نشر المرشح الرئاسي المشير عبد الفتاح السيسي برنامجه الانتخابي الذي تضمَّن العديد من المحاور والرؤى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجاء على النحو التالي: الرؤية السياسية في عهد جديد ينتظر مصر ومستقبل أفضل يتوقعه المصريون يصبح من حق المواطن المصري أن يطمئن تماما إلى سيادة مبدأ المساواة والمواطنة، فيضمن حياد مؤسسات الدولة كلها، وحرصها على الفصل بين الدولة والنظام السياسي الحاكم رئيسًا وحكومة وأحزابا، بحيث تقدم الدولة خدماتها لجميع المواطنين على أساس العدالة والمساواة الكاملة بينهم بصرف النظر عن انتمائهم السياسي أو عقيدتهم الدينية أو غير ذلك من الفروق الطبيعية بين الأفراد. في هذا العهد الجديد لا بد أن تنطلق عملية جادة لإعادة بناء مصر ومراجعة طريقة حكمها وأسلوب إدارتها والعمل على إصلاح المؤسسات العامة بعد أن أصابها الترهل والرتابة، كي تستعيد كفاءتها وتقوم بتطوير أجهزتها الإدارية وتحديثها حتى تصبح قادرة على القيام بمسئولية النهوض بمصر الحديثة. وهو ما يتطلب إصلاحات جذرية لكنها ضرورية لا مفر منها الآن بعد أن أعلن الشعب المصري رفضه لسياسة المسكنات، وترحيل المشكلات التي طالما عانى منها على مدى عدة عقود، كما أنه يرفض هيمنة أي فصيل حزبي على أجهزة الدولة ومؤسساتها للسيطرة عليها، فمصر للجميع دون أي إقصاء أو استبعاد أو تهميش أو تمييز. أن عملية إعادة البناء ومسيرة الإصلاح تتطلب منا الصبر والتحدي فلم يعد أمامنا بديل بعد أن قرر الشعب المصري عبر ثوريته تصميمه على بناء مصر التي تليق به وبتاريخه. 1-تعتمد آليات التقدم الحضاري على التراكم في التجارب والخبرات، والتكامل بين المراحل التاريخية المتعاقبة، مما يجعل من تصحيح الأخطاء ضرورة حتمية قد تستلزم إحداث قطيعة مع بعض الممارسات والسلبيات في تاريخنا المعاصر. ولكن الإيمان بنضال الشعب المصري من أجل التحرر من الاستعمار وبناء الدولة الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية كان هو الدافع الأساسي لثورتي 1919 و1952، وما سبقهما ولحقهما من ثورتين شعبيتين أصبحت علامات مضيئة في تاريخ مصر الحديث، على أن الإيمان بالقيم المدنية والديمقراطية التي بشرت بها هذه الثورات لا يعني إنكار ما وقعت فيه من أخطاء في الممارسة والعمل على تصويبها، ومع الإيمان بالنظام الجمهوري الذي بنته ثورة يوليو ودور قائدها جمال عبد الناصر في قيادة قضايا التحرر الوطني لشعوب العالم الثالث كله وتحقيقه قدرا عاليا من العدالة الاجتماعية فإن ذلك لا يعني تجاهل أهمية الارتكاز على مبادئ الديمقراطية وتداول السلطة في بناء نظام سياسي ناجح. 2-إن الثورة طريق لتحقيق التقدم والتنمية والرخاء، وقد تبلورت طموحات الشعب المصري وتطلعاته العادلة بما يجعل من اللازم تحويل طاقة الاحتجاج ورفض الظلم التي فجرها الشعب المصري إلى طاقة عمل وإنتاج وبناء قادرة على أن تنقل البلاد نقلة حضارية واجتماعية حاسمة. فتجارب التغيير الناجحة هي التي تقدم البدائل السياسية والاجتماعية التي تستجيب لتطلعات الشعوب وضرورات المستقبل. 