الدكتور خالد العناني يتحدث ل«البوابة» * فوزي يمثل شهادة ثقة من العالم في رؤية مصر وفي قدرتنا على قيادة منظمة بحجم اليونسكو * رسالتي هي أن نُعيد للمنظمة روحها الأولى وأن تكون بيتًا عالميًا للعقل والضمير يقود نحو مستقبل أكثر عدلًا وجمالًا للإنسانية جمعاء * أولويات المرحلة المقبلة تتمحور حول الإنسان والمعرفة والسلام من خلال أربعة محاور رئيسية: التعليم.. الثقافة والتراث.. العلم والابتكار.. السلام وبناء الجسور الثقافية * الحملة الانتخابية كانت ملحمة عمل حقيقية امتدت لأشهر طويلة قادتها الدولة المصرية بكل مؤسساتها * كان هدفنا أن نُثبت أن مصر لا تسعى إلى المنصب من أجل نفسها لكن لتضع خبرتها التاريخية في خدمة العالم * قدمنا مشروعًا متكاملًا لإعادة الحيوية إلى اليونسكو وركزنا على «إنسانية المنظمة» * النتيجة التي تحققت كانت ثمرة جهد جماعي مصري وعربي وإفريقي وعالمي * اليونسكو ستكون شريكة في بناء عالمٍ أكثر وعيًا وعدلًا وسلامًا * أمامنا تحديدات كثيرة أبرزها المناخ السياسي الدولي المعقد وانسحاب بعض الدول * دورنا في اليونسكو هو أن نربط العلم بالضمير * سنقدّم مبادرات تركز على التعليم البيئي في مؤتمر COP30 بالبرازيل * رسالة اليونسكو أكبر من أي انسحاب.. وقوة المنظمة الحقيقية تكمن في تنوع أعضائها وتكاتفهم * رسالتي للشباب أنتم لستم مستقبل العالم فقط.. أنتم حاضره النابض
في حدث استثنائي شهده يوم السادس من أكتوبر «يوم النصر»، فاز الدكتور خالد العناني بمنصب مدير عام اليونسكو، ليسجل انتصارًا جديدًا للدولة المصرية، ويصبح أول مصري وأول عربي يتولى هذا المنصب رفيع المستوى.. جاءت نتيجة التصويت غير المسبوقة، تتويجًا لمسيرة ممتدة من العمل الدبلوماسي المصري، وحصادًا لجهود حملة انتخابية دقيقة ومنظمة، قادتها وزارة الخارجية المصرية على مدار ثلاثين شهرًا من التخطيط والمتابعة، تحت توجيه مباشر من الرئيس عبد الفتاح السيسي. بعد إعلان فوز العنانى بالمجلس التنفيذى لليونسكو مشروع وطني جاء فوز الدكتور خالد العناني ليُترجم رؤية القيادة السياسية، فلم تكن الحملة مجرد تحرك انتخابي عابر، بل مشروعًا وطنيًا جامعًا، وضعت نصب عينيها تحقيق إنجاز يليق بتاريخ مصر العريق وحضارتها التي أشرقت على العالم منذ فجر التاريخ. امتدت رحلة الدكتور خالد العناني في عالم السياحة والآثار، فمنذ بداياته الأكاديمية في جامعة حلوان، إذ حمل شغف علوم المصريات إلى طلابه منذ عام 1993، وحتى توليه حقيبة السياحة والآثار عام 2016، ظل العناني يجسد فكرة الجمع بين المعرفة والتطبيق، بين الأصالة والتجديد، وظل الإرشاد السياحي وشغفه بالآثار جزءًا لا يتجزأ من شخصيته الاستثنائية، ويأتي شغفه بالآثار من إيمانه الشديد بأن التراث ليس ماضيًا يُعرض، بل هو حاضرٌ يتنفس، وأن السياحة ليست ترفًا، بل وسيلة لحوار ثقافي بين الشعوب. مسيرة الدكتور خالد العناني ليست مجرد رحلة