مع اقتراب شهر رمضان المبارك، يستعد المصريون لشراء ''الياميش'' والذي يعتبر ''التمر'' أحد مكوناته الأساسية، بل أحيانًا يكتفي البعض بشراء التمر فقط دون المكونات الأخرى.
و في رحلتنا للوقوف على أهم معالم ''الياميش'' هذا العام، صادفنا تجارًا وافدين من أسوان، يجلسون في طرقات شوارع القاهرة القديمة بحي الأزهر والحسين، هؤلاء التجار متخصصون في بيع ''التمر المجفف'' فقط، ويعتبرون شهر شعبان موسمًا رئيسيًا لبيع المحصول الذين عكفوا على زراعته و إعداده طوال العام.
رحلة للتجارة تبدأ بأسوان حيث الزراعة والتجفيف، و تنتهي بسوق العبور بالقاهرة حيث بيع المحصول بالجملة، ثم بيع ما تبقى منه ''قطاعي'' بشوارع منطقة الأزهر.
و يعتبر تجار أسوان، حي الأزهر والحسين ومصر القديمة، أماكن مناسبة لبيع ما تبقى من محصولهم، الذين لا يستطيعون بيعه في محافظتهم نظرًا لاكتفاءها الذاتي من التمر، كما أن هناك العديد من المواطنين يقصدون تلك المناطق بالذات بحثًا عن أنواع من التمر عالية الجودة و بأسعار في متناول الجميع.
يأتي هؤلاء إلى القاهرة ويقضون بها شهري شعبان و رمضان، ليعودوا لأسوان مرة أخرى بعد عيد الفطر استعداداً للعام المقبل.
من النخلة للزبون سنة كاملة:
يقول ناصر أحد التجار الذين يأتون من أسوان إلى القاهرة لبيع التمر ، أن عملية تجفيف البلح تستغرق نحو عامل كامل منذ قطعه من النخل وحتى وصوله للشكل الذي نتناوله في رمضان.
و أوضح، ''بعد عيد الفطر يقوم المزارعون بقطع البلح من النخيل، ثم ينشروه تحت آشعة الشمس لمدة 6 أشهر حتى يجف، على أن يتم ''تبخيره'' بإضافة المبيدات الحشرية والأدوية اللازمة لحفظه كل شهرين، ثم يتم تشوينه مع استمرار وضعه تحت أشعة الشمس''.
وفي الشتاء يتم تغطية البلح المجفف ب''مشمّع سميك'' حتى لا يصل إليه ماء المطر.
ويضيف، ''في بداية شهر شعبان، نستعد للنزول إلى القاهرة لبيع التمر في سوق العبور بالجملة، و نأخذ جزء من المحصول لنبيعه ''قطاعي'' في حي الأزهر و حتى نهاية شهر رمضان أو انتهاء المحصول''.
من 5 ل35 جنيه و''كل زبون حسب وضعه'':
وبسؤالنا عن أسعار التمر الأسواني، تقول سعدية مغازي، التي تبيع التمر بحي الأزهر منذ 50 عام، إن التمر هذا العام تتراوح أسعاره بين 5 إلى 12 جنيهًا، بحيث يختلف السعر حسب اختلاف نوع البلح.. مشيرة إلى، أن توافد المواطنين لشراء هذا العام التمر لم يقل عن العام الماضي.
وقال أحمد، تاجر من تجار أسوان ، ''كل زبون حسب وضعه، ساعات بيجي واحد على قده بياخد من البلح اللي ب 5 و 10 جنيه، وبيجي واحد تاني مرتاح بيشتري البلح الغالي''.
وأوضح أحمد، أن التجار الذين يبيعون التمر ب 35 جنيه، يستغلون الظروف التي تمر بها البلاد، فأغلى نوع من أنواع التمور لا يجب أن يتعدى سعره 15 جنيه على الأكثر.