3-النظام الجمهوري الديمقراطي كما ترسخ في الدساتير المصرية هو أساس نظام الحكم في مصر، والجمهورية منظومة من القيم والمبادئ وليست مجرد شكل سياسي، فهي تعتمد على الحرية والمساواة والعدالة والاستقلال الوطني والالتزام بالقيم الدينية التي توافق عليها المصريون، وقد طوت صفحة الملكية دون رجعة، وتأسست نظما اتسعت لمشروعات جمال عبد الناصر وأنور السادات، لكنها تكلست ووقفت بعد ذلك دون أن تتقدم لتحقيق الديمقراطية، وهي تعود الآن لاستئناف مسيرتها وتقاليدها واستكمال أطرها، ومن هنا رفض الشعب مشروع التوريث الذي تم فيه اختطاف الدولة لحساب فئة أو طبقة أو مجموعة مصالح كما رفض محاولة خطفها وتفكيكها لصالح مشروع لا ينتمي للثوابت الوطنية الراسخة. كما أن روح النظام الجمهوري هي الحفاظ الكامل على تطبيق جميع مبادئ الدستور وسن القوانين المنفذة لها، مما يتطلب استكمال عملية البناء الديمقراطي على اعتبار أن ضمان استقرار مصر وتطورها لن يتم بالحفاظ على المؤسسات فحسب، بل باحترام هذه المؤسسات للدستور ومبادئ دولة القانون دون أي خروج عليه أو انتهاك لقيمه أو استئثار لفصيل أو طبقة دون أخرى. أن العمل على استكمال عملية التحول الديمقراطي لضمان الاستقرار السياسي وتداول السلطة والعدل الاجتماعي لن يتحقق دون معارضه قوية وأحزاب سياسية قادرة ومستقلة ومؤثره في اتخاذ القرار والمشاركة بجدية في رسم سياسات الحاضر والمستقبل. 4-ضرورة الوعي بأن أخطر ما يمكن أن تتعرض له دولة مثل مصر يعيش على أرضها نحو 90 مليون نسمة تواجه تهديدات من الداخل وعلى الحدود هو أن تسقط في براثن الفشل، وتعجز عن تحقيق الحد الأدنى المطلوب من الأمن والتنمية والعدالة لمواطنيها، بل أن هذا الخطر وصل في بعض البلاد العربية إلى حد انهيار الدولة وتفككها وسقوطها في هوة الحرب الأهلية. على أن مواجهة هذا الخطر لن تكون بمنع الاختراقات والإملاءات الخارجية فحسب، بل ببناء مشروع وطني ديمقراطي يعمل على تسريع إيقاع تحديث الدولة ومؤسساتها حتى تستطيع مواجهة التحديات من الداخل والخارج. ولن يتم التحديث الحقيقي سوى باعتبار العنصر البشري هو القاطرة الحقيقية للتقدم، والاستثمار فيه استحقاق ينجزه الوطن بتعليمه ورعايته صحيا ومجتمعيا وتفجير طاقات الإنتاج والإبداع لديه، وخلق بيئة مناسبة للعمل تحفظ حقوق الجميع وتضع قواعد للثواب والعقاب فتحاسب المقصر وتكافئ المجتهد، واعتبار كل ذلك ركائز النظام المجتمعي، مع تعقب مواطن الفساد ومحاربتها وفق قواعد قانونية منضبطة. 5-العمل لتكون الجمهورية الديمقراطية دولة قانون ومؤسسات بمشاركة كل الاتجاهات في العملية السياسية وبتداول للسلطة يتم في إطار دستوري وقانوني يكون مكفولًا للجميع. والمعارضة السلمية وحق الاختلاف والتظاهر السلمى أمر مصون بحكم الدستور والقانون لا يستثنى من ذلك إلا الممارسين والمحرضين على العنف ومن ينتهكون السلمية، معتبرين أنفسهم فوق الدولة والدستور والقانون. إن مصر لن تبني إلا بتكاتف أبنائها من مختلف الاتجاهات، ونبذ العنف ومحاربة الإرهاب وعدم التستر عليه، وقبول الاختلاف بين الرأي والرأي الآخر وترسيخ ثقافة وأدب الاختلاف، إن باب المصالحة الوطنية سيظل مفتوحا لكل من لم تتلطخ يداه بالدماء ولم يمارس العنف أو يحرض عليه، إن مصر للجميع وفوق الجميع. 6-حفظ وحدة النسيج الاجتماعي المصري بعد حالة الاستقطاب الشديد التي تعرض لها المجتمع، وتعرضه لانقسامات عديدة بين الاتجاهات المختلفة، كما يجب الوقوف في مواجهه خطاب الانتقام الفردي أو المحاسبة خارج إطار القانون والتي في حال حدوثها لا قدر الله فمن شأنها أن تقضي على تماسك المجتمع ووحدته ومستقبل الأجيال القادمة، وأن من استخدم العنف والترويع، ومارس الإرهاب واستهدف رجال الشرطة والقوات المسلحة والمواطنين فإن محاسبته بكل حسم ستكون في إطار الدستور. 