حينما يعلن في أي دولة متقدمة عن أن السيد الرئيس سيُلقي خطابًا تتلهف الجماهير لسماعه؛ لأن الرؤساء هناك لا يرضون أن يضيعوا أوقات مواطنيهم في سماع ما لا طائل منه، ومن ثم حينما يعلن أن الرئيس سيتكلم فلا بد أن الأمر جلل، وينبغي إطلاع الشعب على ما فيه. حتى بعض الزعماء في البلاد النامية- ونحن منها- كانت شعوبهم تنتظر خطبهم التي كانت تبث في نفوسهم روح الوطنية والحماسة، وهنا لا نستطيع أن ننسى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وحتى السادات الذي كانت تفيض خطبه بلاغة وحماسة، ويكفيه خطابه الشهير الذي ألقاه في مجلس الشعب أعقاب حرب أكتوبر عندما وقف منتشيًا بالنصر العظيم. فمِن خطب الرؤساء والزعماء نعرف جوانب من شخصياتهم وأفكارهم وتطلعاتهم وخططهم لبلادهم وشعوبهم، إذ لا بد أن تخرج الشعوب بفائدة من هذا الخطاب.. هذا ظني، لكن مع الرئيس مرسي عرفت أن كل الظن إثم، فلا فائدة من خطبه ولا من الحوارات التي تجري معه؛ حيث لا معلومة تُذكر، وإن ذكرت ففي الأغلب الأعم تكون غير صحيحة، فالرجل يتحدث كما لو كان رئيسًا لبلد أخرى، أو كأنه يتجمل أمام العالم- إذا كان لدى العالم اهتمام به أو بما يقول أصلاً- ولا يعنيه شعبه الذي يموت نصفه من الضحك، ويموت النصف الآخر غيظًا. والغريب أنه في كل حواراته التي أجراها منذ أن كان مرشحًا للرئاسة لم يقدم جملة واحدة تفهمها أي فئة أو جماعة في مصر، باستثناء جماعة الإخوان التي تستطيع أن تفهم حتى ما لم يقله الرئيس، فقد تعلموا في مدرسة واحدة. بعد كل خطاب أو حوار مع الرئيس أقسم أنني إذا التقيته- وأتمنى ألا ألتقيه- سأقول له: سيدي الرئيس لتقل خيرًا أو لتصمت! أذكر أنني اتصلت بمذيع كان قد أجرى معه حوارًا وسألته ماذا فهمت من الحوار؟ فقال لي نصًّا: “,”ولا حاجة.. بس هو رجل طيب.. وبما أنه مصري مثلنا لازم نتحمله“,”، وبعد حوار اليوم الذي أجرته قناة “,”الجزيرة“,” القطرية مع الرئيس اتصلت بصديقي هذا وقلت له: ما ذنب “,”خديجة بن قنه“,” أن تسمع لأكاذيب وطلاسم وكلام لا يساوي ثمن وقود سيارتها التي أوصلتها للقصر الرئاسي، وكيف لهذا الرئيس أن يقول أمام العالم أنه جزء من المؤسسة العسكرية، ونحن لا نعرف حتى إن كان قد أدى الخدمة العسكرية أصلاً أم لا؟ كيف يتهم النظام السابق بارتكابه جرائم بحقِّ شعبه متناسيًا ما اقترفت يداه وجماعته وأهله وعشيرته بحق كل مصري؟ وكيف يقول إن مصر تحولت إلى دولة ديمقراطية، وإن الشعب المصري يعيش حالاً أفضل مما كان يعيشه في عهد مبارك؟ ما كل هذا الكذب وافتراض السذاجة في شعبه بل وشعوب العالم الذي يشاهده، أو لم يشاهد معنا ما فعلته جماعته، أمس، أمام دار القضاء العالي، فإذا كان قد شاهد ما شاهدناه فكيف يقول لمذيعة الجزيرة: إن الشعب نزل مليونية تطهير القضاء بإرادته؟.. ألهذا الحد لا يرى الرئيس أحد في مصر إلا جماعته التي خرجت بالأمس لتعتدي على القضاة والقضاء؟! وقبل أن أنهي مكالمتي مع صديقي قلت له: أرجوك قل للرئيس إذا أجريت معه حوارًا آخر (سيدي الرئيس كاد قلب العالم أن يتوقف من الدهشة أمام ما فعله المصريون في ثورة يناير.. أما الآن يتوقف قلبه من الضحك على مصر ومن فيها).