كانت ساعات المساء الأخيرة تعلن عن اقتراب نهايتها في ذلك اليوم.. المصريون جميعهم يشاهدون نهاية مبارة الأهلي والمصري البورسعيدي على شاشات التليفزيون.. ليست النهاية المتعارف عليها بين مشجعي كرة القدم مع صافرة الحكم.. لكنها كانت نهاية حياة 72 شهيدًا من أعضاء «ألتراس» النادي الأهلي على أيدي مجموعة من البلطجية المأجورين، وبمشاركة الكثير والكثير من المتربصين بهذا الكيان، الذي كان -ولا يزال- حجرًا في حلقوم مستبدي الأنظمة التي مرت، وتمر، على مصر حتى الآن.. تذكرت عندما كنت أرى خيرة شباب الوطن يقتلون عمدًا، والجميع من حولي مكتوفو الأيدي، المبارايات التي تغني وهتف فيها «ألتراس أهلاوي» بنشيد: “,”قلناها زمان للمستبد.. الحرية جاية لا بد“,”.. الأجواء الحماسية تملكتني وأنا بين أعضاء الكيان، وشعرت وقتها أنهم يتحدثون بصوتي في هتافاتهم وإخلاصهم لتشجيع ناديهم العريق، ووطنهم في المقام الأول، فمن منا ينكر من واجه الظلم في اللحظات الأولى للثورة؟ من منا لم يستبشر بكلمة “,”الألتراس جاي“,” في أوقات الاشتباكات في الأحداث مع تنحي المخلوع؟ من منا يستطيع أن يزايد على وطنية كل فرد في «الألتراس» أيًّا كان انتماؤه الحزبي والفكري؟ فهم لم يحيدوا يومًا عن مبدئِهم الذي تعاهدوا عليه، وهو النادي والكيان، رغم نظرة النقد الدائمة التي توجه إليهم من المجتمع المصري على أنهم “,”شوية عيال، بلطجية، محدش رباهم، عاملين فيها ثورجية“,”، لكنهم شعار للانضباط والالتزام والإبداع في نفس الوقت، ومثال سنتحدث عنه للأجيال القادمة عن معنى كلمة «الانتماء» للمبدأ والوطن. هذه الديباجة هي مختصر لم أفلح كثيرًا في التعبير به عن معنى كلمة «ألتراس»، التي شاهدتها بعيني في الثورة وخارج الثورة؛ لأنه بعد أيام قليلة، وتحديدًا في 26 يناير الجاري، ستقضي المحكمة بكلمتها في قضية شهداء بورسعيد، الذين تم الغدر بهم أمام الشعب المصري كله بلا رحمة.. ذهبوا إلى بورسعيد، وكل هدفهم تشجيع الفريق، لكنهم عادوا إلى ذويهم في أكفنة بيضاء تلطخها الدماء التي سالت في المدرجات. صحيح أن القضية لا يمكن النظر فيها وتحديد الجناة الحقيقيين لهذه المجزرة بالسرعة المطلوبة، لكنها في الوقت ذاته لا يصح أن تقيد ضد مجهول؛ فالجناة بات يعرفهم العيان؛ لأنهم الآن يسيرون في الشوارع بأيادٍ ملوثة بدماء أبرياء أحرار، ويتحدثون في القنوات التليفزيونية متباهين بأستوديوهاتهم اللامعة، وينشرون الكذب هنا وهناك، ويقفون بزيهم ونظاراتهم السوداء على أبواب إستاد بورسعيد الذي شهد تلك المذبحة البشعة. القضية ليست مجموعة مشجعين قتلهم بلطجية في وطنهم؛ فالحساسيات بين الأندية معروفة، حتى بين الناديين الكبيرين الأهلي والزمالك، ولكل منهما طبقة عريضة من المشجعين، لكن القضية في العدالة الناجزة على الجناة الحقيقيين الذين شاركوا في قتل أبناء وطنهم بلا هوادة، قبل أن يتحول الوطن إلى غابة يبقى فيها من يملك القوة في غياب لمعنى العدالة.. القضية يا سادة في «القصاص».