أو سيرة مهنية تزدان بالألقاب، بل حكاية إنسان كرّس علمه وجهده لإحياء ذاكرة الوطن، وإعادة وصل المصريين بتراثهم العميق، وإبراز وجه مصر الحضاري في شكل يليق بتاريخها ومكانتها بين الأمم، فدائمًا كان يحرص على تواجد السفراء والفاعلين الثقافيين من مختلف الدول في كل اكتشاف أثري جديد، بل كان يقودهم في رحلة إرشادية بين إرث الأجداد يشرح لهم ويوثق تلك اللحظات التاريخية التي باتت جزءًا من ذاكرتهم هم أيضًا. وحرصت «البوابة» في أن تسجل حوارًا مع الدكتور خالد العناني فور حصوله على منصب مدير عام اليونسكو والذي فاز به باكتساح ليسجل سجلًا تاريخيًا ونصرًا جديدًا للدولة المصرية ويحصل على أعلى تصويت منذ إنشاء اليونسكو وحتى وقتنا الراهن.. تحاورنا معه عن كواليس الحملة الانتخابية ورؤيته في إدارة اليونسكو وأهم الملفات التي تنتظره.. وإلى نص الحوار. في البداية نهنىئ أنفسنا على هذا الفوز غير المسبوق بتوليكم كأول مصري وعربى منصب مدير عام اليونسكو منذ إنشاء المنظمة وبأعلى عدد من الأصوات (55 صوتًا من أصل 57 صوتًا)، وبهذا حققتم رقماَ قياسيًا على مدار تاريخ اليونسكو، بعد إيرينا بوكوفا والتي حصلت على 31 صوتًا في الانتخابات النهائية عام 2009. * هل كنتم تتوقعون هذا الفوز التاريخي غير المسبوق والذي وصل إلى 55 صوتا؟ كنت دائمًا مؤمنًا بأن ما نزرعه من عملٍ صادق لا يضيع، لكن لم أتعامل مع الانتخابات بثقة مفرطة، بل بمسؤولية كاملة، والنتيجة التي تحققت كانت ثمرة جهد جماعي مصري وعربي وإفريقي وعالمي، وشعرت في تلك اللحظة أن ما تحقق هو انتصار لقيم العدل والاحترام المتبادل، لا مجرد فوز انتخابي. خمسة وخمسون صوتًا ليست فقط رقمًا، بل شهادة ثقة من العالم في رؤية مصر، وفي قدرتنا على قيادة منظمة بحجم اليونسكو برؤية إنسانية جامعة. ويهمني في هذا الصدد أن أتوجه بخالص الشكر للدولة المصرية وقيادتها على الدعم غير المحدود لحملتي الانتخابية، ولوزارة الخارجية التي أدارت هذه الحملة. كواليس الحملة الانتخابية * حدثنا عن كواليس الحملة الانتخابية.. والملف الخاص بالحملة.. قوامها أهم البرامج التي ركزت عليها الحملة.. الاتصال والتواصل مع المسؤولين في مختلف دول العالم لدعم المرشح المصري؟ الحملة الانتخابية كانت ملحمة عمل حقيقية امتدت لأشهر طويلة، قادتها الدولة المصرية بكل مؤسساتها، وعلى رأسها وزارة الخارجية، بدعم مباشر من القيادة السياسية، فقد تحركنا على كل المستويات: اتصالات، زيارات، لقاءات مع رؤساء دول ووزراء ومسؤولين في كل القارات. الملف الذي حملناه لم يكن دعائيًا بل فكريًا؛ قدّم رؤية متكاملة تربط بين التعليم، والثقافة، والعلوم، والتراث، والسلام، كان هدفنا أن نُثبت أن مصر لا تسعى إلى المنصب من أجل نفسها، بل لتضع خبرتها التاريخية في خدمة العالم. وأن كل اتصال، وكل حوار، كان فرصة لبناء جسر جديد من الثقة، وهذا ما جعل العالم يصوّت لقيمة لا لشخص.
