· أدوية ومسروقات وبضائع مجهولة في غياب الرقابة · البائعون: الثورة قضت على أرزاقنا.. والبلطجية يفرضون “,”الإتاوات“,” · رواد السوق: لا نثق في جودة البضائع والأسعار غير مناسبة متابعة: إسراء حامد عالم شديد الخصوصية يعكس بانوراما من الحياة المصرية، وسط حي البساتين، وأمام مسجد الكحلاوي بالقاهرة، حيثما وليت وجهك تجد ما تبحث عنه، فكل شيء متوفر، بالسعر الذي يناسب حالة جيبك، فإذا كنت تريد أن ترتدي أفخم الملابس بأقل الأسعار، أو كنت تريد شراء جهاز تليفون أو تليفزيون أو غسالة أو ثلاجة أو حتى كمبيوتر أو طابعة، حتى المفروشات، والخردة، مرورًا بأسماك الزينة والزواحف، وانتهاءً بالأثاث المنزلي وكذلك والطيور والحيوانات الأليفة أو حتى غير الأليفة، فعليك الذهاب الى سوق الجمعة دون تفكير. “,”سوق الجمعة“,” تضم عدة أسواق متجاورة وهي سوق السيدة عائشة، وسوق الإمام، وسوق البساتين، وسوق القلعة.. كلها أسواق متجاورة مقتطعة مساحة كبيرة في جنوبالقاهرة، تمتد وسط القبور، تبدأ من ميدان السيدة عائشة بطريق صلاح سالم إلى كوبري التونسي، على طريق الأوتوستراد، وحتى جبل المقطم، وهي من أقدم الأسواق الشعبية المصرية التي تمثل مظهرًا تراثيًا قديمًا. ويستطيع زائر السوق أن يبدأ رحلته من ميدان السيدة عائشة، حيث طيور الزينة، تقابله المحلات والأكشاك المتخصصة في بيع العصافير والببغاوات بألوانها المختلفة، وأحواض أسماك الزينة متعددة الأحجام، التي تعرض بكثرة داخل السوق، فأسعار بيعها بسوق الجمعة أرخص من أسعار المحلات المتخصصة في أي مكان بالقاهرة. وعلى بعد أمتار قليلة وعندما تصل إلى سوق الإمام ستجد نفسك أمام عالم الطيور، كالزاجل والببغاء، كما يمكنك التجول بين الصقور المعروضة للبيع، وحولها يلتف الزبائن راغبو شراء الطيور القوية، وليس ببعيد عن الصقور ستجد أقفاص الخفافيش والبوم. ما لفت نظري أن السوق تعمل بقوانينها الخاصة التي يعرفها البائع والمشتري، حيث يدرك كلاهما طبيعة المعروضات التي تباع بأثمان بخسة بالنسبة لقيمتها الحقيقية، والسبب هو أن نسبة كبيرة من تلك المعروضات مسروقة أو مفقودة من أصحابها. وعندما تتجول في هذه السوق لن تجد اختلافًا كبيرًا بين حال تجاره ورواده، فكلاهما تجمعهما ظروف طاحنة أجبرتهما على التواجد في هذا المكان، بائع يبحث عن قوت يومه، ومشترٍ أضناه البحث عن شيء يحتاجه بسعر يناسبه. بين أرجاء السوق يمكنك أن تلاحظ العديد من باعة العطور وأدوات التجميل الخاصة بالمرأة والغريب أن هذه العطور تحمل ماركات عالمية شهيرة ولكنها بالطبع مزورة وغير معلومة المصدر وتتراوح أسعارها بين جنيه واحد الى 10 جنيهات. “,”سمير“,” أحد هؤلاء الباعة يبيع العطور والفواحات وماء الكولونيا في أشكال العينات الصغيرة والزجاجات المتعددة الأشكال ويقول: “,”تجد هذه العطور إقبالاً شديدًا لا سيما من الشباب وأنا لا أهتم بمصدرها، حتى الزبائن أنفسهم لا يهتمون بتلك الجزئية، فقط يهتمون بالرائحة الجيدة والشكل الجذاب والسعر الرخيص“,”. الأسعار في هذه السوق كما يقول “,”وليد“,” بائع متجول، أقل بكثير من مثيلاتها في المحلات والأسواق الأخرى، قد تصل إلى نسبة 50% وأكثر، ويبرر وليد الذي