تتجلى العلاقة بين الثقافة والغذاء والعولمة في شهر رمضان الفضيل الذي عرف في مصر وغيرها من أمصار العالم الإسلامي جرعات ثقافية حافلة بالتشويق على موائد الإفطار التي تفنن في إعدادها لفيف من "الآباء الثقافيين" مثل العلامة المصري الراحل محمد محمود شاكر. وكثير من كبار المثقفين المصريين والعرب أطلقوا على الإفطار الرمضاني الذي كانوا يتناولونه في بيت العلامة محمد محمود شاكر اسما دالا وطريفا وهو "طعام أهل الجنة" لما كانت هذه المائدة تتضمنه من ألوان الطعام الشهي. واليوم تدور معركة ثقافية طريفة حول الإفطار الشهي الذي تحاول ثقافات غذائية ان تدلى فيه بدلوها بقدر ما تعبر عن حقيقة العلاقة بين الثقافة والغذاء ..وبين الخصوصية الثقافية الغذائية والغذاء المعولم. وفي الولاياتالمتحدة التي باتت تضم كتلة سكانية كبيرة من المسلمين يتسع نطاق تطبيقات ثورة الاتصالات والعصر الرقمي لتشمل المأكولات الرمضانية و"متاجر اللحم الحلال" وقد تحرص بعض السفارات الأمريكية على إبراز ثقافة المطبخ الأمريكي في حفلات الإفطار التي تنظمها وتتضمن المأكولات الوطنية في الدول التي تقام بها هذه الحفلات. و تحفل الصحافة الثقافية الغربية بعروض لكتب جديدة تتناول بجدية وطرافة معا جوانب متعددة لثقافة الغذاء، وهو شيء مختلف إلى حد بعيد عن كتب المطبخ التي تصدر بالعربية وتحقق مبيعات عالية قد تثير لوعة كبار الكتاب أو الطرق المبتكرة والوصفات المتعددة للمأكولات التي قلما تخلو منها صحيفة أو مجلة عامة أو قناة تلفزيونية. وفى كتابه "الجغرافيا الثقافية" يؤكد مايك كرانج الأستاذ في جامعة "دورهايم" البريطانية على "المعنى الثقافي" للطعام، موضحا أن المأكولات علامات واضحة على الثقافات المختلفة حول الكرة الأرضية. ويضيف انه كثيرا ما يطلب من طلابه ان يتأملوا من أين جاءتهم أخر وجبة لأن اقتفاء اثر كل المواد المستعملة في إنتاج تلك الوجبة يكشف عن علاقة اعتماد على عالم بأسره من العلاقات وشروط الإنتاج. لكن كتاب البروفيسور كرانج لم يتطرق لقصة "البط الدمياطي" في رمضان حيث يندر ان تخلو أي مائدة إفطار في أول أيام الشهر الفضيل بهذه المحافظة المصرية من البط وبما يشكل بامتياز "ثقافة غذائية مميزة لأبناء دمياط" حتى ان النظرة الشعبية لعدم تناول البط في اليوم الأول من رمضان تعني ان هناك شيئا جوهريا مفقودا. والطريف ان ثورة الاتصالات لم تكن بعيدة عن "البط الدمياطي في رمضان" فهاهي بعض المحال المتخصصة في هذه الوجبة الرمضانية تعلن عن منتجاتها على مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة. ولا جدال أن موجة الغلاء التي أفضت لارتفاع أسعار البط الدمياطي أثرت على هذا النوع من الثقافة الغذائية الرمضانية بمشتملاتها من "زبيب وخضار وزيت طعام" فيما تتفنن بعض الصحف ووسائل الإعلام العربية في عرض الوصفات الرمضانية حتى ان بعضها ينشر طرق مبتكرة لتقديم "شوربات رمضانية متنوعة" من المطابخ الأوروبية مع الشرح الكامل لسبل أعدادها . فإذا كانت المائدة الرمضانية تحوى أنواعا تقليدية من الحساء مثل "شوربة الدجاج " و"شوربة الخضار" و"شوربة العدس" فان المطابخ الأوروبية لا تخلو من أنواع حساء ملائمة لشهر رمضان مثل "شوربة الكوسة" من المطبخ الفرنسي و"شوربة مينسترونى" من المطبخ الايطالي و"شوربة الملفوف" من المطبخ الروسي فضلا عن "شوربة الجزر والكرفس" من المطبخ الأسباني . ومن القواعد الرمضانية المتوارثة لدى الكثير من الصائمين بدء الإفطار بتناول الحساء بعد التمر والماء فيما تعتبر الطريقة الأمثل لأمعاء الصائم الخاوية لأن البدء بسوائل يريح المعدة بعد ساعات طويلة من الصيام ويجهزها للأطباق الرئيسة. وفى ظل العولمة أضحت كل نكهات العالم في شوارع المدن الكبرى وتنتشر المطاعم القادمة بمطابخ ما وراء البحار فيما يتأمل مايك كرانج مؤلف كتاب الجغرافيا الثقافية فيما يسميه "بتسويق تداعيات معاني المكان". ويرى مايك كريج ان مطاعم مدينة مثل نيويورك تشكل مكانا للتدفقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية مضيفا :"المطعم كمكان تحدث فيه المنتجات الثقافية وتتكاثر وتتخطى الحدود القومية" فيما يتوقف مليا أمام سلاسل مطاعم المأكولات السريعة التي تعبر عن الثقافة الأمريكية. وفى المقابل فان بعض العقول التي تعمل في ثقافة الغذاء بالمعنى الواسع في مصر والعالم العربي عمدت للتركيز على الأكلات المصرية والشرقية في مطاعم بدت وكأنها نوع من الاستجابة لتحدى انتشار ثقافة المأكولات السريعة. وتنزع هذه المطاعم التي ترفع شعار الأصالة و"أكل زمان" لاختيار مسميات مصرية وشرقية خالصة بل ان بعضها يستعير أسماء أماكن وشخصيات وردت في أعمال لكبار الكتاب المصريين والعرب وخاصة أديب نوبل نجيب محفوظ دون ان تتنازل عن الاستفادة بمنجزات الحداثة مثل التواصل الالكتروني عبر شبكة الانترنت مع الزبائن الذين تهفو بطونهم "لطاجن عكاوي أو بطاطس باللحمة أو بط محشو ناهيك عن الأرز المعمر". وإذا كان الصينيون لم يغفلوا حتى عن صناعة "فانوس رمضان" وتصديره للدول العربية فلن يكون من المثير للدهشة ان ثقافة الغذاء الصيني باتت طرفا في الإفطار الرمضاني حيث تتنافس المطاعم الصينية في جذب الزبائن من الصائمين للإفطار على موائدها في كثير من المدن العربية. وهكذا تدور معركة محتدمة وطريفة ودالة بين "المحاشى المصرية" و"الفتة الشامية" و"الكسكسى المغربي" و"المنسف الأردني" و"المقلوب الفلسطيني" و"الجريش السعودي" و"الدولما العراقية" و"الحريرة التونسية" من جانب وبين المأكولات الصينية مثل "لفائف الديم سوم" أو "الديم سوم سوشى" و"العجائن بالجمبري". وبالذكاء التجاري والتسويقى الصيني-لم تنس المطاعم الصينية المنتشرة في العالم العربي التمور في شهر الصيام جنبا إلى جنب مع المقبلات المتعددة و"لفائف سبرينج رول" ناهيك عن الشاي الصيني بنكهات عديدة من الأعشاب والزهور البرية و"حلوى كانتون" وحتى "النارجيلة" للمدخنين. ولم لا ؟!..أليس الطعام- كما يقول مؤلف كتاب الجغرافيا الثقافية-يعتبر دون شك البضاعة المستهلكة الجوهرية إلى ابعد حد والجزء الأساسي والضروري من حياتنا إلى أقصى حد؟!..لكن هل تحول العالم حقا إلى "عصير من الثقافات أم ان هناك من يستأثر بصنع النسبة الغالبة في هذا العصير الثقافي"؟!..