وكيلة الشيوخ: تجديد الخطاب الديني أصبح ضرورة ملحة لمواكبة تطورات العصر وتحدياته    مواعيد امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 للطلبة المصريين في الخارج    لهذا السبب.. فيلم "السلم والثعبان" يتصدر تريند "جوجل"    أخرج أشهر أفلام السبعينيات وتزوّج أربع مرات.. محطات من حياة حسام الدين مصطفى    العملات المشفرة تتراجع.. و"بيتكوين" تحت مستوى 95 ألف دولار    وزيرة التخطيط تستقبل رئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار لاستعراض مختلف ملفات التعاون المشترك    وزيرة التضامن تلتقي نائبة وزير خارجية تشيلي (تفاصيل)    المدرسة المصرية اليابانية بحدائق أكتوبر تستقبل وزيري التعليم بمصر واليابان وسفير اليابان بالقاهرة    سلطات الاحتلال الإسرائيلى تفرج عن 10 معتقلين من قطاع غزة    ترامب يرسل منظومتي باتريوت لأوكرانيا.. ونيويورك تايمز: أحدهما من إسرائيل    زيزو يصل نادى الزمالك للمشاركة فى مران المستبعدين من مباراة البنك الأهلي    وزير الرياضة يشهد مؤتمر إعلان البطولات العربية والأفريقية للترايثلون بالجلالة    كرّم الفنان سامح حسين.. وزير التعليم العالي يشهد انطلاق فعاليات «صالون القادة الثقافي»    الطقس غدا.. ارتفاع فى درجات الحرارة وشبورة صباحا والعظمى بالقاهرة 32 درجة    إحالة المتهم بالتعدى على الطفلة مريم بشبين القناطر للجنايات    تنفيذ صفقة جديدة علي شهادات الكربون وتعديل اسم السوق ليعكس استيعاب أدوات مالية جديدة    تراجع سعر الريال السعودى مقابل الجنيه فى ختام تعاملات اليوم الإثنين 5-5-2025    رئيس الوزراء يتابع خطوات تيسير إجراءات دخول السائحين بالمطارات والمنافذ المختلفة    كارول سماحة تقيم عزاء ثانيا لزوجها وليد مصطفى فى لبنان الخميس المقبل    القاهرة الإخبارية: أطفال غزة فى خطر.. و"الصحة" تطلق نداء استغاثة    قطاع الرعاية الأساسية يتابع جودة الخدمات الصحية بوحدات طب الأسرة فى أسوان    محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى المنصورة التخصصى ويوجه بتكثيف رعاية المرضى    محافظ الجيزة يتفقد فرع التأمين الصحى بمدينة 6 أكتوبر لمتابعة الخدمات المقدمة للمواطنين    نجم الزمالك السابق: نظام الدوري الجديد يفتقد التنافس بين جميع الأندية    منافس الأهلي.. بوسكيتس: لسنا على مستوى المنافسة وسنحاول عبور مجموعات كأس العالم    مدرب نيوكاسل: لن ننتظر الهدايا في صراع التأهل لدوري الأبطال    فرص وظائف بالمجلس الأعلى للجامعات بنظام التعاقد.. الشروط وموعد التقديم    جامعة بنها تحصد المراكز الأولى فى مهرجان إبداع -صور    أعدادهم بلغت 2.6 مليون.. أشرف صبحي: الطلاب قوتنا الحقيقية    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    لا يسري على هذه الفئات| قرار جمهوري بإصدار قانون العمل الجديد -نص كامل    "وُلدتا سويا وماتتا معا".. مصرع طفلتين شقيقتين وقع عليهما جدار في قنا    القضاء والذكاء الاصطناعي.. انطلاق المؤتمر العربي الأول بمشاركة قيادات النيابة الإدارية    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    أمل عمار: النساء تواجه تهديدات متزايدة عبر الفضاء الرقمي    جوري بكر في بلاغها ضد طليقها: "نشب بيننا خلاف على مصروفات ابننا"    «وكيل الشباب بشمال سيناء» يتفقد الأندية الرياضية لبحث فرص الاستثمار    «الصحة» تنظم دورات تدريبية للتعامل مع التغييرات المناخية وعلاج الدرن    هيئة الرعاية الصحية: نهتم بمرضى الأورام ونمنحهم أحدث البروتوكولات العلاجية    محافظ أسيوط يشيد بحصد فريق ملاكمة الناشئين فضيتين وبرونزيتين في بطولة الإسكندرية    الكرملين: بوتين لا يخطط لزيارة الشرق الأوسط في منتصف مايو    إعلام إسرائيلي: الحكومة تقرر عدم تشكيل لجنة تحقيق في أحداث 7 أكتوبر    جامعة مايو تفتح ندوتها "الانتماء وقيم المواطنة" بكلمة داليا عبد الرحيم.. صور    «غير متزن».. وكيل «اتصالات النواب» تعلن رفضها صيغة مشروع قانون الإيجار القديم المقدم من الحكومة    وزير الخارجية العراقي يحذر من احتمال تطور الأوضاع في سوريا إلى صراع إقليمي    جامعة بنها تحصد عددا من المراكز الأولى فى مهرجان إبداع    الهند تحبط مخططا إرهابيا في قطاع بونش بإقليم جامو وكشمير    بدرية طلبة تتصدر الترند بعد إطلالاتها في مسرحية «ألف تيتة وتيتة»|صور    مقتل شاب على يد آخر في مشاجرة بالتبين    مصرع طالبة صعقًا بالكهرباء أثناء غسل الملابس بمنزلها في بسوهاج    توقعات الأبراج اليوم.. 