7-تشجيع الكفاءات والعمل على تنمية مهارات الشباب والمرأة وزيادة خبراتهم حتى يستطيع المجتمع تمكينهم، وإعطاءهم الفرص المتساوية على ضوء معايير الكفاءة والعمل والعطاء التي يتم على أساسها صعود الشباب وغيرهم في السلم الاجتماعي والمهني والإداري للبلاد. الرؤية الاقتصادية إن الاقتصاد المصري المنشود لا بد أن يرتكز في المرحلة القادمة على عدة دعائم أساسية تبلور طموحات المواطن في العيش الكريم والتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يقتضي استغلال كل الموارد في تحقيق الرخاء وإنصاف الطبقات المحرومة وخلق فرص العمل وتقليص الفقر وتوزيع عادل لثمار التنمية في الإطار الذي حدده الدستور وانتهت إليه الخبرة المصرية في اختبار صلاحية مختلف النظم الاقتصادية وتطويعها لتلاءم حاجات الشعب ومقتضيات المرحلة التاريخية الراهنة. وتحتاج مصر في هذه المرحلة إلى بناء نظام اقتصادي يحقق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية معًا، وهو ما ينبغي أن يقوم على نظام تنموي مختلف عن النموذج التنموي المعيب الذي أدى إلى تصاعد الفقر وتراجع الخدمات للمواطنين، وقد منح هذا النموذج امتيازات لأصحاب رءوس الأموال دون الأخذ في الحسبان أحوال المواطن العادي وحقوقه، واعتمد بشكل مبالغ فيه على آليات السوق دون اتخاذ الإجراءات الفعالة التي من شأنها ضبط قوى السوق أو منع الاحتكار أو الفساد أو الحد من الفقر المدقع. وبالتالي لم يسهم ارتفاع معدلات النمو في إحداث أي تحسن ملموس في حياة غالبية الشعب المصري. إن هدف أي اقتصاد ناهض هو خدمة المواطن والتكريس لحياة أفضل له باعتبار أن حقوق المواطن الاقتصادية تقع في صدارة حقوقه الأصيلة. إن التفكير في خلق اقتصاد قوى يتطلب استغلال كل مواردنا البشرية والجغرافية والطبيعية والثقافية -وهي هائلة لو أحسنا استغلالها واستثمارها- من أجل رخاء الوطن والمواطن، وهنا يجب الأخذ في الاعتبار العوامل الآتية: - لا يجب اعتبار الزيادة السكانية مجرد عبء يعوق حركة التنمية، بل لا بد من النظر إليها باعتبارها رأسمال اجتماعي دافع للنمو ومحفز عليه، لما يتمتع به هذا الشعب من مقومات التفوق والعطاء، متى تهيأ له التعليم الجيد والتدريب المناسب وفرص العمل المواتية، بما يحيل الزيادة السكانية إلى رافد لا ينضب من الطاقات البشرية الخلاقة. - عندما ندرك أننا نعيش على نسبة لا تتعدى 6% من مساحة الوطن نستطيع أن نتصور حجم الموارد المهدرة، وأن نأخذ بجدية كبيرة مشروعات الخروج من الشريط الضيق لوادي النيل وغزو الصحراء حتى نصل تدريجيا إلى استغلال كامل مساحة الوطن في الحياة والعمل واستثمار الثروات الطبيعية في إطار مفهوم العدالة الجغرافية، بما يتطلب إعادة توزيع التركيبة السكانية والكثافة العمرانية لمختلف المناطق الإقليمية على امتداد المساحة الجغرافية لمصر. أن التخطيط للخروج من الوادي وصنع مجتمعات جديدة وإحداث توازن اقتصادي واجتماعي على كامل ربوع الوطن لا يتحقق بين عشية وضحاها ولكنه بحاجة إلى تخطيط طويل الأجل. وفي الوقت نفسه علينا أن لا نغفل عن مشكلات ملحّة للمواطن يعانيها منذ عدة عقود لا بد لها من حلول سريعة وحاسمة دون أن تكون خصمًا من استعدادنا للمستقبل. - إذا ألقينا نظرة سريعة على خارطة مصر التي تمتلك أطول السواحل المطلة على البحرين المتوسط والأحمر فضلًا عن الشواطئ النيلية وضفتي قناة السويس، لتبينا أن استثمار هذه السواحل في المجالات المختلفة يتيح لنا فرصًا عريضة لتنمية الدخل القومي. - ولا بد من الاستفادة من وسائل التقدم التكنولوجي في رصد مخزون المياه الجوفية في الصحراء واستغلاله الاستغلال الأمثل. - إن الثروات الطبيعية المهدرة في مصر عبر عشرات السنين، مع عدم توافر الخبرة الفنية وإمكانيات التصنيع والأيدي العاملة، جعلتنا نعتاد على تصديرها كمواد