يُعانى الشخص كثيرًا أثناء رحلته العملية ويقف أمام الصعوبات حتى يتمكن من الوصول إلى الدرجة التى يطمحها من النجاح الذى يُريد تحقيقه، ولكن حب العمل الذى يقوم به فى أغلب الأوقات يقف كالدافع خلف الاستمرار بالرغم من صعوبة الظروف، والحلقة التاسعة عشرة من «بورتريه» تدور حول فنان تغلب على الصعاب بعشقه للفن، خاصة فن النحت، إنه الفنان جمال الدين رأفت السجينى والشهير ب «جمال السجيني». وُلد السجينى قبل اشتعال أجواء ثورة 1919 بعامين، فعندما تفتحت عينا الصبى وبدأ إدراكه بعض الشيء، وجد الشعب يُنادى بانفعال شديد بخروج الاحتلال الإنجليزى من الأراضى المصرية، الذى نتج عنه تراكم للغضب بسبب التدخل الأجنبى فى الشئون والأحوال المصرية، فبطبيعة الحال ترعرعت مشاعر الوطنية وتربت بداخل قلب هذا الصبى منذ خطواته الأولى، وظهر بالفعل هذا الأثر الوطنى على أعماله الفنية، وبخاصة أعماله النحتية المُختلفة. بدأت أولى خطواته الفنية منذ حصوله على دبلوم فن النحت من مدرسة الفنون الجميلة وهو فى الحادية والعشرين من عمره، ومن بعدها سافر على نفقته الخاصة إلى العاصمة الفرنسية باريس ثم العاصمة الإيطالية روما، بهدف استكمال دراسته الفنية حتى انضم إلى البعثة التعليمية وحصل على دبلوم فن النحت من أكاديمية الفنون الجميلة وأكاديمية الميداليات فى روما وهو فى الثالثة والثلاثين من عمره. تألق «السجيني» فى فن الميدالية، ونفذ العديد من الميداليات التى دارت موضوعاتها حول أحداثًا مهمة، ومن هنا قام بإحياء فن النحاس الذى مرت عليه السنوات دون إعادة نظر منذ فترة انتعاشه فى الفن الإسلامى ليصبح بذلك رائدًا فى هذا المجال، ولكن كان حسه الفنى فى مجال «النحت» دائمًا ما يرده إلى القيام بالأعمال النحتية التى يجد فيها نفسه. ووصف الفنان حسين بيكار عشق «السجيني» للنحت فى كتاب آفاق الفن التشكيلى، قائلًا: «وهو يصافح الطين ينسى أنه يعانى من كسر قديم فى ذراعه، حتى إذا ما فرغ من صنع التمثال ارتمى فوق مقعده ليستقبل فيض الألم، كان الألم هو الثمن الذى يتقاضاه، وكان سعيدًا بهذا الألم لأنه ضريبة النبوغ»، كما قال عنه الناقد الفنى الدكتور صبحى الشاروني: «فن السجينى يُمثل مرحلة متميزة فى تطور فن النحت المصرى الحديث، كان منهجه فى أول حياته الفنية منهجا رومانتيكيا أسوة بأستاذه، ولكنه سرعان ما اندمج فى أحداث مصر التى كانت مدوية وصراعات عنيفة بين القوى الوطنية وبين قوى الاستعمار ومن يسانده، وتركت هذه الأحداث والصراعات فى نفسه الحساسة آثارًا عميقة ظهرت فى إنتاجه، ويقول السجينى عن هذه المرحلة من حياته إن ما كان يشغله حالات البؤس والأسى». والحروب تُعتبر من الأحداث التى تؤثر بشدة فى شعور الشعب بأكمله ويظل أثرها محفور بداخل قلوبهم، وعلى الفنانين التشكيليين بشكل خاص، فعبر عنها «السجيني» فى أعماله النحتية من خلال إبداعه لتمثال حول عبور القوات المُسلحة فى حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر لعام 1973، ويُعتبر هذا التمثال من أهم الأعمال التى برع فيها الفنان. وعن حياة «السجيني» العملية، بدأها كمدرس لفن النحت بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وهو فى الرابعة والثلاثين من عمره، ومن بعدها تولى رئاسة القسم نفسه، ولكن بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية، ثم رئيسًا للقسم بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وهو فى السابعة والأربعين من عمره. ومن أهم الإسهامات الفنية التى قام بها النحات، تكوينه جماعة «صوت الفنان»، وذلك عقب الحرب العالمية الثانية، وكانت تشمل عددًا كبيرًا من الفنانين الجُدد فى ذلك الوقت، كما تم اختياره من ضمن خمسة فنانين الذين حُفرت رسومهم على الكريستال فى أمريكا، ثم ترك «السجيني» هذا الأثر الفنى الكبير فى مصر وحول العالم كله حتى ترك الحياة وهو فى الستين من عمره.