جاءت مجزرة المسجدين فى نيوزيلندا فى إطار تصاعد خطاب شعبوى إقصائى متطرف فى أوروبا من سياسيين لتحقيق مكاسب سياسية، ويقابل هذا النموذج خطاب وممارسات ساسة مسلمين تصب فى تأجيج العداء والكراهية للغرب بغرض المزايدة بهذا الخطاب وتحقيق مكاسب سياسية، أقلها ابتزاز الأوروبيين والضغط عليهم، فيما يغذى التشدد الإسلامى واليمين المتطرف بعضهما البعض. قال هشام النجار، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية بالأهرام، إن أوروبا التى تحتضن السلفيين والإخوان تمنح بذلك اليمين المتطرف هدية بإيجاد مبرر لصراع مسلح مع الجاليات المسلمة قد يتفاقم ويستفحل ككرة الثلج بحجة أنهم يواجهون التطرف الإسلامى والغزو الدينى القادم من الشرق. وتابع: الإخوان والسلفيين فى الغرب حولوا الحضور الطبيعى المسالم والتعايشى للمسلمين في دول أوروبا لحضور غير طبيعى من جهة استحضار نموذج الغزوات والهيمنة العثمانية على دول أوروبا، وما عزز الحضور غير الطبيعي، هو تعامل بعض دول أوروبا مع المسلمين على أراضيها بمنهجية وأسلوب واحد لا يفرق بين مسلم طبيعى وآخر تدينه مسيس، وهو ما يسهل استغلال التيار السلفى بتنوعاته وتيار الإسلام السياسى غطاء الجاليات الإسلامية للتغطية على نشاطات طائفية تهدد المجتمعات بالانقسام فضلا عن إضفاء الشرعية على تلك التحركات والممارسات. وأضاف، قابل تزايد التطرف الإسلامى ونفوذ وحضور جماعة الإخوان الإرهابية داخل المجتمعات الأوربية تصاعد نشاطات جماعات يمينية تعمم العقاب على كل ما هو مسلم، وتحولت المشاعر التى يعتنقها بعض الشباب اليمينى إلى تشكيلات منظمة تعمل على تنفيذ هجمات ضد الجاليات المسلمة، وأدى هذا إلى أزمة مركبة تعانى منها المجتمعات الأوروبية؛ تتمثل فى خطورة العنف الدينى المتبادل الذى ترتكبه جماعات الإسلام الحركى والمجموعات اليمينية، والذى لن يتوقف ما دامت هناك جماعة كالإخوان وغيرها تخطط لأسلمة أوروبا. وبدوره، قال عبد الشكور عامر، القيادى السابق فى الجماعة الإسلامية والباحث فى شئون الحركات الإسلامية، إنه يطالب الأزهر الشريف بأن يكون له دور كبير فى تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام والمسلمين، والتى تروجها وسائل إعلام غير منصفة فى أوروبا. وأضاف، أنه يجب على منظمة التعاون الإسلامى عدم الاكتفاء بإدانة المجزرة ضد مسلمى نيوزيلندا، وإنما القيام بما يجب عليها لمواجهة تصاعد الكراهية والعنصرية ضد الجاليات المسلمة فى الغرب. وفى السياق ذاته، قال الدكتور محمد جاد الزغبي، الباحث فى الفكر الإسلامي، إن أحداث 11 سبتمبر 2001 فى الولاياتالمتحدة وما أعقبها من تزايد «الإسلاموفوبيا»، هى السبب المباشر لمجزرة المسجدين فى نيوزيلندا فى 15 مارس. وأضاف: الإرهاب المنسوب للمسلمين صناعة بريطانية وأمريكية منذ بدايته، فجماعة الإخوان الإرهابية منذ تأسيسها وهى تتلقى الدعم المباشر من الغرب وفق ما كشف عدد من الكتاب الغربيين، وعلى رأسهم المحلل السياسى مارك كورتيز فى كتابه «التآمر السرى لبريطانيا مع الأصوليين»، ولهذا يتوجه سلاح الإخوان وسلاح جماعات التكفير للبلدان العربية لا الغرب، ورغم كل هذا يتم إلصاق تهمة الإرهاب بنا، بينما نحن من ضحاياهم أصلا، ولم يستفد من تلك الجماعات إلا الغرب». وتابع، «الغرب بسطوته الإعلامية لا يركز إلا على جماعات التطرف التى يرعاها ويدعمها بالسلاح وينسب أفعالها لعموم المسلمين، بينما فى نفس الوقت يتجاهل تماما إلصاق وصف الإرهاب باليمين المتطرف». واستطرد: جرائم اليمين المتطرف فى الولاياتالمتحدة تفوق معدلات جرائم التطرف فى العالم كله وكذلك يوجهون ضرباتهم حتى للناحية الاقتصادية مثل ميليشيات فونتانا التى تعيث فسادا فى الداخل الأمريكى منذ التسعينيات وقامت