أولية، مما أضاع علينا فرصا ثمينة في الاستغلال الأمثل لها، وقد أن الأوان لكي نتبع استراتيجية رشيدة تحول دون هذا الإهدار بإقامة المصانع وتشغيل العاملين وجلب أقصى فرص لاستثمار هذه الثروات على أرضنا، مما يعطى الإمكانية القصوى للاستفادة منها، كما حان الوقت الذي نستغل فيه الطاقات العلمية عندنا للدخول في مجال التنقيب عن هذه الثروات بالشراكة مع المؤسسات العالمية الكبرى، مما يتطلب تصحيح منظومة التعامل معها، وإتباع سياسة رشيدة تحقق أكبر نفع منها لهذا الجيل دون عدوان على حق الأجيال القادمة فيها. - إن منجزات مصر الثقافية والحضارية والفنية هي أكبر ثروة من نوعها في تاريخ البشرية يمتلكها شعب قادر على الإبداع المستمر من آلاف السنين، ولا بد لنا من استثمار هذه الثروات الموروثة عن أبائنا وأجدادنا وكذلك الإبداعات الفنية والأدبية والثقافية لهذا الجيل والأجيال القادمة، وعلينا أن نتذكر مثلا أن صناعة السينما والغناء – في زمن غير بعيد – كانت المصدر الثاني للدخل القومي بعد محصول القطن، ومن ثم لا يجوز أن نهدر هذه الثروات الطائلة من ناحية ودورها الفعال في تشكيل القوة الناعمة لمصر والداعمة لتأثيرها ومكانتها في محيطها الإقليمي والدولي. وليس من الممكن استغلال هذه الموارد جميعًا إلا بتشجيع الاستثمار في كل المجالات بحوافز حقيقية وبيئة أعمال جاذبه، فالاستثمار هو السبيل لخلق فرص عمل مستدامة وزيادة الناتج القومي الإجمالي ونصيب الفرد منه. ولا بد من البدء الفوري في مشروعات تنموية كبرى لتحقيق نتائج سريعة. وفي ذلك يجب أن تستغل مصر كل مواردها وقواها السياسية وعلاقاتها العربية والإفريقية والدولية، وسوف ندعو إلى تعبئة الجهود الدولية لدعم الاقتصاد المصري وفق خطة مصرية مكتملة الجوانب طارحة لفرص الاستثمار المتعددة والمشروعات المشتركة والقوانين المنظمة للتعاون الاقتصادي. الرؤية الاجتماعية: فرضت التجربة التاريخية على مصر أن تكون العدالة الاجتماعية ورفع مستوى الطبقات الفقيرة ومحاربة الجهل والمرض والبطالة من أهم مطالب الثورات المتتالية، ولا يكفي لتحقيق الحراك الاجتماعي رفع الأصوات للمناداة به كشعارات براقة فقط، بل لا بد من ضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية واستثمار البرامج العلمية في التنمية والعناية الفائقة بجودة التعليم والتدريب وضمان التأمين الصحي الشامل على النحو الذي كفله الدستور المصري وأوجب على الدولة رعايته. وتنطلق الرؤية الاجتماعية للبرنامج من إدراك واضح لحقيقة الأوضاع في مصر، حيث يعيش قرابة نصف المصريين يعانون من الفقر بدرجات متفاوتة، ومن هنا فإن الانحياز الحاسم لهؤلاء والسعي لرفع مستواهم في الدخول والخدمات بالبدء في توفير حد الكفاية لهم والعمل على صعودهم التدريجي إلى مستوى الطبقات الأعلى بأقصى سرعة ممكنة، وهو الهدف الذي ينبغي تدبير الآليات والنفقات والجهد المنظم للقيام به. لا يمكن أن يستقر السلام الاجتماعي مع هذه الفوارق الشاسعة بين دخول الأفراد ومستوياتهم المعيشية، ولا بد أولا من إزالة التشوهات الهيكلية في الضمان الاجتماعي والرواتب المنتظمة والمساكن العشوائية والعجز الواضح في المدارس والجامعات والنقص المخيف في الخدمات الطبية حتى يمكن أن تتمدد الطبقة الوسطى بارتياح لتشمل تحت مظلتها المساحة العريضة من خارطة السكان، مع إعطاء الأولوية القصوى للمناطق المهمشة والقرى النائية في الصعيد والمدن المحرومة من البنية الأساسية، علينا أن نعيد بناء مصر بجهد أبنائها وتكريس كل طاقاتهم في التعمير والإنشاء لتحويل الحياة إلى المستوى العصري