وقائع ما حدث في حادثة إعدام مصطفي خميس والبقري في أحداث كفر الدوار بدأت الأحداث بمظاهرات قام بها العمال تأييدا لثورة يوليو واستمرت للصباح.. وعندما أشعل المهندسون من أعوان الملك النيران في مكتب الأمن قام العمال بإطفائها والحفاظ علي المصانع قال موسي صبري في دفاعه إن هناك يدا دنسة تحاول الوقيعة بين الحركة العمالية وحركة الجيش وأوضح أن مصطفي كان يهتف باسم محمد نجيب جمال عبدالناصر وخالد محيي الدين ويوسف صديق لم يصدقوا علي الحكم بإعدام مصطفي خميس هاني مهني طه ذهب وفد إلي مجلس قيادة الثورة لطلب العفو أو تخفيف الحكم الصادر من المحكمة العسكرية بإعدام مصطفي خميس والبقري في أحداث كفر الدوار 1952 ولم يحدث شيء. وأنا أجلس إلي شقيق مصطفي خميس قرأت في عينيه تأثره بإعدام شقيقه وكأنه يعدم الآن رغم مرور أكثر من نصف قرن علي أحداث كفر الدوار، وتركته يسترسل في ذكر الأحداث ليترك شهادته للتاريخ وليضيف بعدا جديدا إلي القضية التي نشر عنها الكثير بحديث أحد أفراد أسرة مصطفي خميس. محمد محمد خميس 75 سنة الشقيق الأصغر لمصطفي خميس، لم ينس أبدا يوم الثلاثاء 12 أغسطس 1952 - أي بعد قيام الثورة بعشرين يوما - ففي الوقت الذي عم فيه الفرح بقيام الثورة وتطلع الشعب المصري إلي مستقبل مشرق وأيام سعيدة علي يد قادة الثورة، قبض علي شقيقه مصطفي وهو يهتف تأييدا للثورة وأعدم بقرار من هؤلاء القادة. يقول الحاج محمد: التحق مصطفي بالعمل بإدارة مخازن الأقمشة بشركة كفر الدوار للغزل والنسيج عام 1947، وكان شابا مثالا للأخلاق والأدب حتي أن جميع زملائه ورؤسائه في العمل كانوا يحبونه. وقد بدأت الأحداث مساء يوم الثلاثاء بمظاهرات قام بها العمال تأييدا للثورة وقائدها، واستمرت إلي صباح يوم الأربعاء واشتعلت تلك المظاهرات في شوارع مدينة كفر الدوار وداخل الشركة، وكان مصطفي يهتف مع العمال بحياة الثورة والتأييد لها. في نفس الوقت الذي كان العمال يهتفون بسقوط محمد حسين الجمال مدير عام الشركة، وابن عمه عزيز الجمال مدير عام النسيج، وبسقوط السكرتير العام للشركة حسين فهمي - التركي الجنسية - الموالين لاتحاد الموظفين دون العمال، وكان محمد حسين الجمال من أنصار الملك السابق الذي منحه البكوية. وقد استغل أعوان الملك السابق المظاهرات العمالية المطالبة بزيادة أجورهم وإجراء انتخابات نقابية حرة، فاندسوا من خارج الشركة بين صفوف العمال واشعلوا النيران في مكتب الأمن وبعض مكاتب الإدارة، في الوقت الذي قام العمال أنفسهم بالحفاظ علي المصانع واطفأوا النيران، بينما كانت هناك اشتباكات بين الأهالي والعساكر خارج الشركة، مما ترتب عليه مقتل بعض العساكر، وأثناء هتاف شقيقي مصطفي بحياة الثورة وقائدها أطلق عليه عزيز الجمال النار من شرفة «فيلته» فأصيب مصطفي في جبهته وتصادف سقوطه علي أحد الجنود والذي كسرت بندقيته، فتم القبض علي مصطفي، وقد أسفرت تلك المظاهرات والإضرابات عن مصرع الجندي سيد الجمل وإصابة 50 من رجال الشرطة والعمال. وعندما وصلت تلك الأنباء إلي مجلس قيادة الثورة قرر اللواء محمد نجيب تشكيل مجلس عسكري لمحاكمة المتهمين الذين وصل عددهم 29 متهما، وبدأت إجراءات المحاكمة يوم السبت 16 أغسطس بمقر الشركة، ويدلل الحاج محمد خميس علي براءة شقيقه مصطفي مما جري من خلال رؤيته ومعايشته الشخصية للقضية ومانشر بعدها علي لسان البعض ممن عايشوا أحداث القضية. وقد شكلت المحكمة العسكرية برئاسة البكباشي عبدالمنعم أمين وعضوية كل من البكباشي عبدالعظيم شحاتة وحسن إبراهيم، وكانت المفاجأة حينما سأل عبدالمنعم أمين رئيس المحكمة المتهم الأول مصطفي خميس هل وكلت محاميا عنك؟ فأجاب: كيف أوكل محاميا وأنا مقبوض علي، كما أن أهلي لم يستطيعوا الحضور لأن الشركة محاصرة، فسأل رئيس المحكمة هل يوجد بين الحضور محام؟ وهنا وقف موسي صبري - الكاتب الصحفي الراحل -والذي كان مكلفا من قبل جريدة أخبار اليوم بتغطية تفاصيل المحاكمة، والذي تطوع للدفاع عن مصطفي خميس حيث إنه كان حاصلا علي ليسانس الحقوق. قال موسي صبري في دفاعه إن هناك يدا دنسة تحاول الوقيعة بين الحركة العمالية وحركة الجيش، وأوضح أن مصطفي كان يهتف بحياة قائد الثورة محمد نجيب، وذلك بشهادة الشهود وجريمة القتل وقعت في مظاهرة أخري غير التي كان يشارك فيها مصطفي خميس إلا أن حظه السيء ساقه إلي هذا المصير. وكان تركيز موسي صبري في استجوابه للشهود ينصب علي سؤال واحد هل تم القبض علي مصطفي خميس قبل واقعة إطلاق الرصاص أم بعده؟ أجاب الشهود بإجابة واحدة: قبل إطلاق الرصاص، وكانت هذه الشهادة كفيلة ببراءة مصطفي خميس مع العلم أن جميع الشهود كانوا من رجال الأمن. وفوجئ موسي صبري في اليوم التالي للمحاكمة بأن المحكمة استدعت شهودا آخرين، وعندما سألهم نفس السؤال السابق أجابوا إجابة واحدة وقرروا جميعا أن القبض علي مصطفي خميس تم بعد سماع إطلاق النار مخالفين بذلك الشهادة الأولي، وقد طعن موسي صبري في الشهادة الجديدة وقال: إن العمال ليس لهم مصلحة في حرق المصنع أو تخريبه. شهادة محمد نجيب ومن الأدلة التي ظهرت بعد إعدام مصطفي خميس شهادة اللواء محمد نجيب حيث يقول في كتابه «كلمتي للتاريخ»: وردت الأنباء بأن تظاهرات وقعت في كفر الدوار وأن العمال اعتدوا علي رجال البوليس وسقط بعض القتلي من العساكر خلال محاولة لمنع انتشار الاضطرابات أو اشعال الحرائق، وصل الخبر مجسما كما لو أن عملا مضادا بدأ يدبر ضد حركتنا وأخذت الأخبار علي حذر في البداية، فكل تصريحاتي حتي هذه اللحظة كانت عن العدالة الاجتماعية ومقاومة الفساد ومساعدة الفلاحين والعمال مما لا يشكل سببا لهذه التظاهرات، ووافقت علي تشكيل مجلس عسكري ينعقد في مكان الحادث برئاسة البكباشي عبدالمنعم أمين لتظهر الحقيقة سافرة وأنا في دوامة من الحيرة. وصدر حكم المجلس بإعدام العاملين مصطفي خميس ومحمد البقري، وجاء الحكم لي للتصديق، وتوقفت، لن أصدق علي حكم بالإعدام وحركتنا لم يمض عليها عشرات الأيام، وطلبت مقابلة المتهمين بعد أن أفصحت عن رأيي صراحة، وأحاطتني تقارير مخيفة بأن أي تهاون في مواجهة العمال سوف يؤدي إلي انتشار الاضطرابات والتظاهرات في مناطق التجمعات العمالية في شبرا الخيمة والمحلة الكبري وغيرهما، وكنت أعرف أن هذه التقارير قد كتبت بأقلام رجال الأمن السابقين في عهد الملك، وحضر مصطفي خميس إلي مكتبي بالقيادة، دخل ثابتا وعندما رجوته أن يذكر لي عما إذا كان أحد قد حرضه لأجد مبررا لتخفيف الحكم عليه، أجاب في شجاعة: بأنه لا هيئة ولا إنسانا من ورائه وأنه لم يرتكب ما يبرر الإعدام، وأمتد الحوار بيننا نصف ساعة طلبت له فيها فنجانا من الشاي، وكنت ألح عليه كما لو كان قريبا أو أخا عزيزا... ولكن دون فائدة، فقد كان صاحب مبدأ لم يخنه حتي في الفرصة الأخيرة لنجاته، وخرج مصطفي خميس من مكتبي وقد أثقل الحزن قلبي بعد أن صدقت علي الحكم، وفي ذهني عدة اعتبارات أهمها أرواح العساكر الأبرياء الذين قتلوا واحتمالات