3 أبراج تواجه أيامًا صعبة وضغوطًا ومفاجآت خلال الفترة المقبلة    نتنياهو: خطة غزة الجديدة تشمل الانتقال من أسلوب الاقتحامات لاحتلال الأراضى    ترامب يدرس تعيين ستيفن ميلر مستشارا للأمن القومي    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 .. تعرف عليه    بكام الشعير والأبيض؟.. أسعار الأرز اليوم الإثنين 5 مايو 2025 في أسواق الشرقية    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    على ماهر يعيد محمد بسام لحراسة سيراميكا أمام بتروجت فى الدورى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"التبعية والغيرية" في حديث عيسى بن هشام (1)
نشر في البوابة يوم 06 - 09 - 2019

لم تظهر مصطلحات (التبعية – التقليد – الانتماء – الانضواء – الغيرية - التغريب) على نطاق واسع فى الفكر العربى الحديث إلا فى منتصف العقد الثانى من القرن العشرين، وقد حملتها خطابات المصلحين والمجددين والمحدثين على اختلاف توجهاتهم ومقاصدهم، أما أولى المسجلات التى دارت حول الأنا والآخر (وقضية ماذا نأخذ من الغرب؟)، فكانت على شكل استطلاع آراء أكابر المثقفين والمعنيين بقضايا الفكر والأدب، وقد شهدت مجلتا «المقتطف والهلال» عشرات المناظرات بين المثقفين المصريين والشوام وبعض المستشرقين حول قضية الهوية ومشخصاتها والثقافة الغربية ومظاهرها وسماتها، كما طرحت العديد من المجلات فى الحقبة الممتدة من منتصف العقد الثالث إلى أخريات النصف الأول من القرن العشرين عشرات التساؤلات حول هذا المحور، نذكر منها: (ثقافتنا وثقافتهم، الحضارة الشرقية والمدنية الغربية، التقليد والتجديد، التغريب والتبعية، والاستغراب والاستشراق)، وما طبيعة العلاقة بين الأنا والآخر؟ ماذا عن الأصيل فى ثقافتنا والطريف فى حضارتهم؟
غير أن المهم فى هذا السياق الذى نحن فيه هو طرح هذه المصطلحات فى حديث عيسى بن هشام على نحو يجعل من محمد المويلحى من أوائل المجددين الذين ناقشوا قضية الأصالة والمعاصرة والأنا والآخر بشكل محايد، بمنأى عن التعصب للموروث أو التعصب للفكر الوافد الحديث، أو إن شئت قل إن المويلحى من رواد النقد الثقافى فى الفكر العربى الحديث، ولعل سؤال أحمد باشا للشيخ الأزهرى المستنير عن الأصلح لثقافة المسلمين المحدثين: تقليد السلف أم الانقياد للغرب، أم الانضواء والمسايرة والانتماء العاقل، أم الفناء فى معية المنتصر والسير فى ركاب المتغلب؟ وفى هذا يقول المويلحى على لسان أحمد باشا: «قل ما شئت فى كسل علماء الدين الإسلامي، وسوء تراخيهم واشتغالهم عن العلم بسفاسف الأمور، ولقد بليت بمجلس من مجالسهم ضاق منه صدري، وعيل صبري، ولا أزال كلما تذكرته جاش بى الهم والغم، وتملكنى الأسف والحزن، وأراك أيها الشيخ الفاضل أحسنت كل الإحسان بتوسعك فى الاطلاع، وتبحرك فى طلب العلم، وتعلقك بأسباب العلوم الأوروبية، ولكنى مع ذلك لا أتمنى لجميع علماء الدين مثل ما أنت فيه، خشية أن تلهيهم هذه العلوم عن علوم الشرع، وتستدرجهم إلى الخلط والخبط، وقل فى الناس من يحكم نفسه للتوسط فى الأمور، والاعتدال فى المطالب، والوقوف عند الحد، ولست أدرى إلى اليوم، يعلم الله أى العالِمين أضل سبيلًا وأسوأ مصيرًا: العالِم الذى يتخبط فى ظلمات الخرافات، ويضرب فى تيه الترهات، ويغوص فى لجج الأباطيل بلباس الدين، أم العالِم الذى يوغل فى علوم الأوروبيين، ويأثم بسنة المخالفين للدين، ويغتر بتمويه المموهين، فيضله الله على علم».
