للفن التشكيلى مع أصحابه قصص وحكايات كثيرة، فمثلما ترك الفن بصمته عليهم، هم أيضًا بالتأكيد تركوا بصمة غائرة فيه، فسواء أكان فنانا غائب أم حاضرا، وسواء أكان مشهورا أو لم يلق من المعرفة والأضواء ما يستحق، فبالتأكيد تلقيبه ب«فنان» قد أخذ منه العديد من السنوات والمعرفة والخبرة والممارسة.. تدور الحلقة الثانية والعشرون من سلسلة "بورتريه" في موسمه الثانى، حول فنان تشكيلى أحب وأبدع في فن النحت، حتى خصص جائزة سنوية لطلبة ومُعيدى قسم النحت بكلية التربية الفنية، هو الفنان التشكيلى الدكتور محمود كمال عبيد، والشهير ب"كمال عبيد". وُلد كمال عبيد في العاشر من ديسمبر لعام 1918، أى قبل انطلاق أجواء ثورة 1919 المجيدة بعام واحد، وسط بيئة تُشجع على الإبداع والفن بمُحافظة الغربية، فتعلق بالفن ودرس الأسلوب الإغريقى، والفن الكلاسيكى، حتى عكف على دراسة الأسلوب المصرى القديم. بدأ أولى خطواته الفنية بعد إتمام مراحل دراسته الأساسية، بالتحاقه بمدرسة الفنون التطبيقية حيث تخرج فيها من قسم النحت في 1939، أى وهو في الحادى والعشرين من عمره، ثم استكمل دراسته بحصوله على دبلوم معهد التربية للمُعلمين- كلية التربية الفنية حاليًا- وذلك بعد تخرجه بعامين فقط. ورغم كل هذه الدراسة الفنية، لم يكتف "عبيد" بهذا الحد، حتى التحق بجماعة الدراسة الخاصة لمدرسي التربية الفنية "جماعة حامد سعيد" حتى عام 1947، عندما بلغ الفنان التاسعة والعشرين من عُمره. "النظام البنائى للكائنات الحية"، هذا النظام يُعبر عما كان يميل إليه الفنان كمال عبيد في أعماله، كما كان له شغف كبير بعالم الحيوان والطير، وأغلب أعماله كانت تدور حول البورتريه وصور الحيوانات والطيور، هذا بالإضافة إلى إنجازه للعديد من التماثيل والبورتريهات، سواء لزعماء أو شخصيات عامة مثل تمثال الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في المسابقة القومية والتى تم تنظيمها بعد رحيله، وتمثال ولى عهد البحرين، وتمثال الأديب الراحل الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى، حيث وُضع بقاعة طه حسين في وزارة التربية والتعليم. بالتوازى مع استمراره لدراسته الفنية، وإبداعاته الفنية، تأتى حياة "عبيد" على المستوى العملى، حيث بدأها بالعمل مدرسًا للتربية الفنية في التعليم منذ عام1941 وعلى مدى ست سنوات، حتى تم تعيينه مدرسًا مساعدًا بمعهد التربية للمعلمين قسم الرسم فور تركه عمله السابق أى بعام 1947، ثم تدرج في وظائف أعضاء هيئة التدريس حتى درجة "أستاذ" للنحت والخزف بكلية التربية الفنية جامعة حلوان منذ عام 1966. سافر "عبيد" إلى السعودية في 1974 للتخطيط لإنشاء قسم التربية الفنية بكلية التربية بإحدى جامعاتها حتى عاد إلى مصر في 1981، ليُوفد للعمل بدولة البحرين من قبل المُنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لتطوير مناهج التربية الفنية بها في عام 1985. في السبعين من عمره، عاد من جديد إلى مصر وشارك في إنشاء كليات التربية النوعية حيث عمل بها أستاذا ورئيسًا لشُعبة التربية الفنية والنحت، ثم عين أستاذًا غير متفرغ للنحت والخزف بكلية التربية الفنية في عام 1995. كتب الفنان التشكيلى الدكتور حسين الجبالى عن أسلوب النحات كمال عبيد، قائلًا: "لقد كانت بداياتى الأولى في تعلم فن النحت على يد أستاذى العظيم كمال عبيد، فقد كنت أتأمل بكل التركيز والفهم العميق كيف يصنع الأستاذ من هذا الطين الأصم بأنامله الساحرة وعلمه وخبرته فيتحول هذا الطين إلى شكل يمثل قيمة من القيم الجمالية الرائعة. وكان الأستاذ متمكنًا من أدواته مدركًا لأسرار مهنته التى يعطيها بسخاء وبلا تحفظ لأبنائه الذين يتوسم فيهم الاستعداد والموهبة، وأزعم أننى كنت أحد هؤلاء الذين نهلوا من هذا المورد المتدفق وكان لهذا أبلغ الأثر في تكوينى بعد ذلك كأستاذ وفنان". شارك "عبيد" أيضًا في تأليف العديد من الكُتب عن الحركة الفنية التشكيلية، واستمرت إبداعاته وبصماته في تاريخ فن النحت بصفة خاصة مُستمرة، حتى فارق الحياة في عام 2002، وذلك عن عُمر يُناهز 84 عامًا.