ماهر فرغلي أحمد ونيس أحمد سلطان سارة رشاد عمرو عبدالمنعم أحمد أبو القاسم ننشر تفاصيل.. وفاة طبيعية لشخص غير طبيعى «عمر» فى آخر مكالمة له: منعونى من الأدوية والراديو بعد اعتقال دام لنحو 25 عاما، أسدل الستار أخيرا، على الدكتور عمر عبدالرحمن، أمير الجماعة الإسلامية المصرية ومنظرها الأبرز، عقب وفاته فى محبسه بأحد السجون الأمريكية. السلطات الأمريكية أكدت خبر وفاة عمر عبدالرحمن، الذى أعلنته أسرته بمصر، موضحة أن الوفاة جاءت نتيجة لأسباب طبيعية. خلال أيامه الأخيرة كانت أوضاع عمر عبدالرحمن الصحية حرجة بحسب ما أعلنته أسرته، وفى الاتصال الدورى الوحيد الذى كان يسمح له به أخبر أسرته بأنهم منعوا عنه الأدوية والراديو الذى كان يستمع له فى محبسه بالسجن، مضيفا أن هذه قد تكون مكالمته الأخيرة. بعد ساعات من اتصال المخابرات الأمريكية، كانت مؤشرات عمر عبدالرحمن الحيوية تنخفض، وعجز عن النطق والحركة، بالإضافة لمعاناته من عدم انتظام دقات القلب، وذلك بحسب ما أعلنه المتحدث باسم السجن الفيدرالى الأمريكى، الذى كان يقضى فيه «عبدالرحمن» محكوميته. فى نحو الساعة 5.40 دقيقة بتوقيت الولاياتالمتحدة، أعلنت إدارة السجن وفاة عمر عبد الرحمن لأسباب طبيعية. وكشف «حسن» نجل «عمر عبدالرحمن»، مفتى الجماعة الإسلامية، عن اللحظات الأخيرة لحياة والده قبل وفاته مساء السبت الماضي، وذلك عبر اتصاله الأخير به الأربعاء قبل الماضى «أى منذ أسبوعين»، والذى توقع خلاله قرب أجله. وقال حسن، فى حديثه ل«البوابة»: «إن والده أوضح خلال المكالمة التى استمرت 15 دقيقة، أن السلطات الأمريكية منعته من تناول الأدوية، إذ كان يعانى من الضغط، والسكر»، مضيفًا أنه «خلال المكالمة سيطر عليه القلق على غير المعتاد، وكان يشعر بقرب أجله، فأخبر والدته بأن المكالمة تلك قد تكون الأخيرة». وأضاف نجل «عبدالرحمن»، أن إدارة السجن الأمريكى اتصلت بوالدته فى الثالثة والنصف مساء السبت، وأخبرتها بوفاة والده، وبضرورة التواصل مع السفارة الأمريكية فى القاهرة، ولكن الأخيرة أكدت لهم أنها ليست جهة اختصاص، وأن عليهم مخاطبة السفارة المصرية بالولاياتالمتحدة والخارجية المصرية. وأوضح «حسن»، أن الخارجية المصرية أعلنت أنها ستبذل كل المواقف القانونية لاستلام الجثمان، وذلك عقب تقديم شقيقه طلبا لإدارة شئون المواطنين فى وزارة الخارجية بمصر، موضحا أن أباه كان قد تبرأ فى أكثر من موضع من تهمة الإرهاب خاصة فى مصر، كما أنه وقع على وثيقة وقف العنف للجماعة الإسلامية فى تسعينيات القرن الماضي. وأردف نجل عبدالرحمن، أن هناك تقريرا طبيا صدر عام 2013 عن حال والده، مكونا من 12 ألف صفحة، يوضح الوضع الصحى له منذ دخوله السجن عام 1993 وحتى 2013، ويقول التقرير: «إن أحد أرجل عمر عبدالرحمن قد تفحمت تماما إثر مرض السكر