نوال سيد عبدالله ،منى العزب ،محاسن الهواري ،سميحة شتا ،عامر تمام ،محمد نعيم كعادته أثارت تصريحاته الأخيرة حالة من الجدل فى الأوساط السياسية الأمريكية، حيث أعرب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن اعتقاده بوجود «طرق» يمكن من خلالها السعى لفترة رئاسية ثالثة، رغم القيود التى يفرضها التعديل ال22 لدستور البلاد على ذلك. وأثارت تصريحات ترامب غضب الكثير من الديمقراطيين الذين أعلنوا أنه إذا تم تعديل الدستور ليسمح بولاية ثالثة فسوف يرشحون باراك أوباما كمرشح منافس لترامب فى الإنتخابات وهو الرئيس السابق الذى يحظى بشعبية عالية لدى الأمريكيين. وبدأت القصة عندما أكد ترامب، فى مقابلة مع شبكة «إن بى سى نيوز»، أنه «لا يمزح» بشأن هذه المسألة، مشيراً إلى أن «الكثير من الناس يريدون» منه ذلك، لكنه أضاف: «تفكيرى هو أننا ما زلنا فى بداية الطريق. فأنا أركز على الحاضر». اقرأ أيضًا | وزير الخارجية الأمريكي يهنئ ماليزيا برئاسة «آسيان» وعندما استفسرت المحاورة كريستين ويلكر عن سيناريو محتمل يترشح فيه نائبه جيه دى فانس للرئاسة ثم يتنحى لصالحه، أقر ترامب بأن «تلك إحدى الطرق»، مضيفاً أن «هناك طرقا أخرى أيضا» دون تقديم تفاصيل إضافية ونقلت صحيفة «وورلد ستريت جورنال» عن بوريس إبستين مستشار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن بإمكان الرئيس إيجاد طريقة للترشح لولاية ثالثة وخوض الانتخابات الرئاسية عام 2028. وأضاف إبستين إنه درس القانون ويعتقد أن بإمكان ترامب إيجاد طريقة للترشح مرة أخرى فى عام 2028». إلا أن مدير الاتصالات فى البيت الأبيض ستيفن تشون أشار إلى أنه «من السابق لأوانه التفكير فى ولاية ثالثة». وأجمع خبراء القانون الدستورى فى الولاياتالمتحدة على أن الدستور يفرض قيودًا صارمة تمنع أى رئيس من تولى المنصب لأكثر من فترتين. فالتعديل رقم 22 للدستور، الذى أُقر عام 1947 وصُدّق عليه عام 1951، ينص بوضوح على أنه «لا يجوز انتخاب أى شخص لمنصب الرئيس أكثر من مرتين»، مما يجعل أى محاولة لتعديل هذه القاعدة تحديًا هائلًا يتطلب موافقة الكونجرس ثم تصديق 3 أرباع الولايات. ويعود الجدل حول الفترات الرئاسية إلى أوائل تاريخ الولاياتالمتحدة، حيث أرسى جورج واشنطن تقليد التنحى بعد ولايتين، وهو تقليد التزم به جميع الرؤساء، حتى كسره فرانكلين روزفلت، الذى فاز بالرئاسة 4 مرات بين 1932 و1944، لكنه توفى خلال ولايته الرابعة عام 1945، مما دفع الكونجرس آنذاك إلى إقرار التعديل ال22 للحد من فترات الرئاسة. وحتى بعد التصديق على التعديل الثانى والعشرين عام 1951، فكّر بعض الرؤساء فى ولاية ثالثة مثل رونالد ريجان الذى رأى أن التعديل يحد من نفوذ الرئيس وأنه يجب إلغاؤه، ومثل باراك أوباما الذى قال إنه يعتقد أنه سيفوز لو استطاع الترشح لولاية ثالثة، لكنه أقر بأنه لا يستطيع ذلك لأن «القانون هو القانون». أما ترامب، فبعد فوزه فى انتخابات 2016 وخسارته فى 2020 أمام جو بايدن، فعاد إلى البيت الأبيض بعد فوزه فى انتخابات 2024، ليصبح ثانى رئيس فى التاريخ الأمريكى يتولى الرئاسة لولايتين غير متتاليتين، بعد جروفر كليفلاند الذى تولى الرئاسة فى 1885 و1893. لكن رغم عودة ترامب إلى المنصب، فإن السيناريو الذى يلمح إليه لخوض فترة ثالثة يصطدم بعقبات قانونية كبرى. أحد الاقتراحات التى طرحها مؤيدوه تتمثل فى أن يترشح نائبه جيه دى فانس، للرئاسة فى 2028 ثم يعين ترامب نائبًا له، ليعود الأخير إلى السلطة بعد استقالة الرئيس. إلا ان هذا السيناريو يتعارض مع التعديل رقم 12 للدستور، الذى ينص على أن «أى شخص غير مؤهل دستوريًا للرئاسة لا يمكن أن يكون نائبًا للرئيس». وفى يناير الماضي، قدم النائب الجمهورى آندى أوجلز مشروع قرار فى الكونجرس للسماح لرئيس خدم فترتين غير متتاليتين بالترشح لولاية ثالثة، وهو مقترح مصمم خصيصًا لترامب، غير أن فرص تمرير هذا التعديل الدستورى شبه معدومة فى ظل الاستقطاب السياسى الحاد فى البلاد. خيار آخر يمكن التفكير به، حيث يمكن تعديل الدستور عبر مؤتمر دستوري، وهو خيار لم تلجأ إليه الولاياتالمتحدة منذ عام 1787. حيث يتطلب هذا موافقة ثلثى الولايات، وهو احتمال غير واقعى فى ظل الانقسام السياسى الحالي. وقد حددت مجلة بوليتيكو مؤخرا أربع طرق يمكن لترامب من خلالها «انتزاع ولاية ثالثة على الرغم من وجود التعديل الثانى والعشرين للدستور»، ولخصتها فى تغيير الدستور أو تجاوزه أو تجاهله أو تحديه. وتساءلت المجلة كيف يُمكن لترامب تجاهل الدستور أو تحديه؟ لترد بأن المحكمة العليا التى عليها إيقافه، يمكن أن تصدر حكما لصالح ترامب بتفسير التعديل الثانى والعشرين بحيث ينطبق فقط على فترات متتالية، أو بالقبول بثغرة صعود نائب الرئيس من خلال تجاهل مخاوف التعديل الثانى عشر، أو غير ذلك. ولكن رغم امتلاك الجمهوريين الأغلبية فى كل من مجلس النواب والشيوخ، فإن تعديل الدستور يتطلب عتبة أعلى بكثير من إقرار مشاريع القوانين العادية، لأنه يتطلب موافقة ثلثى المجلسين، ثم تصديق ثلاثة أرباع الولايات. ويقول الباحث الدستورى إروين تشيميرينسكى إنه «من المستحيل» أن يلبى هذا التعديل هذه العتبات وحتى مع تجاهل المعارضة السياسية، ويقول أستاذ العلوم السياسية والدراسات القانونية ديفيد شولتز «إن الجوانب اللوجيستية والسياسية لهذا الأمر تجعله شبه مستحيل». ولكن لورانس ترايب، الأستاذ الفخرى للقانون الدستورى بجامعة هارفارد، استبعد هذا الاحتمال، قائلا: «المحكمة مؤيدة لترامب بشدة، لكنها ليست مجنونة»، إلا أن مايكل كلارمان، أستاذ التاريخ القانونى بجامعة هارفارد، يرى أن «الحجج الضعيفة قد تفوز فى المحكمة العليا عندما يرغب أحدهم فى فوزها بشدة». بريطانيا.. زيادة الإنفاق الدفاعى «دولة الرفاه» فى خطر لم تكد بريطانيا تحاول استيعاب مطالبات وضغوط ترامب على دول الاتحاد الاوروبى وفى القلب منها بزيادة انفاقها الدفاعى وزيادة دورها العسكرى فى الحرب الروسية الاوكرانية حتى فوجئت بقرارات الرئيس الامريكى الجديدة بفرض رسوم جمركية على الواردات البريطانية التى اعتبرتها الحكومة مخيبة للامال وقال وزير الاعمال البريطانى جوناثان رينولدز هى بمثابة تهديد لنا بسبب تأثيرها على التجارة العالمية مما يمثل عبئا جديدا على الموازنة البريطانية، حيث تفكر وزارة المالية فى فرض ضرائب جديدة لتعويض هذه الخسائر وقبلها لجأت الحكومة إلى تقليص انفاقها فى عدد من المجالات وخفض ستة مليارات جنيه استرلينى من بند المساعدات الاجتماعية مما يهدد دولة الرفاه فى بريطانيا وإلى مزيد من التفاصيل. دفع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الدول الأوروبية ومن بينها بريطانيا إلى زيادة ميزانياتها الدفاعية فى وقت تعانى فيه اقتصاديات هذه الدول بالفعل من صعوبات. وفى بريطانيا، تتجه الحكومة إلى تقليص إنفاقها فى مجالات أخرى لتوفير المال اللازم لميزانية الدفاع ومن بين المجالات التى ستتأثر بشكل مباشر الإعانات الحكومية التى تقدمها الدولة لأصحاب الدخل المنخفض والإعاقات المختلفة. وتسعى الحكومة البريطانية حاليا إلى خفض نحو 6 مليارات جنيه استرلينى من نفقات المساعدات الاجتماعية. وقد أثار رئيس الوزراء البريطاني، السير كير ستارمر، جدلًا واسعًا بوصفه نظام المساعدات الاجتماعية الحالى فى المملكة المتحدة لذوى الدخل المنخفض بأنه «الأسوأ فى العالم»، متهمًا إياه بتثبيط الناس عن العمل. وقال ستارمر:» لقد ورثنا نظامًا لا يمكن الدفاع عنه اقتصاديًا أو أخلاقيًا، وعلينا أن نصلحه، سنحمى من يستحقون الحماية، وسندعم القادرين على العمل للعودة إلى وظائفهم، إن حزب العمال هو حزب العمل، لكنه أيضًا حزب العدالة والمساواة». وقد أضاف هذا التصريح بعدًا جديدًا للنقاش الوطنى حول الفقر، والحوافز للعمل، وأولويات الحكومة، لا سيما وأنه جاء فى أعقاب إعلان بريطانيا عن زيادة كبيرة فى ميزانيتها الدفاعية. وعارض عشرات من نواب حزب العمال خطط ستارمر لاقتطاع مليارات الجنيهات من فاتورة المساعدات الاجتماعية، وهددوا بالتصويت ضد تجميد إعانات الإعاقة. وفى محاولة لاحتواء الأزمة، بدأت رئاسة الوزراء بعقد اجتماعات مع نواب الحزب، سعياً لإقناعهم ب الأسس الأخلاقية» وراء الإصلاحات التى تهدف إلى إعادة الناس إلى سوق العمل. وبحسب صحيفة الجارديان البريطانية فقد حث عدد كبير من النواب الحكومة على إعادة النظر فى هذه التعديلات، معربين عن قلقهم من أن وزيرة الخزانة راشيل ريفز تعتزم اتخاذ تدابير أشد قسوة من تلك التى فرضها وزير الخزانة السابق جورج أوزبورن. وتتزامن دعوة رئيس الوزراء البريطانى ستارمر إلى إصلاح شامل لنظام المساعدات، مع إعلان الحكومة البريطانية عن زيادة كبيرة فى ميزانية الدفاع. وقد تم تقديم هذا القرار كضرورة للرد على التهديدات العالمية، بما فى ذلك استمرار الغزو الروسى لأوكرانيا، وتصاعد النفوذ العسكرى الصيني، وعدم الاستقرار المستمر فى الشرق الأوسط. وتقول الحكومة إن هذه التهديدات تتطلب جيشًا أقوى وأكثر حداثة لحماية مصالح بريطانيا وحلفائها، وتشمل خطة التحديث الدفاعى استثمارات فى الحرب الإلكترونية، وتكنولوجيا الأسلحة الجديدة، والحفاظ على الردع النووي، باعتبارها ضرورية لدور بريطانيا داخل حلف شمال الأطلسى «الناتو» وعلى الساحة الدولية. وبالنسبة لكثير من البريطانيين الذين يكافحون مع أزمة غلاء المعيشة، وارتفاع أسعار الطاقة، وانعدام الأمن السكني، وجمود الأجور، فإن الخبر بأن المليارات ستُوجّه للدفاع بدلًا من الرعاية الاجتماعية كان صادمًا. وحذر خبراء الاقتصاد من عواقب