تعليم النواب: السنة التمهيدية تحقق حلم الطلاب.. وآليات قانونية تحكمها    بعد وصول الدفعة الثانية من صفقة رأس الحكمة.. مفاجأة بسعر الدولار    انخفاض أسعار الفائدة في البنوك من %27 إلى 23%.. ما حقيقة الأمر؟    العميد محمود محي الدين: مخطط إسرائيلي لتصفية السلطة واحتلال الضفة بقيادة سموتريتش    موعد مباراة ليفربول ضد وولفرهامبتون اليوم الأحد 19-5-2024 في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    تبدأ اليوم وحتى الأربعاء.. الأرصاد تعلن عن أشد موجة حارة هذا العام    إصابة 10 أشخاص في انقلاب ميكروباص بطريق "قنا- سفاجا"    رامي جمال يتصدر تريند "يوتيوب" لهذا السبب    الاحتلال الإسرائيلي يخوض اشتباكات في حي البرازيل برفح الفلسطينية    عاجل.. تطورات خطيرة في إصابة علي معلول ونقله للمستشفى    غضب عارم داخل حكومة تل أبيب وتهديدات بالانسحاب.. ماذا يحدث في إسرائيل؟    الخارجية الروسية: مستقبل العالم بأسرة تحدده زيارة بوتين للصين    واشنطن تدين إطلاق كوريا الشمالية لصواريخ باليستية    حظك اليوم برج العقرب الأحد 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سامح يسري يحتفل بزفاف ابنته.. ومصطفى قمر يغني في الفرح (صور)    5 معلومات عن عامر الصباح زوج الفنانة صابرين    عاجل.. موجة كورونا صيفية تثير الذعر في العالم.. هل تصمد اللقاحات أمامها؟    القومي للبحوث يوجه 9 نصائح للحماية من الموجة الحارة.. تجنب التدخين    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    خاص- تفاصيل إصابة علي معلول في مباراة الأهلي والترجي    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    الداخلية تكشف حقيقة فيديو الاستعراض في زفاف "صحراوي الإسماعيلية"    نصائح لمواجهة الرهبة والخوف من الامتحانات في نهاية العام الدراسي    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    عيار 21 الآن بالسودان وسعر الذهب اليوم الاحد 19 مايو 2024    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    أصل الحكاية.. «مدينة تانيس» مركز الحكم والديانة في مصر القديمة    صاحب متحف مقتنيات الزعيم: بعت سيارتي لجمع أرشيف عادل إمام    «يلا بينا».. باسم سمرة يروج لفيلمه الجديد «اللعب مع العيال»    محافظ بني سويف: الرئيس السيسي حول المحافظة لمدينة صناعية كبيرة وطاقة نور    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    بعد الانخفاض الكبير في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد بالمصانع والأسواق    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19 مايو 2024    عماد النحاس: كولر أدار المباراة بشكل متميز.. وغربال كان متوترًا    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    رامي ربيعة: البطولة لم تحسم بعد.. ولدينا طموح مختلف للتتويج بدوري الأبطال    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    صرف 90 % من المقررات التموينية لأصحاب البطاقات خلال مايو    جريمة في شارع ربيع الجيزي.. شاب بين الحياة والموت ومتهمين هاربين.. ما القصة؟    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    على متنها اثنين مصريين.. غرق سفينة شحن في البحر الأسود    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي الأمريكي سيبحث مع ولي العهد السعودي الحرب في غزة    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. رفيق حبيب: الإحياء الثوري..ضد الانقلاب الحضاري

زرع الاستعمار ثقافته الغربية في البلاد العربية والإسلامية لإبعادها عن هويتها وتفكيك انتمائها الحضاري
تفكيك الهوية حتى لا تتمكن الأمة من تحقيق النهوض الحضاري وتعود كمنافس حضاري للغرب
العلمانية مع الاستبداد طيلة الاستعمار الخارجي والمحلي وبصف الثورة المضادة والانقلاب على الموروث الحضاري

