وكأن أعضاء رابطة أولتراس أهلاوي أدمنوا المشاكل والصدامات مع الأمن ولا يتخيلون أن مباراة لفريقهم من الممكن أن تخرج إلى بر الأمان حتى ولو كانوا فائزين ومنتصرين ببطولة السوبر الإفريقي، وكأن الحل هو عدم حضور الجمهور للمباريات أو حل هذه الروابط طالما أن فئة منه تخرج عن النص في كل مرة وتفتعل أحداث شغب أصبحت بمثابة مشهد شبه متكرر في أي مباراة يحضرها الأنصار، الأمر الذي يثير حالة من الجدل الشديد حول إمكانية عودة الجمهور لمباريات الدوري الذي يقام خلف أبواب مغلقة بقرار أمني يبدو أن الأيام ستثبت صحته في المرحلة المقبلة، خاصة أن الظرف الراهن التي تعيشه مصر لا يحتمل مثل هذه المهاترات. ما حدث أمس بعد نهاية مباراة الأهلي والصفاقسي التونسي في كأس السوبر الإفريقي ليس المرة الأولى التي تخرج خلالها جماهير الأولتراس عن النص وتقوم بأحداث شغب سواء بالاشتباك مع الأمن بعد استفزازه، وكيل السباب له أو إشعال النيران في سيارة شرطة وبعض السيارات المدنية بعد المباراة، والبعض يعتقد أنها لن تكون المرة الأخيرة لأن الشواهد تؤكد أن الأولتراس يرفض فتح صفحة جديدة مع الأمن حتى ولو بادرت الجهات المعنية باتخاذ الخطوة الأولى في هذا الصدد لإغلاق ملف الاضطهاد الذي عانى منه هؤلاء الشباب في فترة ما قبل ثورة 25 يناير ولكن في هذه الحالة فالجميع سيدفع الثمن. عقيدة الأولتراس يؤمن أولتراس أهلاوي أن رجال الأمن الذين يتواجدون في الملاعب خلال المباريات المختلفة هم بمثابة الأعداء الذين لا بد من الهجوم عليهم بداية من السباب طوال اللقاء ضدهم ولا مانع من استفزازهم بإلقاء زجاجات مياه فارغة مثلًا أو شماريخ عليهم، حيث إن هؤلاء لم ينسوا بعد الإجراءات التعسفية التي كانوا يتعرضون لها إبان عهد حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق، ورغم أن الثورة قد قامت وتسعى الداخلية بشكل أو بآخر لإغلاق هذا الملف وفتح صفحة جديدة مع الروابط الرياضية في المباريات إلا أن هذه الروابط ترفض قبل ما تراه تصفية حسابات من عهد قد مضى. فالأولتراس يميل دائمًا إلى التمرد، ومَن ينظر للأعمار السنية لأعضاء الروابط يجدهم في مرحلة الشباب التي لها طبيعة خاصة وهم يعتقدون أن هناك ثأرًا بينهم وبين الداخلية وليس ما حدث في بورسعيد من مقتل 72 من زملائهم في الموقعة الشهيرة ببعيد عن أذهانهم ولا يجب أن ندفن رؤوسنا في الرمال ونتجاهل اتهام هؤلاء لعناصر في الداخلية بالتورط في هذه الحادثة الأليمة. هذه الخلفية تسببت في صدامات متكررة بين الأمن والأولتراس حيث تكررت حوادث إلقاء القبض على عدد منهم في الفترة الأخيرة وكان آخرها قبل موقعة الأمس توقيف بعضهم في مطار القاهرة لدى استقبالهم بعثة فريق كرة اليد بالنادي وهو ما أثار أزمة كبيرة وقتها تدخل فيها وزير الداخلية للإفراج عن الشباب. البعض يرى أن القبضة الأمنية لا بد أن تبطش بهؤلاء الشباب الذي يخرقون القانون، ولكن الأكيد أن هؤلاء الشباب لا بد من احتوائهم عن طريق مؤسسات الدولة، وأن الحل الأمني وحده لن يكون كافيًا للقضاء على شغب الملاعب فضلا عن تطبيق القانون دون تهاون أو تجاوز من جانب الشرطة لأن هذه الظاهرة لو عادت في هذه المرحلة قد