والضغط، كما أنه يعانى من صداع مزمن، وشكوك حول إصابته بمرض سرطان البنكرياس، كما أنه فقد الإحساس بأصابعه، ليس هذا فحسب بل يعيش فى سجن انفرادى لا يكلم أحدًا، وسحب منه مؤخرا التسجيل الخاص به الذى كان يسمع فيه محطتين، إحداهما مصرية والأخرى أجنبية لمعرفة أحوال العالم». «ولأول مرة اشتكى الدكتور عمر عبدالرحمن من التضييق عليه فى استلام الأدوية، رغم أنه كان يعانى معاناة شديدة، وبعد انتهاء المكالمة مباشرة توصلنا مع المحامى لعرض هذه المشكلات، ولكن لم يحدث شيء، وهذا كان دليلا على أن أمريكا كانت تصر على قتل والده بالبطء الشديد، أو يظل رهن الاعتقال فى سجونها حتى يتوفاه الله»، وذلك حسبما أكد نجل مفتى الجماعة الإسلامية. وعن إجراءات الدفن التى سيقومون بها فور وصول الجثمان، قال نجل عمر: «إن الجهات المعنية بمصر أبدت مرونة فى إدخاله، ودفنه فى مسقط رأسه بالدقهلية، بحسب ما أوصى الشيخ نفسه، ولن يقام له عزاء، ويكتفى بالجنازة فقط»، موضحا أن أيا من الدول العربية لم تعرض عليهم دفن والده فى أراضيها. كما أنه وقبيل وفاته بأيام قليلة، أكد الدكتور عبدالله عمر عبدالرحمن، نجل الشيخ عمر عبدالرحمن، ل«البوابة» أن السلطات الأمريكية فرضت حصارًا وتعتيمًا على أحوال والده داخل السجن، وأن محاميته السابقة تم سجنها 15 عامًا، لتسريبها أخبارا عن أحوال والده فى السجن، إلا أنها خرجت من السجن لظروف صحية، خاصة أنها كانت مريضة بالسرطان. واعتقل «عبدالرحمن» منذ ما يقرب من 25 عامًا بتهمة تجنيد 9 أمريكيين وتحريضهم على تنفيذ عمليات إرهابية فى أمريكا، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، وأودع فى أحد السجون الأمريكية منذ ذلك الوقت وحتى وفاته ماهر فرغلى يكتب.. هكذا عرفت «عمر عبدالرحمن» حذر «الإخوان» من دخول الانتخابات.. وأعضاء الجماعة الإسلامية شبهوه ب«الخومينى» كلماته جرت شبابًا كثيرين إلى ساحات القتل ولو أدرك خطورتها لما ذهب إلى هذه اللقاءات والمعسكرات كنا ننتظر الدكتور «عمر» بفارغ الصبر حتى وصل فى لحظة الصفر كما يقولون.. جاء الرجل من طرق ملتوية عبر الصحراء بعد أن لبس أحد الرفاق «الكاكولا» الأزهرية وضلل قوات الأمن التى تحاصر منزله وتمنعه من الخروج. صور لهم شبيهه أنه هو الدكتور، وخرج إلى السوق وظل طوال النهار يمشى هنا وهناك، فى ذات الوقت الذى كان الشيخ يعبر الرمال الممتدة بطول الطريق إلى بلدنا. «هل الأمن بهذه البلاهة؟»