أعدها للنشر: الحرية والعدالة
قال المفكر والباحث السياسي د.رفيق حبيب: إن المعركة بين الثورة والثورة المضادة كشفت عن المشكلة الثقافية التي تعاني منها مصر، والتي تعاني منها أيضا دول الربيع العربي، وكذلك غالب الدول العربية والإسلامية. فقد زرع الاستعمار في البلاد العربية والإسلامية، فتنة ثقافية عميقة، فرقت المجتمعات، وأضعفت قدرتها على التحرر والنهوض. فقد زرع الاستعمار ثقافته الغربية في البلاد العربية والإسلامية، حتى يبعدها عن هويتها، ويفكك انتماءها الحضاري، حتى لا تتوحد الأمة مرة أخرى، وحتى لا تتمكن من تحقيق النهوض الحضاري، وتعود كمنافس حضاري للغرب.
وأضاف في دراسة حديثة له عنوانها "الإحياء الثوري..ضد الانقلاب الحضاري" أنه مع الاستعمار، تم تنمية القابلية للاستعمار، وهي تلك الاتجاهات التي تتفشى في المجتمعات الضعيفة، وتجعلها قابلة للسقوط تحت الهيمنة الأجنبية. ومن القابلية للاستعمار، ظهرت ثقافة الاستبداد، لتشكل ظاهرة اجتماعية، تجعل جزءا من المجتمع متقبلا للاستبداد، وربما راغب فيه. ومن خلال زرع الثقافة العلمانية لدى شرائح من المجتمع، وثقافة الاستبداد لدى شرائح أخرى، أصبح المجتمع مقسما ثقافيا، ومفككا حضاريا، مما يجعله متقبلا لفرض هيمنة استعمارية خارجية عليه، وهيمنة استعمارية محلية أيضا.
وبعد رحيل الاستعمار العسكري، ورثت الأنظمة المستبدة مجتمعا مفككا، فحافظت على تفككه، بل وكرست تفككه، حتى تستمر في السيطرة على المجتمع، لصالح طبقة الحكم المستبد، ولصالح الهيمنة الغربية. فأصبح التفكك الثقافي للمجتمع، هو من أهم نقاط ضعفه.

تعميق الخلافات أداة الثورة المضادة لتغييب القاعدة الحضارية المشتركة ومنع بروز الأساس الثقافي المشترك
وأكد "حبيب" أنه لم تكن الموجة الأولى للربيع العربي، ممثلة لموجة ثورية ثقافية، توحد المجتمع على قاعدة موروثه الثقافي، بل كانت موجة تطالب بالحرية. وبعد أن تحققت الحرية مرحليا، ظهر الانقسام الثقافي مع بداية تجربة التحول الديمقراطي، بين الانتماء للموروث الثقافي، والانتماء للوافد الثقافي. وبعد الدخول في مرحلة التحرر، برز مرة أخرى الخلاف الثقافي، بين ثقافة التحرر وثقافة الاستبداد، فأصبح المجتمع منقسما، وأصبحت الكتل المنتمية لثقافة الاستبداد تعادي الثورة. فانقسم المجتمع بين من يؤيد الثورة ومن يرفضها، كما انقسم المنتمين للثورة بين إسلامي وعلماني.
موضحا أنه لم تكشف الثورة ومرحلة التحول، عن انقسامات جديدة في المجتمع، بل أظهرت الانقسامات الراسخة داخل المجتمع، منذ زمن الاستعمار العسكري الغربي، مرورا بمرحلة الاستعمار المحلي. فمرحلة التحول كشفت عن الانقسامات الداخلية، وفتحت الباب أمام الصراع السياسي بين مكونات المجتمع، المختلفة ثقافيا.
الانقسام الاجتماعي

تعميق الانقسام المجتمعي سياسيا وثقافيا واجتماعيا يستخدم كمبرر لفرض العلمانية ومنع بروز الهوية الإسلامية
وأكد "حبيب" أن الانقسام السياسي الحادث في مرحلة التحول الديمقراطي، كان كاشفا لانقسام اجتماعي موجود بالفعل، ولكنه لم يكن فاعلا في المشهد السياسي. فقد كان المجتمع منقسما اجتماعيا، ولكن هذا الانقسام لم يكن له دور في توجيه العملية السياسية في ظل نظام حكم مستبد. وفي ظل عملية ديمقراطية حرة، ظهر الانقسام السياسي، خاصة بين الموروث والوافد، أي بين التيار الإسلامي والتيار العلماني، لأن كلا منهما يستند إلى مرجعية ثقافية وحضارية مختلفة. لذا أصبحت الساحة السياسية تشهد فجوة بين التيارات السياسية، أساسها ثقافي واجتماعي.
وفي كل المجتمعات، يستند بناء المجتمع على قاعدة ثقافية مشتركة، تمثل المرجعية الحضارية للمجتمع. ولكن في المجتمعات التي عانت من الاستعمار والاستبداد، تم تفكيك أو تغييب تلك القاعدة الحضارية المشتركة، حتى يتم إضعاف المجتمع، وفرض السلطة المستبدة عليه. لذا فالمجتمع المصري لديه بالفعل أرضية حضارية مشتركة، ولكن تلك الأرضية تم تغييبها حتى يظل المجتمع مفككا. مما جعل إدراك كل المنتمين للتيارات السياسية المختلفة لتلك الأرضية يتباين، لأن المنتمين للثقافة العلمانية غابت عنهم تلك الأرضية الحضارية المشتركة.