انتشار هذه الاضطرابات، ورفض مصطفي أن يصرح بشيء يكون مبررا لتخفيف الحكم عليه. رئيس المحكمة يقول عبدالمنعم أمين في كتاب «شهود ثورة يوليو» لأحمد حمروش: «عندما قامت مظاهرات كفر الدوار وقتل ثمانية عساكر وخمسة عمال تطوعت لرئاسة المجلس العسكري الذي تقرر تشكيله واقترحت عقده في موقع الحادث وكان من أعضائه حسن إبراهيم عضو مجلس قيادة الثورة وكذلك عبدالعظيم شحاتة وفتح الله رفعت من ضباط المدفعية، تمت المحاكمة حسب قانون الأحكام العرفية الذي تنص مواده علي أنه إذا حدث تظاهر أو شغب ونتج عنه قتل فإن رؤساء المظاهرة يحكم عليهم بالإعدام، وقد دافع مصطفي خميس عن نفسه دفاعا عظيما لمدة نصف ساعة ولما لم يكن هناك محام للدفاع عنه فقد انتدبت له الصحفي موسي صبري مندوب الأخبار باعتباره متخرجا في الحقوق، وحكم الإعدام لم يصدر بالإجماع من أعضاء المجلس وكذلك فإن مجلس القيادة لم يصدق عليه بالإجماع. وفي حوار مع جريدة الوفد في 31/7/1988 قال عبدالمنعم أمين: «لم أندم علي قرار الإعدام ولكن أنا بعدما قررت الحكم ظللت بعدها 15 يوما لا أنام.. أصحو من النوم مفزوعا.. لماذا؟ لا أعرف.. لا أستطيع أن أقول لكم هذا كان شعورا طبيعيا، وأذكر أنني لم أقرأ حكم الإعدام رغم أنني كنت رئيس المحكمة، كلفت عاطف نصار بأن يقرأ حكم الإعدام نيابة عني، إنني كنت أرتعش وهو يقرأ الحكم. وعندما جاء الحكم للتصديق عليه انقسم مجلس قيادة الثورة علي نفسه فقد اعترض ثلاثة أعضاء هم جمال عبدالناصر ويوسف صديق وخالد محيي الدين. الإعدام وأمام 1500 عامل من مصانع البيضا والحرير الصناعي وكفر الدوار وقف أحد الضباط يتلو الحكم بإعدام مصطفي خميس شنقا وفي هذه اللحظة خيم الصمت الرهيب علي الحاضرين أما مصطفي خميس فقد ظل شامخا ولم ينهار وأخذ ينظر بتعجب إلي الضابط الذي كان يتلو الحكم. وفي يوم 7//9/1952 تم تنفيذ حكم الإعدام شنقا في مصطفي خميس بسجن الحضرة بالإسكندرية. والآن وبعد مرور 58 عاما علي إعدام شقيقي مصطفي مازلت أبحث عن براءته، ولا يتبقي إلا أن يتدخل الرئيس محمد حسني مبارك ويأمر بإعادة التحقيق في تلك القضية لإظهار براءة شقيقي مصطفي. علي هامش الحوار كان خالد محيي الدين أحد الثلاثة الذين رفضوا التصديق علي الحكم بإعدام مصطفي، ومعه جمال عبدالناصر ويوسف صديق، ومازال خالد محيي الدين علي قيد الحياة وأطلب منه أن يبرئ ذمته، فلو كان قد رأي أن شقيقي بريئ فليعلنها حتي يريح قلوبنا بعد تلك السنوات الطويلة. - هناك شهود طلبهم مصطفي بالاسم أثناء محاكمته لكن هيئة المحكمة رفضت حضورهم منهم محمود عبدالعزيز هندي وعلي البنداري ومحمد عبدالسلام خليل، كما أن المهندس أحمد قاقا مدير النسيج أكد حينما استدعي للشهادة كمسئول بالمصنع أن العمال حافظوا علي المصانع والآلات خوفا من تدخل العملاء المندسين إلي المصنع. - في سنة 1977 تقدم محمد شوكت التوني المحامي بطلب إعادة محاكمة مصطفي إلي المحامي العام بالإسكندرية بناء علي توكيل من والدي، وطلب الرئيس السابق محمد نجيب للشهادة في القضية بناء علي ما ذكره في كتابه، وحصل علي مستندات كثيرة تخص القضية لكنه توفي سنة 1980 وفقد ملف القضية، كما قام نبيل الهلالي سنة 1990 بمحاولات أخري لإثبات براءة مصطفي لكنه لم يصل إلي شيء من ملفات القضية. - أحيي كل من حاول البحث عن الحقيقة واظهار براءة شقيقي مصطفي وعلي رأسهم الأديب الراحل نجيب محفوظ، والأستاذ مصطفي أمين، ود. عبدالعظيم رمضان، والأستاذ لمعي المطيعي.