقية الفقاعية المترفة التي تطفو علي سطح المجتمعات خاصة تلك التي يستحوذ علي قرارها حفنة من البشر تري مصلحتها فوق مصالح الجميع. طبقة أشبه ما تكون بالزَبَد الطافي علي سطح الماء سرعان ما تظهر وسرعان ما تهرب عند أول أزمة تمر بمجتمع طالما استفادوا منه وامتصوا خيراته دون أن يقدموا له أي عطاء حقيقي. الظاهرة الفقاعية الاقتصادية ظاهرة عالمية ترتبط بفلسفة اقتصاد الربح الانتهازي حتي ولو كان الأمر يتعلق بأرباح وهمية لا وجود لها إلا علي الورق لا في أرض الواقع حيث يعرف الجميع أن انهيار فقاعة سوق العقارات الأمريكي كانت مقدمة لانهيار الاقتصاد العالمي قبل أكثر من عام من الآن. انهيار فقاعة دبي أما آخر الفقاعات الاقتصادية التي جري (فقعها) فهي فقاعة دبي التي انهارت قبل أيام قليلة من الآن. صحيح أن الأزمة يمكن التعافي منها وهي ليست بالضرورة انهيارا نهائيا إلا أن الحدث ينبهنا وينذرنا إلي ضرورة التوجه نحو اقتصاد العدالة الاجتماعية وليس اقتصاد المضاربات المالية. الفقاقيع الاقتصادية لا تختلف كثيرا عن تلك الفقاقيع التي وصفها صاحب لسان العرب فهي إما ظواهر قبيحة ذات رائحة كريهة أو تشدق زائد عن الحاجة لا يسمن ولا يغني من جوع حيث يتفاخر البعض ببناء أبراج تعلو في السماء 500 متر أو نصف كيلو متر بينما يتضور الملايين من العرب جوعا أو يسكنون أكواخا من الصفيح ربما علي مسافة نصف كيلومتر أو أكثر قليلا من تلك الأبراج الشاهقة. وبينما تمتلئ أرض العرب وصحاريهم بالكنوز والموارد الطبيعية نري سدنة اقتصاد الوهم والطفرة يبنون مدينة للملاهي في الصحراء تتكلف المليارات في حين يتضور ملايين المسلمين جوعا. تعمد العرب التغافل عن النظر والتأمل فيما يجري حولهم مكتفين ببناء الأبراج الشاهقة لعلهم يصعدون إلي السماء متجاهلين أنهم من تراب وإلي التراب يعودون وأنهم في حاجة للتأمل في أنفسهم (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)!!. في كتابه (رياح السموم) يكشف رياض نجيب الريس عن بعض الحقائق التي تغافل عنها بناة الفقاقيع حيث يقول (في أعقاب حرب الخليج الثانية سنة 1991 تخيل جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق أن دول الخليج ستعي أن السبب الرئيسي للحرب هو الهوة السحيقة بين الدول الفقيرة والغنية وأن هذه الدول علي قدر من الذكاء يخولها إدراك أنه لا بد للانتصار الذي حققته في حرب الخليج أن يدفعها نحو ردم هذه الهوة فتعمل علي تحسين أوضاع تسعين بالمائة من الشعوب العربية وأن استثمارات دول النفط الغنية ستكون في سوريا ولبنان والأردن ومصر والسودان وشمال أفريقيا لا في أوروبا أو اليابان أو أمريكا حتي أن مجموعة من الأكاديميين الأمريكيين اقترحوا بدفع من بيكر وبوش الأب مشروعا تخصص هذه الدول بموجبه نسبة محدودة من مداخيلها النفطية في صندوق خاص لتنمية العالمين العربي والإسلامي بل إن بيكر نفسه دعا إلي تأسيس مصرف متخصص بمشاريع التنمية في الدول الفقيرة وماتت فكرة بيكر قبل أن تولد ومات معها كل طموح كان من الممكن أن يؤسس بعض التوازن في السياسة العربية). لا نعتقد أن الأخذ باقتراح الحد الأدني الذي طرحه وزير الخارجية الأمريكي كان من الممكن أن يحول دون انهيار الفقاقيع إلا أن رفضه أو تجاهله يعني أن عرب الطفرة النفطية وإخوانهم من عرب الطفرة المالية لا يفكرون إلا بمنطق الاستئثار ولا يسعون لبناء اقتصاد إنتاجي مستقر أو أمن قومي عربي والنتيجة تبدو الآن واضحة. ولأن الحالة الفقاعية ليست مالية وحسب فهناك حالة تفقع سياسي واجتماعي كما أن فقاقيع العالم قد اتحدوا رافعين شعار (يا نعيش سوا يا نموت سوا) لذا فمن المتوقع أن نشهد في المستقبل القريب مزيدا من انهيار الفقاقيع. (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا ينفَعُ النَّاسَ فَيمْكُثُ فِي الأَرْضِ).