، و«إذا كانت الأمور تجرى بهذه الطريقة فكيف إذن سيستطيعون أن يقفوا أمام السيل الهادر لشباب الجماعة؟!». تلك الأسئلة التى سمعناها تتردد من أفواه الجميع. مهما وصفت فهذا هو ما كان من هوس بهذه الأفكار، فدعونى أصف اللقاء والهتافات التى قوبل بها الدكتور الضرير فى مصلانا الصغير الذى يقع على الترعة الإبراهيمية فى عام 87. أحد لقاءات عمر عبدالرحمن بدأ اللقاء بكلمة ترحاب بالشيخ.. الأخ الأمير الذى قدم الشيخ ليس له فى الخطابة تمامًا، لكنه الأمير العام فلا بد أن يقدمه، فرفع المجرور ونصب المرفوع والدكتور عمر يخلع عمامته ويطوح رأسه يمينًا وشمالًا ليفهم المسجد كله أنه لم يمرر الخطأ.. طلبوا منى أن أهتف بين كل عشر كلمات «عمر يا عبدالرحمن يا مزلزل عرش الطغيان».. وهتاف آخر «وإن قتلوك يا عمر بن أحمد فإن الله يختار الشهيد». كان هذا الهتاف يزلزل المسجد الذى يتعاطف مع الرجل الكفيف الذى تريد أن تقتله الحكومة.. هذا الرجل العالم الذى قطع آلاف الأميال ليعطى مثلًا لنا فى الصبر على الدعوة. تكلم الشيخ فى تفسير سورة «ن».. كان يجتهد فى إيصال ما يصبوا إليه.. لم أدرك مما قال شيئا سوى كلمات حفظتها منه هى «خفافيش الظلام الذين يأتون فى الليل.. الطواغيت والظلمة.. الحاكم المستبد الذى لا يحكم بما أنزل الله»، لأننى حرصت أن أرى الرجل الذى أفتى بقتل السادات ولم آت لأسمعه، قبل أن أعلم أنه لم يفت لا بقتل السادات ولا بغيره. هتفوا بحماسة وقوة: «وإن قتلوك يا عمر ابن أحمد.. فإن الله يختار الشهيد». إن كل ما نفعله فقط هو أننا اعتقدنا أن الرجل هو الشخص الوحيد الذى يواجه الحكومة بين العلماء رغم أنه كفيف البصر.. هو الذى أعطانا مثلا بينًا على عدم الركون والقعود.. هذا هو الخطأ الفادح ألا وهو المقارنة بين علماء الأزهر وعالم اتخذ سبيلًا آخر. فتوى حلق اللحية لشاب داخل الكلية لم يكن يشغلنى شىء بقدر ما يشغلنى موضوع صاحبنا محروس، فقد دخل إلى كلية التربية الرياضية واجتاز الاختبارات، لكن عميد الكلية صمم على أنه لا بد أن يحلق اللحية كى تقبله الجامعة. أحاط الشباب بعد اللقاء بالشيخ فى دائرة حتى أركبوه السيارة.. مرقنا إليه بأعجوبة.. اقترب منه صديقى وحكى له عن الموضوع. قال له الدكتور: «أتريدنى أن أفتى بشىء حرمه الله». اختفت سيارته بين زحمة الرفاق.. تجمدنا مكاننا وقلنا لصديقنا «هتعمل إيه؟!». قال «لن أقدم على كلية التربية الرياضية». مشى الشيخ فى السيارة مع بعض الشباب، ولحقنا به هناك حيث كان سيتناول وجبة العشاء ثم يستعد للانصراف إلى الفيوم مرة أخرى.. تصورت أننى سأرى الشيخ ينظم الهيكلة لجماعتنا فى «ملوى» أو يصدر الأوامر ويعاقب المقصرين.. إلخ، خاب ظنى فقد مشى بعدما تناول العشاء مباشرة وعلمت من يومها أن دوره ما هو إلا أنه الرمز الأزهرى للجماعة وليس هو القائد التنظيمى، وبعد مرور السنوات الطوال قال لنا محمود شعيب أحد قادة الصف الثانى للجماعة فى ندوات المبادرة فى سجن الوادى الجديد، إننا نحن قادة الصف الأول والثانى فى الجماعة مخطئون، لأن الدكتور «عمر» حينما قرأ بحث قتال الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام قال لنا اكتبوا فى آخر صفحة أن هذا الكلام