وارت جنوب إفريقيا جثمان رئيسها الأسبق نلسون مانديلا الثري اليوم، ما يحرم النظام الديمقراطي المتعدد الأعراق الذي أسسه الزعيم الراحل من مصدر إلهامه في ظل سعيه لتحقيق حلم الزعيم الراحل في نموذج "الدولة المتعددة الأطياف" التي تنعم الرخاء.ودفن جثمان مانديلا في قرية كونو مسقط رأسه بعد مراسم تشييع جمعت بين الموكب العسكري والطقوس التقليدية لقبيلة الزعيم الراحل الذي احتجز 27 عاما في سجون نظام الفصل العنصري ثم خرج منها داعيا إلى الصفح والمصالحة. ومع وضع النعش في القبر الذي زينته أكاليل الزهور حلقت ثلاث طائرات هليكوبتر تابعة للجيش في سماء المنطقة حاملة علم جنوب إفريقيا في خطوة حركت مشاعر الناظرين على غرار مراسم تنصيب زعيم مناهضة الفصل العنصري كأول رئيس أسود للبلاد قبل ما يقرب من عشرين عاما. وأطلقت المدفعية 21 طلقة دوي صداها في تلال إقليم الكاب الشرقي ثم حلقت خمس طائرات مقاتلة في تشكيل على ارتفاع منخفض. ومن بين 450 مشيعا حضروا مراسم الدفن الخاصة بعض الأقارب والقادة السياسيين وضيوف أجانب من بينهم الأمير البريطاني تشارلز والقس جيسي جاكسون الناشط الأمريكي في مجال الحقوق المدنية والمذيعة الشهيرة أوبرا وينفري. وتوفي مانديلا في الخامس من ديسمبر "كانون الأول" في جوهانسبرج عن عمر يناهز 95 عاما ليغمر الحزن والأسي أبناء وطنه البالغ عددهم 52 مليون نسمة. ونظمت جنوب إفريقيا مراسم تأبين رسمية لمانديلا استمرت أكثر من أسبوع. وألقى ما يزيد على مئة ألف شخص نظرة الوداع على جثمان مانديلا في مقر الحكومة في بريتوريا والذي أدى فيه اليمين القانونية رئيسا للبلاد في عام 1994 ليسدل الستار على هيمنة البيض على الحكم التي دامت ثلاثة قرون. وعندما وصل جثمان مانديلا يوم السبت إلى كونو على بعد 700 كيلومتر جنوبيجوهانسبرج انطلقت الزغاريد فرحا بأن ماديبا وهو الاسم الذي يعرف به مانديلا في قبيلته "عاد للوطن". وقالت الجدة فيكتوريا نتسينجو وطائرات الهليكوبتر ترافق الموكب الجنائزي تحلق في السماء: "بعد حياة طويلة ومرض يمكنه الآن أن يستريح.. لقد أتم عمله". وقبل الدفن حضر الجنازة الرسمية 4500 من أقاربه وأصدقائه وكبار الشخصيات في خيمة ضخمة بحقل قريب من منزل مانديلا. وحمل قادة الجيش النعش المغطي بعلم جنوب إفريقيا ومن خلفهم حفيد مانديلا ووريثه مانديلا ورئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما. وقال سيريل رامافوسا نائب زعيم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم الذي ترأس المراسم الجنائزية التي استمرت ثلاث ساعات وأذيعت على الهواء في البلاد وجميع أنحاء العالم "يرقد هنا أعظم أبناء جنوب إفريقيا". وفي جميع أنحاء البلاد تابع المواطنون شاشات التليفزيون أو استمعوا للإذاعة وفي بعض الأماكن وضعت شاشات ضخمة تنقل الحدث على الهواء مباشرة. وقال مسيدج سيباندا (29 عاما) الذي جلس مع نحو مئة شخص في ساندتون حي المال في جوهانسبرج لمتابعة الجنازة: "كونو بعيدة جدا تجمعنا لنتشارك الأحزان. أستطيع أن أقول إنه بطل إنه رجل الشعب". وخلال الجنازة نعى أصدقاء وأقارب وزعماء أفارقة مانديلا بكلمات مؤثرة. وقال صديق عمره أحمد كاثرادا الذي كان نزيلا معه في سجن روبن إيلاند: "ربما يغمرنا الحزن والأسي ولكن ينبغي أن نفخر ونشعر بالامتنان لأننا بعد طريق طويل مليء بالعقبات والمعاناة يمكننا أن نحييك كمحارب من أجل الحرية". ومضي قائلا بصوت متهدج أبكي عددا كبيرا من المشاركين "وداعا أخي العزيز ومعلمي وقائدي". وقال زوما في رثاء مانديلا: "إنها نهاية 95 عاما مجيدا لمقاتل من أجل الحرية كرس بكل تواضع حياته لخدمة شعب جنوب إفريقيا". وأضاف :"رغم انتهاء المسيرة الطويلة من أجل الحرية فعليًا فإن الرحلة مستمرة، علينا أن نواصل بناء المجتمع الذي عمل بلا كلل لتأسيسه. ينبغي أن نواصل السير على خطاه". ورأس مانديلا جنوب إفريقيا صاحبة أكبر اقتصاد في القارة الإفريقية لولاية واحدة وانسحب رسميا من الحياة العامة في عام 2004 وقال عبارته الشهيرة للصحفيين في ختام مؤتمر صحفي لوداعهم: "لا تتصلوا بي سأتصل بكم". وكان آخر ظهور لمانديلا أمام الجماهير في استاد "سوكر سيتي" في جوهانسبرج لحضور المباراة النهائية في كأس العالم لكرة القدم عام 2010 حيث لوح للمشجعين من سيارة جولف.