مع تصاعد التحديات العالمية، برزت التحالفات الأمريكية كحجر الأساس في استراتيجيات واشنطن لمواجهة النفوذ المتزايد لروسياوالصين. اقرأ أيضًا: ترامب في مرمى الانتقادات.. جرينلاند ترفض الهيمنة الأمريكية لكن مع عودة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد تنصيبه رسميًا رئيسًا للولايات المتحدة، تتزايد التساؤلات حول مصير هذه الشراكات، ومدى قدرة حلفاء أمريكا على الحفاظ على التماسك في وجه سياسات قد تعيد تشكيل النظام الدولي. إرث بايدن.. تحالفات أقوى وشبكات أوسع نجح الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، في تعزيز الروابط الأمريكية عبر المحيطين الأطلسي والهادئ، ما أدى إلى توسع حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وإبرام اتفاقيات أمنية كبرى مثل "أوكوس" وهي اتفاقية بين أسترالياوأمريكا والمملكة المتحدة، ووُقعت في 15 سبتمبر/أيلول 2021، تُزود بموجبها أستراليا بغواصات نووية وأنظمة صاروخية وقدرات مخصصة للتعامل مع الحروب السيبرانية. كما عمّقت واشنطن تعاونها مع اليابان وكوريا الجنوبية، واستمرت في دعم أوكرانيا، وهو ما عزز موقف حلفاء أمريكا في مواجهة التحديات الجيوسياسية، وفقًا لمجلة الشؤون الخارجية الأمريكية. من خلال التنسيق مع مجموعة السبع، فرضت الولايات المتحدة عقوبات صارمة على روسيا، كما عملت على حماية سلاسل التوريد الاستراتيجية من النفوذ الصيني، وهذا النهج التعاوني منح حلفاء أمريكا ميزة مهمة في احتواء النفوذ الروسي وتعزيز الردع ضد التوسع الصيني، ما جعل هذه التحالفات أكثر تماسكًا واستعدادًا لمواجهة التحديات المستقبلية. عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية قد تعيد رسم المشهد الاستراتيجي بالكامل، إذ لطالما انتقد الحلفاء لعدم تحملهم نصيبًا أكبر من الأعباء الدفاعية، ورغم أن فترته الأولى شهدت استجابة حلفاء أمريكا لمطالبه من خلال زيادة الإنفاق العسكري وتشديد القيود التجارية على الصين، إلا أن المخاوف تتصاعد بشأن مستقبل هذه العلاقات تحت إدارته المحتملة. هل يستطيع الحلفاء حماية التحالفات؟ في ظل التغييرات المحتملة، يدرك حلفاء أمريكا أن عليهم التحرك سريعًا لتعزيز التنسيق فيما بينهم، بغض النظر عن توجهات واشنطن المستقبلية، ولعل استمرار التعاون في مجالات الأمن والتكنولوجيا والدفاع المشترك قد يكون الضمان الوحيد لبقاء هذه التحالفات قوية، حتى لو تغيرت الأولويات في البيت الأبيض. فبعد أربع سنوات من غياب ترامب، باتت التهديدات الأمنية أشد تعقيدًا، بينما ازدادت عوامل الانقسام داخل مسرحي الأطلسي والمحيط الهادئ، وبعد عودة ترامب للبيت الأبيض مرة أخرى رئيسًا للولايات المتحدة، لا يزال ترامب يواصل الدفع بسياسة "أمريكا أولًا"، مصعدًا الضغوط الاقتصادية والسياسية على حلفاء أمريكا، وهذا النهج قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين واشنطن وشركائها، ما يمنح بكين وموسكو مساحة أوسع للمناورة الدبلوماسية. واليوم بعد عودة ترامب للسلطة، سيجد حلفاء أمريكا أنفسهم أمام قرار حاسم، إما تعزيز وحدتهم لمواجهة التحديات المتزايدة أو السماح لقوى التفكك التي قد يطلقها ترامب بجرّهم نحو الانفصال، وفي حال اختاروا المسار الأخير، فإن افتقارهم للدعم الأمريكي قد يجعلهم عاجزين أمام التحديات الداخلية والدولية، ما يؤدي إلى إضعاف النفوذ الأمريكي مقابل منافسيه الجيوسياسيين. مستقبل التحالفات في ظل رئاسة ترامب يتوقع حلفاء أمريكا أن تشهد ولايته الثانية مفاوضات تجارية صعبة، إذ لن يقدم ترامب أي امتيازات مجانية، حتى للدول التي زادت إنفاقها الدفاعي أو استبدلت الغاز الروسي بواردات الغاز الأمريكي، ويهدد هذا النهج بتقويض أسس التحالف، حيث قد يفرض ترامب شروطًا تجارية أكثر صرامة لتحقيق مصالح واشنطن على حساب شركائها. في ظل تصاعد التهديدات الأمنية، قد يستغل ترامب مخاوف حلفاء أمريكا للحصول على تنازلات أكبر في التجارة والدفاع، حيث يمكن أن تشمل تكتيكاته التهديد بسحب القوات الأمريكية من أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية، أو فرض تعريفات جمركية إضافية إن لم تلتزم الدول الحليفة بمعدلات الإنفاق الدفاعي الأمريكية، ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار التحالفات. منذ الحرب العالمية الثانية، كان هناك توافق حزبي حول أهمية التواجد العسكري الأمريكي في الخارج، لكن شكاوى ترامب بشأن تكاليف هذا الانتشار تعكس رغبة في تقليص الالتزامات، ورغم أن 64% من الأمريكيين يرون في التحالفات فائدة مشتركة، إلا أن عودته للرئاسة قد تؤدي إلى إعادة النظر في التزامات واشنطن تجاه حلفائها في العالم. هشاشة التزامات الناتو رغم القيود القانونية التي وضعها الكونجرس لمنع أي انسحاب أمريكي أحادي من الناتو، فإن المادة الخامسة لا تلزم جميع الأعضاء باستخدام القوة العسكرية عند التعرض لهجوم، بذلك، يمتلك ترامب هامشًا واسعًا لاتخاذ قرارات قد تضعف حلفاء أمريكا، مثل عدم إرسال قوات للدفاع عن دول البلطيق في حال هجوم روسي، ما يثير القلق بشأن مصير التحالف. فيما يخص آسيا، رغم تشدد ترامب ومستشاريه تجاه الصين، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة استعداده لمواجهة عسكرية مباشرة، فقد يتجنب التدخل إذا فرضت الصين حصارًا على تايوان أو سعت للسيطرة على الجزر المتنازع عليها مع اليابان، ومع غموض المادة الخامسة في معاهدة الأمن الأمريكي الياباني، تظل التزامات واشنطن تجاه حلفائها في آسيا غير مضمونة. تهديد جديد في أفق 2025 خلال ولايته السابقة، فكر ترامب في سحب القوات الأمريكية من شبه الجزيرة الكورية، وهو قرار قد يكون أكثر خطورة الآن، حيث أصبحت كوريا الشمالية أكثر تسلحًا نوويًا وتنظر إلى جارتها الجنوبية كخصم مباشر، وفقًا لمجلة الشؤون الخارجية الأمريكية. وفي استطلاع أجراه معهد كوريا للتوحيد الوطني، أيد 66% من الكوريين الجنوبيين امتلاك أسلحة نووية، ما يعكس قلقًا متزايدًا حول الضمان النووي الأمريكي، كما أن هذه المخاوف تتردد صداها بين حلفاء أمريكا في آسيا، الذين يراقبون مستقبل الالتزام الأمريكي بأمن المنطقة. في حال انسحبت واشنطن تحت قيادة ترامب، قد تتراجع الجبهة المشتركة التي سعت إدارة بايدن لتعزيزها ضد الصينوروسيا، كما أن العلاقة بين اليابان وكوريا الجنوبية، رغم تحسنها النسبي، لا تزال هشة، خاصة بعد فشل محاولة الرئيس الكوري المعزول يون سوك يول لفرض الأحكام العرفية. ومن المتوقع أن يفوز لي جاي ميونج، زعيم الحزب الديمقراطي، في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو سياسي يعارض الاتفاقيات مع اليابان وينتقد التحالفات الأمنية الأمريكية، وموقفه قد يؤدي إلى تصدع العلاقات بين حلفاء أمريكا في آسيا، ما يمنح الصينوروسيا فرصة لتعزيز نفوذهما. أما في اليابان، استقال رئيس الوزراء فوميو كيشيدا بعد سلسلة من فضائح الفساد، ليخلفه شيجيرو إيشيبا، الذي فقد أغلبيته البرلمانية بعد انتخابات