تؤثر سلبًا على المجتمع الذي هو في أمس الحاجة للهدوء بعد شهور طويلة عانى خلالها الجميع من الاضطرابات السياسية والأمنية، كما أن التجربة أثبتت أن تصدير الأمن في جميع الأزمات يأتي بآثار سلبية وأيضًا يدفع الجميع الثمن. شغب الأولتراس.. عرض مستمر لم يكن ما حدث أمس من أحداث شغب وتخريب باستاد القاهرة ومحيطه عقب مباراة الأهلي والصفاقسي التونسي بالشيء الجديد ولكنه للأسف أصبح شبه عادة ألفها المصريون جميعًا لدرجة أن هناك مَن لم تصبه الدهشة من حرق سيارات شرطية ومدنية من جانب بعض الجماهير التي اشتبكت مع الأمن الذي حضر للمباراة للخروج بها إلى بر الأمان. فأحداث مشابهة وقعت في مباراة للأهلي أمام كيما أسوان ببطولة كأس مصر بعد شهور من ثورة 25 يناير فما أشبه الليلة بالبارحة، حيث تكرر نفس المشهد من قيام الجمهور باستفزاز الأمن وتوجيه السباب له قبل أن تقوم قوات الأمن باقتحام مدرج (التالتة شمال الشهير) لإخلائه من الجمهور فما كان من هؤلاء الشباب إلا أن اشتبكوا مع الأمن ووقعت إصابات بين الطرفين فضلًا عن اعتقال البعض وإشعال النيران في سيارات شرطية ومدنية بمحيط الاستاد. وما أزمة مباراة الأهلي في السوبر المحلي قبل ما يقرب من عام ونصف العام أمام إنبي ببعيدة عن الأذهان حين رفضت رابطة الأولتراس إقامة المباراة قبل القصاص من قتلة ضحايا موقعة بورسعيد، حيث حاصرت الجماهير فندق الأهلي ببرج العرب ولولا خطة أمنية محكمة من مديرية أمن الإسكندرية لربما لم يستطع اللاعبون التوجه لملعب المباراة التي أقيمت في ملعب برج العرب تحت حراسة أمنية مشددة وكأننا في موقعة حربية وليس مباراة كرة قدم. كما سبق للأولتراس أن اقتحم تدريبات الأهلي أكثر من مرة في العامين الماضيين بحجة اتهام اللاعبين بالتقصير في الدفاع عن حقوق شهداء بورسعيد وهو ما دفع عدد من اللاعبين للتفكير في الرحيل، ولم يسلم حسن حمدي رئيس الأهلي ومجلس إدارته من اتهامات التخوين والتفريط في حقوق الشهداء فكانت الهتافات ضده تهز أرجاء مقر النادي بالجزيرة في واقعة سيظل التاريخ يذكرها كثيرًا. خلاف أولتراس أهلاوي وأولتراس وينرز قبل بداية مباراة الأمس وقع خلاف بين رابطتي الأولتراس (أهلاوي ووينرز) تطور إلى اشتباكات بين الطرفين بالحجارة والشماريخ بسبب عدم اتفاق بينهما على اللافتات والدخلات التي يتم رفعها مع بداية المباراة، وهو الأمر الذي كاد يتطور إلى أزمة كبيرة خاصة أن الاشتباكات وقعت داخل المدرجات لولا تدخل البعض لاحتواء الموقف. هذه ليست المرة الأولى التي تقع فيه اشتباكات بين طرفي أولتراس الأهلي حيث سبق أن وقعت أحداث مشابهة في مباراة للفريق بدوري أبطال إفريقيا النسخة الماضية بالجونة ولو لم يتدخل العقلاء في الطرفين لوقع ما لا يحمد عقباه. والسؤال الذي يفرض نفسه إذا كان هكذا خلاف واشتباكات تقع بين أعضاء رابطتين تشجعان نفس النادي فكيف سيكون الحال بين رابطتي الأهلي والزمالك مثلًا في مرحلة تؤكد الوقائع أن الداخلية (مش فاضية) لها بالشكل اللازم في ظل الارتباطات والاستحقاقات التي تضطلع بها. هتافات ودخلات الأولتراس أحيت الكرة المصرية.. فهل تكون نهاية اللعبة على أيديهم؟ في ال13 من أبريل عام 2007 كان جمهور الكرة في مصر على موعد مع ظاهرة جديدة عليه حين قام مجموعة منظمة من الشباب بحضور مباراة الأهلي وإنبي واتخذوا من مدرجات (التالتة شمال) موقعًا لهم وبدا عليهم من الوهلة الأولى أنهم يختلفون عن الجمهور التقليدي لكرة القدم والذي حرص على متابعة المباريات في الملعب منذ زمن طويل، وكذلك هم مختلفون عن الروابط التي كانت قد تأسست للأندية في وقت سابق، إنهم أعضاء رابطة أولتراس أهلاوي ومنذ ذلك التاريخ وقد تغيرت الكثير من الأمور على الساحة الكروية حتى وصلت إلى ما نحن عليه الآن. وسيظل التاريخ يذكر أن هذه المجموعة هي التي أحيت الملاعب المصرية بتشجيعها المنضبط (رغم بعض الخروج عن النص) والأهم من ذلك ثقافة الدخلات التي أبهرت الجميع وأضفت على الملاعب المصرية بهجة وأشعلت حماس اللاعبين، وكان توقيت ظهور هذه الرابطة مهمًا في مرحلة كان فيه البث التليفزيوني لمباريات الدوري أخذ طريق التطور قبل أن تنطلق القنوات الفضائية بهذه الكثافة وأصبح الجلوس في المنزل للاستمتاع بالمباريات أفضل عند كثيرين من تكبد عناء الذهاب إلى الملعب وهو ما جعل المدرجات خاوية في هذه الفترة قبل أن تشعلها أفراد أولتراس أهلاوي وبعد ذلك روابط الأولتراس في جميع الأندية. ولكن هذه التجربة لم تكن ناصعة البياض حيث شابها بعض الأخطاء التي تركت صورة ذهنية سلبية لدى الجميع عنها، ولأول مرة في تاريخ الكرة المصرية يتم استعمال مصطلح (شمروخ) وهو نوع من الألعاب النارية يتم الاحتفال بها بعد أي هدف يتم تسجيله وهو تطور مهم في تاريخ الكرة المصرية إذ أدخلها في طور العنف الذي انتهى بنا إلى مأساة بورسعيد التي راح ضحيتها أكثر من 70 مشجعًا أهلاويًا، وتطور الموقف بالمصادمات المستمرة بين الجماهير بعضها البعض وما يعرف ب(الكورتيج) وهي ظاهرة تعني قيام جمهور النادي الضيف بعمل مسيرة لاستعراض القوة في مدينة النادي المنافس قبل مباراة الفريقين وهو تطور آخر خطير في الكرة المصرية كان أحد أسباب ما وصلنا إليه الآن. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل تكون نهاية الكرة المصرية على يد هذه المجموعة من الشباب رغم الدور الذي سيظل مذكورًا لهم تاريخيًا أم سيكون منهم رجل رشيد يعيد الأمور إلى نصابها ويتم تحكيم العقل بدلًا من الانسياق وراء الرغبة في الانتقام؟ وهو ما ستكشف عنه الأيام المقبلة. الهوليجانز الوجه القبيح للرياضة حين يتحول التشجيع لجريمة يحفل تاريخ الرياضة بالعديد من أحداث الشغب التي غالبًا ما يكون بدايتها قادمًا من المدرجات حيث الجماهير المتعصبة لناديها، وعلى مدى تاريخ الرياضة في العالم نشأت العديد من الروابط التي ارتبطت دائمًا بإثارة المشاكل والأزمات للجميع وتبقى جماعة الهوليجانز من أشهر هذه الروابط نظرًا لأعمال الشغب التي نتجت عنها وهو ما منحها شهرة عالمية وظل اسمها مرتبطًا حتى يومنا هذا بالخروج عن النص. ورغم أن الهوليجانز ليسوا أول من أدخل العنف إلى الرياضة، حيث إن هذه الظاهرة قديمة للغاية لدرجة أن إدوارد الثاني ملك إنجلترا في القرن الرابع عشر الميلادي قرر منع ممارسة كرة القدم بعد أن انتشرت أعمال العنف والشغب المصاحبة للمباريات، ولكن الهوليجانز يبقوا