يُعد العصر الصاوي من أهم عصور النهضة المصرية، وهو الأخير في تاريخها الفرعوني القديم، والذي أمتد لأكثر من مائة عام ما بين القرنين السابع والسادس قبل الميلاد، والذي ألقى الكشف الأثري الجديد بسقارة اليوم الضوء عليه من جديد، حيث كشف الدكتور رمضان بدرى حسين رئيس البعثة المصرية الألمانية العاملة بمنطقة سقارة أن القراءات الأولى للكتابات المتهالكة للقناع الذي عثر عليه في ورشة التحنيط، يخص كاهنا من العصر الصاوي، من بين ألقابه الكاهن الثاني التلهة موت وكاهن الألهة نيوتشا اس وهي على هيئة صعيان وذات صلة عقائدية بالألهة موت، مشيرًا إلى أنه يوجد على القناع طبقة من الاتساخات والتكلسات، وبعد الفحص المبدئي له ميكروسكوبيا تبين أن القناع مصنوع من الفضة المغطاة بطبقة من الذهب وعيون مطعمه بحجر أسود ربما عقيق أسود ورخام مصرى وأوبسيديان زجاج بركانى وتبلغ مقاساته حوالي 23*18.5 سم ووزنه قبل التنظيف العوالق 267.96 جرام، وتعكف البعثة الآن إلى إعداد مشروع بحثى وترميمي للقناع. بدأ العصر الصاوي بنجاح المصريين في التخلص من الاستعمار الآشوري وانتهى بسقوط البلاد في يد الفرس سنة 525 ق.م، وقد تمكن خلاله ملوك مدينة سايس أو صان الحجر في الدلتا من تحرير البلاد، من السيطرة الآشورية نهائيًا على يد بسماتيك الأول بن نخاو الذي تختلط في عروقه دماء الأسرات الحاكمة المصرية والليبية والنوبية. وخلال العصر الصاوي عاشت مصر نهضة سياسية وثقافية ودينية واقتصادية وأعيد تنظيم البلاط والإدارة وشاع استخدام الكتابة الديموطيقية "الشعبية" في أنحاء البلاد بما يعنيه ذلك من شيوع الثقافة في وسط طبقات أوسع في المجتمع المصري. شهد العصر الصاوي رد اعتبار للمعتقدات الدينية المصرية التي أهانها الآشوريون بقسوة بالغة غير مسبوقة في التاريخ المصري، وقد شهدت البلاد حركة تشييد وبناء واسعة كانت تعتمد على استلهام النماذج الفنية للدولتين القديمة والوسطى، كما عرف ذلك العصر انفتاح مصر على الإغريق واتساع معاملاتها التجارية معهم، بل والاستعانة بمقاتلين محترفين منهم في الجيش المصري، وكان أساس كل هذه النهضة هو حركة التحرر من نير السيطرة الآشورية وهي حركة استغرقت سنوات طويلة قبل العصر الصاوي. ترجع قصة الصراع المصري الآشوري إلى أواسط القرن الثامن قبل الميلاد عندما بدأ الملك شالمنصر الثاني ملك آشور بخطط للسيطرة على مناطق النفوذ المصري في سوريا وفلسطين، وفي مواجهة هذا الخطر اتبعت مصر سياسة إقامة التحالفات مع الولايات السورية وإمدادها بالدعم الحربي حتى تشكل حاجز صد يحول بين الخطر الآشوري ومصر، وفي عام 722 ق.م تولى حكم الدولة الآشورية الملك المحارب "سرجون الثاني"، وأخذ "سرجون" يغزو المناطق الشمالية من سورية ولبنان ويخطط لغزو مصر، وبالفعل وصل سرجون الثاني إلى رفح عند حدود مصر الشمالية الشرقية، وهناك تصدت له القوات المصرية المتحالفة مع بعض الولايات الفلسطينية وألحقت بجيشه خسائر فادحة وردته إلى بلاده. وقد استنفر الاحتلال الأشوري المشاعر الوطنية لدى جميع المصريين بمختلف طبقاتهم وانتماءاتهم، ودعا أهل الدلتا الفرعون "طهرقا" للزحف شمالا من عاصمته في طيبة لتحريرهم، ونجح "طهرقا" بالفعل في تحرير الدلتا، وتمكن من طرد الحامية القوية التي تركها الملك الآشوري في البلاد قبل مغادرته لها، لكن نجاح "طهرقا" لم يدم طويلا فما لبث الملك الآشوري الجديد "آشور بنى بعل"، أن أرسل جيشا قويا ليحتل مصر مرة أخرى. وقد سجل "آشور بنى بعل" انتصار جيوشه على "طهرقا"، ولم يتوقف الآشوريون هذه المرة عند احتلال الدلتا، بل تعقبوا "طهرقا" في مصر العليا حتى عاصمة البلاد طيبة، وكانت النوبة هي الملجأ الأخير الذى يحمي الثقافة المصرية دائما، فاتجه "طهرقا" إلى عاصمته الأصلية نباتا في الجنوب، ولم يتمكن الآشوريون من توفير قوات عسكرية للسيطرة على مصر من جنوبها إلى شمالها، فاكتفوا باحتلال الدلتا مع فرض الجزية على مصر العليا. وقد استقرت أمور الدلتا بعد أن أصبح أميرها شيخًا مصريًا، وظل الصعيد يغلي بالمقاومة، وتجمعت جهود أهله تحت قيادة شاب متحمس أسمه "تانوت آمون"، ونجح "تانوت آمون"، في حشد جيش ضخم من الفلاحين استطاع أن يهزم به الآشوريين عند منف، لكنه لم يتقدم إلى الدلتا وكان هذا هو الخطأ التاريخي الذى وقع فيه. وأرسل بعد ذلك الآشوريون فرقه عسكرية ضخمة من سوريا هزمت "تانوت آمون" في منف سنة 661 قبل الميلاد وطاردته حتى طيبة، ودمروا المدينة ومعابدها تدميرًا تامًا، بينما فر الأمير الشاب إلى نباتا، وانتقلت مهمة تحرير البلاد مرة أخرى إلى أمراء الشمال حيث تصدى لهذه المهمة الأمير "بسماتيك" الذي أصبح فيما بعد الفرعون بسماتيك الأول مؤسس الأسرة السادسة والعشرين، وقد نجح هذا الأمير في توحيد البلاد، لأنه جمع بين أصول أبيه نخاو الشمالية والذي يمت بصلة للأسرات الليبية التي حكمت مصر في أواخر الدولة الحديثة، وبين أصول أمة النوبية والتي كانت ابنه للفرعون العظيم "طهرقا"، وبعد سنوات من الجهاد جمع فيها بسماتيك بين المقاومة المسلحة والجهود الدبلوماسية لتوحيد أعداء أشور في العالم القديم نجح الرجل في مهمته، فما أن حل عام 640 ق.م إلا وكان "آشور بنى بعل" قد أدرك إدراكًا تامًا أن مصر قد خرجت من تحت سلطانه بلا رجعة، وكانت هذه بداية انهيار الإمبراطورية الآشورية، كما كانت نقطة الانطلاق لبناء عصر النهضة المصرية الأخيرة في حضارتنا القديمة والذي يُعرف بالعصر الصاوي.