انخدعت إسرائيل ولم تتوقع الهجوم المصرى أو السورى فى يوم عيد 6 أكتوبر 1973 رغم ما يعلنه هنا أحد قادة المخابرات الإسرائيلية آنذاك من أن المخابرات أبلغت الحكومة بالحشود المصرية والسورية، إلا أن الحرب اندلعت وكانت لها مفاجآتها العديدة. وكاتب المقال هو آلى زعيرا الذى عمل رئيسًا لشعبة المخابرات العسكرية فى الجيش الإسرائيلى وخضع للتحقيق بعد انتهاء الحرب، كما شغل منصب الملحق العسكرى الإسرائيلى فى أمريكا عام 1970 حسبما تقول صحيفة «دافار». أما المقال الذى كتبه زعيرا فكان فى صحيفة يديعوت أحرونوت وقد يكون به بعض النقاط التى نختلف معه فيها، ولكن من المفيد أن نقرأ ماذا يقولون؟ يقول رجل المخابرات الإسرائيلى آلى زعيرا: نظام الدفاع الإسرائيلى يستند على تعبئة وحدات الاحتياطى ونشر القوات العسكرية على طول الحدود مثلما يفعل أعداء إسرائيل (يقصد الدول العربية) المنتشرة قواتهم على طول الحدود. وهكذا فإن جيش الدفاع الإسرائيلى يعمل على تعبئة وحدات احتياطية تساعد فى تنفيذ أى عملية ذات مستوى عال وفقا لتقدير تحركات العدو على طول الحدود. ومن هنا كانت وظيفة ومسئولية المخابرات العسكرية التى يتحدد مدى نجاحها أو فشلها فى عملها على أساس التقدير الواقعى لقوة العدو (العرب طبعًا). وبناء على المعلومات التى تقدمها المخابرات العسكرية فإن على وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان أن يتخذا خطوات ملزمة لتقدير حجم القوة الإسرائيلية المطلوبة إزاء هذا الموقف. وفيما يتعلق بالحادث غير المتوقع يوم عيد الغفران (6 أكتوبر) فإن الأمور سارت على ما يلي: المخابرات العسكرية وضعت أمام الحكومة وهيئة أركان الجيش وصفا كاملًا للأجهزة العسكرية المصرية والسورية بأسلوب دقيق للغاية وفى وقت استعدادها قبل ثلاثة أيام من اندلاع المعركة، وهكذا تم عرض الوضع العسكرى المصرى والسورى الذى كان مستعدًا للدفاع وللهجوم فى آن واحد. بهذا تبين خطورة الوضع أمام حكومة إسرائيل التى لم تتجه نحو التعبئة الاحتياطية ولم تهتم بالتجنيد، ومن ثم تركزت القوات العسكرية المصرية والسورية الضخمة على طول الحدود مع إسرائيل ومع ذلك لم تتم تعبئة الوحدات الاحتياطية الإسرائيلية. المخابرات العسكرية أدت بذلك واجبها الأساسى حينما أطلقت صفارة الإنذار وقدمت للحكومة وللجيش تقريرًا يصف الوضع بالضبط وكان يتضمن أن الانتشار السورى المصرى يتم باتفاق مع الاتحاد السوفييتى آنذاك كما كانت المخابرات على علم بالاستعداد السياسى لرئيس مصر وسوريا. فى يوم 5 أكتوبر 1973 (التاسعة صباحا) أى قبل 29 ساعة من اندلاع الحرب عرضت المخابرات العسكرية أمام وزير الدفاع موشى ديان ضرورة الإخلاء العاجل للأسر والسكان القريبين من حدود إسرائيل، حيث إن قوات مصرية وسورية آخذه فى الانتشار على طول الحدود. وبناء على ذلك توصل موشى ديان إلى تفسيرات ونتائج هي: فسر ما قيل له على أساس أن مصر وسوريا تستعدان للحرب فجأة، ولكن ليس هناك احتمال بتحديد يوم بعينه. إن مصر اعتادت الإخفاء حين تشن حربا. إن شن الحرب أمل ضعيف ذلك أن إسرائيل كانت تحتفل آنذاك بعيد الغفران. واقتنع وزير الدفاع باستنتاجاته هذه وقرر أن تزكى من قبل رئيسة الوزراء لتوصيلها إلى حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية وأن يتم إبلاغ أمريكا أيضا بأن مصر وسوريا حين تعتزمان الحرب فستكون فجائية وعلى الرغم من ذلك لم يقم الوزير بالتعبئة الاحتياطية. أما لماذا لم يقم وزير الدفاع بالتعبئة فهناك سببان أحدهما سياسى والآخر عسكري. السبب السياسى يتمثل فى أنه كان قلقا من أن إسرائيل تتهم