اللائق في البنية الأساسية والخدمات والمرافق والمنشآت التعليمية والصحية والأمنية وغيرها مما تتطلبه الحياة العصرية اللائقة. إن جوهر رؤيتنا الاجتماعية تقوم على إدراكنا أن أي مجتمع مستقر وناهض في تاريخ البشر هو الذي تتمدد فيه الطبقة الوسطى وتمثل أغلبيته، وكلما ازدادت واتسعت هذه الطبقة ازداد الاستقرار والأمان والطمأنينة والنهوض لهذا المجتمع، وكلما تقلصت هذه الطبقة ازداد التوتر والقلق. الرؤية الثقافية إن مشكلة مصر في العوائق التي برزت في الآونة الأخيرة خلال تجربة التحول الديمقراطي بعد الثورة وهي مشكلة ثقافية في جوهرها، لأن بناء العقل المصري عبر التعليم والإعلام شابه قصور ثقافي فادح، فاعتمد على التلقين الديني الموجه الغافل عن التنمية الوجدانية والفكرية والإبداعية والعلمية، فأصبح من السهل استغلال المشاعر الدينية لتغذية الطموح السياسي للسلطة والتلاعب بالمشاعر الطيبة للجماهير وابتزازها باسم الدين، ولولا وجود القاعدة العلمية السليمة في مصر متمثلة في الأزهر الشريف باتجاهه الوسطى المستنير، ولولا أن أهم ما تمتلكه مصر عبر تاريخها الحديث والقديم هو قواها الناعمة التي تمكنت من مد أثرها ونفوذها الأدبي خارج حدودها سواء في ريادتها النهضوية لمحيطها العربي أو قيمتها الحضارية على المستوى الإنساني، لولا ذلك لوقعت مصر في براثن الدولة الفاشية. ومن الواضح أن تهاون مصر في تنمية الأبعاد العلمية والفنية لثقافتها القومية في العقود الماضية هو الذي أدى إلى استفحال تيار الاستغلال الديني في السياسة، ولا يمكن لمصر الحديثة أن تقع في هذا التقصير مرة أخرى، بل عليها أن ترتكز على منجزها الحضاري في الآثار والفنون والآداب والعلوم الطبيعية والإنسانية والإبداع بكل أشكاله كي تسترد مرة أخرى احترام الشعوب الصديقة وتستعيد دورها في المحيط العربي والإفريقي والدولي. وهو أمر يتكامل مع التزامها بمبادئ الدين ومكارم الأخلاق. ونؤكد أن أهم ما تمتلكه مصر عبر تاريخها هي قواها الناعمة التي تمكنت من مد تأثيرها خارج حدودها في كل العصور فربطت الوجدان الإنساني بحضارة المصريين التي نهل العالم كله بثقافاته المتعددة منها. إننا ندرك أننا في العقود الماضية قد تخلينا عن دعم هذه القوى فباتت تترنح عاجزة عن أداء دورها في تنوير شعبها ومد أثرها خارج حدودنا، ولا يمكن لتقدم أن يتحقق دون أن تكون هذه القوى الناعمة في قلب المعركة تشعل شرارات تنير العقول وتشكل وجدان الأجيال على الملامح الأصيلة للشخصية المصرية المعتادة على التسامح وقبول الاختلاف وإظهار وجهها الحضاري المنير وتصحيح بعض الصور السلبية عنها. إن الصراع الدائر على الأرض ليس صراعًا سياسيًّا فحسب، ولكنه في العمق صراع ثقافي بامتياز بين جماعات تنشر التخلف والارتداد الحضاري وبين هذا المجتمع الذي يتوق نحو التقدم والرقي الإنساني والاجتماعي. لقد أظهر الإنسان المصري جوهره الحقيقي في 25 يناير و30 يونيو، حيث هب عن بكرة أبيه للدفاع عن هوية دولته والحفاظ على المقومات الأساسية للشخصية المصرية وتأكيد حقّه الضروري في الحرية الفكرية والاستمتاع بالفنون الراقية والعلوم المتقدمة خارج دائرة الوصاية والترهيب، والدفاع عن حق مؤسساته الإعلامية في أن تقدم الوجه الحضاري الراقي لمظاهر حياته وإبداعه، وعلى دور الدولة المصرية في التنمية الثقافية والاستثمار الأمثل لها في الإنسان والمنشآت والمتاحف والمسارح ودور السينما بالاهتمام ذاته الذي توليه معاهد العلم ومنارات الحضارة التي ستظل مرفوعة في ربوع مصر الحبيبة. لمشاهدة تفاصيل البرنامج كاملًا اضغط هنا: