تنتفض أحلامهم بمنتصف سبتمبر، حيث يبدأ موسم حصاد التمور لتستغرق العملية بضعة أسابيع بجزيرة «الحربياب» التابعة لمركز «دراو»، حيث يوجد قرابة ربع مليون نخلة، أى ثُمن ما تمتلكه محافظة أسوان من النخيل، ما يمثل أساس المعيشة لأهالى المركز، حيث يجتمع أهالى الجزيرة، وكل منهم بداخله أحلام وطموحات تتحقق فور بيع المحصول، لتصبح مرحلة البيع هى الحلم الكامن بنفوسهم أجمع. يجتمع ستة أشخاص (التاجر وخمسة عمال) ليبدأوا فى حصاد محصول نخلة تلو نخلة، وبحوزتهم معداتهم ومجموعة من قنانى المياه وينابيع من الصبر المختلطة بالأمل، يقول «حسان» تاجر النخيل: «بعد ما اشتريت مجموعة النخيل، حيث يبلغ سعر النخلة الواحدة هذا العام حوالى 350 جنيهًا، أقوم بتأجير 5 عمال، حيث يقومون بمعاونتى على الحصاد، وأهم الخمسة هو من يصعدها مهما بلغ طولها، فهذا الشخص يقوم بأصعب دور فينا، فحتى إن كان معتادًا على هذا العمل غالبًا ما يصاب بانزلاق، أو تتأذى يداه بجريد النخيل أو السعف، لذلك هو أكثر من يأخذ اليومية بهذا اليوم، أما الأربعة الآخرون يقومون بنزع البلح من السباطة، ففور انتهائنا من الحصاد الذى يستغرق عدة أسابيع نقوم بتجفيف التمر وذلك بنشره على الرمال وتخزينه ليدخل بعدها مرحلة التبخير، ينتهى الأمر بتوزيعنا التمور على محافظات الوجه البحرى والقبلى ومحافظة القاهرة، فحينها نبدأ الشعور بالراحة بعد انتهاء مهمتنا وبيع محصولنا لتجار الجملة». يجلس الباعة على ركبهم يتناولون وجبة الغذاء والتى لا تتعدى الفول والبيض وقطعتين من الجبن، يتوسطون أرضية سوق «العبور» أمام بوابة 5، فالمحال خالية من الزبائن، ويبدو أنهم لم يبتاعوا شيئًا من أول النهار، يقول إبراهيم الأسوانى، مزارع أسوانى وتاجر تمور بسوق العبور: «بعدما علمت أن التاجر هو من يقتنص الحظ الأكبر من المكسب قررت أن أبيع بلحى بنفسى، فتركت أولادى وأرضى إلى الآن لشهر كامل، لكن الزيادة بالسعر دمرت كل شيء، فالزيادة تعود لزيادة سعر النخلة فمن العام السابق للعام الجارى زادت 50 جنيهًا، هذا بخلاف المطر الذى دمر كل شيء من محصول هذا العام، وسوسة النخيل الحمراء التى لم يوجد مبيد لها إلى الآن، فكل شيء زاد سعره، فشوال الخيش زاد جنيهًا، وحمولة النقل زادت الضعف، وبالتبعية زادت يوميات العمال أيضًا، فكل منهم مسئول عن بيت وأسرة، حتى الأرضية التى نستأجرها بسوق العبور لنبتاع عليها زادت الربع عن العام السابق، فوسط كل ذلك، من الطبيعى أن تزيد أسعار التمور أيضًا لتصل الزيادة 4 جنيهات على الكيلو الواحد، فتلك الزيادة حطمت آمالنا، ويبقى الربح الأكبر بأيدى تجار التجزئة الذين يزودون على المستهلك 5 جنيهات على الكيلو على الأقل وربما 10 و15 جنيهًا أيضًا، فكيلو بلح السكوتى نبيعه ب26 جنيهًا ويبيعه تاجر التجزئة ب40، أما البرتمودة ب15 جنيهًا ويبتاعونه ب35، أما الشامية ب20 جنيهًا، ويبيعونه ب35 والمالكابى من 20 ويصل عند الباعة 45 جنيهًا، فالرابح الأكبر بكل الأحوال هم باعة التجزئة والعطارون». ويقول راضى الأسوانى، أحد تجار التمور، الذى سافر من أسوان للقاهرة وبداخله أحلام وطموحات يبدو أنها ذُبلت بعد شهر من مكوثه بسوق العبور: «جئت للقاهرة وأنا أغرد بجلبة الرزق والفرج بعدما كنت أبيع نخيلى كل عام للتجار، قررت هذا العام القدوم للقاهرة وبيع محصولى بنفسى إلا أن الأمر لم يكن مثلما كنت متوقعًا، فبعدما اتصلت بابنتى أول يوم جئت فيه إلى هنا لأطمئنها على أحوالى وأخبرها بأنه لا داعى للقلق، فأسبوع أو ربما اثنان وأوفر لها المبلغ المطلوب لتجهيزها ليكون يوم زفافها مثلما اتفقت مع خطيبها، رابع أيام العيد الأكبر، كسرت فرحتها أمس عندما أخبرتها بأننى لم أبع سوى شوالين منذ أول يوم إلى الآن، بعد شهر أنام فيه على الأرض برفقة محصولى وأحيا على الفول والجبن، وعندما علم خطيبها أصر على فسخ خطبته لرابع مرة لنفس السبب، فسيذهب غدًا ليسترجع شبكته، ليست أول مرة أشعر بأننى ضعيف أمام أبنائي؛ لكنها أول مرة أشعر فيها بالعجز أمام نفسى، فربما ما خفف على الأمر هو شعورى بأننى لست وحدى فى تلك الدائرة، فعم «محمد» المستأجر أرضية بجانبي، جاء حالمًا بشقة له ولزوجته بعد سنوات من العيش برفقة حماه، وأحلامه تحطمت على صخرة الواقع، أما «عبدالرحمن» فلم يتمكن من تزويج ابنه إلى الآن، الذى بلغ منتصف الثلاثينات بعدما قام بالاستدانة وبيع مصاغ زوجته ليتمكن من نقل محصوله من أسوان إلى القاهرة حتى الآن لم يجمع حتى ما عليه، ليصبح غارقًا فى الديون، فالكسرة وخيبة الأمل طالت الجميع».