ارتباط القوى الغربية بالجيوش والمؤسسات الأمنية والمخابراتية لأنها رأس حربة لفرض الهيمنة الغربية
منبها إلى أن انتشار ثقافة الاستبداد، أدى إلى تشكل ثقافة قد تنتمي للموروث، ولكنها تشكل صورة مشوهة منه. فثقافة الاستبداد تشكل توجهات سلبية وغير فاعلة، مما يجعلها ثقافة جامدة مستسلمة. وهو ما أدى إلى تشكل ثقافة استبداد لا تنتمي بفاعلية للموروث الحضاري، وإن انتمت شكليا له. وغابت الأرضية الحضارية المشتركة عمليا، مما جعل الانقسام السياسي بعد الثورة يتحول إلى حالة استقطاب حاد، نظرا لأن الخلاف بين التيارات السياسية، ليس سياسيا فقط، بل ثقافيا واجتماعيا أيضا. ففي أي مجتمع، تغيب فيه الأرضية الحضارية المشتركة، تتزايد الفجوة بين مكونات المجتمع، لحد الانقسام العميق.
بين الاستبداد والعلمانية

وكشف "حبيب" أن الخلاف الثقافي الذي زرعه الاستعمار، ثم السلطة المستبدة المحلية، أدى إلى وجود رابط بين ثقافة الاستبداد والثقافة العلمانية، لأن الاستعمار الخارجي والمحلي، كليهما كان يبني دولة مستبدة علمانية، مما جعل العلمانية تترافق مع الاستبداد، طيلة عمر الاستعمار الخارجي والاستبداد المحلي. وكان الاستعمار والسلطة المستبدة، هما الراعيان الفعليان لنشر العلمانية، مما جعل العلمانية تتكرس على مستوى النظام السياسي، تحت حكم الدولة المستبدة في أشكالها المختلفة. مما جعل انتشار ثقافة الاستبداد، حتى ولو كان لدى فئات تقليدية غير علمانية، يحمي نشر العلمانية عمليا. نظرا لأن ثقافة الاستبداد، تضعف الانتماء للموروث الحضاري، أو تجعله غير حاضر أو غير فاعل، لذا فإن انتشار ثقافة الاستبداد، كان يهدم الانتماء الحضاري، ويقلل فرص النهوض الحضاري، مثل انتشار الثقافة العلمانية. لأن النشأة واحدة، وأيضا المسار التاريخي، أصبح الترابط بين ثقافة الاستبداد، والثقافة العلمانية عميق الجذور، مما جعل الكتل المنتمية لثقافة الاستبداد وتلك المنتمية للثقافة العلمانية أو التي تحتمي بها، تتقابل في النهاية في كل منعطف تاريخي.

