شهدت الأيام المئة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منصبه حملةً صادمةً ومرعبةً سعيًا لتحقيق أجندته "أمريكا أولًا". خلال هذه الفترة، سعت إدارته إلى تحطيم الأعراف السياسية والثقافية في أمريكا، وتحركت لإعادة تشكيل دور الولاياتالمتحدةالأمريكية في العالم. منذ تنصيبه في 20 يناير من العام الجاري، وقع ترامب على أكثر من 130 أمرا تنفيذيا، وفرض رسوما جمركية شاملة على الأصدقاء والأعداء، وألغى برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وأرسل مئات ممن أسماهم "اللاجئين المجرمين" إلى سجن ضخم سيئ السمعة في السلفادور في كثير من الأحيان دون الإجراءات القانونية الواجبة. أعلن ترامب أن الولاياتالمتحدة ستسيطر على غزة وتحولها إلى منتجع ساحلي، وشن هجمات واسعة النطاق على اليمن، وقلب سياسته تجاه أوكرانيا، وسجن وسعى لترحيل طلاب مؤيدين للفلسطينيين بذريعة مكافحة معاداة السامية، وقطع التمويل عن الجامعات، كما فرض قيودًا صارمة على عدد اللاجئين المسموح لهم بدخول الولاياتالمتحدة، وأثار اضطرابًا في الأسواق المالية، ما أدى إلى انخفاض حاد في قيمة الدولار بسبب تعريفاته الجمركية المتقطعة، وهو ما تسبب في تهاوي شعبيته طبقًا لاستطلاعات رأي أجريت في المئة يوم الأولى من حكمه. التعريفات الجمركية أمضى ترامب أول 100 يوم له في منصبه في إعادة ضبط معايير التجارة العالمية التي كانت قائمة لعقود من الزمن، وشهد ذلك إعلانه عن التعريفات الجمركية الشاملة في الثاني من أبريل، كما هاجم أكبر ثلاثة شركاء تجاريين لأمريكا: كندا والمكسيك والصين. وصعّد حربه التجارية مع الأخيرة، فارضًا رسومًا جمركية بلغت 145٪ على الواردات الصينية. وردّت بكين بالمثل. أثار هذا مخاوف جديدة من تباطؤ الاقتصاد الأمريكي، ويهدد هدف الاحتياطي الفيدرالي المتمثل في خفض معدل التضخم إلى 2٪. بل يرى معظم الاقتصاديين أن الرسوم الجمركية ستؤدي إلى تضخم كبير يعاني منه الشعب الأمريكي، حيث ترفع الشركات في العديد من الصناعات الأسعار، متراجعة عن التوجيهات المالية السابقة، ومحذرة من حالة عدم اليقين المتزايدة مع دفع الحرب التجارية التي يشنها ترامب للتكاليف إلى الارتفاع، وتعطيل سلاسل التوريد، وإثارة المخاوف بشأن الاقتصاد العالمي. أدى عدم اليقين إلى تفاقم التقلبات في الأسواق الأمريكية وتراجع ثقة المستهلكين. وفي ظل فوضى السوق وتراجع مؤشرات الأسهم، أعلنت إدارة ترامب تعليقًا مؤقتًا لمدة 90 يومًا لمعظم الرسوم الجمركية "التبادلية"، مع الحفاظ على الرسوم الجمركية الشاملة البالغة 10٪، بالإضافة إلى 25٪ على السيارات والصلب والألمنيوم. وتسعى الدول والكتل التجارية جاهدةً لإبرام صفقات مع الولاياتالمتحدة خلال فترة التسعين يومًا. وقد أثارت الرسوم الجمركية، التي يعتبرها ترامب أداة لزيادة الإيرادات لتعويض تخفيضات الضرائب التي وعد بها وإنعاش القاعدة الصناعية الأميركية، مخاوف من ارتفاع التضخم والركود الاقتصادي. ستؤثر سياسات السيد ترامب الأخرى - المتعلقة بالهجرة، وإلغاء القيود التنظيمية، والإصلاح الضريبي - على الاقتصاد أيضًا. لكن العديد من هذه السياسات لم تُنفَّذ بالكامل بعد، ولا تزال آثارها التراكمية على الاقتصاد الأمريكي غير محسوسة. المساعدات الخارجية في شهر مارس، أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن 83٪ من برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سوف يتم خفضها، مما يعني في الأساس نهاية هذه الهيئة التي تأسست في عام 1961. أشارت إدارة ترامب إلى ما تسميه عدم الكفاءة، وازدواجية الجهود مع وزارة الخارجية، والحاجة إلى إعادة توجيه الموارد نحو الأولويات المحلية. وجاءت هذه الخطوة في إطار سعي أوسع نطاقًا لتطبيق أجندة ترامب "أمريكا أولًا" في ولايته الثانية. وبموجب الأمر