سألنى صديق لا يقف فى أى جانب من الحياة : - هل من الضرورى أن أمتلك حياتى وأن أسيطر عليها ، وكيف ؟ - نعم ، بأن تمتلك نفسك أولاً . - وكيف أعرف أننى أمتلك نفسى ؟ - إذا كنت حراً فى اتخاذ قرارتك ، وإذا كنت تمتلك مساحة واسعة من البدائل والاختيارات المتعددة ... والأهم والأكثر أهمية إذا كنت مسيطراً ومتحكماً فى مسار حياتك . - وكيف أستطيع أن أسيطر على مسار حياتى ؟ - إذا استطعت أن تحدد الخط الفاصل بين ما هو ممكن وما هو غير ممكن بالنسبة لك؟ - وكيف يكون ذلك ؟ - إذا عرفت أن الممكن يكون بالتخطيط ( وضع تصور مسبق أو سيناريو للوصول المطلوب ) ، والذى يجب أن يسبقه الاستخدام الأنسب لكل الموارد المتاحة لك والتى تقع تحت تصرفك ، وأن غير الممكن هو ما لا تمتلك أيا من الموارد اللازمة لتحقيقه ، ولا أى من المعارف والمهارات المرتبطة بالتعامل معه ، ولا يسمح لك الوقت المتاح بتحقيقه . - وهل يكفى هذا للسيطرة على مسار حياتى وامتلاك ذاتى ؟ - لا ، لا يكفى فمعرفة كيف تحدد الممكن وغير الممكن هو نقطة البداية فى هذا الصدد، ولكن لا غنى عن تحديد نقاط أخرى هى : · أن تعرف وتحدد ما هى الأمور التى ستتحكم فيها وحدك ؟ · وما هى نقاط عدم الاقتراب ؟ · وما هو الثمن الذى ستكون مستعداً لدفعه من أجل النجاح فى الحياة ؟ - وكيف يكون ذلك ؟ - تحديد الأمور الذى ستقوم بها وحدك لا يتوقف فقط على القدرة على تنفيذها بمفردك، وإنما يتوقف على تلك الحدود التى تسمح بها للآخرين بالتدخل فى عملك وقراراتك وحياتك ، وما هى نسبة هذا التدخل ؟ والتى تتوقف غالباً على :. · حدود الاعتمادية على الآخر أيا كان هذا الآخر . · وحدود التضحية للآخر أيا كان هذا الآخر . · وحدود المخاطرة . أما عن نقاط عدم الاقتراب ، فهى تلك المناطق والجوانب الموجودة فى ذاتك والتى تشعر فيها بضعف إنسانى شديد ، وهو ما يعنى بكل الأمور التى لا تستطيع فيها استخدام العقل المنطقى أو تحكيم العقلانية والموضوعية ، وتعرف مسبقاً أنك ستنحاز إليها ، وأن نتائجها ذات تأثير سلبى عليك . - وماذا عن الثمن الذى يجب أن أكون مستعداً لتحمله للنجاح ؟ - هو إما الحرمان أو التنازل الطوعى عن بعض الأنشطة والأمور التى تشعر عند ممارستها بقدر من المتعة والراحة ، و/أو تحمل المخاطرة عن نتائجها السلبية فى حالة الفشل . وغالباً ما ينخفض هذا الثمن إذا كنت تمتلك رأس المال الاجتماعى ، والذى يعنى هنا بزيادة الأشخاص الذى يثقون بك ، وتثق بهم وفيهم ، فهم الوقود الحقيقى للنجاح ، وهم الحماية فى الكثير من الأحوال عند مواجهة المواقف الصعبة ، وعند تواجدك معهم وشعورك بالدفء العاطفى بينهم يكون ذلك خير تعويض عن التنازل الطوعى عن الأنشطة التى تستمتع بممارستها ، أو التخفيف عنك من تأثير عدم النجاح . - من الواضح أن عملية امتلاك الذات والسيطرة على الحياة أمر لا يتسم بالسهولة ، ويحتاج إلى متطلبات ومهارات متنوعة ومتعددة . - هذا صحيح ، لأنه لا نجاح فى الحياة دون السيطرة على مسارك فى الحياة ، ودون امتلاكك لذاتك فيها . - وهل يحتاج النجاح فى الحياة إلى مهارات أخرى بخلاف ما سبق ؟ - نعم ، وهى أن تمتلك الرؤية الاستراتيجية . - وما هى ؟ - الرؤية الاستراتيجية هى تلك التصورات الفكرية (التى توصلت إليها بإعمال العقل) الأكثر وضوحاً ودقة للأهداف التى يتعذر تحقيقها فى ظل الإمكانات والظروف الحالية ، إلا أنه يمكن تحقيقها فى المدى البعيد نسبياً ، وغالباً ما يتوقف نجاح هذه الرؤية على : · الوضوح ( سيناريو التنفيذ ) · المرونة ( إمكانية تعديل سيناريو ومخطط التنفيذ وفقاً للظروف الواقعية ) · الالتفاف على الصعوبات ( اقتراح بدائل أخرى للتنفيذ ) · وتقسيم الأهداف إلى مراحل زمنية . - ولكنى أعرف الكثيرين ممن أمتلكوا هذه الرؤية الاستراتيجية ، ولكنهم لم يحققوا الإ نجاحات محدودة . - لأن النجاح لا يتوقف على بلورة هذه الرؤية ولكن على تنفيذها ، بما يعنى الانتقال من الأفكار المجردة إلى الأفعال المجسدة ، أى تحويل التصورات إلى واقع فعلى ملموس . - وهل يتوقف التنفيذ على امتلاك القدرة والرغبة والإرادة والعزم على الفعل ؟ - هذا لو كان العمل أو النجاح المطلوب عمل فردى لا يرتبط بآخرين ، أما لو كان النجاح مرتبط بالتعامل مع الآخرين والتفاعل معهم فإن نجاح التنفيذ سيتوقف على القدرة على التأثير والتى تعنى بأن تجعل الآخرين يصنعون فعلاً ما كانوا يصنعونه لولا تدخلك بالإقناع أو الإلزام . وأيضا على بناء العلاقات ، والتى تعنى بإقامة رأسمال اجتماعى يتمثل فى شبكة مصالح متبادلة استناداً إلى الثقة بين كل أطراف هذه الشبكة . - أشعر من ردودك أن الأمور قد تعقدت ، وأنها ستكون أيسر على الفهم لو استطعنا تحديد من هو الشخص الناجح ؟ - هو الذى يعرف ماذا يريد ؟ ، وماذا يملك لتحقيق ما يريد ؟ ، وكيف يصل إلى ما يريد ؟ - وهل يكفى هذا لكى يكون ناجحاً ؟ - بالطبع لا ، فالمهم هو الانتقال من المعرفة إلى التنفيذ . - وكيف يكون ذلك . - بأن تمتلك جرأة الفعل ، والتى تعنى بالإقدام وعدم التردد الذى يسبقهما الثقة الكاملة فى قدراتك ، وامتلاكك للرغبة الصادقة والإرادة الأكيدة والاعتقاد الجازم بأنه لا سبيل إلى النجاح أو تحقيق الذات إلا بإنجاز ما تريد . - وهل يرتبط النجاح بالتفوق والتميز ؟ - هما مؤشران عليه ، لأن النجاح هو بلوغ الهدف المنشود ، فلو كان الهدف المنشود هو التفوق والتميز سيكونان هما النجاح . - وما هو التفوق والتميز ؟ - التفوق هو أن يتخطى نجاحك الحالى كل نجاحاتك السابقة ، وهو ما يعنى بالتفوق على الذات ، أو أن يتخطى نجاحك الحالى كل من تسابقوا معك فى تحقيق هذا النجاح ، وهو ما يعنى بالتفوق على الآخر . أما التميز فهو إما أن يكون تميزاً جزئياً وهو ما يعنى بامتلاكك لميزة نسبية واحدة أو أكثر لا يمتلكها الآخرين ، وإما أن يكون تميزك تميزاً كلياً ، وهو ما يعنى أن يكون تميزك على الآخرين فى كل الجوانب . وبالتالى يكون التميز على الآخر ، أما التفوق فيكون على الذات والآخر . - وما هى أهم مجالات أو جوانب التميز المرتبطة بالنجاح فى الحياة ؟ - هى القدرة على الاتصال الفعال بالآخر ، والتى تعنى أن يكون المعنى المقصود من رسائلك إلى الآخر مساوية تماماً للمعنى المفهوم من هذه الرسائل ، وأن يدفعهم هذا الفهم إلى فعل ما تريده أنت منهم . - وهل تكفى القدرة على الاتصال الفعال بالآخرين للنجاح أم هناك اعتبارات أخرى ؟ - هى فى غاية الأهمية لكنها لا تكفى إلا إذا كانت بجانب اعتبارات أخرى . - وما هى هذه الاعتبارات ؟ - أن تمتلك النظرة الثاقبة ، والتى تعنى بالقدرة على تحديد العوامل المؤثرة ، أو العامل الأكثر أهمية بأكبر قدر من الثقة وفى أسرع وقت فى المواقف والأحداث التى تتعامل معها . ومن المهم أيضاً أن تمتلك القدرة على التفكير المنظم ، والتى تعنى بالتفكير المنطقى الذى يقوم على أن تكون النتائج التى ستصل إليها تسبقها مقدمات مساوية لها ومؤدية إليها ، وهو أيضاً ذلك التتابع الملزم والزمنى للإجراءات وصولاً إلى النتيجة المستهدفة . والأكثر أهمية فى اعتبارات النجاح هو أن تمتلك القدرة على التنفيذ ، والتى تعنى بامتلاك جرأة الفعل وإحداثه . والعنصر الحاسم فى النجاح والحياة هو أن يكون لك الأسلوب المميز عن الآخرين ، والذى يعنى بالسمات التى تتصف بها أساسيات تعاملك مع الآخر ، واتخاذ قراراتك ، وتنفيذ أفعالك ، ووصولك إلى أهدافك ، وتكون مميزاً بها عن الآخرين لفعاليتها وكفاءتها . - وهل يمكن لإنسان واحد أو لفرد واحد أيا كان هو أن يمتلك كل ما سبق من سمات ومميزات واعتبارات حتى يكون ناجحاً فى الحياة ؟ - من الممكن وإن كان الأمر صعباً إلى حد كبير ، لذلك ما لا يدرك كله لا يترك كله ، فمن الممكن جداً أن تركز على اعتبار أو أكثر أو على مهارة أو أكثر وتتفوق وتتميز فيها على الآخرين ، وتأكد أن النجاح سيتحقق من خلالها . - لقد بدأنا الحوار بالسؤال عن محددات الشعور بامتلاك الذات ، ثم تطرقنا إلى النجاح، دون أن أعرف ما العلاقة بين الشعور بامتلاك الذات ، والنجاح فى الحياة ، وأيضاً أشعر دون أن تغضب أن ما تناولته من ضرورة التفرقة بين الممكن وغير الممكن ، وحدود السيطرة على ما أفعل ، وحدود تدخل الآخرين فيما أفعل ، قد عقد الأمور وجعلنى أحس بقدر من الضياع وصعوبة الفهم والتحديد للإجابة على سؤال كيف ومتى أشعر أنى أمتلك ذاتى ؟ - إذا كان كل ما سبق قد عقد الأمور ولم يقدم لك إجابة واضحة ، فسأقدم لك إجابة أخرى أكثر سهولة ووضوح وهى أنك ستشعر بامتلاك نفسك عندما تشعر بالاستقلالية ، والتى تعنى بأن اعتمادك على الآخر وتعاونك معه ومشاركتك له اختيار طوعى حر وليس عن قصور وعجز وفرض وقهر . - ومتى وكيف يكون ذلك ؟ - إذا كنت تشعر أنك تستحق ما أنت فيه عن جدارة وكنت قادراً على تنفيذ كل ما تكلف به من مهام بمفردك ودون مساعدة ، وإذا كنت قادراً على أن تتخذ قراراتك دون تردد ودون مشورة مسبقة ، وإذا كنت مدفوعاً إلى الإنجاز من ذاتك ومن داخلك وليس من الآخرين . - وما أهمية أن أشعر أننى أمتلك نفسى ؟ - من الصعب أن تكون قادراً على الانتقال من خطوة حالية إلى خطوة قادمة أفضل إلا إذا كنت تشعر أنك تمتلك نفسك ، والأهم أنه من الصعب أن تشكل حياتك بالطريقة التى تكون راضياً عنها تماماً إلا إذا كنت تشعر أنك تملك نفسك . - وهل يكفى الشعور بالاستقلالية لتولد الشعور بملكية الذات ؟ - نعم إذا كانت هذه الاستقلالية بجوانبها السابقة حقيقة واقعة ، وإذا كان حدود سيطرة الآخرين وإمكانية تدخلهم فى حياتك فى حدها الأدنى وإذا كانت أعباءك نحو الآخرين فى الحدود الممكن تحملها والتعامل معها دون أن تفقد توازنك النفسى والعاطفى والعقلى ، ودون أن تعوق مسار حياتك عن الصورة التى وضعتها أنت لنفسك . - ومن هم فى رأيك ومن وجهة نظرك الأشخاص الأكثر امتلاكاً لحياتهم وسيطرة عليها؟ - هم الذين يتحكم عقلهم المنطقى والواعى فى عقلهم العاطفى دون إضرار متعمد بالآخرين ، وهم القادرين على قبول المخاطرة والإقدام عليها . - وما هى المخاطرة ؟ - هى اتخاذ القرار وتنفيذه فى ظل مساحة من عدم التأكد . - وما هو الفرق بين الخطر والمخاطرة ؟ - الخطر هو التهديد المحتمل حدوثه عند الإقدام على الفعل .. أو هو التهديد بافتقاد وضياع الموارد الموجهة لإحداث الفعل أو النتيجة المطلوبة . أما المخاطرة فهى إدراك هذا الخطر أو التهديد والتحسب له ، والإقدام على الفعل أو الحدث رغم إدراك الخطر المحتمل مادام قد سبق الفعل التحسب للخطر . وبالتالى فإن درجة المخاطرة تختلف من شخص لآخر من حيث إدراكها والتحسب لها والجرأة عليها بإحداث الفعل رغم الخطر المحتمل . - وماذا أفعل إذا لم أكن امتلك القدرة على المخاطرة ؟ - أن لا تستسلم وأن تلجأ إلى التفوق والتميز عن طريق بناء منظومة من الإجادة (الجدارة) فى عمل ما أو مجال ما لا يتطلب المخاطرة ويتفق مع ميولك واستعدادك .. فالمخاطرة غالباً ما ترتبط بإقامة مشروع لإنتاج سلعة أو تقديم خدمة . - يبدو أن امتلاك الذات ، وبناء القدرة على النجاح ، وإيجاد الرغبة والإرادة والتصميم عليه أمر ليس سهلاً . - بل هو فى غاية السهولة لو كنت تمتلك الوعى ( إدراك الأهمية ) بأن معنى وجودك فى الحياة هو أن تحدث أثراً إيجابياً ( إضافة أو انتقال إلى الأفضل ) فيها لنفسك وللآخرين .. وأن تتعامل مع الحياة ليس على أنها نزهة خلوية فى يوم أجازة من العمل تفعل فيه ما تشاء ، ولكنها أمر جاد ومسئولية تجاه الذات والآخر . أم لك رأى آخر .. د. محمد كمال مصطفى استشارى إدارة وتنمية الموارد البشرية
a href="http://www.google.com/reader/link?url=http://www.albedaya-algadida.com/article-2249.html&title=معنى امتلاك الذات " حوار مع صديق&snippet=معنى امتلاك الذات " حوار مع صديق&srcurl=http://www.albedaya-algadida.com/article-2249.html&srctitle=albedaya-algadida.com" target="_blank"