مبكرة، رغم كونه من صقور الصين، إلا أنه يؤيد تحالفًا أمنيًا أكثر توازنًا بين واشنطن وطوكيو. ويرى أن زيادة الإنفاق الدفاعي الياباني يجب أن تعزز الأمن الوطني بدلاً من مجرد دعم حلفاء أمريكا، وهذا التحول قد يعيد تشكيل الاستراتيجية الدفاعية للمنطقة، ويؤثر على قدرة الولايات المتحدة في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد. ترامب وأوروبا.. فوضى سياسية وتنامي التيارات القومية عودة ترامب إلى البيت الأبيض تأتي في وقت حرج بالنسبة لأوروبا، حيث تواجه فرنسا وألمانيا اضطرابات سياسية بسبب صعود الأحزاب القومية المحافظة، ورغم أن الوسطيين لا يزالون يحتفظون بأغلبية في البرلمان الأوروبي، فإن الأحزاب الشعبوية باتت تسيطر على دول رئيسية مثل إيطاليا والمجر وهولندا. هذه الأحزاب، رغم عدم دعوتها للخروج من الناتو، تعارض تركيز الحلف على مواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما يثير قلق حلفاء أمريكا الذين يعتمدون على الدعم الأمريكي لمواجهة التهديدات الروسية. رغم أن أوروبا تنفق 4 أضعاف ما تنفقه روسيا على الدفاع، فإن افتقارها للتكامل العسكري يجعلها غير قادرة على مواجهة أي هجوم روسي دون دعم أمريكي، ومع تصاعد نفوذ الأحزاب القومية، قد يصبح هذا الدعم موضع شك في عهد ترامب. لكن تضعف هذه الديناميكية قدرة أوروبا على تعزيز استقلاليتها الدفاعية، ما يثير تساؤلات حول التزام حلفاء أمريكا داخل حلف شمال الأطلسي «الناتو» في مواجهة التهديدات الروسية. وانسحاب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، فإن ذلك سيقوي موقف المشككين في سياسات المناخ داخل أوروبا، مما يزيد الانقسامات بين الدول التي تلتزم بالحياد الكربوني وتلك التي تسعى لتخفيف القيود البيئية. أما اقتصاديًا، تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية دفعت الاتحاد الأوروبي للاستعداد لردود انتقامية، تشمل فرض تعريفات على الصادرات الأمريكية، لكن هذه الخطوات قد تؤدي إلى انقسام بين الدول الأوروبية التي تعتمد على التجارة الأمريكية وتلك التي تسعى لاتخاذ موقف حازم، الأمر الذي يضعف وحدة حلفاء أمريكا في المواجهة التجارية مع واشنطن. التوازن الأوروبي بين العقوبات والشراكات التجارية يواجه الأوروبيون تحديًا استراتيجيًا معقدًا، فهم لا يستطيعون فرض عقوبات صارمة على روسيا مع فرض قيود تجارية على الصين، خاصة إذا تزامن ذلك مع حرب تجارية مع الولايات المتحدة. فبعض الحكومات الأوروبية بدأت بالخروج عن خط الاتحاد الأوروبي لتعزيز علاقاتها مع بكين، كما فعل المستشار الألماني أولاف شولتز في زيارته للصين، متجاهلًا عرضًا فرنسيًا لمرافقته، ويثير هذا التوجه قلق حلفاء أمريكا الذين يرون في هذه التحركات انقسامًا قد يؤثر على وحدة الموقف الغربي أمام التحديات الجيوسياسية. ومن جهة، قد تؤدي سياسات ترامب المناهضة للمؤسسات الليبرالية إلى زعزعة أسس التحالفات التي تربط واشنطن بحلفائها، من استخدام الجيش الأمريكي في عمليات ترحيل واسعة للمهاجرين إلى الضغط على الحكومات الأوروبية لمعارضة المحكمة الجنائية الدولية... كلها ملفات قد تخلق خلافات حادة بين الولايات المتحدة وشركائها، ما يدفع حلفاء أمريكا إلى إعادة تقييم مدى اعتمادهم على واشنطن في القرارات الدولية الحساسة. مع تزايد المخاوف من تراجع الالتزام الأمريكي بالأمن الأوروبي، تتجه دول القارة لتعزيز إنتاجها العسكري، فقد ارتفع إنتاج الذخائر من مليون إلى مليوني قذيفة سنويًا بين 2024 و2025، كما أطلقت بريطانياوفرنسا وألمانيا مشاريع مشتركة لتطوير صواريخ بعيدة المدى. أي أن هذا التحرك يعكس إدراكًا متزايدًا لدى حلفاء أمريكا بأن مستقبلهم الأمني يتطلب استقلالًا نسبيًا في التصنيع العسكري والقدرات الدفاعية لمواجهة أي فراغ محتمل تتركه واشنطن. مساعي أوروبا لتعزيز التحالفات خارج المظلة الأمريكية رغم الخلافات التي نشأت بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بدأت لندن في إعادة بناء جسور التعاون الأمني مع باريس وبرلين. حيث إن الاتفاقيات الدفاعية الثنائية بين بريطانيا وألمانيا، والمفاوضات لتحديث اتفاقيات الدفاع بين بريطانياوفرنسا، كلها إشارات واضحة على سعي الأوروبيين لتقليل اعتمادهم الحصري على الولايات المتحدة، كما أن تعزيز التعاون بين القوى الأوروبية الكبرى حول الردع النووي يوضح تنامي القلق بشأن مدى التزام حلفاء أمريكا داخل الناتو، في ظل تصاعد الخطاب القومي في واشنطن. ومع احتمال استخدام واشنطن لحق النقض ضد عضوية أوكرانيا في الناتو، تدرك العواصم الأوروبية أنها تتحمل مسؤولية كبرى في تأمين مستقبل كييف، وتتزايد النقاشات حول نشر قوات قتالية أوروبية للمساعدة في فرض وقف إطلاق النار المحتمل، كما أن تقديم مساعدات مالية طويلة الأمد قد يدفع الكونجرس الأمريكي لإعادة تفعيل آليات دعم أوكرانيا عسكريًا. وهو تحرك ضروري لضمان أن تظل واشنطن شريكًا فاعلًا، وهو ما تسعى إليه حلفاء أمريكا داخل الاتحاد الأوروبي لتجنب ترك أوكرانيا وحيدة في مواجهة التهديدات الروسية. في ظل احتمالات مواجهة مباشرة بين الصين والولايات المتحدة، تعمل الدول الأوروبية على تعزيز تعاونها الأمني مع شركائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فالمشاريع المشتركة بين بريطانياوإيطاليا واليابان لتطوير مقاتلات الجيل القادم، والزيارة الثانية لمجموعة حاملة طائرات بريطانية إلى اليابان، كلها تحركات تهدف إلى تقوية الجبهة الغربية ضد النفوذ الصيني. وفي حال انشغلت الولايات المتحدة بصراع مباشر مع بكين، سيصبح على حلفاء أمريكا في أوروبا تعزيز قدراتهم العسكرية لسد الفجوات التي قد تتركها واشنطن في الجبهات الأخرى، خاصة في أوروبا والمحيط الهندي. حلفاء أمريكا في موقف حرج مع تزايد الحاجة إلى توازن جديد داخل التحالفات الدولية، يجد حلفاء الولايات المتحدةالأمريكية أنفسهم أمام تحدٍ معقد،، فإذا تمكنوا من تعزيز قدراتهم الجماعية وتوحيد مواقفهم، فقد يعيدون رسم ملامح النظام السياسي الذي لطالما قادته واشنطن. على سبيل المثال، إذا لعبت أوروبا الدور الأبرز في إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة، فستسعى للحصول على صوت أقوى في تحديد العقوبات على روسيا وحجم التعويضات وآلية محاكمة مجرمي الحرب، فضلًا عن البت في مصير احتياطيات روسية محتجزة بقيمة 300 مليار دولار. كما لم يعد الاعتماد الأوروبي على الاقتصاد الأمريكي خيارًا مسلمًا به، بل بات محل مراجعة جادة، فإذا استمر نهج "اشترِ أمريكا" في واشنطن وهي السياسة الاقتصادية التي تتبناها الحكومة الأمريكية لتعزيز التصنيع المحلي، فسيعزز الاتحاد الأوروبي صناعاته الاستراتيجية لمنافسة الهيمنة الأمريكية. كما قد تتبنى بروكسل موقفًا أكثر تشددًا تجاه شركات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي الأمريكية، ومن جهة، وإذا فرضت إدارة ترامب رسومًا جمركية جديدة على حلفاء أمريكا، فقد يكون من المغري لهم إعادة