التنفيذي، المُوقّع في يناير 2025، سيتم دمج المهام المتبقية للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ضمن الجهاز الدبلوماسي والتنموي المُعاد تنظيمه بوزارة الخارجية. ويجادل ترامب وحلفاؤه بأن المساعدات الخارجية مضيعة ولا تخدم المصالح الأميركية، لكن منظمات الإغاثة تقول إن المساعدات تنقذ أرواحا لا حصر لها وتحمي المصالح الأميركية من خلال تعزيز الاستقرار والصحة في الخارج. ولا تقتصر مهام الوكالة على توفير وتمويل برامج أساسية لتخفيف حدة الفقر، والصحة، وغيرها، بل توفر أيضًا آلاف الوظائف. وقد وُضع موظفوها حول العالم في إجازة إدارية، في ظلّ نزاعات قضائية بين معارضي إجراءات إدارة ترامب والحكومة. في عام 2024، قدمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المساعدات إلى 130 دولة، حيث ذهبت المساعدات إلى البلدان المحتاجة بشدة والغارقة في الصراعات، فضلًا عن تلك التي تعتبر استراتيجية للمصالح الأميركية، ومن المتوقع أن يكون لهذه التخفيضات آثار شديدة بشكل خاص في الشرق الأوسط. بين عامي 2014 و2024، تعهدت الولاياتالمتحدة بتقديم 106.8 مليار دولار كمساعدات لمصر والعراق وإسرائيل والأردن ولبنان والأراضي الفلسطينية والسودان وسوريا واليمن. حصلت إسرائيل على الحصة الأكبر - 30.3٪ من الإجمالي - لكن دولًا مثل الأردن ولبنان والسودان كانت أكثر اعتمادًا على المساعدات الأمريكية مقارنةً بحجم اقتصاداتها. وسيؤثر تجميد المساعدات الخارجية سلبًا على الأوضاع الإنسانية المتردية أصلًا في العديد من هذه الدول. وصرح خبراء بأن تخفيضات المساعدات الأمريكية، بالإضافة إلى التهديد الوشيك بتوسيع التعريفات الجمركية، قد تُشكل ضربة مزدوجة لأفقر دول العالم. ويرى المراقبون أن الفراغ الذي تركته الولاياتالمتحدة قد يسمح لقوى أخرى، وخاصة الصين، بالتدخل، وإعادة تشكيل النفوذ الإقليمي واعتماد المنطقة على المساعدات.
قبل يوم واحد من تولي ترامب منصبه، دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي طال انتظاره، حيز التنفيذ، ما يضع الرئيس الجديد على المسار الصحيح لتحقيق وعده الانتخابي بإحلال السلام في الشرق الأوسط. وكان مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف قد أرسل بالفعل إلى المنطقة للمساعدة في إحراز تقدم في الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة من ثلاث مراحل والذي كان من المفترض أن يؤدي إلى نهاية دائمة للحرب على غزة، وإطلاق سراح الرهائن المتبقين. في تحوّلٍ صادم في السياسة الأمريكية المتبعة منذ عقود تجاه إسرائيل وفلسطين، أعلن ترامب في الرابع من فبراير أن الولاياتالمتحدة ستسيطر على قطاع غزة وتحوله إلى منتجع سياحي. وسيُهجّر سكانه، البالغ عددهم نحو مليوني فلسطيني، بشكل دائم إلى دول أخرى. واقترح أن تستقبل الأردن ومصر هؤلاء السكان. وأعلن ترامب ذلك خلال مؤتمر صحفي إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. في الأسابيع التي تلت ذلك، تراجعت إدارته عدة مرات عن موقفها، مؤكدةً أن الفلسطينيين لن يُجبروا على المغادرة، وأن القوات الأمريكية لن تشارك. وقال إنه سيبحث عن دول أخرى لاستقبال النازحين الفلسطينيين، مُقرًا برفض الأردن ومصر. في 25 فبراير، نشر على منصته للتواصل الاجتماعي فيديو مُولّدًا بالذكاء الاصطناعي يُصوّر غزة كمنتجع فاخر، مما أثار استياءً شديدًا من الفلسطينيين وغيرهم. اليمن في مارس، أطلقت الولاياتالمتحدة عملية "الفارس الخشن" ضد الحوثيين في اليمن. وُصفت الحملة بأنها رد على استفزازات الحوثيين - بما في ذلك هجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن - ومحاولة لإعادة إرساء الردع الأمريكي بعد ما اعتبره مسؤولو إدارة ترامب فترة من ضبط النفس الاستراتيجي. وربطت إدارة ترامب أيضًا العملية بحماية القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها - وخاصة إسرائيل - من تهديدات الصواريخ والطائرات بدون طيار، فضلًا عن إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال شبكتها بالوكالة. أطلق الحوثيون صواريخ عديدة على إسرائيل وعطلوا حركة الملاحة في البحر الأحمر في هجمات يقولون إنها تنفذ تضامنا مع الفلسطينيين ضد حرب إسرائيل على غزة منذ هجمات 7 أكتوبر 2023. تقول الولاياتالمتحدة إن حملتها تُؤتي ثمارها. حيث صرّح مستشار الأمن القومي الأمريكي، مايك والتز، بأنه تم القضاء على عدد من قادة الحوثيين. في غضون ذلك، مؤكدًا أن الضربات الأمريكية، التي استهدفت بعض الموانئ الرئيسية في اليمن، ستؤثر على المواطنين اليمنيين العاديين أكثر من الحوثيين. تراجع شعبية ترامب أظهرت استطلاعات رأي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، تراجع شعبية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال ال 100 يوم الأولى من حكمه، بسبب قراراته المتهورة، وتصرفاته التي بدرت منه خلال لقاءاته مع بعض رؤساء دول العالم وأبرزهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وقال الرئيس الأمريكي، إنه يجب التحقيق مع خبراء استطلاعات الرأي بعد أن أظهرت سلسلة من الاستطلاعات أن معدلات تأييده انخفضت إلى ما دون أدنى مستوياتها التاريخية. مجرمون سلبيون ولجأ ترامب إلى وسائل التواصل الاجتماعي لوصف خبراء استطلاعات الرأي ب"المجرمين السلبيين"، وقال إن استطلاعات الرأي عادة ما تخطئ في نتائجها، بما في ذلك قبل انتخابه في نوفمبر. وكتب على موقع Truth Social أن "مستطلعي الرأي والمنافذ الإعلامية التي تنشر البيانات هي في الواقع عدو الشعب"، متهمًا المنتقدين بالمعاناة من "متلازمة اضطراب ترامب". وتُظهر استطلاعات الرأي أن معظم الأمريكيين يشعرون بالاستياء من رئاسته، وخاصةً بسبب إدارته للاقتصاد. وبينما يُشيد عدد أخر من الأمريكيين بترامب لخفضه عدد المهاجرين غير الشرعيين العابرين إلى الولاياتالمتحدة. وأظهر استطلاع رأي أجرته صحيفة واشنطن بوست بالتعاون مع إيه بي سي نيوز وإبسوس أن 39٪ فقط من المشاركين يوافقون على أداء ترامب لمنصبه، مقارنةً ب 55٪ يعارضونه، منهم 44٪ يعارضونه بشدة. وقد انخفضت هذه النسب من 45٪ إيجابية مقارنة ب 53٪ سلبية في فبراير. ذكرت الصحيفة أن شعبية ترامب الآن أقل من أي رئيس سابق بعد مئة يوم من توليه منصبه، سواءً في ولايته الأولى أو الثانية. وقد انخفضت شعبيته بشكل ملحوظ عن تلك التي سُجلت خلال ولايته الأولى. وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز بالتعاون مع سيينا أن 42٪ من الناخبين المسجلين وافقوا على أداء ترامب في وظيفته، بينما أبدى 54٪ عدم موافقتهم. وأظهر استطلاع رأي أجرته شبكة NBC أن 45٪ من الأمريكيين يؤيدون ترامب، مقابل 55٪ يعارضونه. حتى قناة Fox News المحافظة، بلغت نسبة تأييد ترامب 44٪، مقابل 55٪ يعارضونه. في المقابل، أظهر استطلاع رأي أجرته شبكة CBS أن معظم الأمريكيين يعتقدون أن الاقتصاد يتدهور. ونقلت صحيفة ذا ناشيونال عن كارل روف، المساهم في قناة فوكس نيوز والمستشار الأول السابق للرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش، قوله إن الصعوبات التي يواجهها ترامب تنبع من طريقة تعامله مع الاقتصاد. فقد انتُخب لولاية ثانية بناءً على وعدٍ بإطلاق العنان لازدهار الاقتصاد الأمريكي وخفض الأسعار، إلا أن سياسته في فرض الرسوم الجمركية قد أفقدت مليارات الدولارات من معاشات الأمريكيين التقاعدية، وزادت من احتمالات ارتفاع التضخم. وقال روف على قناة فوكس نيوز: "فيما يتعلق بالاقتصاد، فهو في وضع سيء للغاية. هناك شكوك عميقة بين الأمريكيين العاديين حول تأثير الاقتصاد والسياسات الاقتصادية للرئيس، على المدى القصير والطويل".