يفترش الأرض ببعض العطور والكريمات والمساحيق كثرة الزحام في السوق “,”بانخفاض سعر السلع والبضائع بصورة تناسب قطاع عريض من البسطاء والفقراء“,”. وعن المشكلات التي تواجه البائعين في السوق يقول بائع السجاد “,”جمال الصعيدي“,”، “,”المشاكل التي تواجهني دائمًا هي تشكيك الزبائن في السجاد الذي يبيعه لأنهم يعتبرونه مستعملاً، والحقيقة أنه فرز ثان من إنتاج المصانع، أو من بواقي التصدير التي أحصل عليها وأبيعها بسعر أقل من أسعار المعارض الخاصة بالسجاد“,”. وتؤكد “,”أم ربيع“,” أن السوق ليس كلها لصوص كما يتخيل الناس، فهناك خردوات قديمة قد يستغني عنها مستخدموها ويبيعونها، ويضيف بائع الحلي “,”رأفت علي“,” أن ظاهرة بيع السلع والمنتجات المسروقة والمقلدة أساءت لسمعة كافة البائعين بالسوق، ما جعل المواطنين يطلقون عليه المعرض الكبير للمسروقات، خاصة بعد نقل معظم أجزاء السوق إلى منطقة المقابر المجاورة للسوق. أما بائع الملابس المستعملة، “,”صلاح عبدالرازق“,”، فيبدو سعيدًا لأن “,”ارتفاع أسعار الملابس أنعش تجارة الملابس المستعملة بالسوق ويقبل عليها المواطنون من كافة المحافظات“,”. يضيف “,”عبدالرازق“,”: لا أبيع ملابس ممزقة، وإنما مستعملة استعمالاً بسيطًا وبأسعار جيدة، فالقميص يباع بخمسة عشر جنيهًا، لذلك يقبل الزبون على شراء اثنين، أو ثلاثة، لأنه يعرف أن أسعارها مجتمعة تعادل ثمن قميص واحد جديد. ويوضح شقيقه “,”علي“,” وهو بائع لأسماك الزينة بالسوق أن “,”أغلب العاملين بسوق الجمعة من المتعلمين، وبعضهم حاصل على مؤهلات عليا، لكنهم اختاروا التجارة بالسوق بسبب البطالة، ويضيف أن بعض المترددين على السوق يستهدفون الحصول على أكبر كمية من البضائع والمنتجات بأسعارٍ زهيدة. أما أحمد عبدالستار “,”أحد باعة طيور الزينة بالسوق“,” فيرى أن “,”الطيور مخلوقات جميلة لذا عشقت تجارتها، خاصةً أنها جعلتني أتعامل مع زبائن من نوعية مختلفة، لكن لا أستطيع الإفلات من قبضة بلطجية السوق الذين لا يتركون أي بائع في حاله ويستولون على جزء من رزقه“,”. أحمد حسين “,”طالب جامعي“,”، حضر إلى السوق برفقة صديقه لأنه سمع بوجود السلاحف الصغيرة، والتي يريد شراء واحدة منها ليهديها لابن شقيقته في عيد ميلاده الذي يحل بعد أيام، فهي من وجهة نظره هدية مختلفة ومتميزة، وأشار إلى أنه تجول أولاً قبل الشراء وما لفت نظره أن البائعين والمشترين تدور بينهم أحاديث عن السلاحف ومعلومات عن تربيتها استفاد هو منها، فعلِم مثلاً أن أكثر ما يزعج السلحفاة تحريكها بسرعة عند نقلها من مكان لآخر، أو أن يتحرك صاحبها أمامها حركات سريعة. مشهد آخر بالسوق لشاب في منتصف العشرينات من عمره يتاجر في العملات القديمة والتحف النادرة، ويقول إنه “,”يتميز ببضاعته الفريدة عن الآخرين“,”، مشيرًا إلى أن زبائنه من نوع خاص جدًّا غير الشائعين في السوق لأنهم أصحاب هواية. “,”رضوان“,” أحد باعة الساعات أكد لنا أن هناك تجارًا في السوق يعتمدون في توريد بضاعتهم على اللصوص والنشالين، مشيرًا الى أنه يعرف البعض منهم وهم يستغلون الغياب الأمني في هذه المنطقة، وعندما سألناه عن مصدر بضاعته قال: “,”أشتري الساعات القديمة من بعض بائعي