مازالت تداعيات أزمة سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من قطر مستمرة وتلقي بظلال كثيفة على مستقبل مجلس التعاون الخليجي ومنظومته الأمنية، خاصة وعلى مستقبل الأمن الإقليمي في منطقة الخليج بشكل عام. فالقرار الثلاثي يؤسس لبداية تحول حقيقي في مسار العلاقات الخليجية الثنائية وللسياسة الخليجية الموحدة في إطار مجلس التعاون الخليجي.. فطوال السنوات السابقة كانت دول التعاون تنتهج سياسة إحتواء المشكلات السياسية وإحتواء الأزمات الثنائية، وعلى رغم التوترات والامتعاض من السياسة الخارجية القطرية فإن الخلافات سرعان ما يتم إحتواؤها بين الأشقاء الخليجيين. ورغم جهود الوساطة الكويتية العمانية من أجل وقف الأزمة عند حدها الأدني، إلا أنها لم تحقق تقدما حتى الآن، لكن من المأمول حدوث إنفراجة في الأزمة قبيل موعد عقد القمة العربية العادية في 25 و26 مارس الجارى، خاصة وأنها من المقرر عقدها في قطر. وتتواصل الجهود الدبلوماسية الخليجية لاحتواء الأزمة سريعا، خاصة وأن تداعياتها ومردوداتها الأمنية ستكون خطيرة على المنطقة في ظل وجود أطماع إقليمية لبعض دول الجوار للتدخل ومحاولة اغتنام الفرص لتعزيز مكاسب وجودها بالمنطقة. وإذا كان الوزير المسئول عن الشئون الخارجية بسلطنة عمان يوسف بن علوي بن عبد الله، قلل من تأثير الأزمة على ثوابت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، واعتبرها "خلافا وعتابا" بين الأشقاء قد يكون لابد منه لمواصلة المسيرة، إلا أنه أكد أن ذلك لا يتعارض مع حق كل دولة خليجية في رسم سياساتها ورؤاها وتوجهاتها في إطار الهدف المشترك الذي يبنى عليه المجلس، مستشهدا بأن سلطنة عمان مثلا ترتبط بعلاقات مع إيران تختلف عن تلك التي تربط بين طهران والرياض. ركائز الآلية المقترحة ترتكز الآلية المقترحة لفض المنازعات بين دول مجلس التعاون الخليجي على الأسس والركائز التالية، أولا: إنشاء وحدة خاصة بفض المنازعات بالطرق السلمية على غرار تلك الموجودة بجامعة الدول العربية، تتكون من ممثلين عن كل دولة خليجية، وليس شرطا أن يحكمها الإطار العام والمبادئ والقواعد المنظمة لميثاق مجلس التعاون الخليجي، وتتمتع هذه الوحدة بالاستقلالية عن الدول وتكون قراراتها منفردة، ويقترح أن يرأسها نائب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي بعد أن يتم استحداث هذا المنصب الوظيفي وفق مقتضيات ومتطلبات المرحلة الراهنة. ثانيا: أن يتم الاتفاق على استضافة أعمالها بشكل دوري أي كل ثلاثة شهور في إحدى دول المجلس وبالترتيب الأبجدي، على أن تمنح كل الصلاحيات اللازمة للوصول إلى غايتها، وهو التوصل لحل أي نزاع ناشيء أو في طور النشأة بعيدا عن أي تدخل إقليمي أو دولي حرصاً على خصوصية دول مجلس التعاون الخليجي. ثالثا: يدعم ويساند هذه الآلية الوليدة المقترحة، أن يتم في بادئ الأمر أولاً تفعيل دور دبلوماسية مؤتمرات القمة الخليجية السنوية في تسوية المنازعات الخليجية الخليجية، حيث أن الاجتماعات الدورية لرؤساء الدول والحكومات الخليجية لها فائدتها في التسوية السلمية للمنازعات التي قد تنشأ بين الدول الخليجية، لأن في ذلك فرصة للقاء الزعماء والقيادات الخليجية، ويعني حضور الأطراف المتنازعة