تراجع الدولة عن دورها الاجتماعى فالأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الغذاء أوالسكن أو المواصلات لا يمكنهم العمل بفعالية أو المساهمة فى النمو الاقتصادي، وعلاوة على ذلك، فإن الضغوط والمصاعب المرتبطة بالفقر تؤدى إلى ارتفاع التكاليف الصحية العامة، وتراجع التحصيل التعليمى للأطفال، وزيادة الاعتماد على خدمات الطوارئ الاجتماعية، مما يترتب عليه أعباء مالية طويلة الأجل. وقد اقترح بعض الخبراء تمويل الإنفاق الدفاعى المتزايد من خلال إعادة النظر فى السياسة الضريبية، خاصة عبر سد الثغرات وضمان مساهمة الشركات وأصحاب الدخول المرتفعة بحصتهم العادلة. وبصرف النظر عن تزامن التوجه البريطانى لرفع ميزانية الدفاع مع خطة ستارمر لتقليص نفقات المساعدات الاجتماعية، فإن نظام المساعدات الاجتماعية الحالى فى بريطانيا يواجه انتقادات منذ فترة طويلة، لا سيما فشله فى دعم الأشخاص الذين يرغبون فى الانتقال من الاعتماد على المساعدات إلى العمل الحقيقى دون أن يعانوا من فقدان دخلهم. وتؤكد المقارنات اتهام ستارمر بأن نظام الرعاية الاجتماعية فى بريطانيا هو من بين الأسوأ عالميًا، ففى العديد من الاقتصادات المتقدمة الأخرى، تم تصميم أنظمة المساعدات الاجتماعية ليس فقط لحماية الناس من الفقر، ولكن أيضًا لدعم العاملين ذوى الأجور المنخفضة، بحيث يصبح العمل وسيلة واقعية للخروج من الفقر حيث تقدم دول مثل ألمانيا وفرنسا ودول الشمال الأوروبى مساعدات اجتماعية أكثر سخاءً وسهولة فى الوصول، تهدف إلى تكملة دخل العمل لا إلى معاقبة العامل. ومن الجوانب الأخرى المثيرة للجدل فى نظام الائتمان الشامل هو فترة الانتظار الإلزامية التى تبلغ 5 أسابيع قبل تلقى أول دفعة من الإعانات، فهذا التأخير يجبر الكثير من المتقدمين الجدد على الاستدانة، حيث يُضطرون للاعتماد على قروض أو دفعات مقدمة يجب لاحقًا اقتطاعها من مستحقاتهم المنخفضة أصلًا. وتؤدى دورة الديون والسداد هذه إلى جعل وضع الناس أسوأ لشهور طويلة، مما يقوض أى محاولة لاستخدام النظام كشبكة أمان، ويصبح الوضع أكثر مأساوية للفئات الهشة، مثل ذوى الإعاقة، والآباء والأمهات العازبين، والأشخاص الذين يعيشون فى مناطق ترتفع فيها تكاليف السكن، حيث لا تكفى المساعدات لتغطية الإيجار أو الضروريات الأساسية. وقد أشار منتقدو نظام الرعاية الاجتماعية الحالى إلى أن تصميم النظام يؤدى إلى التشرد والفقر بدلًا من تقديم الدعم الحقيقي. وفى النهاية، تعكس تصريحات كير ستارمر حول نظام المساعدات البريطانى وزيادة الإنفاق الدفاعى الأولويات المتضاربة التى تواجه بريطانيا اليوم حيث بات عليها أن توازن بين احتياجات الأمن القومى والالتزامات الاجتماعية الداخلية إذ بينما يوجد توافق واسع على ضرورة امتلاك بريطانيا لقوة دفاعية قادرة فى عالم مضطرب، يرى كثيرون أن هذا يجب ألا يأتى على حساب دعم الدولة لمواطنيها. أمريكا.. بعد قرارات فرض الرسوم الجمركية.. بداية النهاية للهيمنة الاقتصادية «أنا رجل التعريفات الجمركية.» بهذه الكلمات صرح دونالد ترامب فى فترة رئاسته الأولى للولايات المتحدة عام 2018.. على مدار 80 عامًا ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، قادت الولاياتالمتحدة النظام الاقتصادى العالمى القائم على التجارة الحرة والتحالفات متعددة الأطراف، مما رسخ مكانتها كقوة مالية عظمى وهيمنتها على الأسواق العالمية. لكن هذا النظام بات مهددًا، ليس من قوى خارجية فحسب، بل من الداخل الأمريكى نفسه، مع صعود توجهات اقتصادية حمائية تبناها ترامب. هذه التوجهات، التى تشمل فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق وخوض حرب تجارية مفتوحة مع شركاء واشنطن التجاريين، وضعت النظام الليبرالى العالمى على المحك. وفى تطور خطير على هذا المسار، أعلنت الصين فرض رسوم جمركية تصل إلى 34% على جميع الواردات الأمريكية، وقيودًا على تصدير المعادن النادرة، وردت بالمثل على التصعيد الأمريكي. وخطوة تهدد ليس فقط بتوسيع المواجهة الاقتصادية بين أكبر اقتصادين فى العالم، بل بإعادة تشكيل خريطة التجارة العالمية بالكامل. هل يمكن لهذه الحرب التجارية أن تؤدى إلى فقدان الولاياتالمتحدة لنفوذها الاقتصادى العالمي؟ وما التداعيات المحتملة على الاقتصاد الأمريكى والعالمي؟ لطالما اعتمد النظام الاقتصادى العالمي، الذى صاغته الولاياتالمتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، على التعاون والموافقة بين الدول بدلاً من الإكراه والضغوط. ساهمت هذه الاستراتيجية فى جعل الولاياتالمتحدة مركز الاستثمار العالمى وعززت من هيمنة الدولار كعملة الاحتياط الأساسية فى العالم. لكن السياسات الاقتصادية لترامب، التى تعتمد على فرض تعريفات جمركية وعقوبات اقتصادية بدلاً من التفاوض والشراكات، قد تؤدى إلى زعزعة هذا النظام المستقر. فرض ترامب تعريفات جمركية واسعة النطاق، من بينها ضريبة بنسبة 10% على معظم الواردات إلى الولاياتالمتحدة. هذه الإجراءات أدت إلى انخفاض حاد فى سوق الأسهم الأمريكية وتراجع ثقة المستثمرين والمستهلكين. ويتوقع المحللون أن تؤدى هذه السياسات إلى ارتفاع معدلات التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادى فى الولاياتالمتحدة وحول العالم. لكن التأثيرات قصيرة المدى ليست الخطر الوحيد، إذ إن فقدان الولاياتالمتحدة لنفوذها الاقتصادى العالمى قد يؤدى إلى تراجع مكانتها كقوة مالية عظمى، ويضعف من قدرتها على جذب المستثمرين والشركات العالمية. لطالما كان الدولار العملة الاحتياطية العالمية، مما وفر للولايات المتحدة مزايا اقتصادية كبرى، منها تخفيض تكاليف الاقتراض وتحقيق استقرار مالى لا تحظى به أى دولة أخرى. ومع ذلك، فإن سياسات ترامب الاقتصادية، التى تسعى إلى خفض قيمة الدولار وفرض رسوم جمركية، تهدد بتآكل الثقة فى العملة الأمريكية. فكلما استمرت هذه السياسات، زادت احتمالات فقدان الدولار لمكانته العالمية، وهو ما قد يؤدى إلى زعزعة الاستقرار المالى فى الولاياتالمتحدة. يرى العديد من الخبراء أن سياسات ترامب تعتمد على مبدأ «الفائز يأخذ كل شىء»، متجاهلة المصالح المشتركة التى تضمن استقرار الأسواق العالمية. على سبيل المثال، عندما فكرت الولاياتالمتحدة فى شن ضربات ضد الحوثيين لحماية التجارة عبر قناة السويس، ناقشت إدارة ترامب فرض رسوم على الدول الأوروبية مقابل هذه الحماية، بدلاً من النظر إليها كمسئولية استراتيجية مشتركة. مثل هذه السياسات قد تدفع الحلفاء إلى البحث عن بدائل اقتصادية وأمنية بعيدًا عن واشنطن. تعتمد القوة الاقتصادية الأمريكية على تحالفاتها الدولية، لكن سياسات ترامب التجارية القائمة على الإكراه والتهديدات أضعفت علاقات الولاياتالمتحدة مع شركائها التقليديين. فى المقابل، بدأت دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية فى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الصين، وهو تطور قد يقوض جهود واشنطن فى كبح النفوذ الصينى المتزايد. إن التاريخ يوضح أن الحروب التجارية غالبًا ما تكون لها نتائج كارثية. فبعد الحرب العالمية الأولى، أدت الحمائية الاقتصادية إلى الكساد الكبير وصعود النازية فى ألمانيا، وهو ما ساهم فى اندلاع الحرب العالمية الثانية. على النقيض، بعد الحرب العالمية الثانية، قادت الولاياتالمتحدة جهود إعادة إعمار الاقتصاد العالمى عبر برامج مثل خطة مارشال، لأن اقتصادًا عالميًا قويًا يخدم مصالحها على المدى الطويل. لكن ترامب قلب هذه النظرية رأسًا على عقب، مفضلًا فرض تعريفات جمركية لمعاقبة الشركاء التجاريين بدلاً من بناء علاقات اقتصادية متينة. مع تصاعد الحرب التجارية، بدأت التأثيرات تظهر على الأسر الأمريكية، حيث ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية نتيجة فرض رسوم جمركية على الواردات. ووفقًا لمحللين اقتصاديين، فإن التعريفات الجمركية التى فرضتها إدارة ترامب أدت إلى زيادة تكاليف المعيشة وقللت من القدرة الشرائية للمواطنين. وتشير العديد من التقارير الاقتصادية إلى أن سياسات ترامب الحمائية قد تكون بداية لنهاية عصر العولمة كما نعرفها. فعلى الرغم من أن ترامب ادعى أن الرسوم الجمركية ستعيد المصانع والوظائف إلى الولاياتالمتحدة، إلا أن فك تشابك سلاسل التوريد العالمية ليس بالأمر السهل، حيث وجدت العديد من الشركات الأمريكية نفسها مضطرة لنقل إنتاجها إلى دول أخرى مثل فيتنام والمكسيك لتجنب التعريفات الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام الرسوم الجمركية كأداة اقتصادية قد يدفع الشركات العالمية إلى تقليل استثماراتها فى الولاياتالمتحدة، وهو ما قد يؤدى إلى فقدان المزيد من الوظائف وفرص النمو الاقتصادي. لا تزال تداعيات الحرب التجارية غير واضحة بالكامل، لكن من المؤكد أن العواقب ستكون بعيدة المدى. إذا استمرت الولاياتالمتحدة فى سياساتها الحمائية، فقد تجد نفسها معزولة اقتصاديًا بينما تعزز الصين والدول الأخرى من نفوذها التجاري. وعليه، يتعين على صناع القرار الأمريكيين التفكير بجدية فى عواقب السياسات الحمائية. فبينما قد تبدو هذه السياسات جذابة على المدى القصير، إلا أنها قد تؤدى إلى نتائج كارثية على المدى البعيد، مما يهدد الدور القيادى للولايات المتحدة فى الاقتصاد العالمى. أوكرانيا.. صفقة المعادن مع أمريكا تراوح مكانها بعد أكثر من شهر من المفاوضات الأولى بين واشنطن وكييف بشأن اتفاق يمنح الولاياتالمتحدة حصة كبيرة فى مشاريع تطوير المعادن والنفط والغاز فى أوكرانيا، عاد الجانبان إلى نقطة البداية