الخردة وأقوم بتصليحها إذا كانت في حاجة لذلك أو أكتفي بتلميعها فقط إذا كانت سليمة ولي سمعة جيدة بين زبائن السوق فأنا لا أعمل في المسروقات كما أنني أقبل بإعادة الزبون للبضاعة التي اشتراها مني إذا اكتشف فيها عيبًا“,”. وعلى الرغم من انخفاض أسعار البضائع، إلا إن هذه الأسعار ليست نهائية ويفاصل فيها الزبون ليأخذها بأسعار أقل نظرًا لتشكيكه في البضاعة، حسبما ذكرت “,”ماجدة“,” وهي بائعة متجولة للخردوات، مشيرة إلى أن أكثر شيء يضايقها هو سمعة السوق السيئة، قائلة: السوق معروف عنها أنها تبيع كل ما هو مسروق، ما يجعل الزبائن يساومون بشدة على ثمن السلع. كما تضم السوق قسمًا للتليفون الجوال يعد من من أكثر الأقسام التي تلقى رواجًا كبيرًا بين الزبائن الذين يترددون على السوق لاستبدال أجهزتهم القديمة بالأجهزة الأحدث مع دفع الفارق المادي المطلوب. أحد التجار بالسوق ويدعى “,”عم حسني“,” يقول: “,”شاشات الكمبيوتر والمكونات الأخرى عليها إقبال كبير، خاصة من جانب الشباب وأصحاب مراكز الصيانة والطلاب ومهندسي الكمبيوتر، الذين يأتون إلينا من كل الأقاليم، وكل منهم يكون له غرض ما يبحث عنه، فهذه المكونات منها السليم ومنها ما به عيوب وقد لا تصلح للعمل، ومع ذلك هناك من يُقبل عليها لإصلاحها أو ليستخدمها كقطع غيار بديلة لما يمتلكه، أما عن الأسعار فهي تختلف حسب حالة القطعة جديدة أو قديمة وكذلك وفقًا لنوعها. خطوات قليلة وتستقبلك عواطف بابتسامة على ثغرها وهي تقول “,”عايزين السوق تنضف يا أستاذة والبلطجية يبعدوا عننا“,”.. وتستطرد حديثها قائلة: “,”رزق عيالنا ياخدوه البلطجية والحكومة بتتفرج“,”، والتقط طرف الحديث منها عم “,”يسري“,” قائلاً: “,”المستورد فرض نفسه، وارتفاع سعر الدولار أثر على رزق المصريين“,”. ولعل ما يلفت النظر في السوق، يتمثل في التواجد الكثيف للأغذية المعلبة، كالمربى والتونة والسالمون وزيوت الطعام والسمن بأسعار تقل كثيرًا عن السوق، بعضها معلوم المصدر وتاريخ الإنتاج والصلاحية، وبعضها الآخر غير معلوم، وهو ما يثير شكوكًا حول سلامة هذه السلع وأثرها على صحة المواطنين، ورغم ذلك تجد رواجًا كبيرًا. الأنتيكات والتحف لها مكانها في السوق ولها أيضًا زوارها، الذين قدموا للبحث عن تمثال أو لوحة أو قطعة فنية كي يستخدموها في ديكورات منازلهم، وقد يتصادف أن تكون ثمينة أو نادرة ودون علم البائع الذي قد لا يستوعب قيمتها فيبيعها بجنيهات قليلة، وبجوار التحف يوجد مكان لبيع العملات المعدنية والورقية النادرة. ويضيف “,”سعد“,” أحد المتجولين في السوق للشراء: “,”رغم أن سوق الجمعة يأتيها الغلابة والفقراء إلا إنهم يشترون منتجات الأغنياء المسروقة أو الضائعة وهو شيء لا ضرر فيه كما أنه ليس حرامًا، فحتى لو كنت أعلم أن الأشياء التي أشتريها مسروقة فهذا ليس ذنبي أن أشتري منتجًا وأدفع ثمنه للبائع بينما يقع الإثم على السارق والبائع له“,”. وإذا كنت مهتمًا بالثقافة فلن تخذلك سوق الجمعة، فهناك باعة متخصصون في تجارة الكتب القديمة على اختلاف مضمونها، تمامًا مثلما يحدث في سور الأزبكية لكن بشكل مصغر، حيث تتراوح أثمان الكتب بين 3 جنيهات و10 جنيهات، أما إذا كنت طالبًا