«ما تأخذونيش ع الفضفضة» عم أحمد: «لما يقولوا عليا مجنون أحسن ما يقولوا شحات» «مسكون يا شارع الغلابة بطل بنى آدمين، مين يا هل ترى اللى قلب الموازين؟ ويا هل ترى دول البشر طول عمرهم ساكتين ولا الكلام ضل طريقه عن السامعين» «أنت تعرف الحكاية حتى لو لم أكتبه لك، تعرفها من الصورة، فإذا كنت مواطنًا عاديًا مثلنا تقطن فى حى شعبى بسيط، ستدرك أن حكاية عم أحمد لن تختلف عن حكاية والدك أو عمك أو خالك أو جارك، أو أى واحد من البنى آدمين الذين يعيشون معك، ذلك الذى أتى إلى الدنيا على يد «داية» أو فى مستشفى أميرى أو مستشفى تأمين، لم يكن يومها فى خزانة الطعام سوى قدح من قمح يكفى لفرد واحد فقرر أفراد العائلة أن يتركوه للأم النفساء، كبر الطفل وأخذ يحبى بينما كان الفقر أمامه يقف على قدميه، كلما مر عام كبر الفقر لأعوام، ومن أين ستأتى الشجرة بثمار والجذع لا يرى قطرة ماء، كبر الطفل وصار شابا ثم رجلا ثم عم أحمد صاحب العيال الذى تجاوز الستين ولم يعد قادرا على «عمل الفواعلية»، وليس له آخر الشهر «مهية»، فجأة وجد عم أحمد نفسه أمام واحد من خيارين أن يدهس ما تبقى له من كرامة ويدارى نفسه ودمعه عن منطقته وأسرته، ويخرج يمد يده يسأل الناس، أو أن يودع عقله حتى الممات، ولأن الرجل تربى على الإباء وعزة النفس رغم قسوة الحياة، اختار الثانى، خلع عنه عقله بإرادته، ودعه حتى تتحسن الظروف فإذا ما كان أعاده مرة أخرى إلى رأسه، ومع أن عم أحمد فرط فى عقله طواعية، إلا أنه أخفى شيئا ما من الحكمة فى رأسه تدركه حينما تحادثه فيقول: «رمضان كريم»، فتسأله إنت عارف إننا فى شهر رمضان يا عم أحمد؟ فيجيبك لا رمضان هو اللى عرفنى.. رمضان بتاعنا وبقيت السنة بتعتكوا يا بني؟.. يثير فضولك رده فتسأله: إنت منين يا عم أحمد؟ فيجيب: لو قلت لك يا بنى هتفرق معاك إيه؟ ولا هتفرق معايا إيه؟ ما أنا مش هروح هناك، وبعدين هو فى حد بياخد على كلام مجنون؟ أقاطعه: «إنت سيد العاقلين يا عم أحمد»، يضحك ولو برضه ده مش هيغير من الموضوع شيئا، طالما ركبت معاك عكس من الأول والله لو كنت مين؟ مش هتغير شىء وهيبقى طولها زى عرضها مهما عافرت وحاولت، هتقضيها صيام، أعاود مقاطعته: «إحنا فى أيام مفترجة يا عم أحمد، بلاش يأس ادعى ربنا يفرجها، وإن شاء الله خير»، يضحك بصوت مرتفع ويخبط كفًا بكف ويقول: «أهى دى بقى آخر نكتة، ضحكتنى وأنا صايم، إنت يا بنى اللى جاى تقولى حكمة بعد الشيبة دى، ولا تكون صدقت إنى صحيح مجنون، يا بنى قول لنفسك الكلام ده، لكن أنا خلاص القطر داخل المحطة، يعنى بعقلك كده الدنيا لو زهزهت هعمل بيها إيه، الحاجة فى غير أوانها تبقى ماسخة يا بنى ما تلذش ولا تتاكلش، أنا دلوقتى يدوبك أسد الجوع بأى حاجة وأنام فى أى مكان، وأقول على الدنيا سلام.. بس أنا بينى وبين نفسى مبسوط لما يقولوا عليا مجنون.. ده أمر ربنا.. أما لما يقولوا ده كان شحات يبقى ده منى أنا».