صوما مقبولا وإفطارا شهيا!. تتجلى العلاقة بين الثقافة والغذاء والعولمة في شهر رمضان الفضيل الذي عرف في مصر وغيرها من أمصار العالم الإسلامي جرعات ثقافية حافلة بالتشويق على موائد الإفطار التي تفنن في إعدادها لفيف من "الآباء الثقافيين" مثل العلامة المصري الراحل محمد محمود شاكر. وكثير من كبار المثقفين المصريين والعرب أطلقوا على الإفطار الرمضاني الذي كانوا يتناولونه في بيت العلامة محمد محمود شاكر اسما دالا وطريفا وهو "طعام أهل الجنة" لما كانت هذه المائدة تتضمنه من ألوان الطعام الشهي. واليوم تدور معركة ثقافية طريفة حول الإفطار الشهي الذي تحاول ثقافات غذائية ان تدلى فيه بدلوها بقدر ما تعبر عن حقيقة العلاقة بين الثقافة والغذاء ..وبين الخصوصية الثقافية الغذائية والغذاء المعولم. وفي الولاياتالمتحدة التي باتت تضم كتلة سكانية كبيرة من المسلمين يتسع نطاق تطبيقات ثورة الاتصالات والعصر الرقمي لتشمل المأكولات الرمضانية و"متاجر اللحم الحلال" وقد تحرص بعض السفارات الأمريكية على إبراز ثقافة المطبخ الأمريكي في حفلات الإفطار التي تنظمها وتتضمن المأكولات الوطنية في الدول التي تقام بها هذه الحفلات. و تحفل الصحافة الثقافية الغربية بعروض لكتب جديدة تتناول بجدية وطرافة معا جوانب متعددة لثقافة الغذاء، وهو شيء مختلف إلى حد بعيد عن كتب المطبخ التي تصدر بالعربية وتحقق مبيعات عالية قد تثير لوعة كبار الكتاب أو الطرق المبتكرة والوصفات المتعددة للمأكولات التي قلما تخلو منها صحيفة أو مجلة عامة أو قناة تلفزيونية. وفى كتابه "الجغرافيا الثقافية" يؤكد مايك كرانج الأستاذ في جامعة "دورهايم" البريطانية على "المعنى الثقافي" للطعام، موضحا أن المأكولات علامات واضحة على الثقافات المختلفة حول الكرة الأرضية. ويضيف انه كثيرا ما يطلب من طلابه ان يتأملوا من أين جاءتهم أخر وجبة لأن اقتفاء اثر كل المواد المستعملة في إنتاج تلك الوجبة يكشف عن علاقة اعتماد على عالم بأسره من العلاقات وشروط الإنتاج. لكن كتاب البروفيسور كرانج لم يتطرق لقصة "البط الدمياطي" في رمضان حيث يندر ان تخلو أي مائدة إفطار في أول أيام الشهر الفضيل بهذه المحافظة المصرية من البط وبما يشكل بامتياز "ثقافة غذائية مميزة لأبناء دمياط" حتى ان النظرة الشعبية لعدم تناول البط في اليوم الأول من رمضان تعني ان هناك شيئا جوهريا مفقودا. والطريف ان ثورة الاتصالات لم تكن بعيدة عن "البط الدمياطي في رمضان" فهاهي بعض المحال المتخصصة في هذه الوجبة الرمضانية تعلن عن منتجاتها على مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة. ولا جدال أن موجة الغلاء التي أفضت لارتفاع أسعار البط الدمياطي أثرت على هذا النوع من الثقافة الغذائية الرمضانية بمشتملاتها من "زبيب وخضار وزيت طعام" فيما تتفنن بعض الصحف ووسائل الإعلام العربية في عرض الوصفات الرمضانية حتى ان بعضها ينشر طرق مبتكرة لتقديم "شوربات رمضانية متنوعة" من المطابخ الأوروبية مع الشرح الكامل لسبل أعدادها . فإذا كانت المائدة الرمضانية تحوى أنواعا تقليدية من الحساء مثل "شوربة الدجاج " و"شوربة الخضار" و"شوربة العدس" فان المطابخ الأوروبية لا تخلو من أنواع حساء ملائمة لشهر رمضان مثل "شوربة الكوسة" من المطبخ الفرنسي و"شوربة مينسترونى" من المطبخ الايطالي و"شوربة الملفوف" من المطبخ الروسي فضلا عن "شوربة الجزر والكرفس" من المطبخ الأسباني . ومن القواعد الرمضانية المتوارثة لدى الكثير من الصائمين بدء الإفطار بتناول الحساء بعد التمر والماء فيما تعتبر الطريقة الأمثل لأمعاء الصائم الخاوية لأن البدء بسوائل يريح المعدة بعد ساعات طويلة من الصيام ويجهزها للأطباق الرئيسة. وفى ظل العولمة أضحت كل نكهات العالم في شوارع المدن الكبرى وتنتشر المطاعم القادمة بمطابخ ما وراء البحار فيما يتأمل مايك كرانج مؤلف كتاب الجغرافيا الثقافية فيما يسميه "بتسويق تداعيات معاني المكان". ويرى مايك كريج ان مطاعم مدينة مثل نيويورك تشكل مكانا للتدفقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية مضيفا :"المطعم كمكان تحدث فيه المنتجات الثقافية وتتكاثر وتتخطى الحدود القومية" فيما يتوقف مليا أمام سلاسل مطاعم المأكولات السريعة التي تعبر عن الثقافة الأمريكية. وفى المقابل فان بعض العقول التي تعمل في ثقافة الغذاء بالمعنى الواسع في مصر والعالم العربي عمدت للتركيز على الأكلات المصرية والشرقية في مطاعم بدت وكأنها نوع من الاستجابة لتحدى انتشار ثقافة المأكولات السريعة. وتنزع هذه المطاعم التي ترفع شعار الأصالة و"أكل زمان" لاختيار مسميات مصرية وشرقية خالصة بل ان بعضها يستعير أسماء أماكن وشخصيات وردت في أعمال لكبار الكتاب المصريين والعرب وخاصة أديب نوبل نجيب محفوظ دون ان تتنازل عن الاستفادة بمنجزات الحداثة مثل التواصل الالكتروني عبر شبكة الانترنت مع الزبائن الذين تهفو بطونهم "لطاجن عكاوي أو بطاطس باللحمة أو بط محشو ناهيك عن الأرز المعمر". وإذا كان الصينيون لم يغفلوا حتى عن صناعة "فانوس رمضان" وتصديره للدول العربية فلن يكون من المثير للدهشة ان ثقافة الغذاء الصيني باتت طرفا في الإفطار الرمضاني حيث تتنافس المطاعم الصينية في جذب الزبائن من الصائمين للإفطار على موائدها في كثير من المدن العربية. وهكذا تدور معركة محتدمة وطريفة ودالة بين "المحاشى المصرية" و"الفتة الشامية" و"الكسكسى المغربي" و"المنسف الأردني" و"المقلوب الفلسطيني" و"الجريش السعودي" و"الدولما العراقية" و"الحريرة التونسية" من جانب وبين المأكولات الصينية مثل "لفائف الديم سوم" أو "الديم سوم سوشى" و"العجائن بالجمبري". وبالذكاء التجاري والتسويقى الصيني-لم تنس المطاعم الصينية المنتشرة في العالم العربي التمور في شهر الصيام جنبا إلى جنب مع المقبلات المتعددة و"لفائف سبرينج رول" ناهيك عن الشاي الصيني بنكهات عديدة من الأعشاب والزهور البرية و"حلوى كانتون" وحتى "النارجيلة" للمدخنين. ولم لا ؟!..أليس الطعام- كما يقول مؤلف كتاب الجغرافيا الثقافية-يعتبر دون شك البضاعة المستهلكة الجوهرية إلى ابعد حد والجزء الأساسي والضروري من حياتنا إلى أقصى حد؟!..لكن هل تحول العالم حقا إلى "عصير من الثقافات أم ان هناك من يستأثر بصنع النسبة الغالبة في هذا العصير الثقافي"؟!..صوما مقبولا وإفطارا شهيا!.