* عن الرؤى الجديدة التي ضمتها الحملة في الملف المقدم.. وما هي أبرز التحديات التي واجهتكم خلال الحملة.. خصوصا بعد قرار الولاياتالمتحدة بالانسحاب من المنظمة؟ ملف الحملة لم يكن مجرد وعود، بل مشروع متكامل لإعادة الحيوية إلى اليونسكو. ركزنا على «إنسانية المنظمة».. أن تكون أقرب إلى الناس، أكثر قدرة على الفعل في الميدان، وأكثر توازنًا في تمثيل الثقافات. فقد طرحنا أفكارًا جديدة لربط التراث بالتنمية، وجعل الثقافة موردًا اقتصاديًا، وتوسيع دور الشباب والنساء في صناعة القرار الثقافي. أما عن التحديات، فكانت كثيرة، أبرزها المناخ السياسي الدولي المعقد، وقرار بعض الدول الكبرى بالانسحاب أو تقليص المشاركة، ما أثر على ميزانية المنظمة. لكننا واجهنا ذلك بالإصرار والمرونة، وبأن نُظهر أن اليونسكو ليست رهينة للسياسة، بل بيت الإنسانية بأكملها. لقد كانت حملة بقدر ما هي سياسية، كانت أيضًا إنسانية يحركها الإيمان الصادق بأن الثقافة والتعليم هما الطريق الأجمل نحو سلامٍ دائم. الفترة المقبلة هناك تحديات كثيرة تواجه منظمة اليونسكو خاصةً فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي والمالي، وأيضًا ملف التغير المناخي والذي أصبح قضية العالم اليوم فيما يشهده من تغيرات تؤثر بالتالي على المناطق الأثرية. * كيف يمكن لليونسكو أن تلعب دورًا أكبر في مواجهة التحديات البيئية، مثل التغير المناخي وفقدان التنوع البيولوجي، وذلك مع اقتراب انطلاق مؤتمر الأممالمتحدة لتغير المناخ 2025 (COP30) الذي سيُعقد في مدينة بيليم، ولاية بارا، بالبرازيل؟وما هي أبرز البرامج الذي سيشارك بها اليونسكو؟ البيئة ليست ملفًا منفصلًا عن التعليم أو الثقافة، بل هي جوهر الوعي الإنساني ذاته، اليونسكو تمتلك اليوم شبكة واسعة من المحميات الطبيعية والمواقع البيئية المدرجة ضمن برنامج «الإنسان والمحيط الحيوي»، وهي إحدى أهم أدواتنا لحماية التنوع البيولوجي عالميًا. في مؤتمر COP30 بالبرازيل، سنقدّم مبادرات تركز على التعليم البيئي، وإدماج مفاهيم الاستدامة في المناهج التعليمية، وتشجيع البحث العلمي حول التغير المناخي وتأثيره على التراث الثقافي والطبيعي. سنعمل أيضًا على تعزيز الشراكات بين الجامعات ومراكز الأبحاث، خاصة في الدول النامية، لضمان أن تكون المعرفة البيئية متاحة للجميع، لا حكرًا على القادرين، ودورنا في اليونسكو هو أن نربط العلم بالضمير، وأن نذكّر العالم بأن الأرض ليست موردًا نستهلكه، بل إرثًا علينا أن نحميه للأجيال القادمة. تأثير انسحاب بعض الدول * يمثل انسحاب بعض الدول الأعضاء مثل الولاياتالمتحدة من اليونسكو تحديًا أمام ميزانية اليونسكو والقدرة على تنفيذ المشروعات.. ما هي التدابير التي تضعونها في خطتكم المستقبلة بهذا الشأن.. وهل لديكم دراية بتلك المشروعات التي تدعهما الولاياتالمتحدة بشكل مباشر وقد يؤدي هذا الانسحاب إلى التأثيرعليها أو توقفها؟ بالتأكيد، انسحاب أي دولة كبرى من منظمة بحجم اليونسكو لا يمر دون أثر، سواء ماليًا أو سياسيًا أو رمزيًا، لكننا في الوقت نفسه مؤمنون بأن رسالة اليونسكو أكبر من أي انسحاب، وأن قوة المنظمة الحقيقية تكمن في تنوع أعضائها وتكاتفهم حول أهدافها المشتركة. نعمل على تنويع مصادر التمويل، عبر تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص، والمؤسسات الثقافية والتعليمية، والبنوك الإنمائية، إضافة إلى تشجيع الدول الأعضاء على المساهمة الطوعية في مشروعات محددة. أما بالنسبة للمشروعات التي كانت تحظى بدعم مباشر من الولاياتالمتحدة، فقد أُعيدت هيكلتها ضمن برامج أوسع تضمن استمراريتها من خلال دعم جماعي متعدد الأطراف. هدفنا هو أن نحافظ على استقلال المنظمة واستدامة عملها، وألّا تكون مواردها مرهونة بالظروف السياسية، لأن الثقافة والعلم لا يعرفان الاصطفاف بل يخدمان الإنسان أينما كان. * تلعب اليونسكو دورًا كبيرًا في الحفاظ على التراث والموروث الثقافي سواء التراث الثقافي المادي أو التراث الثقافي غير مادي.. وقد