قال بطريرك المدينة المقدسة القدس كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة أحد السامرية أيها الكلمة الغير الملحوظ بجوهرك المبدع الكل لقد ظهرت للبشر إنسانًا من النقية والدة الإله واستدعيت البشر إلى مشاركة لاهوتك"، أيها الأخوة المحبوبون في المسيح، أيها المسيحيون الأتقياء، في هذا اليوم الذي هو الأحد الخامس من الصوم نُعيّدُ للمرأة السامرية معيدين فيه بشكرٍ ممجدين ينبوع وعنصر حياتنا ربنا يسوع المسيح الذي ظهر متجسدًا لكي ينتشل آدم وكل ذريتهِ من اللعنة. حقًا إن كلمة الله المتجسد الذي صار إنسانًا قد حرر جنس البشر وانتشلهُ من اللعنة القديمة أي من آدم الترابي وأقام ربنا يسوع المسيح "جنسنا البشري" معه بقيامتهِ. وخلال حوار المسيح مع المرأة السامرية عند بئر يعقوب قَالَ لَهاَ: لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللهِ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًًّا "(يو 4: 10) ويفسر القديس كيرلس الأسكندري أقوال الرب هذه قائلًا: إنه يسمي موهبة الروح القدس بالماء الحيّ، حيثُ أن الطبيعة البشرية وحدها كانت متعطشة وجافة ومجردة من كل فضيلة...فإن تلك الطبيعة تُسرعُ في الرجوع إلى جمالها الأول لتنهل وتغرُفُ من النعمة المحيية، فتتزين بأشكالٍ مختلفة ٍ من الصالحات. وبمعنى آخر بحسب القديس ثيوفيلكتوس " إن الماء الحي أي النعمة المحيية، نعمة الروح القدس هي التي تُطهّر من دنس الخطيئة وتطفئ لهيب الأهواء وتشفي جفاف الإلحاد وعدم الإثمار. وأيضًا فإن النعمة المحيية، نعمة الروح القدس هي التي من خلالها يصل الإنسان إلى الكمال في المسيح الذي هو آدم الجديد، أمن خلال نعمة الروح القدس فقط وحصرًا يستطيع الإنسان أن يعود إلى جمالهِ الأول. وكما يفسر القديس باسيليوس الكبير المزمور:" ياربُ بمشيئتكَ أعطيتَ جمالي قوةً (مز 29: إذ يقول: مع أنني كنت جميلًا بالطبيعة، لكنني مُت بالخطية، بخداع الحية...ولكن الجمال الحقيقي والمحبوب حقًا يوجد في الطبيعة الإلهية والمغبوطة، هذه الطبيعة "الإلهية" التي لا يستطيعُ أحدٌ رؤيتها إلا بذهنٍ نقيٍ. وبحسب القديس كليمندس الاسكندري: إن جمال النفس الرائع سيكون في النفس أولًا عندما تتزين النفس بالروح القدس. إن جمال النفس في الروح القدس ليس هو إلا مشاركة اللاهوت، التي هي الاشتراك في الطبيعة الإلهية، كما يؤكدُ بذلك القديس مكسيميوس قائلًا: لقد صنعنا الله لكي نُصبح نحن مشاركي الطبيعة الإلهية ومساهمين أبديته وأزليته وأن نظهر مشابهين له بحسب النعمة الإلهية. فمن هنا يتضح لماذا قال يسوع للمرأة السامرية وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ (يوحنا 4: 14). إن هذا الماء بالضبط يصير إلى الحياة الأبدية أي إلى نعمة الروح القدس التي قدمها يسوع المسيح للمرأة السامرية لذلك فهي استقت هذا الماء بفرحٍ وابتهاج كما يصرخ القديس اشعياء النبي قائلًا: فَتَسْتَقُونَ مِيَاهًا بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ الْخَلاَصِ. (اشعياء 12: 3) وبحسب تفسير القديس كيرلس الإسكندري لأقوال النبي اشعياء، يقول: إنه يدعو المياه كلمة الله المحيي، وأما الينابيع فهم الرسل والأناجيل والأنبياء، والخلاص هو المسيح. إن المرأة السامرية لم تستقِ وتقتبل فقط نعمة الروح القدس بل أصبحت أيضًا رسولةً وكارزةً للكرازة الإنجيلية التبشيرية اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا (يو 4: 24). ويفسر القديس يوحنا الذهبي الفم هذا المقطع الإنجيلي قائلًا: إن قول المسيح للمرأة السامرية: "الله روح" لا يدل على معنى آخر إلا على أن "الروح" خالٍ من جسم، لذلك ينبغي أن تكون عبادتنا، للخالي من جسم "أي للغير المتجسم" خالية من جسم أيضًا، وأن نقدمها بما هو فينا خالٍ من جسم، أي أن تكون بروحنا وبنقاوة عقلنا. ولا تذبح لله خرافٌ وعجول بل قدم نفسك ذبيحة حية محرقة لله فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ. (رومية 12: 1) لهذا فقد تسمت المرأة السامرية من المسيح باسم "فوتيني" وقدمت نفسها شهيدة محرقة مع أبنائها السبعة لمحبة المسيح، وقد كان ذلك على عهد الإمبراطور الروماني نيرون، وتوِّجت هي بإكليل آلام صليب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وقيامته. لهذا فمع المرتل نهتف ونقول: إنَّ يَسوعَ مُخَلِّصَنا عُنْصُرَ الحَياةِ، قَدْ وافَى العَيْنَ التي ليَعْقوبَ رَئيسِ الآباءِ، وطَلَبَ أنْ يَشْرَبَ ماءً مِنِ امْرأةٍ سامِرِيَّة. وأمَّا هِيَ فَسَبَقَتْ وقالَتْ عَنْ عَدَمِ مُخالَطَةِ اليَهودِ. لَكِنَّ البارِئَ بِما أنَّهُ حَكيمٌ، نَقَلَها بِعُذوبَةِ الألْفاظِ إلى أنْ تَلْتَمِسَ مِنْهُ بالأحْرى ماءَ الحَياةِ الدائمةِ، التي لَمَّا أخَذَتْها كَرَزَتْ لِلْكُلِّ قائِلَةً: هَلُمُّوا انْظُروا عالِمَ الخَفايا، الإلهَ الذي حَضَرَ بالْجَسَدِ مِنْ أجْلِ خَلاصِ البَشَر.