وزير التعليم ومحافظ بورسعيد يعقدان اجتماعا مع القيادات التعليمية بالمحافظة    «الأوقاف» تفتتح 10 مساجد بعد تجديدها الجمعة المقبلة    فرصة ذهبية.. مدبولي: مؤتمر استثماري بين مصر والاتحاد الأوروبي يونيو القادم    القيادة المركزية الأمريكية: الحوثيون استهدفوا ناقلة نفط يونانية ترفع علم بنما بصاروخ باليستي    حماس: الاحتلال يمارس سلوكًا نازيًا ضد مدنيين عزّل بمخيم جباليا لليوم السابع    لافروف: روسيا منفتحة على الحوار مع الغرب بشأن الاستقرار الاستراتيجي    متحدث فتح: نتنياهو لا يريد حلا.. وكل من يقف جانب الاحتلال سيلوث يده بدماء الأبرياء    من هو أفضل كابتن للجولة الأخيرة من فانتازي الدوري الإنجليزي؟.. الخبراء يجيبون    مرموش يقود آينتراخت فرانكفورت للدوري الأوروبي    تعليم الدقهلية تكشف تفاصيل متابعة سير امتحانات الشهادة الإعدادية    كان مقدسًا عند الفراعنة.. عرض تمثال ل"طائر أبو المنجل" فى متحف شرم الشيخ (صور)    19 صورة لاكتشاف نهر بجوار الهرم الأكبر.. كيف بنى المصريون القدماء حضارتهم    عزة مصطفى: عادل إمام شخصية وطنية.. وكل الشرائح العمرية تحب أعماله    الوالدان يستحقان معاملة خاصة.. الأزهر يناقش حقوق كبار السن بملتقى المرأة الأسبوعي    «الصحة» توجه نصائح هامة لمرضى الجيوب الأنفية للحماية من التقلبات الجوية    بالخطوات.. طريقة الحصول على نتيجة الشهادة الابتدائية 2024    كوكا يقود تشكيل ألانيا أمام سامسون سبور في الدوري التركي    رسميًا.. إشبيلية يعلن رحيل مدربه بنهاية الموسم    وزير التعليم: لدينا 46 ألفًا و994 طفلًا من ذوي الهمم.. و159 ألفًا و825 بمدارس الدمج    مذكرة قواعد اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي 2024.. لا يخرج عنها الامتحان    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم توكتوك مع ميكروباص في المنيا    مواعيد القطارات المكيفة والروسى على خط القاهرة - الإسكندرية والعكس    أخبار مصر.. غدا طقس شديد الحرارة ورياح والعظمى بالقاهرة 38 درجة    «معلومات الوزراء» يعلن أجندة وبرنامج عمل مؤتمره العلمي السنوي بالتعاون مع جامعة القاهرة    حصاد تريزيجيه مع طرابزون قبل مواجهة إسطنبول باشاك شهير فى الدوري التركي    برج الثور.. حظك اليوم السبت 18 مايو: عبر عن أفكارك    تاني تاني.. تغيير جلد ل غادة عبد الرازق وأحمد آدم    المعارضة الإسرائيلية: على جانتس الاستقالة اليوم    الحكومة تعتزم تطوير فندق النيل "ريتزكارلتون" بميدان التحرير لزيادة العائد    كيف يمكن أن تساعد بذور الحلبة فى إدارة مستويات السكر بالدم؟    العلاج على نفقة الدولة.. صحة دمياط تقدم الدعم الطبي ل 1797 مواطن    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. علي جمعة يوضح    هل مواقيت الحج والعمرة ثابتة بالنص أم بالاجتهاد؟ فتوى البحوث الإسلامية تجيب    وزير الصحة يشيد بدور التمريض في رعاية مصابي غزة    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    نجم الترجي السابق ل «المصري اليوم»: إمام عاشور قادر على قلب الطاولة في أي وقت    مصرع طفلة دهستها سيارة "لودر" في المرج    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    رئيس جامعة بنها يتفقد الامتحانات بكليتي الحقوق والعلاج الطبيعي    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    وُصف بالأسطورة.. كيف تفاعل لاعبو أرسنال مع إعلان رحيل النني؟    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب: أنا وحليم
نشر في البوابة يوم 31 - 03 - 2014


أنا وحليم:
لم أر قلبي أمارًا بالكره، كما ألفيته آنذاك في صباي، منشغلًا عمن أحب بكره عبد الحليم حافظ. هكذا، كره أصابني فأعمى حواسي، حتى تمنيت أن تنشق الأرض وتبتلعه، فأخلو بقلب "فتحية "، ويخلو قلبها لي. وكأنني في المهد ًْوصبيًا كلمتها بحبي، وكلمتني بحبها، حتى اتسعت شهوة حواسنا بنا، فصار يعلمني جسدها الأنثوي ما أدركت به أسماء ذكورة أعضائي كلها.
ورأيت في مرايا أصلابي تفقه هدهدي بنبوءة الشهوة في ماء بئرها العميق. لكنها كانت تذهب إليه كلما سمعته أو رأته وكأن جنبًا ساطها بعصاه فسحبها من عقلها إليه. كانت حواس جسدها كله تتأمل صوته إذ يغني في المذياع، وتصدق حركاته، على التلفاز، إذ يرسم بأصابعه لغة حب أخرى جديدة على العشاق، أو يكتب بإغماضة عينيه حلمًا من موسيقا ترتج لها قلوب المحبين، أو ينثر هواء طازجًا يتنفسه العارفون بالوجد كلما تناثر شعره خلف إيماءات نوتة يتجلى بها صوته المحمول، كما بدا لي، على أجنحة آلهة الحب الإغريقي.