وذهب المويلحى - على لسان أحد الأصدقاء - إلى أن قضية الأنا والآخر يمكن تلخيصها فى أن المدنية الغربية قد دخلت على الثقافة الشرقية بغتة، الأمر الذى جعل الشرقيين يقلدونها فى جميع أحوال معايشهم دون أدنى تمحيص «كالعميان لا يستنيرون ببحث، ولا يأخذون بالقياس، ولا يتبصرون بحسن نظر، ولا يلتفتون إلى ما هنالك من تنافر الطباع، وتباين الأذواق، ولم ينتقوا منها الصحيح من الزائف، والحسن من القبيح، بل أخذوها قضية مسلمة، وظنوا أن فيها السعادة والهناء، وتوهموا أن يكون لهم بها القوة والغلبة، وتركوا لذلك جميع ما كان لديهم من الأصول القويمة والعادات السليمة والآداب الطاهرة، ونبذوا ما كان عليه أسلافهم من الحق، فانهدم الأساس وهوت الأركان، وانقض البنيان، وتقطعت بهم الأسباب، فأصبحوا فى الضلال يعمهون، وفى البهتان يتسكعون، واكتفوا بهذا الطلاء الزائل من المدنية الغربية واستسلموا لحكم الأجانب باعتباره أمرًا مقضيًا، وقضاء مرضيًا، (فخربنا بيوتنا بإيدينا وصرنا فى الشرق كأننا من أهل الغرب، مع أن بيننا وبينهم فى المعايش لبعد المشرق من المغرب).
ولعله يقصد بذلك دعاة التغريب وتقليد الوافد والانقياد للثقافة الأوروبية. والرافضين الانتماء لمشخصاتهم والمتمردين على ثوابتهم وأصولهم، ويعنى ذلك أن الثقافة المصرية - على وجه الدقة والخصوصية – قد رفضت منذ أخريات القرن التاسع عشر كل الاتجاهات المتعصبة للغرب، وكذا المنتمية لأفكار تختلف عن جبلتها ومغايرة لهويتها.
ومع التسليم بضعف واضمحلال الثقافة العربية فى هذه الحقبة وهيمنة الاتجاه الرجعى على مقدراتها والعقل الجمعي، إلا أن المويلحى يرد علة ذلك الانحطاط إلى جهل المعاصرين من قادة الرأى العام من الداعين لمقاطعة الموروث، والمنادين للفناء فى ثقافة الغرب، والقعود عن إحياء تراثهم وأمجاد أسلافهم، وما ينبغى عليهم فعله لغربلة ذلك الموروث الثقافى والحضارى فيقتفون أثر النافع ويستنون بسنة القيم من العوائد والمعتقدات والأخلاق، ويطرحون المتحول وغير المناسب لهذا الزمان، والفاسد من الأفكار: فليس كل الموروث صالح وليس كل الوافد ضار، فالمعيار هو القدرة على تفعيل آلة النقد والنقض، ثم الانضواء تحت نسق جديد يجمع بين إيجابيات الأصيل والوافد من الأغيار.
ويتساءل أحمد باشا: كيف للرأى العام التابع تبين حقيقة الوافد من الغرب، وهو على هذا النحو من الجهل والجمود والرجعية والانغلاق والدعوة الصريحة لمعاداة الأغيار؟ فذهب عيسى إلى أن السبيل لحل هذه المعضلة هو الاستغراب، أى دراسة ثقافة الغرب فى البيئة التى لفظتها مع الاستعانة بمن يوضح لنا ما غمض، ويكشف لنا كل ما استتر وتخفى.
ويعيب محمد المويلحى على أولئك المغالين فى مدح مدنية الغرب المتمثلة فى مظاهرها ورقى حضارتها، مبينًا أن أضواء باريس وجمال شوارعها وحسن وفتنة نسائها، طالما تغنى بها زوارها لأول مرة، كما أن حديث أدباء الثقافة الغربية عن الحرية والعدالة والمساواة تجذب المثقفين وترغبهم فى انتحال فلسفاتها، فالعاشق المفتون والمتيم هو الذى لا يرى فى معشوقه إلا كل آيات الكمال والجمال والجلال، وهو عاجز بالضرورة عن انتقاده وفضح عيوبه، ومن ثم لا يمكننا الوقوف على حقيقة ثقافة وحضارة ومدنية الغرب، اعتمادًا على تلك الرؤى السطحية والنظرة العابرة واللمحة الخاطفة التى لا تأمل فيها وتقويم.
وللحديث بقية.....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.