لم يكن لوجود خطاب التكليف أن يكون مهما لولا دعاوى القوم عن مرشح الثورة وعن الانتخابات النزيهة وعن أغلبية أصوات مشروع النهضة. إذ إن الثورة تفرض على مرشحها آليات ممارسة جديدة لا يكفي فيها اختيار شخص دولة رئيس الوزراء، وكون السيد الرئيس سيدا رئيسا بفضل انتخابات نزيهة يعني أنه موضوع تحت رقابة مزدوجة، سواء من ناخبيه ومؤيديه يتابعون مدى التزامه بوعوده الانتخابية، أو من ناخبي منافسه ومؤيديه يتسقطون هناته وزلاته في كل سلوك أو قول. وتقدم السيد الرئيس لشعبه بمشروع متكامل، فيما تزعمه جماعته، أيام ترشحه، وإصراره على هذا المشروع بعد أن فاز بالنسبة الأكثر ضآلة في تاريخ الانتخابات الرئاسية في العالم، يعني أنه ألزم نفسه أمام شعبه ببرنامج رئاسي داعيا الشعب كل الشعب لمحاسبته عليه. كل ما سبق يفترض حين يعين السيد الرئيس شخص رئيس الوزراء وجود خطاب تكليف محدد يغطي مرحلة من مراحل تنفيذ مشروع النهضة إياه، يكون موضوع محاسبة السيد الرئيس لرئيس وزرائه قبل أن يحاسب الشعب الاثنين معا. هذا في الأوضاع الطبيعية للبلدان الديمقراطية، ولكن حين نكون في مصر فلمصر خصوصيتها، قبل الثورة كانت لها خصوصيتها الفادحة، ويبدو أننا بعد الثورة بإزاء خصوصية لمصر أكثر فداحة، باعتبار كل الأحلام التي علقها الشعب كل الشعب على هذه الثورة. بعد الثورة أنجزت الديمقراطية المعممة لشعب أكثر من 40% منه تحت خط الفقر، فضلا عن الأميتين العامة والثقافية، وجود رئيس جمهورية فئوي ينتمي لجماعة شبه مقدسة لم يأتها باطل من خلفها عبر ثمانين عاما، بالرغم مما يقوله التاريخ عن ممارساتها التي بلغت حد الجريمة السياسية أكثر من مرة، ولا يبدو أن أهلها يظنون أن الباطل يأتيها من بين يديها، فهم تحت الدعاوى المجهّلة تماما عن الحلول الإسلامية، منزهون من هذا الباطل. ولما كان الأمر كذلك فهم أكثر تنزها من المحاسبة، وهنا يكون غياب خطاب التكليف ذا دلالة، فرئيس الوزراء المختار منزه، كالرئيس الذي اختاره منزه، كالجماعة التي ينتميان إليها منزهة، والمنزه بلا أدنى مسئولية تجاه من يحكمه، ولو أنه يحكمه بفضل الديمقراطية التي تفترض المسئولية والمراقبة والمحاسبة، لكنها خصوصية مصر، أقامت ثورة أم لم تقم أية ثورة على الإطلاق.. السيد الرئيس، نعلم من مشروع النهضة أنه غير قابل للتنفيذ، ونعلم من بعض المتنفذين في جماعتك أنه يحتاج إلى أكثر من عشرين سنة وليست السنوات الأربع التي تفصل بينك وبين عودتك أستاذا جامعيا، هذا إذا لم تقم جماعتك بالانقلاب على الآلية التي أتت بك من جامعتك إلى قصر رئاسة جمهورية مصر. وبالرغم من كل ما تقدم، ألا يمكنك أيها السيد الرئيس أن توزع مشروع نهضتك على مراحل، وتكون المرحلة الأولى هي مضمون خطاب التكليف الذي تحاسب إليه رئيس وزرائك، ويكون دليلا له في اختياره وزراءه بدلا من أن يكون دليله هو المعيار الذي اخترته به، أعني انتماءه إلى جماعتك. إن الشعب الذي ثار أفضل من فيه والشعب الذي حلم مع الثورة أن يحيا حياة ديمقراطية حقيقية لا يرضى ولن يرضى بهذه التبسيطية المخلة والمختلة في تحديد رئيس وزراء كان أفشل وزير في حكومتين سابقتين، ولا بامتداد هذه التبسيطية في اختيار الوزير الفاشل سابقا ورئيس الوزراء الحالي في اختيار وزرائه. وماكينة الدعاية الإخوانية لن تصنع واقعا على الأرض يبرر اختيارك له واختياراته لوزرائه، فالشعب المأزوم على كافة مستويات حياته لن يرضى بأقل من وجود حلول ملموسة لتلك الأزمات تنعكس على عاديات حياته ومفردات يومياته، أمنا وغذاء وصحة وتعليما وعملا.. يا أيها الإخوان، كفوا عن مشروعاتكم السرية للبلد، ويا أيها السيد الرئيس مصر ومسئولياتك كرئيس لها أكبر من مشروعات جماعتك، ويا أيها السيد رئيس الوزراء أرجو أن تلجأ إلى عقليتك العلمية كباحث لوضع خطط قابلة للتنفيذ من أجل مصر، فليست الشخصية الابتكارية كل شيء، وربما عوض وجود خطة علمية وعملية غياب هذه الشخصية التي كانت مصر أحوج إليها في رئيسها كما فيك..