على الرغم من أن الجالية المصرية في الأردن تعد من أكبر الجاليات في المملكة وتحظى بمكانة خاصة عند الأردنيين ، إلا أنه عندما يحل شهر رمضان الفضيل يزداد حنينها واشتياقها إلى الوطن وإلى الأهل لأن هذا الشهر الفضيل له مذاق خاص في مصر عن باقي الدول الأخرى. فالمصريون في الأردن لايزالون متأثرين بالعادات والتقاليد المصرية خلال شهر رمضان الفضيل ومنها الحرص على صلاة التراويح وقراءة القرأن وتناول الفطور سويا والسحور في مطاعم الفول والفلافل ، ومع ذلك اكتسبوا المزيد من ثقافات الآخرين الموجودين في المملكة وعلى رأسهم الأردنيون والسوريون والفلسطينيون والمغاربة وغيرهم وهو ما يؤكد أن الشعب المصري قادر على التكيف والاندماج بسهولة مع الشعوب العربية الأخرى ، نظرا لطيبته وبساطته ومحبته للآخرين. كما يعد الأردن بلدا كريما ومضيافا لأشقائه العرب وغيرهم من الجنسيات المختلفة ، حيث يعيش على أراضيه مليونان و100 ألف (أردنيون من أصل فلسطيني) إضافة إلى مليون و400 ألف سوري ، وما يزيد على 600 ألف من أفراد الجالية المصرية والآلاف من العراقيين والليبيين واليمنيين وغيرهم من الجنسات الآسيوية والعربية والأجنبية ، علاوة على الشركس الذين هم من أحفاد اللاجئين المسلمين من جراء الغزو القيصري الروسي في القوقاز في القرن التاسع عشر ومجموعة أقل بكثير من الشيشان وأعداد قليلة من السكان الأرمن. وفي هذا الإطار..تقول نجاة أحمد الجوهري (30 عاما) مهندسة اتصالات "أعيش أنا وزوجي في عمان منذ سنوات ، إلا أنه عندما يقدم شهر رمضان نود أن نكون في مصر لأن هذا الشهر له روح خاصة هناك ، أما هنا فالأمر يقتصر على الزيارات العائلية والمعارف مع الحفاظ على الطابع الديني الروتيني والمتعارف عليه". وتضيف نجاة "رمضان يمثل بالنسبة لي تواصلا اجتماعيا وثقافيا ودينيا عن باقي الأيام الأخري لوجود المتسع من الوقت لدى الجميع ، كما أنه همزة وصل لتعارف المصريين مع بعضهم البعض والإطلاع على بعض ثقافات الدول المجاورة وطقوسهم في رمضان واكتساب التقاليد والأعراف التي تتبعها في الشهر الفضيل مثل الأكلات والمشروبات وغيرها". وتتابع "إننا حريصون في رمضان على التنويع ما بين الأكلات المصرية والأردنية والعربية عموما مثل الكبسة والأوزي والمنسف والمسخن الفلسطيني والسلطات الشامية والرقاق المصري والبشاميل ، والالتقاء أيضا مع أصدقائنا من السوريين والأردنيينوالفلسطينيين والمغاربة والشركس لأننا جميعا أخوة علاوة على أن هذا الشهر يوطد العلاقات ويقويها بين الجميع". أما سيد محمود عطية (28 عاما) من مركز إيتاي البارود محافظة البحيرة ويعمل في فندق الميرلاند بعمان منذ العام 2003 يقول إن رمضان في مصر مختلف تماما عن أية دولة في العالم لأن له روحانيات خاصة وطقوس مختلفة. ويضيف عطية وهو حاصل على دبلوم فني صناعي قسم زخرفة إنني أعمل في رمضان فترتين الأول بدءا من التاسعة صباحا وحتى الواحدة ظهرا ثم من الرابعة عصرا حتى الثانية فجرا وهو ما يجعلني لم أشعر بمذاق هذا الشهر قياسا بوجودي في مصر ، ورغم ذلك أحرص على صلاة التراويح وقراءة القرأن والتجمع مع الرفاق أثناء الإفطار. وبدوره .. يقول عبدالكريم محمد عبدالكريم (32 عاما) بكالوريوس شريعة جامعة الأزهر إنني لم أشعر بروحانيات رمضان في الأردن لأنني أعمل بشكل شبه متوصل حيث أبدا في تمام الساعة السادسة صباحا وحتى الثالثة عصرا وبعد تناول الإفطار وأخذ قسط من الراحة أواصل العمل. ويضيف عبدالكريم وهو من مركز كفر صقر محافظة الشرقية ويعمل في المملكة منذ خمس سنوات في أعمال الدهانات "إنني حريص والرفاق المصريين على تناول الإفطار سويا وخاصة الأكلات المصرية التي تشعرنا بوجودنا في المحروسة ومع الأهل والأحباء ، فيما نتناول في السحور الزبادي". أما الجالية المصرية في العقبة – وفقا لهشام محمد عبدالغفار (34 عاما) مدير حجوزات بشركة سياحية - فهي كبيرة ومنتشرة في مختلف القطاعات ، إلا أن معظمها (القطاعات) تعمل خلال الشهر الفضيل مساء نظرا لارتفاع درجات الحرارة خلال ساعات النهار ومنها الإنشاءات ، ومع ذلك يعتبر رمضان فرصة كبيرة للجالية لالتقاط الأنفاس نظرا لانشغال الجميع باعمالهم طول العام حيث يتم تبادل الزيارات والعزائم. ويقول هشام إن العادات والتقاليد المصرية تتشابه إلى حد كبير مع عادات وتقاليد أهالي العقبة خلال شهر رمضان وتتمثل في صلاة التراويح وقراءة القرأن والخروج مساء للنزهة والالتقاء مع الأصدقاء حيث ينتشر في العقبة عدد من المقاهي التي تحمل أسماء مصرية مثل (المصريون – المنصورة –العجوزة). ووفقا لهشام فإن أشهر الأكلات الأردنية والعربية التي يحرص المصريون على تناولها خلال شهر رمضان هي(المقلوبة والمنسف). والمقلوبة من الأكلات الشعبية المشهورة جدا في فلسطين ، تفضلها نساء البيوت لسهولة تحضيرها وسرعة طبخها ، اشتهر بها أهل الساحل على شواطيء البحر الأبيض المتوسط ، الذين كانوا يعتمدون في طعامهم على صيد السمك ؛ حيث كانت تسمى "الصيادية" ، أي "مقلوبة السمك" ، ثم انتشرت بين أهالي المناطق الفلسطينية الجبلية باستخدام الدجاج واللحم ، بدلا من السمك. وسميت المقلوبة بهذا الاسم لأنه يتم وضع اللحم أو السمك أو الدجاج مع الخضار المشكلة في قاع الوعاء الذي تطبخ فيه ثم تقلب عند تقديمها، بحيث يصبح الأرز أسفل الطعام أما الخضار واللحم فيصبح في الأعلى..وكان الناس في الماضي يضيفون الباذنجان أو القرنبيط أو القرع العسلي ثم أصبحوا يستخدمون البطاطس والجزر والفول الأخضر والعديد من أنواع الخضار. وقد انتشرت أكلة المقلوبة بعد انتشار الفلسطينيين في أعقاب نكبة عام 1948؛ حيث تطورت هذه الأكلة ، وتم وضع الخضار والتوابل والبهارات أضاف إليها البعض حب الهال وغيرها ، فيما يتم تقديم اللبن الرايب والسلطات العربية بأنواعها بجانب هذا الطبق. أما المنسف فهو يعتبر أشهر وجبات بادية الشام الواقعة بين سوريا والعراق والأردنوفلسطين ، فيما يعتبر الأردنيون الأشهر بإعداده فهو الطبق الوطني في الأردن ، ويتميز عن باقي أنواع الأكلات العربية باستخدام لبن الجميد الذي يصنع من الحليب بعد تحويله إلى لبن رائب ، وهو يتكون من لحم الضأن مع سائل الجميد والأرز. ويعتبر المنسف الطبق الرسمي في الأردن ويرتبط بالثقافة الأردنية القائمة على الرعي والزراعة ، حيث تعتبر مكونات المنسف متوفرة باستمرار ويعتبر جزءا من التقاليد الأردنية ؛ إذ يقدم في المناسبات المختلفة كولائم الأعراس والعقائق ومناسبات التخرج أو للترحيب بالضيوف ، وفي الأعياد الرسمية مثل عيد الأضحى وعيد الفطر وعيد الميلاد. ويؤكل المنسف بإتباع الطريقة التقليدية ، حيث تلتف جماعة حول طبق كبير واضعين أيديهم اليسرى خلف ظهورهم ويأكلون بأيديهم اليمنى دون استعمال الملاعق ، حيث يعتبر استخدام الملعقة في أكل المنسف غير مقبول حسب التقاليد.