تحالف الاستبداد والعلمانية والعسكرية معا ضد الثورة والديمقراطية لمنع بروز وظهور الهوية الإسلامية
لذا بحسب "حبيب" تقابلت كتل ثقافة الاستبداد مع الكتل العلمانية في الثورة المضادة سريعا، وأصبحت جميعا تمثل كتلة الانقلاب العسكري، وأصبح الحراك الثوري، يمثل أساسا كتل الموروث الحضاري، أو التيار الإسلامي الواسع. فثقافة الاستبداد تؤدي لرفض التحرر، كما أن الثقافة العلمانية تؤدي لرفض أي تحرر، يبرز الهوية الإسلامية. فكل فروع الثقافة الوافدة، وكل فروع الثقافة المترتبة على الاستعمار والاستبداد، ظهرت في صف الثورة المضادة، وفي صف الانقلاب العسكري، لأنها في الواقع وقفت في صف الانقلاب على الموروث الحضاري، وعلى الانتماء الحضاري المشترك، المؤسس للمجتمع المصري.
سند الاستبداد
ورصد "حبيب" أن الكتل التي تتبنى ثقافة الاستبداد وتلك التي تتبنى الثقافة العلمانية تمثل السند الاجتماعي لدولة الاستبداد، وأيضا السند الاجتماعي للهيمنة الخارجية. مما يعني أن إعادة بناء الأرضية الحضارية المشتركة مرة أخرى بعد الثورة، يمثل تهديدا لدولة الاستبداد التابعة للهيمنة الخارجية. ويلاحظ المراقب، أن بعد ثورة يناير، تم تكثيف عملية تعميق الفجوة الثقافية بصورة واضحة، خاصة من إعلام الثورة المضادة، ومن التدخلات الغربية، وأيضا من التدخلات الإقليمية. وكان السبب في ذلك، أن تحالف الدولة المستبدة، يحاول حماية السند الاجتماعي له، حتى لا تسقط دولة الاستبداد.

ثورة على العلمنة والتغريب وثقافة الاستبداد كعملية تحرر شامل تهدف للتحرر السياسي والتحرر الحضاري
وقام الانقلاب العسكري أساسا، على فرضية أن هناك نزاعا أهليا أو حربا أهلية سوف تقع، وجاء الانقلاب العسكري لمنع وقوعها. ولكن الحقيقة أن عملية التحول الديمقراطية كشفت عن الخلاف الثقافي، وفتحت الباب أمام حسم هذا الخلاف، من خلال ظهور تيار الموروث السائد في المجتمع. ففي أي عملية سياسية حرة يتم بناء نظام سياسي يستند على المرجعية الحضارية المؤسسة للمجتمع، والتي تمثل تيار الموروث السائد فيه. لذا كان تحالف دولة الاستبداد يدرك أن بروز تيار الموروث السائد سوف يقضي على دولة الاستبداد.
وكان إشعال الاستقطاب السياسي هو سبيل الثورة المضادة، فقد عمد تحالف دولة الاستبداد على تعميق الانقسام الثقافي ومنع أي محاولة للتقارب، وأيضا عرقلة إدارة هذا الخلاف من خلال آلية العمل الديمقراطي، حتى يظل خلافا مانعا لبروز هوية عامة في المجتمع. والقوى الغربية المهيمنة كانت تحاول منع ظهور الهوية الإسلامية في النظام السياسي الجديد، وتستند في ذلك إلى أن المجتمع متنوع بدرجة لا تسمح بأن يكون له هوية عامة سائدة. مما أظهر محاولة لمنع بروز تيار الموروث على حساب تيار الوافد، حتى يعاد فرض هيمنة الوافد مرة أخرى.
من عمّق الانقسام
ولفت "حبيب" إلى أن المتابع يدرك أن تعميق الانقسام الثقافي والسياسي كان يصب في مصلحة القوى العلمانية والقوى المنتمية لمنظومة الاستبداد، في حين أن تجسير فجوة الخلاف الثقافي كان يصب في مصلحة غالب القوى الإسلامية، لأنه يسهم في إبراز الأرضية الحضارية المشتركة. فالانقسام يعرقل إعادة بناء الأرضية الحضارية المشتركة، لذا فهو في صالح كل القوى التي تعادي تلك المرجعية الحضارية. في حين أن التقارب يسهم في إعادة اكتشاف المشترك الحضاري، مما يسهم في استعادة الهوية والمرجعية الحضارية وتوسيع التوافق حولها.