من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفييتى فى التسبب فى الحرب عندما تعلم الدول العربية أن إسرائيل تقوم بالتعبئة الاحتياطية وتطلق صفارة الإنذار، وهذا يجعل الدول العربية تتقدم وتهاجم إسرائيل كرد فعل على التعبئة الاحتياطية. السبب العسكرى أو التفكير العسكرى الذى ساند التعليل السياسى كان مؤسسًا على تقدير غير واقعى، حيث إن الجيش النظامى الموجود على طول الحدود ويحوى 290 دبابة فى الجنوب (على الجبهة المصرية) و180 دبابة فى الشمال (على الجبهة السورية). بخلاف السلاح الجوى وهو على أهبة الاستعداد دائما جيش كهذا سيقدر له النجاح فى صد أى هجوم مفاجئ من مصر وسوريا بمجرد وصول القوات الاحتياطية لتساعد القوات الإسرائيلية النظامية وهذان هما السببان اللذان منعا وزير الدفاع من التعبئة. وفى اجتماع القيادة العامة لجيش الدفاع الإسرائيلى عام 1974 عندما سئل ديان فيم كانت الأخطاء؟ أجاب قائلًا: لم نكن مستعدين بالشكل الكافى لأن نبدأ الحرب بينما كان العرب مستعدين لها. أما المفاجآت الحقيقية التى وقعت كالصاعقة على وزير الدفاع وقادة الجيش فهي: تقصير نظام الدفاع فى جمع التعبئة الاحتياطية عندما بدأت الحرب رغم أهمية التعبئة فى تحقيق التوازن النسبى للقوات فى الجبهة أمام قوات العدو (العرب). انهيار إحدى أساسيات نظام الدفاع فيما يتعلق بدعم السلاح الجوى فى المعركة التى لم تبدأها إسرائيل فى الساعات الأولى من الحرب ولا يفهم من ذلك أن السلاح الجوى قد عوق من إنجاز هذه المهمة ولكن النتيجة أن الجيش النظامى لم يكن مؤهلًا لصد الهجوم. التساؤل حول عدم إمكانية قوات السلاح الجوى من تدمير أنظمة الدفاع الجوى السورية والمصرية وبالتالى عدم تصدى السلاح الجوى لهجوم القوات البرية المصرية والسورية التى هاجمت جيشنا. عدم إمكانية صد 80 ألف جندى مصر كانوا مازالوا غرب قناة السويس لكنهم نجحوا فى اقتحام القناة وتحطيم خط بارليف وعبور هذا الخط الذى عزز بنحو 500 جندى إسرائيلى وعشرات الدبابات الإسرائيلية على طول 160 كيلو متر. هذه المفاجأة أدت إلى حدوث أخطاء جسيمة لم تكن فى الحسبان وخاصة أننا كنا نحتفل بعيد الغفران الذى وجدت جيوش العدو (العرب) فرصة للتقدم. وكان التفسير الذى علا داخل إسرائيل هو مد أصابع الاتهام إلى نظام المخابرات الإسرائيلية بدعوى فشله فى التعبئة الاحتياطية ومن ثم تشكلت لجنة تحقيق حكومية (المعروفة بلجنة أجرانت) التى برأت رئيسة الحكومة ووزير الدفاع من أية مسئولية تقع عليهما ووقعت المسئولية فقط على ضباط الجيش. لقد أخفوا عن لجنة التحقيق لقاء رئيسة الحكومة مع نساء عربيات كبيرات للغاية وسمعت منهن إنذارًا بخطورة الوضع (لم يوضح المقال طبيعة هذا اللقاء من هن النساء العربيات- المترجمة). كما أخفوا عن لجنة التحقيق العمل الجدى للمخابرات وهو عمل سياسى ودفاعى حساس علموا من خلاله بالمؤامرة التى يعد لها السادات (يقصد حرب أكتوبر) والتى لو تحرك الجيش لكان يمكن أن يكون السادات فى أيديهم دون أن يبذلوا جهدًا كبيرًا ولكن وزير الدفاع ورئيس الأركان تصرفا بعكس نظام الدفاع المعروف وامتنعا عن التعبئة الاحتياطية على الرغم من أن القوات الإسرائيلية بالجبهة ارتبكت وكانت النتيجة موت الكثيرين على طول الحدود مع سوريا ومع مصر. لقد قال نائب رئيس أركان الجيش فى حرب أكتوبر ليس هناك أكثر خطوة من سوء نظرة وزير الدفاع لأن المخابرات العسكرية قالت لنا كل شيء. واحدة وعشرون سنة مرت منذ الحرب وغيرت دولة إسرائيل وخاصة المواطن العادى الذى لم يعد واثقًا فى قرارات قياداته أو فى قدرة البالماح (كتائب الشباب) ومع ذلك مازال لدى أمل فى اختيار قيادات جديدة.