بين أروقة مجلس الشيوخ الأميركي، يدور جدل محتدم يتجاوز الضربات العسكرية إلى جوهر العلاقة بين السلطات في الدولة. ففي وقت يستعد فيه أعضاء المجلس للجلوس، الخميس، أمام كبار مسؤولي الأمن القومي في جلسة مغلقة، يخيّم التوتر السياسي على واشنطن، وسط شكوك متزايدة بشأن مدى فاعلية الضربات الأميركية الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية، ومدى مشروعية القرار الذي اتخذه الرئيس دونالد ترامب دون الرجوع إلى الكونجرس. الضربات التي وُصفت من قبل البيت الأبيض ب"التاريخية"، والتي طالت ثلاث منشآت إيرانية محورية، تحولت سريعاً من انتصار عسكري معلن إلى بؤرة نزاع دستوري واستخباراتي. وقد كان من المفترض أن تنعقد هذه الإحاطة يوم الثلاثاء، لكنها أُجّلت إلى الخميس، في الوقت الذي يستعد فيه مجلس الشيوخ للتصويت على مشروع قانون يلزم الرئيس بأخذ موافقة مسبقة من الكونغرس قبل تنفيذ أي عمل عسكري جديد ضد طهران. الديمقراطيون، ومعهم عدد من الجمهوريين، اتهموا الإدارة بتجاوز صلاحياتها، معتبرين أن قرار ترمب تجاهل السلطة التشريعية، وانتهك مبدأ الشفافية والمساءلة. زعيم الأقلية الديمقراطية تشاك شومر وصف تأجيل جلسة الإحاطة ب"المشين"، وأكد أن للإدارة التزامًا قانونيًا بإطلاع الكونغرس على تطورات بهذا الحجم، خاصة وأنها قد تقود البلاد إلى صدام طويل الأمد في الشرق الأوسط. من المتوقع أن يحضر الجلسة الخميس مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الدفاع بيت هيجسيث، في حين تغيب مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي جابارد، التي كان يُفترض أن تحضر الإحاطة المؤجلة. أزمة الضربة النووية وفي خضم هذه التوترات، نشرت وسائل إعلام أميركية تسريبًا لتقييم أولي أعدته وكالة استخبارات الدفاع (DIA)، يشكك في حجم الضرر الفعلي الذي لحق بالمنشآت النووية الإيرانية. التقرير أشار إلى وجود "ثغرات معلوماتية" و"افتراضات مقلقة"، ما أثار غضب الرئيس ترمب، الذي اتهم الإعلام ب"نشر أنصاف الحقائق" والسعي لتقويض الإنجاز العسكري. في مواجهة هذا الجدل، دافع وزير الدفاع بيت هيجسيث عن العملية قائلاً: "هذه كانت ضربة ناجحة ومدمرة. وما قيل عن محدودية التأثير هو محاولة لتشويه الإنجاز". وذكر أن التقرير الاستخباراتي المسرب لم يكن منسقًا مع كل الوكالات، ويتضمن نقاط ضعف في البيانات. وفي السياق ذاته، أصدرت كل من جابارد وراتكليف تصريحات تدعم موقف الرئيس، مؤكدين أن المنشآت الثلاث المستهدفة نطنز، فوردو، وأصفهان قد "تدمرت بالكامل"، ما يعني أن إعادة بنائها ستستغرق سنوات. لكن الجدل في أروقة الكونغرس لا يزال محتدمًا، خصوصًا حول مبدأ "موافقة الكونغرس أولًا". ففي الوقت الذي دافع فيه قادة جمهوريون، مثل مايك جونسون، عن صلاحيات ترمب باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، أبدى آخرون، مثل السيناتور راند بول، قلقهم العميق من تجاهل الدستور، مؤكدين أن الحرب لا ينبغي أن تُخاض بقرار فردي. السيناتور الديمقراطي تيم كاين أعاد طرح مشروع قانون للحد من صلاحيات الرئيس في تنفيذ العمليات العسكرية دون موافقة تشريعية، وقد سبق أن تقدم به في 2020. ويعتقد كاين أن لديه دعمًا جمهوريًا جزئيًا هذه المرة، على الرغم من هيمنة الحزب الجمهوري على مجلس الشيوخ بنسبة 53 إلى 47. ورغم أن ترمب لم يستشر الكونغرس مسبقًا، إلا أنه أرسل بعد الضربة رسالة موجزة لقادة الكونغرس، يؤكد فيها أن العملية جاءت لحماية "مصالح الولاياتالمتحدة الحيوية"، ودفاعًا عن إسرائيل، ولضمان ألا يُبعث البرنامج النووي الإيراني مجددًا من تحت الرماد.