في إطار غرس القيم الإيمانية الصحيحة وإظهار الصورة المشرقة للفكر الإسلامي الصحيح، وفي ضوء العناية بكتاب الله (عز وجل) وبيان مقاصده وأسراره ، أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف – خلال برنامج : "في رحاب القرآن الكريم" بعنوان : " في رحاب سورة الكهف (2) " يوم الثلاثاء 26 رمضان 1441ه، الموافق 19 / 5/ 2020 م والذي يذاع على القناة الفضائية المصرية ، وقناة النيل الثقافية ، وقناة نايل لايف – أن الله تعالى ضرب للحياة الدنيا بما فيها من متاع وزينة وزخارف مثالًا في قمة الروعة والبيان ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى لسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) : "وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا" ، ويقول تعالى في سورة سيدنا يونس (عليه السلام ) :" حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" ، ويقول سبحانه : "أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ" ، ويقول جل وعلا : "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ " تكون الجبال كالعهن ، كالصوف المنفوش ، " وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً" مستوية ليس فيها شيء بارز يحجبها عن الأبصار ، " وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا" وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ " كما ولدتكم أمهاتكم ، " بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا" ، وفي سورة الأنعام يقول سبحانه :"وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ "، مبينًا معاليه أن كل نفس لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، وأن يوم القيامة يوم لا يجزي فيه والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ، يوم يفر المرء من أخيه ، وأمه وأبيه ، وعندما تسأل بعض الناس عن الدنيا ، يقول : لن نأخذ من الدنيا شيئًا إلا الكفن ، فنقول لهم : حتى الكفن يبلى ، وستلقون الله تعالى كما خرجتم من بطون أمهاتكم ، وعن أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها) قالت : قال النبي (صلى الله عليه وسلم) :" يُحْشَرُ النَّاسُ يَومَ القِيامَةِ حُفاةً عُراةً غُرلًا" ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ النِّساءُ والرِّجالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ ، قالَ (صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ) : "يا عائِشَةُ الأمْرُ أشَدُّ مِن أنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ" ، الأمر أشد من أن ينظر أحد في غير مصيره ، يقول تعالى: "يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا" ، التي في الشهر الأول تضع والتي في الشهر الثاني تضع ، والتي في الثالث تضع ، فجميعهن يضعن بأوان وبغير أوان ، " وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ" ، الأمر أشد يا عائشة ، "وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ" بلا مال ولا أولاد ، ولا جاه ولا سلطان ، "وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا" ، أمام أعينهم ، كشريط الفيديو ، "وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" ، فإذا كان البشر يستطعيون أن يخرجوا شريط فيديو يُظهر أعمالك ، فما بالك بقدرة رب العالمين سبحانه وتعالى. كما بين أن سورة الكهف الكريمة مضت في التأكيد على أنه فوق كل ذي علم عليم ، وأن البشر ما أوتوا من العلم إلا قليلًا ، وأنه ينبغي علينا طلب العلم ، وأن نتأدب بآدابه، حيث إن نبي الله موسى (عليه السلام) طلب أن يتعلم العلم من الخضر (بفتح الخاء وكسر الضاد ، أو بكسر الخاء وسكون الضاد ، على اختلاف الضبط) ، حيث يقول سبحانه : "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ، فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا " وقد جعل الله تعالى للقاء سيدنا موسى (عليه السلام) مع العبد الصالح علامة و هي أن يأخذ حوتًا فيجعله في مكتل ، فإذا انطلق الحوت في البحر فذلك مكان العبد الصالح ، "فَلَمَّا جَاوَزَا " المكان المحدد ، " قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا" ، تعبًا كثيرًا في طلب العلم ، "قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا" ، فعاتب سيدنا موسى (عليه السلام) الغلام حينما نسى الحوت عتابًا خفيفًا لطيفًا ، مع أن سيدنا موسى (عليه السلام) قد نبه الغلام أن يراقب الحوت ، لكنه أدب الأنبياء الرفيع والسامي ، فلم يُعَنِّفْه سيدنا موسى(عليه السلام) ، ولم يُؤنَّبْه ، وإنما "قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ" بحذف الياء في رواية حفص ، تأكيدًا على تقصير العتاب حيث قصر اللفظ ، "فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا" ، وهنا يعلمنا النبي (صلى الله عليه وسلم)، كيف نتعامل مع الخادم والأجير ، فيقول (صلى الله عليه وسلم) :" إخوانكم خوَلُكم جعَلَهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليُطعِمْه ممَّا يأكلُ، ويُلبِسْه مما يلبَس ، ولا تكَلِّفوهم ما يغلِبُهم ، فإنْ كلَّفتُموهم فأعينُوهم " ، قال تعالى: "فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا" ، سيدنا موسى(عليه السلام) ذهب ليتعلم العلم من العبد الصالح ، لكن النص القرآني لم يقل : وجدا عبدًا من عبادنا آتيناه علمًا ، بل قال: "آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا " ، لأن العلم إذا لم يكن رحمة لصاحبه والمجتمع وللناس أجمعين فلا خير فيه لصاحبه ، ناقلًا معاليه ما قاله له أحد أساتذته : العلم وحده دون رياضة روحية وأخلاقية قد يقسي قلب صاحبه ، فالعلم إن لم يكن رحمة فلا خير فيه لصاحبه ولا للإنسانية . لا تحسبَنَّ العلْمَ ينفعُ وحْدَهُ ما لم يُتَوَّجْ ربُّهُ بِخَلاقِ فَإِذا رُزِقتَ خَليقَةً مَحمودَةً فَقَدِ اِصطَفاكَ مُقَسِّمُ الأَرزاقِ "فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا" ، وقد قالوا : من تعلم العلم ،ثم عمل به ، ثم علمه الناس فذلك يدعى عظيمًا في ملكوت الله ، ومن عمل بما تعلم ورثه الله تعالى علم ما لم يكن يعلم ، يقول سبحانه :"فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ " ، ويقول جل وعلا :"يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا" ، قال سيدنا موسى (عليه السلام) لبيان روعة أدب المتعلم مع المعلم :" هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا" ، علمًا نافعًا لذلك قال : "مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا" ، العلم الذي ينفع صاحبه ، "قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ، قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا" ، هذا أدب المتعلم مع المعلم ، إن المعلم والطبيب كليهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه واصبر لجهلك إن جفوت معلما ويقول شوقي : قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا.