لقرابة أربعة عقود تمثل فن الشاعر الراحل محمد عفيفي مطر في تجربة شعرية أصيلة متنامية تستند إلى التراث الشعري العربي، قديمه وحديثه، والشعر العالمي بمجمله، والموروث الشعبي والمعرفة الفلسفية، وتأمل الواقع الراهن والالتزام بقضاياه، مما أتاح له تطورًا مفتوحًا متجددًا. كان أحد أبرز شعراء جيل الستينيات، ومثالًا لتوحد أفعال المثقف مع آرائه، فعانى كثيرًا، وتنقل بين القاهرة وبغداد، وتم رفض نشر أعماله لفترات طويلة، وانتهى مريضًا بالكبد. كانت تجربة مطر فريدة في الشعر المصري خاصة، وفي الشعر العربي عامة، حيث أراد أن ينتهج لنفسه نهجًا مُغايرًا للنهج الذي كان سائدا في المشهد الشعري في مصر، فقام بجمع مصادر مُتعددة، حيث ألم بالتراث الصوفي، والتراث الأدبي العربي، والفكر اليوناني القديم، والفلسفة القديمة، واستطاع هضم واستيعاب كل هذا، ثم قدّم تجربته الفريدة التي ربما شابتها غلالة خافتة من الغموض. تخرج مطر في كلية الآداب قسم الفلسفة، ثُم عمل مدرسًا، وظهرت مُبكرًا مواقفه المُعارضة للنظام، وكانت بداية احتكاكه بالسلطة عندما أغلقت السلطات مجلة "السنابل" المساندة للحركة الطلابية والتي كان يرأس تحريرها؛ ومع التحول الكبير الذي شهدته مصر بعد رحيل الرئيس عبد الناصر، وقف مطر في صف المثقفين المعارضين للرئيس الراحل أنور السادات، والذين اضطر الكثير منهم للهجرة إلى الخارج ليعيشوا في دول عربية أخرى في أواخر السبعينيات، فسافر إلى العراق واستقر بها أعوامًا بعد معارضته اتفاقيات كامب ديفيد. وبعد عودته هجر مطر وظيفته الرسمية كمعلم رغم عشقه التعليم، ولجأ إلى زراعة أرضه في قريته، مواصلًا إبداعاته؛ ولكن عادت مواقفه السياسية المُناهضة للنظام لتؤدي به إلى السجن، وكان ذلك حينما أعلن معارضته لموقف النظام المصرى من الحرب على العراق، فتم اعتقاله وآخرون عام 1991، ومن تجربة السجن كتب ديوانه "احتفاليات المومياء المتوحشة"، الذي كتب إهداءه إلى ابنته "إلى طفلتي رحمة.. لم أكن ألتفت لشيء سوى يديك النائمتين حول الدبدوب المحدق بعينيه اللامعتين، ولم أكن أخاف شيئًا سوى يقظتك بمفاجأة الجحافل وهي تلتقطني. أما الأثر الدامي على عظام الأنف الذي لاتكفين عن السؤال حوله: فهذا هو الجواب". أصدر مطر العديد من الأعمال الشعرية التي أبهرت من عاصروه ومن قرأ أعماله، فضلًاعن كتاباته النثرية وترجماته وكتاباته للأطفال مثل "احتفاليات المومياء المتوحشة"، و"من دفتر الصمت"، و"رباعية الفرح"، و"يتحدث الطمى والنهر"، و"يلبس الأقنعة"، و"شهادة البكاء في زمن الضحك" وكتاب "الأرض والدم"، و"رسوم على قشرة الليل"، و"ملامح من الوجه الأمبيوقليسى". حصل مطر على الكثير من الجوائز المحلية والعربية والعالمية؛ منها جائزة العويس الإماراتية، جائزة الدولة التشجيعية والتقديرية، جائزة كفافيس اليونانية، جائزة من جامعة أركنسوالأمريكية، وجائزة المؤسسة العالمية للشعر في روتردام الهولندية؛ وقد صدرت أعماله الشعرية الكاملة عن دارالشروق بالقاهرة في عام 2003؛ ثم رحل في هدوء يوم 28 يونيو عام 2010 عن عُمر ناهز 75 عامًا بعد غيبوبة استمرت أسبوعين، ومُعاناة مع الكبد استمرت لسنوات، ودُفن في قريته وسط حشد جماهيري كبير دفع به إلى مثواه الأخير، وكان قطعة أرض اشتراها هو بنيت فيها مقبرته.