بعد ما يقارب عامين من القتال المُرهِق، وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على شروطٍ لإنهاء الصراع بما يخدم مستقبله السياسي. غير أنّ العبء الفعلي لتحقيق ذلك لا يقع على حكومته بقدر ما يُلقى على جيران إسرائيل العرب؛ فطالما تعذّر إقناع حماس بالامتثال، يبقى لنتنياهو هامشٌ يُمكّنه من مواصلة القتال مع كلفةٍ دوليةٍ أقل. وفي البيت الأبيض، قدّم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خطته ذات البنود العشرين واقفًا إلى جانب نتنياهو، مُتعهدًا: إذا رفضت حماس أو انهار الاتفاق، «فسأدعم إسرائيل دعمًا كاملًا لإنهاء تهديد حماس». كما طرح مهلةً من ثلاثة إلى أربعة أيام لردّ الحركة. العبء ينتقل إلى العواصم العربية تُعطي هذه الصيغة نتنياهو فرصةً سياسية: قد يعارض متشدّدو ائتلافه بعض البنود، لكنّ شريحة واسعة من الرأي العام الإسرائيلي قد ترى في الاتفاق إنجازًا يمنحه رصيدًا انتخابيًا. ويرى محلّلون أن نتنياهو «أتقن الدور»، إذ تنتقل مسؤولية تحقيق السلام إلى الأطراف العربية، بينما تقول إسرائيل إنها «مستعدة» لإنهاء الحرب ومتّسقةٌ مع واشنطن وعدد من العواصم. «الفرصة الأخيرة» لحماس؟ خلال الأيام الأخيرة، ضغطت قطر وتركيا على قيادة حماس، وفق مصادر عربية، محذّرتَين من أنّها «الفرصة الأخيرة» لإنهاء الحرب. وتؤكد تلك المصادر أنّ الدعم السياسي والدبلوماسي للحركة سيصبح صعبًا إذا رفضت. في المقابل، تصف حماس الخطة بأنها «استسلام» لا يضمن مسارًا موثوقًا للدولة الفلسطينية ولا يقدّم ضماناتٍ قاطعة لوقف الحرب، لكنها أعلنت دراسة البنود مع الفصائل ومحاولة الردّ إيجابًا. «قوة استقرار» ومأزق المشاركة العربية تدعو الخطة إلى تعاونٍ أميركي–عربي–دولي لإرسال «قوة استقرار» إلى غزة، مع تسمية الأردن ومصر لتدريب شرطةٍ فلسطينية. غير أنّ إرسال قواتٍ عربية إلى القطاع ينطوي على كلفةٍ سياسية ثقيلة قد تُظهِر تلك الدول «متعاونة» أو «محتلّة». القاهرة، على سبيل المثال، ترفض أي وجودٍ عسكري لها داخل غزة قبل انسحابٍ إسرائيلي كامل. ويحذّر خبراء من أنّ الخطة تُلزِم العرب بمعظم التحدّيات، فيما تحتفّظ إسرائيل بحقّ القول إنّها «قبلت» الصفقة، ثم تُحمِّل الآخرين مسؤولية أي تعثّرٍ في التنفيذ. الرهائن و«المنطقة العازلة» انتزع نتنياهو تنازلاتٍ مهمّة: إفراجٌ مبكر عن جميع الرهائن ال48، أحياءً وأمواتًا؛ والإبقاء على منطقةٍ عازلة تشمل ممرًّا رئيسيًا على حدود غزة–مصر؛ واستبعاد حماس والفصائل المسلحة من أي دورٍ في حكم القطاع مقابل عفوٍ مقترنٍ بتسليم السلاح. وفي المقابل، تُطمئن الخطة مصرَ ودول الجوار بنصٍّ صريح: «لن يُجبَر أحدٌ على مغادرة غزة، ومن يرغب في الخروج فله حرية المغادرة والعودة». وهو بند يتقاطع مع هواجس القاهرة من موجات نزوحٍ واسعة. تنازلاتٌ تُهدِّد ائتلاف نتنياهو تتضمّن الخطة دورًا نهائيًا للسلطة الفلسطينية في إدارة مرحلةٍ لاحقة—وهو ما أقسم نتنياهو مرارًا على رفضه—إلى جانب إسقاط فكرة إعادة الاستيطان اليهودي في غزة والاعتراف بحقّ الفلسطينيين في السيادة وإقامة الدولة. هذه العناوين قد تُفجّر تماسك الائتلاف، وقد وصف وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الخطة بأنها «فشل دبلوماسي ذريع»، مُعوِّلًا على «عناد العدو» لنسفها. صندوق الاقتراع... نهايةٌ أم بداية؟ يرجّح محلّلون أن الحكومة الحالية قد لا تُكمِل ولايتها بفعل خلافاتٍ داخلية أخرى—منها قانون تجنيد المتدينين—ومعارك الميزانية التي قد تفتح الباب لانتخاباتٍ مبكّرة في الربيع. لكن إذا أُطلِق الرهائن وتوقّف القتال قُبيل صناديق الاقتراع، قد يمتطي نتنياهو موجة تأييدٍ تُمهّد لإعادة انتخابه. مع ذلك، يُحذِّر آخرون من أنّ تآكل المكانة الدولية والانقسام الاجتماعي قد يجعلان «النصر السياسي» أقلَّ يقينًا ممّا يبدو على الورق. الشيطان في التفاصيل تبدو نهاية الحرب «أقرب من أي وقتٍ مضى»، كما يقول بعض الخبراء، لكنّ التفاصيل الإجرائية—من ضمانات التنفيذ وآليات نزع السلاح وترتيبات الحكم والتمويل—قد تُحوِّل الأسابيع إلى أشهر قبل رؤية نتائج ملموسة: تحرير رهائن، أو تثبيت وقف النار، أو بدء إعادة الإعمار. وحتى ذلك الحين، يبقى سؤال العنوان معلّقًا: هل تُنقِذ الخطة نتنياهو... أم تُطيل أمدّ المعركة؟