فى المفاوضات، حيث أرسلت واشنطن إلى كييف مقترحا جديدا يعيد صياغة المطالب المالية الشاملة من مسودة اتفاق أولية رفضتها أوكرانيا، ويضيف مطالب جديدة من شأنها أن تثقل كاهل مالية البلاد لسنوات، وفقا لنص المسودة الجديدة. وقد أشار عدد من المشرعين الأوكرانيين إلى أن أوكرانيا لا يمكنها على الإطلاق قبول مثل هذه الصفقة، وأن الأمر يتطلب إجراء مفاوضات جديدة. وكان الرئيس فولوديمير زيلينسكى قد صرح للصحفيين فى باريس مؤخرا بأن المقترح الجديد يتطلب «دراسة مفصلة»، وأشار إلى أن التوصل إلى اتفاق نهائى لا يزال بعيد المنال، لكنه أضاف أيضًا أنه لا يريد «أن يترك الولاياتالمتحدة تشعر بأن أوكرانيا تعارضه بشكل عام». وأضاف زيلينسكي: «ندعم التعاون مع الولاياتالمتحدة، لا نريد إرسال أى إشارات قد تدفع الولاياتالمتحدة إلى وقف المساعدات لأوكرانيا». وكان ذلك بمثابة محاولة واضحة لتجنب إثارة غضب البيت الأبيض، كما فعل فى شهر فبراير بعد رفض المقترحات السابقة، الأمر الذى دفع الولاياتالمتحدة إلى قطع المساعدات عن أوكرانيا مؤقتا. تعود المقترحات الجديدة إلى الطلب الأولى الذى تقدم به الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بأن تسدد أوكرانيا للولايات المتحدة المليارات التى تلقتها كييف فى صورة مساعدات عسكرية ومالية منذ الغزو الروسى الكامل قبل ثلاث سنوات، وفقا للمسؤولين الأوكرانيين الثلاثة الحاليين والسابقين، والذين تحدث بعضهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة المفاوضات الحساسة. كما يردد المشروع الجديد النسخ السابقة من خلال حذف أى ذكر للضمانات الأمنية لأوكرانيا، وهو البند الذى كانت كييف تضغط من أجله لفترة طويلة وتمكنت من تضمينه فى المسودة السابقة ولكن واشنطن قاومته لفترة طويلة. وكما فى المقترحات السابقة، سيتعين على أوكرانيا المساهمة بنصف إيراداتها من مشاريع الموارد الطبيعية والبنية التحتية المرتبطة بها، كالموانئ وخطوط الأنابيب، فى صندوق استثمارى تُديره الولاياتالمتحدة، وسيُعاد استثمار أرباح الصندوق فى مشاريع الموارد الطبيعية الأوكرانية، مع أن الحصة المحددة لهذه الأرباح لا تزال غير واضحة. ويتضمن الاقتراح الجديد تفاصيل أكثر بشأن كيفية تقاسم الأرباح: حيث ستطالب واشنطن بكل الأرباح من الصندوق حتى تسدد كييف على الأقل ما يعادل المساعدات الأمريكية التى تلقتها خلال الحرب بالإضافة إلى 4% فائدة سنوية. ستحتفظ الولاياتالمتحدة أيضًا بحق الأولوية فى العروض على المشاريع الجديدة، وحق الاعتراض على بيع الموارد الأوكرانية إلى دول ثالثة، وفى السنة الأولى من الاتفاقية، يُحظر على أوكرانيا عرض أى مشاريع استثمارية على أطراف ثالثة بشروط مالية أو اقتصادية أفضل من تلك المعروضة على الولاياتالمتحدة. يُحدد المقترح الجديد أيضًا تفاصيل دور مؤسسة تمويل التنمية الدولية، وهى وكالة حكومية أمريكية مسؤولة عن الاستثمار فى الشركات والمشاريع فى الخارج، ستُدير الوكالة الصندوق من خلال ترشيح ثلاثة أعضاء فى مجلس الإدارة، بينما سيكون لأوكرانيا عضوان فقط، كما ستشرف الوكالة على كل مشروع تُستثمر فيه أرباح الصندوق. كان ترامب مهتمًا منذ فترة طويلة بالموارد المعدنية فى أوكرانيا - بما فى ذلك الليثيوم والتيتانيوم، والتى تعتبر حيوية لتصنيع التقنيات الحديثة - بحجة أن الحصول على الوصول إليها سيكون وسيلة «لاسترداد» المساعدات التى قدمتها الولاياتالمتحدةلأوكرانيا. بعد مفاوضات مكثفة حول صفقة معادن، نجحت أوكرانيا فى فبراير الماضى فى تخفيف بعض أشد مطالب واشنطن صرامة، وتوصلت إلى اتفاق اعتبرته كييف أكثر قبولًا، لكن الاتفاق انهار بعد اجتماع كارثى فى المكتب البيضاوى بين ترامب وزيلينسكي. الآن، عادت المطالب التى نجحت كييف سابقًا فى إزالتها - وهى احتفاظ واشنطن بالسيطرة على الصندوق، وسداد أوكرانيا للمساعدات الأمريكية السابقة - إلى الواجهة فى الاقتراح الأخير، الذى قال زيلينسكى إنه تلقاه قبل بضعة أيام. كما اختفت الضمانات الأمنية. وكتب رومان شيريميتا، الخبير الاقتصادى الأوكرانى ومؤسس الجامعة الأمريكية فى كييف، على موقع اكس أن الاقتراح الجديد يحول أوكرانيا فعليا إلى مستعمرة أمريكية». وقال ياروسلاف جيليزنياك، النائب الأوكرانى المعارض الذى حصل على المسودة الجديدة وكشف عن نقاطها الرئيسية، أنه يعتبر المطالب الجديدة بمثابة محاولة افتتاحية لمزيد من المفاوضات. وأضاف: «أنا متأكد من أنه سيتم تحديثه»، مضيفًا «لا توجد فرصة على الإطلاق للموافقة عليه كما هو الآن». سيتطلب توقيع الاتفاقية تغييرات جذرية فى التشريعات الأوكرانية، ومع ذلك، قد يؤثر ذلك سلبًا على فرص كييف فى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حيث تمنح هذه الاتفاقية الولاياتالمتحدة فعليًا