الأكثر شهرة بكل تأكيد، وبالعودة إلى سجلات التاريخ فإن هناك شبه إجماع على أن أول مرة دخلت فيه هذه المجموعة عالم الرياضة كان في حقبة الثمانينيات للقرن التاسع عشر في إنجلترا أيضًا حين بدأت عصابات من الجماهير يهاجمون الحكام واللاعبين وكذلك السكان في المناطق المحيطة بالملاعب ففي عام 1885 خلال مباراة ودية بين بريستون نورث إند وأستون فيلا انتهت بفوز الأول على الفيلانس بخماسية نظيفة وبعد نهاية المباراة اندلعت أول أحداث شغب من جانب الهوليجانز بعد أن اقتحموا الملعب وتعدوا بالضرب بالعصي والأيدي على اللاعبين لدرجة أن أحد اللاعبين فقد الوعي ومنذ هذه اللحظة بدأ عصر جديد في عالم الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص نظرًا لكونها اللعبة الأكثر شعبية على مستوى العالم، وفي السنوات التالية وقعت أحداث شغب في إنجلترا أيضًا بين جمهور بريستون وكوينز بارك في إحدى محطات السكك الحديدية في أول أعمال شغب رياضية خارج الملاعب. وبمرور السنوات تكررت هذه الأحداث ولكنها لم تحظ باهتمام وسائل الإعلام إلا في خمسينيات القرن الماضي حين انتشرت بشكل واسع في أمريكا الجنوبية فضلًا عن أن هذه الظاهرة أخذت بعدًا جديدًا في إنجلترا ففي موسم 1956/1955 تكررت أعمال الشغب بين جمهوري ليفربول وإيفرتون أكثر من مرة قبل أن تصل الأمور إلى مداها في حقبة الستينيات حيث وقعت ما يقرب من 25 حادثة شغب من جانب الهوليجانز ومنذ ذلك الحين تصدرت هذه الظاهرة اهتمام وسائل الإعلام بشكل لم يسبق له مثيل. انتشار الظاهرة ولم تتوقف هذه الظاهرة عند حدود إنجلترا إذ تخطتها وعبرت الحدود إلى بلجيكا وبلغاريا وكرواتيا والدنمارك وفرنسا وألمانيا واليونان وإيطاليا وباقي دول أوروبا وعبرت كذلك إلى أمريكا الجنوبية، وزاد الأمر سوءًا أن تم خلط السياسة بالرياضة ففي 24 نوفمبر عام 2006 قتلت الشرطة الفرنسية أحد مشجعي باريس سان جيرمان في كأس الاتحاد الأوروبي بعد أن اندلعت المصادمات بين الطرفين على خلفية خسارة الفريق الفرنسي أمام فريق هابويل تل أبيب الإسرائيلي برباعية مقابل هدفين، حيث أطلقت الهوليجانز هتافات عنصرية ضد فريق الكيان الصهيوني بخلاف هتافات اعتبرت معادية للسامية. كارثة البارا برافا وفي الأرجنتين فقد 250 فردًا حياتهم بسبب كرة القدم في الفترة من 1924 وحتى 2010 بعد أحداث شغب متكررة زادت فيها حدة العنف ووصلت إلى القتل ولكن هذه المرة تغير مسمى هذه الجماعة المهووسة لدرجة الإجرام إذ تسمى في أمريكا اللاتينية البارا برافا التي وصلت إلى هذه الدرجة من التنظيم في خمسينيات القرن الماضي في الأرجنتين وانطلق منها إلى باقي دول أمريكا الجنوبية. وفي سوريا وقعت أحداث شغب ولكنها بعيدة هذه المرة عن الهوليجانز بخلفية غير رياضية حين لقي 25 سوريًا حتفهم في أحداث شغب وقعت بين بعض الأكراد وباقي الطوائف السورية في 12 مارس عام 2004 في مدينة القامشلي وكانت هذه الحادثة بكل تأكيد لم يتورط فيها الهوليجانز بشكل مباشر ولكن الأكيد أيضًا أنها تطور طبيعي للسلوك الهمجي للجمهور المتعصب الذي يرتبط في كثير من الأحيان في التجربة الأوروبية بأهداف غير رياضية سواء سياسية أو بأهداف إجرامية بحتة.