مرت عقود طويلة على تلك الاتفاقيات.. هل ترون أنه حان الوقت لإعادة النظر في بعض بنودها خاصةً بعد التغيرات التي يشهدها العالم اليوم؟.. على سبيل المثال اتفاقية التراث العالمي والتي من شأنها حماية المواقع الطبيعية والثقافية ذات الأهمية العالمية التى تمت في العقد السابع من القرن العشرين، واتفاقية التراث الثقافي غير المادى في عام 1992؟. سؤال مهم للغاية، لأنه يلامس جوهر تطور عمل المنظمة.. الاتفاقيات التي ذكرتيها كانت في وقتها ثورة فكرية غير مسبوقة، إذ أرست مفهوم "التراث الإنساني المشترك". لكن العالم اليوم تغيّر جذريًا، سواء من حيث التحديات البيئية والتكنولوجية، أو من حيث طبيعة المجتمعات والتهديدات الجديدة للهوية الثقافية. كما أن هناك حاجة إلى مراجعة آليات الدعم الفني للدول النامية، وضمان تمثيل أكثر عدلًا للتنوع الثقافي في قوائم التراث. أبرز ملفات المرحلة المقبلة * ما هي أبرز الملفات والقضايا التي تضعونها نصب أعينكم وتنوون العمل عليها في الفترة القادمة؟ وما هي الاستراتيجية التي ستعملون بها لتحقيق أهداف اليونسكو؟ الأولويات في المرحلة المقبلة واضحة بالنسبة لي، فهي تتمحور حول الإنسان والمعرفة والسلام. سأعمل على أربعة محاور رئيسية: أولًا، التعليم — بوصفه حجر الأساس لأي تنمية حقيقية، مع التركيز على التعليم الرقمي العادل، وتأهيل الأجيال لمهارات المستقبل دون فقدان قيمها الإنسانية. ثانيًا، الثقافة والتراث — من خلال تحويل التراث من عبء إداري إلى مصدر إلهام اقتصادي، يدعم المجتمعات المحلية ويوفر فرصًا للشباب. ثالثًا، العلم والابتكار — بتعزيز البحث العلمي في مجالات البيئة والمياه والطاقة المستدامة، وبناء جسور بين مراكز المعرفة في الشمال والجنوب. رابعًا، السلام وبناء الجسور الثقافية — لأن الحوار بين الشعوب لم يعد رفاهية، بل ضرورة وجودية. أما الاستراتيجية، فتعتمد على ثلاث ركائز: الشراكة، والشفافية، والفاعلية الميدانية. سنعمل على جعل اليونسكو أقرب إلى الناس، أكثر حضورًا في الميدان، وأقل انشغالًا بالبيروقراطية. رسالتي هي أن نُعيد للمنظمة روحها الأولى: أن تكون بيتًا عالميًا للعقل والضمير، يقود نحو مستقبل أكثر عدلًا وجمالًا للإنسانية جمعاء. * ما هي الرسالة التي توجهها للشباب العربي والعالمي بشأن دورهم في تعزيز ثقافة السلام والتعليم المستدام؟ رسالتي للشباب بسيطة وعميقة في آنٍ واحد: أنتم لستم مستقبل العالم، أنتم حاضره النابض، السلام لا يُصنع في المؤتمرات فقط، بل يبدأ من فكرةٍ في عقول الشباب، ومن مبادرةٍ في مدارسهم وجامعاتهم ومجتمعاتهم. أدعو الشباب العربي والعالمي لأن يجعلوا من التعليم وسيلتهم لتغيير الواقع، لا مجرد وسيلة للحصول على وظيفة، التعليم المستدام هو الذي يُحرّر العقل، ويزرع في القلب احترام الآخر، والإيمان بأن التنوع مصدر قوة لا تهديد. وأقول لهم بثقة: اليونسكو ستكون شريككم في بناء عالمٍ أكثر وعيًا وعدلًا وسلامًا.
«العناني».. تاريخ من الفخر * نال الدكتور خالد العناني درجة الدكتوراه في علوم المصريات من جامعة بول فاليري – مونبلييه 3 بفرنسا عام 2001، الجامعة التي ظلّ مرتبطًا بها علميًا وإنسانيًا، حيث عاد إليها أستاذًا زائرًا أكثر من ثماني مرات بين 2006 و2013، ثم عام 2023، قبل أن تمنحه الجامعة دكتوراه فخرية عام 2024. * تولى وزارة الآثار في مارس 2016، ثم وحّد بين السياحة والآثار في ديسمبر 2019، ليصبح أول وزير يجمع الحقيبتين. * وتقديرًا لإسهاماته العلمية والثقافية، حاز الدكتور العناني أوسمة دولية مرموقة، منها: o وسام فارس جوقة الشرف، فرنسا (2025). o وسام الشمس المشرقة، اليابان (2021). o وسام الاستحقاق، بولندا (2020). o وسام فارس في الفنون والآداب، فرنسا (2015). o كما اختير راعيًا لصندوق التراث العالمي الأفريقي (2025). o سفيرًا للسياحة الثقافية لدى منظمة السياحة العالمية (2024). o عضوًا فخريًا بالجمعية الفرنسية للمصريات (2016). o وعضوًا مراسلًا لمعهد الآثار الألماني ببرلين (2015).