فالسوق تقدم لك الكتب الدراسية أيضًا، ولن تجد صعوبة في الحصول على مجلات وصحف قديمة عامة ومتخصصة. “,”الأثاث والموبيليا“,” تشغل حيزًا كبيرًا من السوق، فعند تجولك تشاهد غرف النوم والاستقبال والمطابخ الخشبية معروضة على الأرصفة وبطول قضبان سكك حديدية غير مستعملة تخترق السوق، وتشترك هذه “,”الموبيليا“,” جميعها في أنها رخيصة الثمن سواء كانت غرفًا جديدة أو مستعملة من قبل، ويمكن للزائر أن يشتري غرفًا كاملة أو قطعة منها حسب احتياجه. وآخر ما يمكن توقع وجوده في هذه السوق هو الدواء الذي يباع على الرصيف، فأقراص وزجاجات الدواء تفترش الأرض بشكل عشوائي وعلى الراغب في دواء معين البحث عنه وسط أكوام من العلب التي تكون معظمها منتهية الصلاحية ويكون الباقي منها معرضًا للتلف نتيجة سوء التخزين. التقيت بواحد من الزبائن وهو “,”حسين فرغلي“,”، وأشار إلى أنه حضر من منطقة الدويقة القريبة من السوق، لشراء مرهم للجلد، وقد وجده وقام بشرائه بجنيه واحد، على الرغم من أنه قد تم استعماله قبل ذلك، ولكنه لا يبالي بذلك، لأن مثيله الذي يباع في الصيدليات سعره 30 جنيهًا، ولا يقدر على شرائه؛ لأن دخله الشهري من عمله كبائع فول سوداني لا يكفي نفقات طعام أبنائه الخمسة، حتى يشتري له دواءً من الصيدليات، بعدما أصابه مرض الطفح الجلدي. المستلزمات الطبية أيضًا موجودة في السوق بسعر قليل يناسب الفقراء، ومعظمها يكون درجة ثانية في التصنيع، فيمكنك شراء الأربطة والضمادات والأحزمة الطبية التي تستخدم لعلاج الكسور، وكذلك مستحضرات التجميل تباع بكثرة، فهناك كريمات العناية بالبشرة ومثبتات الشعر، إلى جانب الشامبوهات وأنواع الصابون والزيوت المختلفة ودهانات الجلد والعطور وأدوات التجميل الخاصة بالمرأة. “,”شوقية عبدالخالق“,” ربة منزل، “,” قالت: “,”تعوّدت على شراء الأدوية من سوق الجمعة دون استشارة طبيب، ولكن فقط أقتنع بكلام البائع وأعتبره كالطبيب، حيث إنه يفهم في نوعية الأدوية التي تناسب كل مرض. وأضافت: “,”السوق بها كل أنواع الأدوية، وحتى مستحضرات التجميل الرخيصة مثل الروج والبودرة وكريمات البشرة وغيرها موجودة بكميات كبيرة، وسعر العبوة منها لا يتعدّى الثلاثة جنيهات“,”. وأوضحت أنها تسكن بمنطقة السيدة عائشة القريبة من السوق التي تتردد عليها أسبوعيًا لشراء أدوية لها لأنها مريضة بمرض صدري، وأحد أبنائها مصاب بمرض في عينيه. وفي السوق يكثر بائعو الخردة بما لديهم من كميات هائلة من الأشياء القديمة البلاستيكية والحديدية والنحاسية، من بقايا المصانع أو مخلفات المنازل، بدءًا من الأجهزة الكهربائية وانتهاءً بالمسامير الصغيرة، حيث يعاد تصنيعها أو إصلاحها أو تدويرها لتدخل في صناعة أخرى، وجميعها يباع بأسعار زهيدة، فقط تنتظر الزبون الذي يقدرها ويعرف قيمتها. وعندما تصل إلى معروضات السيراميك والألوميتال فإنك تكون قد وصلت إلى نهاية السوق، ففيها يعرض السيراميك قليل الجودة إلى جانب كسر السيراميك، ومعه أطقم الحمامات، أما الأبواب والشبابيك القديمة والمصنوعة من الألوميتال فستجدها هناك أيضًا وبسعر يقل بكثير عن سعرها الحقيقي.. إنها سوق الجمعة، وفلسفتها كل شيء موجود، وبسعر يناسب الجميع.