ترتيب أولوياتهم التجارية عبر توطيد علاقاتهم مع الصين، حتى لو أثار ذلك توترًا مع واشنطن. في ظل تحولات السياسة العالمية، أصبح من الواضح أن حلفاء أمريكا مستعدون لاتخاذ قراراتهم بعيدًا عن التوجيهات الأمريكية، فقد توصلت الحكومات الأوروبية إلى رؤية مستقلة بشأن تقليل الاعتماد على الصين في قطاع الطاقة الخضراء. ولم يقتصر ذلك على فرض رسوم على المركبات الكهربائية الصينية، بل ألزمت بروكسل شركات البطاريات الصينية بالاستثمار في أوروبا ونقل ملكياتها الفكرية لشركاء أوروبيين، في خطوة تعكس استلهامًا من سياسات بكين التجارية ذاتها. لم تقتصر هذه الديناميكية على أوروبا فحسب، بل امتدت إلى بريطانيا التي بدأت في إعادة صياغة علاقاتها مع الصين، فلقاء رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر مع الرئيس الصيني، شي جين بينج في قمة العشرين كان مؤشرًا على رغبة لندن في سياسة متزنة وأكثر استقرارًا. وتأكيدًا لهذه النية، تستعد وزيرة الخزانة البريطانية، راشيل ريفز لزيارة بكين مع وفد مصرفي وتجاري لمناقشة الاستثمارات الصينية، ويعكس ذلك محاولة بريطانيا للحفاظ على روابط اقتصادية مستقرة بعيدًا عن التوترات بين الصين وحلفاء أمريكا الآخرين. إدارة الملفات العالمية بدون واشنطن مع غياب القيادة الأمريكية عن بعض القضايا العالمية، تحركت أوروبا وشركاؤها لتولي زمام المبادرة، ففي مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، تعاون الاتحاد الأوروبي مع البرازيلوالصين لضمان تخصيص موارد أكبر للتكيف المناخي لصالح الدول النامية. كما وقعت أوروبا اتفاقية تجارة حرة مع مجموعة ميركوسور، ما يعكس استعداد حلفاء أمريكا لمتابعة مصالحهم الاقتصادية حتى لو لم تكن واشنطن شريكة في القرارات. كما تعد مجموعة السبع المنتدى الأهم الذي يجمع بين واشنطن وحلفائها على قدم المساواة، لكن مستقبلها يواجه ضبابية كبيرة، فمع تزايد التوترات التجارية، باتت المجموعة في مرمى سياسات ترامب المحتملة، خاصة مع تسجيلها فائضًا تجاريًا مع الولايات المتحدة يفوق نظيره مع الصين. ومع ذلك، فإن الخطر الاقتصادي الصيني المتزايد قد يدفع واشنطن إلى الحفاظ على قنوات التعاون مع حلفاء أمريكا عبر مجموعة السبع لضمان تنسيق مشترك بشأن ضوابط التكنولوجيا وسلاسل التوريد الحيوية. حينما فاز ترامب في 2016، اعتبر حلفاؤه ذلك استثناءً في السياسة الأمريكية، لكن إعادة انتخابه قد تفرض واقعًا جديدًا طويل الأمد، فإذا أضعفت سياساته شبكة التحالفات التي أعادت إدارة بايدن بناءها، فقد تمتد تداعيات ذلك إلى الأنظمة السياسية الداخلية لحلفاء واشنطن. إلا أن الاستجابة الأوروبية والآسيوية جاءت أكثر حزمًا مما كان متوقعًا، حيث عززت دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا من إنفاقها الدفاعي وقدرتها على اتخاذ قرارات استراتيجية مُستقلة. فالتحولات الحالية تفرض على حلفاء أمريكا إعادة التفاوض حول طبيعة علاقتهم مع واشنطن، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل في ملفات الأمن والطاقة والتجارة. وقد يؤدي ذلك إلى توترات مع الولايات المتحدة وحتى داخل أوروبا نفسها، لكن الهدف المشترك يظل واحدًا.. وهو، الحفاظ على تحالف قوي قادر على الصمود أمام أي تغييرات في البيت الأبيض. ولازال هناك سؤال يطرح نفسه، وهو، هل تستطيع الدول الحليفة للولايات المتحدة إقناع واشنطن بأن تحالفاتها باتت أكثر نضجًا، وأنها لم تعد مجرد تابع لسياسات القوة الأمريكية؟