ثورة على العلمنة والتغريب وثقافة الاستبداد كعملية تحرر شامل تهدف للتحرر السياسي والتحرر الحضاري.
فقد كان الانقسام ثم الاستقطاب، ثم بعد ذلك النزاع الأهلي، لصالح إعادة هيمنة الوافد على الموروث مرة أخرى. وأصبح الوافد هو الثورة المضادة، كما كان من قبل هو الاستعمار والاستبداد، وأصبح الموروث هو الثورة، لأنه لن يستعيد دوره إلا في ظل التحرر الكامل. لهذا تعمق الانقسام، لأنه يؤدي دورا مهما؛ فهو سند قوى الاستبداد المحلي، وهو أيضا سند المنظومة الإقليمية التابعة، وسند الهيمنة الغربية على المنطقة العربية والإسلامية. لهذا كان تعميق وإبراز الخلافات، هو أداة الثورة المضادة، لتغييب المشترك، ومنع بروز الأساس الثقافي والحضاري المشترك للمجتمع، حتى يظل المجتمع ضعيفا. فتعميق الانقسام المجتمعي، سياسيا وثقافيا واجتماعيا، يستخدم كمبرر لفرض العلمانية، ومنع بروز الهوية الإسلامية، رغم أن العلمانية هوية أيضا، وهي تعبر عن الهوية الوافدة التي فرضت على المجتمع، سوا ء من قوى الاستعمار والتغريب، أو قوى الاستبداد.

متلازمة العلمانية العسكرية

مسار الثورة المصرية مرحلة من مراحل الإحياء الحضاري المؤثرة على أوطان الأمة العربية والإسلامية
وأشار حبيب إلى أنه بات واضحا عبر المراحل التاريخية المختلفة، أن فرض العلمانية والتغريب على المجتمعات العربية والإسلامية، يرتبط بفرض الهيمنة العسكرية على النظام السياسي، سواء لأن الجيوش الحديثة قد بنيت على أسس غربية، أو لأن العلمانية المفروضة على المجتمعات، تحتاج لقوى استبدادية تحميها من هوية المجتمع. لذا لم يكن الانقلاب العسكري، إلا تعبيرا عن المشكلة الثقافية، التي عانت منها البلاد العربية والإسلامية، منذ زمن الاستعمار الغربي العسكري. فقد مثل الانقلاب العسكري، امتدادا لسياسة تعميق الانقسام المجتمعي، من أجل فرض العلمانية والتبعية للغرب، وفي الوقت نفسه استعادة الهيمنة العسكرية على النظام السياسي. وما يشرح سبب ارتباط القوى الغربية بالجيوش والمؤسسات الأمنية والمخابراتية، أنها تمثل رأس حربة لفرض الهيمنة الغربية على المنطقة، لأنها ترعى التبعية الثقافية للغرب كما ترعى التبعية السياسية له.
وأضاف: مما يعني أن بروز الهوية الإسلامية، المعبرة عن الموروث الثقافي والحضاري للمجتمع، تعرقل استمرار الهيمنة العسكرية على النظام السياسي، لأنها تؤدي إلى هيمنة المجتمع على النظام السياسي، ليصبح النظام السياسي منتميا للموروث الثقافي والحضاري، الذي ينتمي له المجتمع. لهذا، أصبح بروز الموروث الثقافي والحضاري بعد الثورة، يمثل تهديدا للهيمنة العسكرية، كما يمثل تهديدا لثقافة الاستبداد والثقافة العلمانية، وهو ما أدى إلى بروز تحالف الاستبداد والعلمانية والعسكرية معا، ضد الثورة والديمقراطية لمنع بروز وظهور الهوية الإسلامية.
الحراك الثوري الثقافي

الحراك الثوري أصبح نضالا ثقافيا وحضاريا ضد كل قوى التغريب والاستبداد كعملية إحياء حضاري من أجل الاستقلال الحضاري
ويرى "حبيب" أنه لم تكن مصادفة أن يتحول الحراك الثوري بعد الانقلاب العسكري، إلى حراك يحمل مضمونا ثقافيا وحضاريا، ويحمل الهوية الموروثة التي تشكل وتأسس المجتمع عليها. فلأن الانقلاب العسكري، كان في أعماقه انقلابا ثقافيا، لذا أصبح الحراك الثوري حراكا ثقافيا أيضا. فقد تغير مسار الثورة بعد الانقلاب العسكري، لتصبح ثورة تحمل مضمونا ثقافيا، أي تحمل الموروث الثقافي والحضاري للمجتمع. فلا يمكن تحقيق التحرر، إلا بالاستقلال الحضاري، مما يعني أن المضمون الثقافي للحراك الثوري، يمثل أداة رئيسة في تحقيق التحرر. وإذا كان الانقلاب العسكري قد استند لتعميق الخلاف الثقافي، فإن الحراك الثوري يستند على المشترك الثقافي والحضاري للمجتمع، والذي ترفض بعض فئات المجتمع الانتماء له، بسبب تأثرها بالاستبداد والتغريب.
والمحتوى الثقافي للحراك الثوري، يقوي هذا الحراك، ويعطي له أبعادا قيمية مهمة، حيث يصبح نضالا ثقافيا وحضاريا ضد كل قوى التغريب والاستبداد. مما يجعل الحراك الثوري، هو فعليا عملية إحياء حضاري تحاول إحياء قيم الموروث الحضاري، من أجل تحقيق التحرر. ولهذا، يتجه الحراك الثوري، من خلال تجربة النضال والتضحية، ليصبح عملية إعادة تنقية للموروث الثقافي من ترسبات الاستبداد، التي فككت الموروث الثقافي، وفرغته من محتواه النضالي والنهضوي.

