بعد أيام من الاحتفال ببلوغه 75 سنة، وبعد مشوار طويل مع الكتابة كان خلاله الأب الروحى لثورة الشعر المصرى الجديد، رحل الشاعر الكبير محمد عفيفى مطر بعد أن ظل أياما فى غيبوبة نتيجة مضاعفات إصابته بتليف الكبد. ولد مطر فى قرية رملة الأنجب بمحافظة المنوفية عام 1935 ودرس الفلسفة فى كلية الآداب وعمل مدرسا وكان بين عدد من المثقفين المعارضين للرئيس السابق أنور السادات الذين عاشوا فى العراق إلى نهاية سبعينيات القرن الماضى. وفى عام 1991 اعتقل مطر نتيجة معارضته النظام فى موقفه من الحرب على العراق وسجل تجربة الاعتقال فى عدة قصائد أشهرها «هلاوس ليلة ظمأ»، وأثمرت تلك التجربة ديوانه «احتفاليات المومياء المتوحشة» عام 1992. نال مطر جائزتين من مصر هما التشجيعية فى الشعر عام 1989 والتقديرية عام 2006 كما فاز بجائزة سلطان العويس من الإمارات عام 1999. ورحل تاركا ميراثا هائلا من الشعر والترجمة والنقد وقصص الأطفال والمقالات النقدية. تحفل أشعار عفيفى مطر بالصور المبهرة والأساطير، مستندا إلى قاموس بلاغى شديد الثراء، جعله واحدا من رواد التجريب والتجديد فى الشعر العربى، فى مرحلة الستينيات، وقاد مطر ثورة الشعر المصرى فى نفس توقيت الثورة التى قادها أدونيس فى الشام. وتنطوى نصوصه على حس سياسى غير صارخ ولا مباشر يستلهم التاريخ. لذا كانت قصائده تتوجه إلى النخبة قبل العامة رغم تعبيرها عن آلامهم وأحلامهم المجهضة بلغة شعرية حداثية. كان مطر فى أواخر أيامه يعد لديوانه الجديد «دخان القصيدة». وكانت الأوساط الثقافية قد احتفلت بسبعينيته فى أتيلييه القاهرة، حضرها نقاد مصريون وعرب وغير تكريمات أخرى من جهات رسمية ومنها المجلس الأعلى للثقافة. كان عفيفى مطر مدرسة شعرية خاصة بذاتها يحتشد نصه بالأسطورة والتناص والفلسفة والمهارات اللغوية والمغامرات البلاغية والحداثية والرصانة، وكان لمفردات الطين والأرض والطمى حضور طاغ فى مجمل إنتاجه. عاش مطر خصومة طويلة مع المؤسسة الرسمية بسبب مواقفه السياسية المعارضة لما سماه «سياسة التدجين». ولم تكن ثورية مطر خطابية ولا سياسية، إنما ثورية الجوهر التعبيرى من أجل الدفاع عما هو أصيل وجميل وحقيقى، وإبعاد ما هو غوغائى وانتهازى وزائف. وعلى الرغم من أن نضاله لم يكن موجهاً للدفاع عن أفكار حزب سياسى معين أو تيار أيديولوجى دون غيره، فإن عفيفى مطر تعرض للاعتقال أكثر من مرة. ولم تنل كل هذه المحن والأزمات من عزمه ونضاله وثوريته وشموخه وتفرده. وكتب للأطفال «مسامرات للأطفال كى لا يناموا»، فضلاً عن كتاب عن محمود سامى البارودى «الشاعر الفارس»، وكتاب عن «قصيدة الحرب فى الشعر العربى»، وعدد من الترجمات للشاعر اليونانى إيليتس والشاعرة إديث سودرجران. من أشهر المجموعات الشعرية للراحل «احتفاليات المومياء المتوحشة»، و«فاصلة إيقاعات النمل»، و«رباعية الفرح»، و«أنت واحدها وهى أعضاؤك انتثرت»، و«يتحدث الطمى»، و«النهر يلبس الأقنعة» و«شهادة البكاء فى زمن الضحك»، و«كتاب الأرض والدم»، و«رسوم على قشرة الليل» و«الجوع والقمر» و«من دفتر الصمت» و«من مجمرة البدايات». وكتب للأطفال «مسامرات للأطفال كى لا يناموا»، فضلاً عن كتاب عن محمود سامى البارودى «الشاعر الفارس»، وكتاب عن «قصيدة الحرب فى الشعر العربى».