السيطرة على مشاريع استثمارية رئيسية فى أوكرانيا، بما فى ذلك صناعة النفط والغاز واستخراج المعادن ذات الأهمية الحيوية، قد يُحدث هذا تناقضات مع متطلبات الاتحاد الأوروبى للدول المرشحة للانضمام. مع ذلك، ليست الولاياتالمتحدة وحدها من يهتم بالموارد الطبيعية الأوكرانية، فعلى وجه الخصوص، تحتاج صناعة الدفاع الفرنسية إلى موارد ذات أهمية استراتيجية لضمان إنتاج الأسلحة على المدى الطويل، وقد كلف الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون وزير الدفاع سيباستيان ليكورن بإدارة هذه المفاوضات، مشيرًا إلى اهتمام باريس الكبير بالموارد الأوكرانية، وبالتالي، قد تتعارض مصالح باريس وواشنطن عند مناقشة الوصول إلى معادن كييف. حتى الآن، لم يرفض المسؤولون فى كييف المطالب الأمريكية الجديدة بشكل قاطع، مدركين أن الرفض السابق أدى إلى توتر العلاقات بين الولاياتالمتحدةوأوكرانيا. قال أوليكسى موفشان، عضو حزب زيلينسكى ونائب رئيس اللجنة البرلمانية للتنمية الاقتصادية: «سيكون من غير المسؤول انتقاد هذه الوثيقة لأنها لا تزال قيد التفاوض، الهدف هو مواصلة المفاوضات والتوصل إلى حل وسط». على الرغم من الالتزامات الاقتصادية، لا ينص الاتفاق الجديد على تقديم ضمانات عسكرية لأوكرانيا من الولاياتالمتحدة. يركز الاتفاق بشكل أساسى على الاستثمارات الأمريكية النشطة فى أوكرانيا. يُطلق على هذا فى واشنطن اسم «ضمانات الأمن الاقتصادي». وهذا يؤكد موقف فريق ترامب القائل بأن الولاياتالمتحدة لا ينبغى أن تتحمل مسؤولية أمن الدول الأخرى، سواءً لأوكرانيا أو الدول الأوروبية. أولوية واشنطن هى استلام الأموال الممنوحة لكييف مع الفوائد، وليس حماية مصالحها. بشكل عام، يعكس ازدياد الالتزامات الأمريكية بموجب اتفاقية المعادن مع أوكرانيا رغبة واشنطن فى تعزيز نفوذها الاقتصادى فى المنطقة، ومع ذلك تُثير الشروط المقترحة خلافات ومخاوف بشأن سيادة أوكرانيا واستقلالها الاقتصادي، وقد يُثير احتمال تحويل حصة كبيرة من دخل الموارد الوطنية إلى صندوق مشترك استياءً شعبيًا، ويؤدى إلى احتجاجات على شروط الاتفاقية. ونظراً للموقف المتشدد للولايات المتحدة، وغياب الضمانات الأمنية فى الاتفاق، وصعوبة إعادة التفاوض على بنوده، من غير المرجح أن تنجح محاولات كييف لتخفيف بنود النسخة الجديدة من اتفاق المعادن، وتجد أوكرانيا نفسها فى وضعٍ تُصبح فيه قدراتها التفاوضية محدودة، وتأثيرها على البنود النهائية للاتفاق ضئيلاً. من الواضح أن أوكرانيا تزخر بموارد قيّمة، إلا أن استخراجها يتطلب توفير طرق وسكك حديدية للوصول، وبنية تحتية كالكهرباء وتكنولوجيا التعدين والمعالجة، واستثمارات وخبرات فنية، ومراعاة الاعتبارات البيئية، والأهم من ذلك كله، وقف الصراع العسكري. الصين.. مخاوف من الصدام نتيجة «سياسة ضغوط واشنطن القصوى» الضغوط القصوى، هى العنوان الرئيس للسياسة التى بدأتها إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للتعامل مع الصين، خلال الأيام الماضية، والتى ظهرت ملامحها من خلال تجديد ترامب لحرب الرسوم الجمركية مع بكين، والقيام بسلسلة تحركات استفزازية فى ملف تايوان، واستعراض القوة من خلال الحلفاء فى منطقة المحيطين الهادى والهندى. مواجهة التهديد الصينى، كانت عنوان الجولة الآسيوية الأولى لوزير الدفاع الأمريكى بيت هيجسيث التى قام بها الأسبوع الماضى، حيث تعهد بنشر قدرات متطورة إضافية لمساعدة الفلبين فى صد الصين، ووصف اليابان بأنها «شريك لا غنى عنه فى ردع العدوان العسكرى الصينى الشيوعى». طوال رحلته، التى شملت توقفات فى طوكيو ومانيلا وهاواى وغوام، شدد هيجسيث على ضرورة «إعادة إرساء» الردع ضد الصين فى بحرى الصين الشرقى والجنوبى المتنازع عليهما، وبالقرب من تايوان، التى تعتبرها بكين مقاطعة انفصالية يجب إعادة توحيدها يومًا ما، بالقوة إذا لزم الأمر. هذه التصريحات للوزير الأمريكى جاءت عقب سلسلة من الإجراءات التى اتخذتها إدارة ترامب بهدف زيادة الدعم للجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتى، وهى خطوات أدانتها بكين ووصفتها بأنها استفزازية. شملت هذه الإجراءات استمرار واشنطن فى تقديم المساعدات العسكرية لتايوان، وحذف عبارة «لا ندعم استقلال تايوان» من موقع وزارة الخارجية الأمريكية. فى تايبيه، كشف رئيس تايوان الداعم للاستقلال والمعادى للصين لا تشينغ دى عن استراتيجيه جديدة من 17 نقطة، لمواجهة ما وصفه بالخطر الصينى، وأعاد بموجب هذه الاستراتيجية المحاكم العسكرية لمحاكمة المتعاونين أو المتعاطفين مع الصين وذلك عقب الإعلان عن تعاون ضابطين فى القوات الجوية التايوانية مع المخابرات الصينية. كما فرض قيودًا على المواطنين من البر الرئيسى الراغبين فى زيارة تايوان، وكذلك سن