جلسات مؤتمر القمة أنه قد تتاح الفرصة المناسبة للمساعدة عن طريق طرف ثالث له استعداد لتقريب وجهات نظر الأطراف المتنازعة، حيث أن مناخ عقد مؤتمرات القمة قد تتهيأ فيه الفرصة المباشرة للدبلوماسية الشخصية لرؤساء الدول، لذلك نجد أن لمؤتمر القمة دوره الفاعل في التسوية السلمية للمنازعات، خاصة إذا كان طرفا النزاع متواجدان في المؤتمر. الاعتبارات الدافعة ولا شك أن تلك الآلية المقترحة لفض المنازعات بين الدول الخليجية بالطرق السلمية وبعيدا عن التشنجات السياسية، وتفكيك كيان المجلس ووحدته، مدفوعة دفعا بعدة اعتبارات هي أولا: ضرورة تأمل دول المجلس في سيناريو التدهور ومراحله لإدراك خطورة الموقف، وخطورة أي خطوات إضافية قد تتخذ من الطرفين، وكيف ستقود كلها إلى تعقيد الأمور والسير بها نحو الهاوية، فمثلا إغلاق الحدود مع قطر ووقف الحركة التجارية والاقتصادية معها يؤدي إلى تدمير التداخل الاقتصادي والاستثماري الكبير والمتشابك بين أسواق بلدان الخليج. ثانيا: ضرورة تعلم دول الخليج الدرس بشأن صعوبة توحيد السياسة الخارجية والسياسات الأمنية، فتجربة الاتحاد الأوروبي تقدم الدرس الأكثر غنى في هذا الصدد، فهذه التجربة التي تعتبر رائدة بين تجارب التكامل الإقليمي في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية تشير إلى أنه ثمة جوانب في هذا التكامل يمكن تحقيقها والتقدم في إنجاز مستويات عالية في تنفيذها مثل الجانب الاقتصادي والجمركي وجانب تنقل الأفراد والبضائع، وجوانب أخرى متعلقة بالفن والتشريعات وحقوق الإنسان وغيرها. وفي المقابل هناك جوانب بالغة الصعوبة حيث يتسم التقدم في إنجازها وتحقيق مستويات ولو متواضعة فيها بالبطء والتدريج وأحيانا الجمود، وعلى رأس هذه الجوانب السياسة الخارجية المشتركة، وكذلك السياسات الأمنية الداخلية. ثالثا: ضرورة إيقاف الأزمة فورا وعند حدها الذي وصلت إليه، وعدم السماح لها بالتفاقم عن طريق القيام بأية إجراءات أخرى، فتجميد الأزمة على ما هي عليه والحيلولة دون تدهورها هما الخطوة الأولى لبداية حلها وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه. رابعا: ضرورة إدراك دول المجلس لخطورة سياسة المحاور التي قد تغتنمها دول إقليمية لتحقيق طموحاتها السياسية من خلال اللعب على وتر التباين في الرؤي والسياسات تجاه قضايا إقليمية ودولية قد تكون تأثيراتها غير مأمونة العواقب مستقبلا، كما أن الابتعاد عن سيناريو التسوية السلمية للأزمة يرمي بدول الخليج في أحضان سيناريو تصعيد الأزمة وصولا إلى خروج قطر من مجلس التعاون الخليجي، أي إعادة صياغة مجلس التعاون، وبالتالي بحث قطر عن محاور جديدة لضبط التوازنات الخليجية وتشكيل محور ثلاثي يشملها بالإضافة إلى إيران وتركيا، وبالتالي التأثير على أمن الخليج. ويبقى التأكيد هنا على ضرورة الاستفادة من آلية "مؤتمرات القمة العربية" وهي الآلية التي استخدمها مجلس الجامعة العربية في الممارسات دون أن يكون ثمة نص عليها في الميثاق، من خلال تقنينها وتحديد علاقتها بمجلس الجامعة، بحيث يتعين على الأخير احترام ما يصدره المؤتمر من قرارات ويقتصر المؤتمر في مباشرة مهامه على الأمور ذات الأهمية القصوى مع ترك الأمور الأقل أهمية للمجلس.