ثورة حضارية
وقال "حبيب" إن ثورات الربيع العربي تتجه لمرحلة المواجهة الشاملة مع أزمة الثقافة، بسبب أن تلك الأزمة هي التي وظفت في إفشال وإجهاض الربيع العربي. مما يجعل ثورات الربيع العربي، تتبنى تدريجيا مضمونا ثقافيا، يعيد تأسيس المجتمع على أساس موروثه الثقافي والحضاري، حتى يبنى النظام السياسي الجديد، ليكون معبرا عن حضارة المجتمع. والثورة المصرية، تمثل النموذج الأبرز لارتباط الصراع بين الثورة والثورة المضادة، مع الصراع الثقافي، مما يجعل مسار الثورة المصرية، يمثل عمليا مرحلة من مراحل الإحياء الحضاري، التي يمكن أن يكون لها تأثير واضح على أوطان الأمة العربية والإسلامية.
مشيرا إلى أن الموروث الثقافي والحضاري للبلاد العربية والإسلامية، يسع للتعدد والتنوع بدرجة كبيرة، ولكن مشكلة تلك المجتمعات، أن التنوع تأسس في العقود أو القرون الأخيرة، خارج إطار المشترك الحضاري، مما جعله ليس تنوعا داخل إطار الوحدة الحضارية، بل تنوعا خارج إطار الوحدة. فما شهدته مصر، كغيرها من البلاد العربية والإسلامية، كان تنوعا حضاريا، وليس مجرد تنوعا ثقافيا داخل إطار حضارة واحدة. لذا أصبح التعدد في المرجعية الحضارية، هو أداة تقسيم المجتمع، ثم وظف هذا التقسيم لمنع نجاح الربيع العربي، وإجهاض عملية التحرر. فالمشكلة الثقافية، تتمثل في وجود تنوع، يفكك المشترك الثقافي والحضاري للمجتمع، رغم أن هذا المشترك، هو سبب وجود المجتمع. لذا، لم يعد من الممكن أن يتحقق التحرر والنهوض، دون إبراز الأساس الثقافي والحضاري الذي يستند عليه المجتمع، مما جعل الحراك الثوري، هو إحياء حضاري.
الخلاصة
وخلص "حبيب" إلى أن الانقلاب العسكري استخدم نتائج الغزو الثقافي، حتى يجهض الثورة، كما استخدم نتائج عقود الاستبداد على ثقافة المجتمع، فوظف المشكلة الثقافية كي يجهض الثورة المصرية، وهو ما جعل الحراك الثوري، يحمل مضمونا ثقافيا، في مواجهة الخلل الثقافي، الذي أجهض الثورة مرحليا. فإذا كان الربيع العربي هو ثورة على عقود من الاستبداد، جاءت بعد عقود من الاستعمار، فإن الربيع العربي، بفعل التحديات التي يواجها، يصبح ثورة على العلمنة والتغريب، وعلى ثقافة الاستبداد، مما يجعله عملية تحرر شامل، لا تهدف إلى تحقيق التحرر السياسي فقط، بل وتهدف أيضا لتحقيق التحرر الحضاري.
وقبل الانقلاب العسكري، كان من الممكن حسم المشكلة الثقافية من خلال العملية السياسية الديمقراطية تدريجيا، ولكن بعد الانقلاب العسكري، أصبح حسم الهوية الثقافية والحضارية، ولو مبدئيا، من ضرورات التحرر، ومن عوامل نجاح الحراك الثوري في إسقاط الانقلاب العسكري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.