قوانين جديدة تكرس للانفصال، داعيًا المواطنين إلى عدم الانسياق وراء ما وصفه بالدعاية الصينية التى تقودهم إلى إعادة التوحيد. ردًا على ذلك، أعلن الجيش الصينى عن تدريبات واسعة النطاق فى المياه والمجال الجوى المحيط بتايوان، حيث نشر قوات من الجيش والبحرية والجوية والصواريخ فى تدريبات قالت بكين إنها تهدف إلى التدرب على «ضربات دقيقة» وحصار الجزيرة. وتخشى الصين من قيام ترامب بتصرفات استفزازية فى ملف تايوان، خاصة أنه فى عهد إدارته الأولى، عززت الولاياتالمتحدة علاقاتها مع تايوان، بما فى ذلك بيع أسلحة بأكثر من 18 مليار دولار، وتحدث ترامب مع رئيس تايوان هاتفيًا قبل تنصيبه، وهو أعلى مستوى من التواصل بين الجانبين منذ عام 1979. كما أرسل عددًا من كبار مسئولى إدارتهبمن فيهم عضو فى مجلس الوزراءإلى تايبيه، وخلال أيامه الأخيرة فى منصبه، ألغت وزارة الخارجية القيود التى كانت مفروضة منذ فترة طويلة والتى كانت تحدد أماكن وكيفية لقاء المسئولين الأمريكيين بنظرائهم التايوانيين. أصبحت المناورات الصينية حول تايوان اعتيادية خلال السنوات الماضية لاسيما منذ تولى الحزب التقدمى الديمقراطى الداعم للانفصال الحكم فى تايوان عام 2016، وتولى الصين اهتمامًا كبيرًا لمناوراتها بالقرب من تايوان، ووفقًا لتقارير فإن مناورات الصين حول تايوان عام 2023 تكلفت نحو 15 بالمئة من الميزانية العسكرية للصين. لم تتوقف رسائل المناورات الصينية الأخيرة على تايوان فقط، بل حملت رسائل أيضًا إلى واشنطن التى تعهد وزير دفاعها بمساعدة اليابانوالفلبين بأنظمة صاروخية وقوات وموارد أخرى لمواجهة «الإجراءات العدوانية والقسرية» للصين، ما يعتبر علامات واضحة على حشد عسكرى أمريكى فى المنطقة. لم تكتف أمريكا بالتحركات العسكرية، حيث فرضت إدارة ترامب عقوبات جديدة على ستة مسئولين كبار من البر الرئيسى الصينى وهونغ كونغ، بسبب ما وصفته «القمع العابر للحدود» وتآكل استقلالية هذا المركز المالى. وفرضت الخارجية الأمريكية أيضًا عقوبات على عدد من المسئولين الصينيين لمنعهم مسئولين وصحفيين أمريكيين من السفر إلى التبت. ووصفت الخارجية الصينية هذه العقوبات، بالتدخل «الدنىء»، وتعهدت «باتخاذ إجراءات مضادة حازمة». وفى تحد واضح لإدارة ترامب، أكد وزير الخارجية الصينى وانغ يى من موسكو خلال زيارته الأخيرة لروسيا على أن بلاده سترد على أى رسوم جمركية إضافية، مطالبًا واشنطن بعدم استخدام سياسة «أمريكا أولًا» فى الإضرار بمصالح الدول الأخرى. على الرغم من النهج المتشدد الذى انتهجته إدارته تجاه الصين، فقد طرح ترامب مرارًا فكرة عقد قمة مع الرئيس الصينى شى جين بينغ منذ عودته إلى منصبه، مشيدًا ب»علاقته الرائعة» مع الزعيم الصينى. لكن هذا النهج العدوانى من جانب واشنطن أضعف الآمال بشأن إمكانية عقد هذه القمة التى كانت ستبحث إمكانية إدارة الخلافات بين البلدين خلال السنوات المقبلة، ما قد يدفع القوتان إلى حافة مواجهة غير محسوبة وغير مرغوب فيها من الطرفين. تقارير إعلامية وآراء محللين سياسيين استبعدت إمكانية عقد قمة فى ظل التوترات الثنائية المتصاعدة. بدا جليًا، أن سياسة ترامب للتعامل مع الصين تقوم على ممارسة سياسة الضغط القصوى لتحقيق أفضل نتائج ودفع بكين لتقديم تنازلات فى أى قمة مقبلة مع زعيمى البلدين. لكن المؤشرات والتعاطى الصينى مع التحركات الأمريكية يؤشر إلى أن الصين ماضية فى مواجهة الولاياتالمتحدة، وغير راغبة فى تقديم تنازلات، وهو ما يفرض على إدارة ترامب المضى قدمًا نحو المواجهة أو البحث عن سياسة جديدة تسمح بتجنب صراع قد يؤدى إلى نتائج كارثية. إسرائيل.. من تحقيقات الفشل الغباء وراء سقوط «مستوطنات الغلاف» فى قبضة المقاومة جنح المستوى السياسى فى تل أبيب إلى تحميل نظيره العسكرى كامل مسؤولية الفشل الاستخباراتى الذى أفضى إلى نجاح عملية «طوفان الأقصى» فى 7 أكتوبر 2023. ورغم وجهات نظر اعتبرت ما جرى حينها «مشروع إسرائيلى منح حكومة نتانياهو مبررًا لشن عدوان هو الأوسع والأعنف فى قطاع غزة»، ذهبت تسريبات تحقيقات هيئة أركان جيش الاحتلال إلى أن المؤسسة العسكرية فشلت فى فرض سيطرة يمكنها تقويض حماس، والحيلولة دون نجاحها فى مداهمة مستوطنات غلاف قطاع غزة عبر تسلل 5 آلاف عنصر من المقاومة الفلسطينية إلى الداخل الإسرائيلي. صلب التحقيقات التى جرت فى هذا الخصوص أثبت أن إسرائيل اعتادت «إدمان» إدارة الصراع من منظور تحافظ فيه على الوضع القائم، وقيَّمت هذا الوضع بعزوف حماس عن خوض مواجهة واسعة النطاق مع إسرائيل، لكن جيش الاحتلال أدرك بعد 7 أكتوبر 2023 فشله فى الانتباه إلى عملية خداع حماس، التى ضربت مركز أعصاب أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، إذ إن سوء فهم إسرائيل وبالتالى سوء تقديراتها