في تطور خطير يعكس تصدعًا في العلاقة بين القيادة السياسية وأجهزة الاستخبارات الأمريكية، أبلغ الرئيس دونالد ترامب الكونغرس رسميًا أن الضربات الأمريكية التي استهدفت مواقع داخل إيران في فجر الأحد، جاءت على خلفية معلومات تزعم وجود برنامج نشط لتطوير الأسلحة النووية، لكن هذا الادعاء قوبل بتشكيك واسع من قبل المجتمع الاستخباراتي، الذي لا يزال يتمسك بتقييم مفاده أن طهران لم تستأنف جهودها النووية العسكرية منذ وقفها عام 2003. الرسالة التي حملت تاريخ 23 يونيو، والتي وُجهت إلى رئيس مجلس النواب مايك جونسون، الحليف المقرب من ترامب، نُشرت عبر الموقع الرسمي للبيت الأبيض، وصرّح فيها الرئيس الجمهوري بوضوح أن "الولاياتالمتحدة نفذت ضربة دقيقة ضد 3 منشآت نووية في إيران تُستخدم ضمن برنامج تطوير الأسلحة النووية". لكن هذه الرواية تتناقض مع أحدث تقييم استخباراتي قُدِّم في مارس من هذا العام إلى الكونغرس بواسطة مديرة الاستخبارات الوطنية، تولسي جابارد، التي أكدت أن المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، لم يعطِ أوامر بإحياء مشروع التسلح النووي.
خلافات على العلن.. ترامب ضد الاستخبارات
توتر العلاقة بين ترامب وأجهزة استخباراته لم يعد سرًا، ففي تصريحات أدلى بها على متن طائرة الرئاسة أثناء عودته من قمة مجموعة السبع في كندا، سُئل ترامب عن قرب إيران من امتلاك سلاح نووي، فأجاب: "قريبة جداً"، متجاهلاً ما ورد في شهادة جابارد التي كررت أمام الكونغرس أن طهران لم تتخذ قرار إنتاج سلاح نووي. لكن الموقف شهد تحولًا لافتًا، عندما خرجت جابارد بعد أيام على منصة "إكس" (تويتر سابقًا) لتنفي ما وصفته بتشويه الإعلام لشهادتها، مؤكدة أن إيران بالفعل تملك القدرة على تصنيع سلاح نووي "في غضون أسابيع إلى أشهر" في حال قررت استكمال عملية التجميع، مضيفة أنها تتفق مع موقف الرئيس ترامب بضرورة منع ذلك. هذا التغير في لهجة مديرة الاستخبارات يطرح تساؤلات حول ضغوط سياسية قد تكون مورست عليها، أو محاولات داخل الإدارة لإعادة ضبط الخطاب الاستخباراتي ليتماشى مع أجندة البيت الأبيض.
الضربة المحدودة وفعالية مشكوك بها
في المقابل، أفادت شبكة CNN أن التقييم الأولي الذي أعدته وكالة استخبارات الدفاع (DIA) أشار إلى أن الضربات الأمريكية، رغم دقتها، لم تُدمر المكونات الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، بل أدت فقط إلى تأخيره لبضعة أشهر. التقرير الذي استند إلى تحليل أجرته القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم"، لم يُعلن رسميًا، لكنه نُقل عن ثلاثة مصادر مطلعة. هذا التقييم يؤكد أن الضربة لم تحقق أثرًا استراتيجيًا حاسمًا، ويثير تساؤلات حول أهدافها الحقيقية، ومدى تناغمها مع التحليلات الاستخباراتية المحايدة. وهو ما يعيد فتح النقاش حول استخدام القوة العسكرية لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، خصوصًا في ظل تصاعد الانتقادات بشأن التناقض بين المعلومات الرسمية والاستخباراتية.
من جانبها، تواصل إيران التأكيد على أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية، وهو الموقف الذي كررته في المحافل الدولية منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، إلا أن الضربة الأميركية الأخيرة قد تدفع طهران إلى إعادة النظر في معادلات الردع والالتزام، مما ينذر بتصعيد إقليمي جديد.