تتفرد مدينة القاهرة بسحر خاص، تجذب إليها القلوب قبل العيون، عجز المؤخرون والمستشرقون على وصفها، فكل من يأتى إليها يأبى الرحيل، وكأنها "النداهة" التى تشدو بصوتها العذب لتجذب إليها كل من تخطو قدمه عليها، فهى مزيج من العبقرية والجنون، أما لياليها فلها مذاق خاص، التجوال فى شوارعها حتى مطلع الفجر، فهى المدينة التى لا تنام. وعلى مدى شهر رمضان المبارك سنروى حكاية تلك المدينة الساحرة، أم المدن، «القاهرة» سنتحدث عن مساجدها، وكنائسها ومبانيها، وحكايات أشخاص عاشوا فيها، وغزاه وأحباب سنروى حكايتها منذ نشأتها. أما خزانة الجوهر والطيب والطرائف، فكانت تحتوى على الأعلام والجوهر التي يركب بها الخليفة فى الأعياد، وكان يؤخذ من الخزائن ما يحتاج إليه، ثم يعاد إليها بعد الاستغناء عنه، وكان بها سيف الخليفة الخاص، والرماح الثلاثة الخاصة بالمعز. كما كانت تضم أيضًا أعلام اللواءان المعروفان بلواءى الحمد وهما عبارة عن رمحان برؤوس من الذهب، وفى كل منهما سبع من الديباج الأحمر والأصفر، وفى فمه طارة مستديرة يدخل فيها الرمح فيفتحان فيظهر شكلها، وكان يحمل هذين الرمحين فارسان من صبيان الحرس الخاص بالخليفة،ويأتى وراء الرمحين 21 راية ملونة من الحرير ذي الزخارف والرسوم والمكتوب عليها «نصر من الله وفتح قريب»، وكان طول كل راية منها ذراعان فى ذراع ونصف. كما كانت الخزانة تضم ما أطلق عليه "الحافر" وهى عبارة عن قطعة ياقوت أحمر فى شكل هلال زينيت ب 11 مثقالًا ليس لها مثيل في الدنيا، وكانت تخاط خياطة متقنة على قماش حرير ويحيط بها قضيب من الزمرد الذبابي العظيم الشأن، وهو أفضل أنواع الزمرد والذى لا يوجد منه الآن، وعندما استولى صلاح الدين على القصر بعد وفاة العاضد وجد فى تلك الخزانة العديد من التحف الثمينة التى لم يمكن إحصاؤها، أما الحافر فقد ذكر المقريزى أنه قد وصل إلى يد الأمير وليم الثانى ملك صقلية في عام 1179، والذى قام بإهدائه إلى أبى يعقوب يوسف سلطان الموحدين". ومن أهم مقتنيان تلك الخزانة هو سيف الخليفة والذى كان يتم حمله فى المواكب، والذى كان مُحلى بالذهب ومرصع بالجواهر وله كيس مزين بالرسومات الذهبية، كما أنها كانت تحوي أيضًا صناديق مملوءة الزبرجد والزمرد الذي لم يوجد نظير له فى سائر أقطار الأرض. ويذكر المقريزي:"أن خزائن القصر كان فيها شىء كثير من البلور والتحف الفنية الزجاجية المحكمة الصنع والمموهة بالذهب وغير المموهة، ومن الصينى والأوانى المصنوعة من خشب "الخلنج" وهو نوع من الأشجار التى يتم تصنيع الأوانى منها، كما كانت خزائن الفرش والبسط والستور والتعاليق غنية بمحتوياتها النفيسة، والبلور النفيس، كما كان في خزائن القصر عدد كبير من صوانى الذهب، والمحلى بعضها بالمينا والمنقوش عليها كافة أنواع الزخارف، وكان تحوى أيضًا أكثر من مائة كأس من حجر اليصت أو حجر الدم البازهر وهو حجر غال من خواصة الوقاية من السم فكانت الكؤوس تصنع منه للأمراء والملوك لتوضع فيها المشروبات فيتغير لونها إذا كان بها سم، كما كان يصنع من حجر الدم البازهر الخواتم والتى كان يلحسها الشخص إذا أصيب بالسم فيشفى. كما احتوت الخزائن أيضًا على صناديق مملوءة بالسكاكين المذهبة والمفضضة ذات أياد من الأحجار الكريمة، وعدد كبير من المحابر المختلفة الأحجام والأشكال والمصنوعة من الذهب والفضة وخشب الصندل والعود والأبنوس والعاج والمحلاة أيضًا بالجواهر والمعادن النفيسة، وكانت جميعها تتميز بدقة الصنع. ولكن كباقي ثروات مصر قد تعرضت تلك الخزينة إلى النهب والسرقة من قبل رؤساء الجند وكبار الموظفين المعزولين، ومنها ما يقارب من مائتى خاتم من الذهب والفضة والتي كانت مرصعة بفصوص من الأحجار الكريمة المختلفة الأنواع والألوان والأثمان والتى كانت مملوكة للمستنصر وأجداده، وكان من بينها ثلاثة خواتم مربعة مصنوعة من الذهب عليها ثلاثة فصوص أحدهما من الزمرد والآخران من الياقوت والتي تم بيعها باثني عشر ألف.