بسرقة قوالب الطباعة الأصلية للدولار الأمريكى وكادت تتسبب فى كارثة اقتصادية هناك. وأضاف الزغبى «هذا طبعا بالإضافة إلى الفضيحة الأمريكية الكبرى الخاصة بأحداث 11 سبتمبر، والتى تعتبر فضيحة القرن منذ تم كشف تفاصيلها فى وقت مبكر حيث أثبت الكاتب الصحفى الفرنسى تيرى ميسان وكذلك مجموعة البحث للفيلم الوثائقى loose of change وغيرهم أن إدارة بوش الابن ضللت جهات التحقيق لحساب أصحاب المصالح القائمين خلف تلك العملية التى ألصقوها بالإسلام». ومن جانبه، قال هشام العلي، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، إن مجزرة مسلمى نيوزيلندا جاءت فى إطار تنامى اليمين المتطرف والتيار الشعبوي في أنحاء أوروبا، وأضاف أن أحداث 11 سبتمبر ويضاف إليها مشكلة تدفق اللاجئين المسلمين إلى أوروبا قد أججت الرأى العام الغربى ضد المسلمين، خاصة فى ظل وجود إعلام غربى متطور يستطيع تسويق أفكار الكراهية ضد المسلمين، فى الوقت الذى يفتقر العرب والمسلمون لوجود إعلام فعال يستطيع نقل رسالة الإسلام الصحيحة إلى الآخرين. أما أحمد العناني، الباحث المتخصص في الشئون الخارجية، فأكد أن مجزرة المسجدين أثبتت أن الإرهاب لا دين له، موضحا أن الأسباب التي ساعدت على صعود اليمين المتطرف هو استخدام الإسلاموفوبيا كفزاعة للشعوب الأوروبية بأن أمنهم مهدد من العرب والمسلمين وتصنيفهم كغزاة للأوربيين. وأضاف أن أحداث 11 سبتمبر كانت سببا فيما يطلق عليه الإسلاموفوبيا والعداء الغربي للمهاجرين المسلمين، وعزا نشر فيديو المجزرة على فيسبوك إلى ما يكنه مرتكب هذه المجزرة من كره بداخله للمسلمين ومحاولة إشباع غريزة انتقامية بداخله وهذا يحمل سمات سيكولوجية انتقامية. وتابع: «صعود اليمين المتطرف في الفترات الأخيرة جاء في ظل تزايد هجمات داعش في أوروبا واللعب على وتر الإسلاموفوبيا والإرهاب الإسلامي». واستطرد «أعتقد أن العرب كانوا ضحية للإرهاب الغربي وليس العكس والدليل الحملات الصليبية على الشرق»، وأشار إلى أن تركيا وقطر تستغل الأحداث كمجزرة المسجدين للترويج أنها حامى الحمى والمدافع عن الإسلام وحقوق المسلمين المهاجرين في الغرب مع أنهما يركزان على استقطاب المتطرفين لتجنيدهم لتنفيذ أجندات خاصة بهما. وبدوره، قال هشام البقلي، الباحث في شئون الحركات الإسلامية، إنه ليس من المستبعد وقوع مجازر جديدة ضد المسلمين في الغرب، طالما استمر خطاب الكراهية اليميني المتطرف ضد المهاجرين المسلمين في أوروبا، وأشار إلى أن داعش سيستغل مذبحة نيوزيلندا لخدمة مصالح التنظيم وأيديولوجيته الخاطئة. وأخيرا، قال عزام أبوليلة، الباحث في شئون الحركات الإسلامية، إن مذبحة المصلين في نيوزيلندا تؤكد أن الإرهاب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون له دين ولا يمكن أن يتهم المسلمون به، فمنفذ مذبحة المصلين في نيوزيلندا نفذها متطرف يميني مسيحي، إلا أنه لا يجوز اتهام كل المسيحيين وأضاف «قطعا لا يجوز». وأضاف أن هناك أسبابا أدت إلى انتشار اليمين المتطرف في المجتمعات الغربية، على رأسها ظاهرة الإسلاموفوبيا، وهى التي غذتها وسائل الإعلام الغربية بشكل كبير، وهناك تحذيرات من سياسيين غربيين من تضاعف أعداد المهاجرين السوريين وزيادة أعداد المسلمين وتغيير الهوية الغربية بذلك رغم أن ذلك يتنافى مع ما يدعيه الغرب من الحرية والإنسانية. وتابع: «ما أشار إليه منفذ مذبحة المصلين في نيوزيلندا من ذكر أحداث تاريخية حول الصراع بين الغرب المسيحي والعالم الإسلامي يكشف عن أن متطرفي أوروبا يروجون لصراع الحضارات، وهو ما يتطلب من القادة الغربيين وقفة للتصدي لهذا الأمر الخطير، وهل نسى اليمين المتطرف مذابح الحروب الصليبية للمسلمين؟ والمذابح ضد المسلمين في البوسنة والهرسك؟».