ثلاث قامات عالية في ساحة الفن التشكيلي غابت «جسداً» ولكن تبقى بصماتها وإبداعاتها علامات مضيئة.. إنهم الناقد والمؤرخ الفني والفنان التشكيلي الدكتور صبحي الشاروني، والفنان الناقد حسن عثمان وفنان الكاريكاتير الكبير مصطفى حسين .. كان رحيلهم خسارة كبيرة شعر بها كل من ينتمي إلى الفن التشكيلي، سواء مبدعاً أو متابعاً أو ناقداً، فقد ترك كل منهم رصيداً ضخماً من الإبداع، كل في مجاله. إذا بدأنا بالدكتور صبحي الشاروني فقد نحتار في «تلخيص» مشواره ورصيده، فخلال مسيرته الفنية التي طالت لأكثر من ستين عاماً تخصص في نقد الفنون الجميلة، وتأريخ الحركة الفنية المصرية وكان موسوعة فنية، وصاحب أرشيف ضخم عن الفنانين المصريين، ومتخصصاً في توثيق وتوصيف مقتنيات العديد من المتاحف، وقد أصدر عشرات من الكتب حول نخبة من الفنانين التشكيليين منهم عبد الهادي الجزار وصلاح عبد الكريم وصلاح طاهر والأخوين وانلي ورمسيس يونان وتحية حليم ومصطفى أحمد وحسين بيكار، كما قام بتأليف عدد من الكتب حول الفنون التشكيلية والفن التأثيري وفن النحت والفن التشكيلي الحديث والمعاصر في مصر، وله دراسات نقدية منشورة في عدد من المجلات الثقافية المصرية والألمانية والإنجليزية وأقام 8 معارض في الفترة من 1985 حتى 2005 بمصر وفرنسا وألمانيا وروما، وحصل على العديد من الجوائز والأنواط والأوسمة. وكان الراحل يشعر بألم تجاه بعض الأعمال التي تهدف إلى تحطيم الأعمال الفنية بمصر ومنها سرقة بعض المتاحف وإتلافها كما حدث مع متحف الفن الإسلامي الذي قام الشاروني بتوثيق مقتنياته في كتاب يعد مرجعاً في غاية الأهمية للأجيال الحالية والقادمة، وقد أعرب الراحل – في حديث أجريته معه وتم نشره في «الأهرام» قبيل رحيله- عن تألمه مما نعانيه في مصر من «حرب ضد الأعمال الفنية من بعض السلفيين والرجعيين الذين يطالبون بعدم وجود أعمال فنية ولا تماثيل، فتمثال سعد زغلول بالإسكندرية تم غطاؤه بحجة أنه يتم ترميمه وهذا غير صحيح». أما الفنان الراحل حسن عثمان والذي كان مبدعاً في الخزف، بجانب عبقريته في مجال النقد التشكيلي، وهو بذلك من «النادرين في تاريخ الحركة التشكيلية المصرية الذين جمعوا بين الإبداع الفني والنقدي في كلا المجالين» كما قال عنه الراحل د. صبحي الشاروني، فحسن عثمان حقق – من خلال نشاطه الفني وانغماسه في الإبداع- موقعاً متميزاً بين الفنانين الذين سيعيش فنهم من بعدهم «الفن المستقبلي» إلى جانب عظماء العصر الحاضر من الرسامين صبري راغب وحسين بيكار وحسن سليمان وأمثالهم. وحسن عثمان – كما وصفه الفنان حسين بيكار- «نموذج حي للباحث عن المعرفة التي تخصص فيها في فن الخزف، والجميع يعلم أن فن الخزف هو فن يجمع بين ملتقيات عديدة.. ولن أغالي إذا قلت إن الفنان الخزاف حسن عثمان اقتحم فن الخزف من أحد أبوابه الكبيرة». وقد شارك الراحل في العديد من المعارض بمصر والدول العربية والنرويج وألمانيا، وأقام أول معرض خاص له في عام 1989، وأشرف على تحرير موسوعة الفنون التشكيلية وله العديد من المؤلفات منها كتاب «القاهرة في ألف عام» و»الأزهر في ألف عام» و«الموسوعة الإسلامية» و«القاهرة في باريس» و«حرب أكتوبر» باللغة الإنجليزية، و«مصر الإسلامية» .. وحصل على العديد من الجوائز المحلية والدولية. وأخيراً نتحدث عن الفنان الكبير الراحل مصطفى حسين الذي لا يوجد «قارئ» لا يعرفه، فكلنا ندين له بالابتسامة التي يرسمها على شفاه كل من يطالع رسومه الكاريكاتورية.. والذي بدأ رحلته الفنية عام 1953 عندما التحق بكلية الفنون الجميلة، ففي الأسبوع الأول للدراسة اختاره الأستاذ أسعد مظهر- الذي كان مستشاراً فنياً لدار الهلال- ضمن خمسة من الطلاب توسم فيهم أنهم «واعدون» فمنحهم فرصة للعمل في إصدارات دار الهلال فكانت تلك انطلاقته بهذه «الفرصة العظيمة» كما وصفها في حواره الذي أجريته معه قبيل وفاته بشهور قليلة وتم نشره في «الأهرام» وتحدث فيه عن رحلته الفنية وآرائه النقدية وذكرياته وإنجازاته عندما كان نقيباً للفنانين التشكيليين، وتجربته في رسوم كتب الأطفال وأغلفة بعض الكتب، وكان آخر سؤال طرحته عليه عن إمكانية تنازله عن «جائزة مبارك لفنون» فقال: «لقد حصلت على جائزة الدولة التشجيعية ثم جائزة الدولة التقديرية ثم جائزة مبارك في الفنون، ومازلت أعتز بهذه الجوائز جميعها، لأن الذين منحوني إياها نخبة من مثقفي مصر في المجلس الأعلى للثقافة، ولا تدخل لوزير الثقافة في منح هذه الجوائز، وهذه شهادتي بصفتي عضواً سابقاً في المجلس الأعلى للثقافة».