تتفرد مدينة القاهرة بسحر خاص، تجذب إليها القلوب قبل العيون، عجز المؤخرون والمستشرقون على وصفها، فكل من يأتى إليها يأبى الرحيل، وكأنها "النداهة" التى تشدو بصوتها العذب لتجذب إليها كل من تخطو قدمه عليها، فهى مزيج من العبقرية والجنون، أما لياليها فلها مذاق خاص، التجوال في شوارعها حتى مطلع الفجر، فهى المدينة التى لا تنام. وعلى مدى شهر رمضان المبارك سنروى حكاية تلك المدينة الساحرة، أم المدن، «القاهرة» سنتحدث عن مساجدها، وكنائسها ومبانيها، وحكايات أشخاص عاشوا فيها، وغزاه وأحباب سنروى حكايتها منذ نشأتها. بلغ غرام الفاطميين بجمع التحف الفنية، حتى ان الأميرات كنَّ ينافسن الأمراء في جمع التحف واقتنائها، والبعض منهن قد تركن كنوزا ثمينة لا تقدر بثمن، فقد تركت الأميرة "رشيدة ابنة المعز" تحفًا تقدر قيمتها بنحو مليون وسبعمائة ألف دينار، منها ثلاثون ثوبًا من الخز الثمين، و"الخز" هو قماس من الصوف والحرير، كما وجد في خزانتها بعض العمامات المرصعة بالجواهر، كما كانت تمتلك الخيمة التى توفى فيها هارون الرشيد بمدينة طوس، والتى كانت مصنوعة من الخز الأسود. والغريب في الأمر أن الخلفاء العزيز والحاكم والظاهر والمستنصر كانوا جميعهم ينتظرون وفاة الأميرة "رشيدة" ليرثوا ثروتها وتحفها الفنية، واستطاع المستنصر أن يضم كنوزها إلى خزائنه. كما كان الأمر ذاته مع الأميرة "عبدة" بنت المعز والتي خلفت وراءها ثروة طائلة وتحفًا فنية لا تحصى، فقد تركت نحو أربعمائة سيف محلى بالذهب، ونحو أردب من الزمرد والكثير من الجواهر والأقمشة النفيسة والأباريق والطسوت المصنوعة من البلور الصافى، كما وجد في خزائن القصر آنية من الصينى، بعضها على شكل أنواع الحيوان المختلفة فقد برع الفنانون المصريون في فترة العصر الفاطمى في صناعة الأوانى النحاسية والبرونزية المصنوعة على أشكال الحيوانات، وكان منها أباريق من النحاس الأصفر المصنوعة على شكل فارس أو حيوان أو طائر. ومن بين نفائس خزائن القصر حصيرة مصنوعة من الذهب بلغ وزنها ثمانية عشر رطلا أى نحو 7 كيلو جرام، كما كانت هناك أيضًا صناديق مملوءة بالمرايا المصنوعة من الحديد المحلى بالذهب والفضة وكان بعضها مكلل بالجواهر النفيسة، وكانت لها محفظات مصنوعة من الكيمخت وهو نوع من الجلد المتين، وأخرى كانت مصنوعة من الأقمشة الحريرية النفيسة وكان لتلك المرايا مقابض من العقيق. كما كانت خزائن القصر مليئة بالآف الآلات المصنوعة من الفضة المكفتة بالهذب ذات النقوش العجيبة، والمصنوعة بدقة متناهية، كما كانت تحوى أيضًا كميات كبيرة من قطع الشطرنج والنرد المصنوعة من الجواهر والذهب والفضة والعاج والأبنوس، وكان لها رقاع من الحرير المنسوج بخيوط من الذهب. ومن عجائب مقتنيات القصر تحف على شكل الحيوانات والطيور ومنها طاووس من الذهب المرصع بالجواهر النفيسة وعيناه من الياقوت الأحمر أما ريشه فكان من الزجاج المموه بالمينا على ألوان ريش الطاووس، كما كان يوجد ديك من الذهب له عرف كبير مصنوع من الياقوت الأحمر ومرصع بالدر والجواهر، وغزال مرصع أيضا بالجواهر النفيسة، ومائدة كبيرة واسعة من اليصت وأخرى من العقيق، ونخلة من الذهب ومكلله ببديع الدر والجواهر ويمثل أجزاءها وما تحمله من بلح، ومئزرة مكللة بحب اللؤلؤ النفيس، هذا بالإضافة إلى الأثاث الفاخر المرصع بالجواهر، والذى كان معدًا لتزين القوارب النيلية التى كانت تستخدم يوم فتح الخليج. فالتتبع لما قد تم سرده حول خزائن الجوهر والطرائف يوقن أن مصر وقاهرتها كانت من أغنى الدول، وأن المعز عندما عاش حياته في محاولة تحقيق حلمه، في السطو عليها وغزوها، والقطع النفيسة التى تم نهبها فيما بعد من ثروات مصر التي تنبع بالخير والرخاء على كل من يجىء إليها.