أفضى إلى استبعاد الهجوم المباغت، واقتصار مواجهة المقاومة مع إسرائيل على ما يعرف ب«معارك ما بين الحروب»، وقدرة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية فى هذه الحالة على تدمير قدرات حماس. ويشير الجانب المسموح بنشره (إسرائيليًا) من تحقيقات هيئة أركان جيش الاحتلال إلى أن المؤسسة الأمنية فى تل أبيب تعاملت مع حماس قبل 7 أكتوبر 2023 باعتبارها (تهديد محدود)، يعتمد فى مضمونه على رشقات صاروخية يمكن احتوائها إسرائيليًا، واستبعدت تمامًا سيناريو المداهمة. علاوة على ذلك، أخطأ العقل الأمنى الإسرائيلى عند الاستهانة بالتنسيقات بين حماس وجبهات «محور المقاومة»، التى تم تفعيل دورها عبر الحوثيين فى اليمن، وحزب الله فى لبنان، والميليشيات فى العراق. بعد «طوفان الأقصى» أدرك جيش الاحتلال أن تصور حماس للحرب متعددة الجبهات كان أكثر تقدمًا، وبشكل يزيد عن تصور إسرائيل إلى حد صياغة فكرة محورية نظامية لتدمير إسرائيل، حسب تعبير تقرير التحقيقات. ووفقًا لبروتوكولات التحقيق، خاضت إسرائيل المواجهة مع المقاومة فى قطاع غزة بعد 7 أكتوبر 2023 بحزمة من الفرضيات الخاطئة، وهو ما أدى إلى فشل الاستراتيجية الإسرائيلية، لا سيما وأن الجانب الأساسى من الأزمة لم يبتعد عن هيئة الاستخبارات العسكرية (أمان)، التى لم تقدم أى إنذار؛ كما فشلت المنظومات التكنولوجية فى التعامل مع هجوم حماس. لذلك، يعد فشل إسرائيل استخباراتيًا أوسع بكثير من الفشل التحذيري؛ فلم تقتصر الأزمة على عدم فهم استراتيجية حماس وأهدافها الشاملة، بل انعكست فجوات الفهم أيضًا فى سلوك «محور المقاومة» الإقليمى بشكل عام. نتائج التحقيقات عزت الفشل الاستخباراتى الإسرائيلى إلى ثلاث قضايا رئيسية: الفجوة الكبيرة، التى تفاقمت على مر السنين، بين التفاهمات التى تشكلت فى أجهزة الاستخبارات فيما يتعلق بحماس والواقع؛ فشل الاستخبارات العسكرية (أمان) بقيادة اللواء أهارون حليوة فى توقع تنفيذ الهجوم، علاوة على عجزه عن توجيه تحذير استخباراتى حول احتمال قيام حماس بنشاط هجومي؛ وربما يفسر ذلك، وفقًا لنتائج التحقيقات، معاناة (أمان) منذ سنوات طوال من فجوات كبيرة فى المعلومات حول جوهر مسار حماس، وخاصة الاستراتيجية وتنفيذها. أكدت التحقيقات أيضًا أن جيش الاحتلال كان منعزلًا تمامًا عن واقع ما يجرى فى قطاع غزة قبل «طوفان الأقصى»، ولم ينكر فريق البحث العسكرى الإسرائيلى أن حماس اعتبرت الترويج لتحرك عسكرى ضد قطاع غزة بمثابة قناة استراتيجية لتحرير فلسطين. وخلال السنوات السبع حتى 7 أكتوبر 2023، طورت حماس تدريجيًا خطة لاختراق دفاعات «فرقة غزة» الإسرائيلية. وفى 2022 فكرت حماس عدة مرات فى تفعيل الخطة، وقررت بالفعل فى مايو 2023 الاستعداد لاحتمال تنفيذ الهجوم خلال فترة الأعياد اليهودية. وتشير نتائج التحقيقات إلى أنه فى وقت مبكر من عام 2018، امتلك جيش الاحتلال معلومات حول وجود فكرة قابلة للتطبيق لدى حماس لشن هجوم واسع النطاق على إسرائيل، لكن تل أبيب فسرت الخطة على أنها غير واقعية وغير فعالة. بالإضافة إلى ذلك، تم الحصول على معلومات من ذراع حماس العسكرى فى أغسطس 2021، وأفادت المعلومات بتخطيط حركة المقاومة لهجوم واسع النطاق على مستوطنات غلاف قطاع غزة، إلا أن تحليل المعلومات قلل من نضوج الفكرة لدى مجموعة كبيرة من قادة المؤسسات الاستخباراتية. بعد ذلك، وخلال الأشهر التى سبقت عملية «طوفان الأقصى»، حصلت هيئة الاستخبارات العسكرية (أمان) على معلومات حول تدريبات عناصر المقاومة الفلسطينية على الغارات، إلا أن وحدة التنصت الإسرائيلية المعروفة برقمها الكودى 2800 لم تتعامل مع المعلومات على أنها «رؤية» أو «بوصلة»، يمكن من خلالها إعادة بناء بنك الأهداف العسكرى الإسرائيلي. خلاصة القول، وفقًا لتعبير الكاتب الإسرائيلى دين شموئيل ألميس، يتضح أن «ثقافة الذكاء كانت ناقصة، وربما منعدمة لدى مؤسسات الاستخبارات الإسرائيلية، لا سيما فى ظل بناء استراتيجيات التعامل مع حماس على «فرضيات نرجسية» مثل «المعرفة» او «اليقين». وتبين أيضًا أن عمليات جمع المعلومات الإسرائيلية فى قطاع غزة كانت ضيقة وتستند إلى قدرات استخباراتية محدودة، خاصة عندما كانت هناك أيضًا فجوات أساسية فى المهن الاستخبارية والعمليات الروتينية فى شبكة الاستخبارات الأمنية. وفى العمليات الاستخباراتية، كان هناك تراجع فى مكانة اللغة والثقافة والأيديولوجية والمفهوم الدينى فى فهم حماس، كما كانت هناك فجوات تكنولوجية أثرت فى بناء صورة استخباراتية صحيحة. كل ذلك، فى ظل الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، مما أدى إلى تآكل وتقليص الهيبة والاستثمار فى القضايا الأساسية وأسس المهنة الاستخباراتية الإسرائيلية، وفقًا لما جاء فى التحقيقات.