فيما أشار ناصر، أحد تجار التمر، إلى أن سعر التمر يتراوح من 5 إلى 35 جنيهاً، حسب الأنواع التي تختلف بين '' ماليكابي، شامية، جنديلي، برتمودة، سكوتي''.. و تعتبر التمرة السكوتي هي أغلى أنواع التمور والتي لا تتوافر لدى جميع التجار.
ومن جانبه قال محمد أحد المواطنين القاطنين بحي الأزهر، أن سعر التمر هذا العام ارتفع عن العام الماضي لما يقارب الضعف، فبعد أن كان كيلو التمر يصل ل 14 و15 جنيه؛ أصبح الآن يصل إلى 35 جينه، مشيرًا إلى أن التمر الذي يقدر ثمنه ب 5 جينه ليس تمرًا، ولا يستطع أحد تناوله، ولكن التجار يقولون هذه الأسعارتعبيرًا عن تفاوتها بما يتناسب مع اختلاف طبقات المجتمع .
وأرجع محمد ارتفاع سعر التمر هذا العام عن العام الماضي إلى ارتفاع أسعار الشحن والتفريغ والإنتقال مما يجعل الأسعار تتزايد على المواطنين.
''السكوتي'' أحلى بلحة بس بتنقرض:
يقول ناصر، أحد تجار أسوان، أن أفضل أنواع التمر هو التمر ''السكوتي'' ، لأن البلحة ''مسكرة وناشفة''، ولكن نظرًا لقلة أعداد النخيل الذي ينتجها يرتفع سعرها لتصل إلى 35 جنيه.
و أوضح ناصر، أن التمر ''السكوتي'' في طريقه للانقراض، مشيراً إلى عدم إمكانية زراعته عن طريق البذور؛ فالمزارعون ينتظرون نمو نخلة صغيرة بجانب نخلة أخرى تنتج البلح السكوتي، و إذا كانت الصغيرة ذكرًا فلا نتنج بلح.
''قاعدين مستنيين فرج ربنا''
يقول التاجر الستيني ''عم أحمد حمدان''، أحد تجار البلح بحي الأزهر، أنه يأتي كل سنة إلى نفس المكان لبيع التمر منذ عام 1974، و يشكو عم حمدان من ارتفاع الاسعار.. قائلًا: ''كل سنة بتكون أغلى من اللي قبليها، كان كيلو البلح ب3 جنيه دلوقتي بقى ب23، والشوال كان ب 150 دلوقتي بقى 500 و600''.
و أوضح حمدان أن البيع قل كثيرًا هذا العام بسبب ارتفاع الأسعار، والإضطراب الذي تمر به البلاد.. قائلًا: ''الشارع كان مليان بالزباين وبنبيع، لكن السنة دي آدينا فارشين وقاعدين مستنين فرج الله''.
بنقعد في الشارع ب''الحب'' والبلدية بتاخد البلح:
أم زينب، تأتي بصحبة زوجها من أسوان على مدار ثلاث مواسم رمضانية لتساعده في بيع التمر؛ نظرًا لتراجع حالته الصحية.
تشير أم زينب، إلى أن التجار الوافدين من أسوان لا يملكون محالاً تجارية لبيع التمر، فيضطرون ل ''فرش'' التمر في طرقات الشوراع، قائلة: ''بنفرش البلح في الشارع بالحب، والاتفاق مع أصحاب المحال التجارية دون دفع أرضية.. و لكن من حين لآخر تأتي البلدية وتأخذ كل ما نأتي لبيعه من التمر وتحرر لنا مخالفات، وعندما نذهب لنسأل عنه يقولون لنا ماتسألوش وديناه لدار الأيتام''.
و طالبت أم زينب البلدية، بالتوقف عن مصادرة المحصول قائلة: ''إحنا بنيجي شهر واحد في السنة، و رمضان الموسم الوحيد اللي بنبيع فيه تجارتنا فالمفروض يستحملونا''.