من الصعب جدّا أن أجد مدخلا لمشروعي هذا فقدت حبيبي مشروع كلّ كلماتي رحل في غفلة من القدر أو أنّ القدر رتب رحيله لم أعد أدري مازلت أبحث عن رجل لأبدأ مشروعي فكلّ رجل مرّ بحياتي هو مشروع فكرة أو سطر أو صفحة وكم أنا مثالية مازلت أبحث عن رجل يملأ الرواية ويفيض بها وعنها … يجب أن أجد بطلا لروايتي مازلت أبحث عنه ليس الأمر بالأمر الهيّن .. كما كان سهلا وداعها قبل أن تمّ السابعة والعشرين من العمر رحلت من كوكب لم يحتمل وجودها ولم يتحمل وضوحها .. رحلت نقيّة طاهرة كما كانت منذ لحظة ولادتها … في أوطان مشبوهة أسقط عليها سهوا لقب وطن يمكن للمرأة فها أن تموت ألف مرّة قبل أن تصل إلى لحظة الموت الكبير… ولكن هل عاشت قليلا قبل أن تحترم جنازتها ويذهب بها إلى مثواها الأخير في خشوع .. ويل لمن خشع في موت إمرأة ولم يخشع لحياتها .. الحياة أكبر من الموت ..الحياة أحق بالإحترام من الموت.. هل رأتك وأنت تخشع لموتها .. لم ترى منك سوى نظرات الكره والدونية .. رحلت قبل أن تتم السابعة والعشرين قبلها بكثير ترمدت روحها وصارت هباء منثورا لا تزعج نفسك بالتأسف .. رحلت قبل أن تخرج من تلك الرقعة الجغرافية التي سميّت بلد .. بلد لم يرتق إلى واو البدايات .. واو الوطن يا بلدان القحط والقهر .. قبل أن ترحل بيوم واحد ، جاءها صوتها رقيقا حالما كعهده به دائما : -ألو كيف حالك .. هل نلتقي بعد ساعة في وسط البلد ؟ كان يحبّها كقطعة من روحه أو كلّ روحه ، لم تكن سوى روحا مرّت بسلام على كلّ الدنيا لم تؤذ أحدا ولم يبكي أحدا منها .. شعلة حياة وطاقة حبّ قادرة أن تغرق بها العالم الذي لم ينتبه إليها ، كان منغمسا في الحروب وتوزيع صكوك الثورة والوطنية وسلب الكرامة والحرية من آخرين .. كان وحيدا كنبتة اقتلعت من أرضها وزرعت في تربة غير تربتها ورغم ذلك أينعت وأورقت وملأت المكان روائح زكية طاهرة ولم تأبه لغربتها فاغربة هي أن تحاول فعل شيء على مواجهتها والأهمّ كان يحبّها حبّا غير مشروطا بمطالب معيّنة أو بمشاريع مؤجلة ، كان يحبّها فقط حتى بعد موتها .. هرع إلى الخزانة يلبس أيّ شيء فهي ليست من اللواتي ينتبهن لتفاصيل الهندام إنّها تنظر بعين قلبها إلى قلبه .. والقلب شقيق القلب يعرفه ولو مكث في السواد يكفي أن ينظر إليه قلب من جنسه سينزع عنه العتمة لينظر نحو ذلك المسمى أمل .. أمل يحييك من جديد ويعيد زرع إبتسامتك ويقلب كيانك نحو الحياة .. الحياة أكبر من الموت لذلك أحبته في الحياة ولم تنتظر موته حتّى تحبّه أكثر .. بل أحبته أكثر عند موتها وبعد موتها مازال يعيش على ذكرى إمرأة لم يطمع أن تون حبيبته أو زوجته كانت فقط صديقته في حضرة الصداقة كانا يسكبان أسرارهما الصغيرة في وطن لا يحترم خصوصية الفرد في وطن يتشارك فيه الجميع في فراش الجميع .. في وطن عيّن الجميع حرّاسا على أعضاء الجميع التناسلية .. وطن يحفل بفضيحة جنسية ولا يحفل بموت جائع أو يائس … غادر البيت مسرعا نحو محطة القطار ليلتحق بها في وسط العاصمة في مطعم صغير نظم بعناية فائقة وكأنّه ركن البوح لمن يقصده كلّ شيء يشجع على بوح الأسرار التي لم تكن يوما أسرارا فكلما فعلت شيئا خلته سرّا تجده عند الجميع الذين لا يحفلون به إلا عند أول شجار أو خلاف وقتها تفضح الأسرار ويعاير الفرد بأشياء يفعلها الجميع ولكن إن خرجوا عن سيطرة الجميع الربّ والعرف والوطن والمثل والقيم فهو مارق يجب أن يسفح دمه .. كما سفحت عذريتها في أوّل سنوات مراهقتها .. لم يكن إلا قريبا من صلة الدم الذي أباح دماءها .. كان يوما أسودا تتذكره بمكابرة هدر الدم ولم تهدر حياتها انذاك كل شيء قابل للإصلاح إن لم نغادر الحياة ولم تفهم أن كلّ شيء قابل للإصلاح هو أن تخيط غشاءها بغرز وتصمت عن فعلة سفاح فهو لن يعرف وإن عرف سيتجاهل الجميع فضيحته ربّما سيحسدونه على قطف جسد رخامي تشبه بفينوس وإلتقط قداسة عشتار .. كانت جميلة دون الحاجة إلى المساحيق وكان طيّبا دون الحاجة إلى الجمال … تعال صوتها : أتيت صديقي .. -وهل لي أن لا اتي لجميلة الجميلات ، لوطني .. أنت وطني يا صديقتي صمتا قليلا بعد برهة قصيرة جاء النادل متثاقلا يطلب منهما ما يشربان أجابا في نفس الوقت زجاجة نبيذ أحمر .. النبيذ الأحمر شراب تغنى به الجميع الشاعر والأديب وحتى الصحفي .. صورّه السينمائي وأبدع في تصويره كما يجب .. ولكن من يقرأ عن النبيذ الأحمر ويشاهده في الصور ولا يشربه فقد فقد من عمره تجربة أن يكون جديرا بمتعة الحياة .. إشرب وإسكر فإنّ الحياة جديرة أن تعاش نصف يقظ ونصف ثمل .. الحياة رائحة المعنى تشرب على ظهر الريح وفي قعر كأس الراح تجد جسرك نحو المعنى !!! خولة الفرشيشي