لم يشفع لي عندها حبها، ولم تنفع بها حيلتي وحذاقة مكري به. وصفته بما لا يوصف به، ولم تصدق. قلت:عيناه غائرتان في جوف رأسه، وجاحظتان كعيني حردون مسخه الله، لكنها ظلت تعلق عينيها في صوره التي ملأت غرفتها، ومزقتها بتواطئ من أمها وأمي اللتين وهبتانا، ربما من المهد، كل للآخر. وبكت كثيرًا، حين مزقت قلادتها وقد حملت صورته فتدلت بين نهديها كأيقونة مقدسة. وصرت أطوف شوارع دمشق كل يوم لأحظى بمجلة تتقول عليه الكذب عن نساء تزوج أو أحب أو كسر قلوبهن، لكنها كانت تنشج، بما يفتت القلب، حين كانت تقرا عن مرضه، وكدت أكره نفسي إذ بكيت معها، من حرقتها عليه، مشفقًا.وأدركت أنها تحبني إذ رمت يجسدها على، وبكينا في العناق وقوفًا.
حتى رأيت ما رأيت منه.
أقسمت على أبي، محمود عيسى الذي كان مأخوذا ً بالمطربة سميرة توفيق، وكان على علم بما هو بيني وبين عبد الحليم حافظ، أن يقتطع مصروفي كله ولو لسبع سنين عجاف، ويعطيني سعر تذكرة دخول حفلة حليم في معرض دمشق ربيع عام 1976. فرجا الرجل خالي، الأستاذ فوزي الحسن الذي كان منشغلًا بفيروز عمن سواها لدرجة كان يرفع صوتها كل صباح ويقول لي: عل صوت الراديو أكثر، خل أهل المخيم يصيروا بني آدميين "، أن يذهب معي إلى الشام، فالحفلة في الليل.
وكأن أرض المعرض في يوم حشر. ناس من أجناس مختلفة وألسنة متعددة. بالعباءات، والحطات والعقل - جمع عقال بضم العين وتسكين الكاف - وبذلات ملونة وربطات عنق زاهية. فيما النسوة بكامل غوايات أنوثتهن يتراطمن بأجساد سواهن ليأخذن مكانهن في طوابير الدخول أو شراء التذاكر. وضجرت مما خالي فيه، وهو يكلمني أن الملائكة لن تجد تذكرة، فكلها مباعة. وتركته وحده ينتظر معجزة الوصول إلى شباك التذاكر.
لم أكن منشغلًا، وأنا أرتطم بعجينزة بضة أو خصر مفتوح على شبق مكنون، عما أنا فيه، حتى ارتطم بي قدري بجسد غازية اليونس، أو المغنية عبلة كما لقبت نفسها، وكانت هربت من المخيم لتمتهن الغناء بعد أن ذبل أملها في حب خالي غازي الأكبر من فوزي بسنتين، وارتعدت إذ رأتني، فأدخلتني معها مدخل صدق، بعد أن حلفتني بحياة أمي ألا أكلم بأمرها إنسيا.
هذا هو عبد الحليم حافظ إذن.يا إلهي ! ما أن خرج على الناس حتى وصلت نبضات قلوبهم إلى الحناجر، ومع كل كلمة يخلقها بصوته من جديد تتحايل الأنفاس على ذاتها بالحب. حب من نوع آخر، تمامًا كهذه الكلمات التي يغنيها، لكنها ليست الكلمات التي نقولها أو نقرأها في ديوان نزار قباني. يا الله ! أكل هذا الحب الذي تملكني، وأنا أتأمل صوته وأصدق حركاته، أنا الجالس في الصف الثاني شأني ككل الناس هنا لا أحس بوجود أحد من حولي كما لا يحس بوجودي أحد، هو من صنع يديه.
وكأن الأرواح ذهبت إليه زلفى تسلم عليه، وكأني بيمناي لمسته، فخرجت مشيًا في الليلة النيسانية تلك من المعرض وسط دمشق إلى مخيم ببيلا المرمى على خاصرتها الشرقية، حتى مطلع الفجر وأنا أردد: قالت: يا ولدي لا تحزن، فالحب عليك هو المكتوب. يا ولدي قد مات شهيدا ً من مات على فداء للمحبوب.
كان أهل المخيم ينتظرون عودتي، أنا التائه بينهم. ولم أسلم على أحد. لكني انتبذت بفتحية مكانًا قصيا ً.
قلت: والله،رأيته بعيني هاتين، ولمسته بيمناي هذه ؟
قالت: من ؟
قلت: حليم ؟
قالت: يا الله، راح يجننك حليم، والله أنا أحبك. يا مجنون، كلنا خفنا عليك،الله لا يقدر..
أخذتني العبرة، أنا الأواه في حبها آنذاك، الدماع - بتشديد الميم أي قريب الدمع كثيره -، وارتعش صوتها رحمة بما هو بي منه:
والله، أمسحه من ذاكرتي من أجلك.
ومضيت بعد أن قلت لها: حليم علمني أن أحبك أكثر.
ولم أكره أحدا بعد هذا الحب كله..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.