لا يطبق إلا بالنظر إلى فتوى الحال والواقع، لكننا كتبنا تحته راجعه وأقره عمر عبدالرحمن دون أن نكتب كلامه الحقيقى، وهذه شهادة جيدة فى حق الرجل الذى ألصقت به تهم كثيرة هو منها براء. انفردنا بأنفسنا نتجاذب أطراف الحديث.. صاحبنا كان ذاهلًا أو مستغرقًا فى التفكير.. كان لا بد أن نرد الثقة فى المشايخ الموجودين فى بلدنا وفى مساجد الأوقاف حتى نستطيع أن نلتمس المخرج مما نحن فيه، ولكن كيف ذلك؟.. وهم لا يختلفون كثيرًا. تحذيره للإخوان من دخول الانتخابات لم يكن لقاء الأربعاء هو آخر اللقاءات، لكننا التقينا الشيخ فى أسيوط مرة أخرى فى أحد معسكرات الجماعة، أذكر أن الشيخ تكلم يومها وأنكر على جماعة الإخوان دخولهم الانتخابات، وقال «الصراع قائم، والحركات التى تضرب لا يكون ذلك إجهاضًا لها، فالصراع وما يجره من ذيول سلبية ظاهرة على تلك الحركات؛ لا يعتبر كذلك، إن ذلك مرحلة تمحيص، ومرحلة بناء لقواعد التضحية والإخلاص، وبمفهومى؛ فإن أى عمل إسلامى لا يمكن أن يجهض مطلقًا، استمر العمل أو توقف، لأن لكل مرحلة فوائدها وآثارها التى يحسها الجميع، من يقول - مثلًا إن سيد قطب قد أدى إعدامه إلى إجهاض الحركة، لو بقى سيد على حياته لما عرفه الناس إلا قليلًا، ولكنه لما أوذى فى الله؛ فدخل تاريخ الأمة المسلمة من أعرض الأبواب وانتشرت أفكاره وكتبه، إن استشهاد الحسين؛ أعظم ألف مرة من بقائه على قيد الحياة، أما الشهادة فما دام الإسلام قد طالبنا بها؛ فهو أمر يجب أن نحرص عليه، سميناه غاية أم وسيلة.. لا شك أن إعلاء كلمة الله هو الغاية، والجهاد وسيلة لذلك، ولن يتم ذلك إلا بالجهاد، كما حدده القرآن.. إننا مقصرون، وكان يجب أن يتضاعف جهدنا وعددنا، وليكن منا الضحايا والقتلى.. أعرف شيوعيًا سجن لشيوعيته 13 مرة، وهو يستقبل السجن بصدر رحب، رغم أنه يدافع عن عقيدة باطلة، فلماذا لا يدافع أهل الحق عن حقهم وإن سجنوا وقتلوا؟!». وأضاف بقوله: أنا أعتقد أن الاشتراك فى المجالس النيابية يؤدى لمفاسد كثيرة، كما أنه يوقع الجماهير العريضة فى الحيرة والتضليل.. إن اشتراكهم فى مجالسهم دلالة على شرعية الحكومة، وعلى أنها تؤدى أعمالها، وهذا يدفع الجماهير إلى الالتباس والشك، ولأنهم بعد ذلك يشتركون فى مجالس تصدر قوانين وضعية، وهذا الخلط يسبب إحراجًا كبيرًا للناس. أما الادعاء أنهم يستطيعون أن يبلغوا الإسلام عبر هذا المنبر؛ فإننا نقول إن هذا ادعاء يضمحل أمام المنكرات التى تمر أمامهم، وهم لا يستطيعون التحرك كما يجب.. وأمر أخير؛ إن وجود الإسلاميين فى تلك المجالس وعشرات القوانين الوضعية تخرج بوجودهم؛ هو سبة وعار فى جبين المعارضة الإسلامية، إذ لولاها لما تبجّح النظام بأنه ديمقراطى. هكذا كان يتكلم الدكتور عمر.. وهكذا كان يصف الحالة. لقد كان الدكتور عمر قوة تحاول الضغط على الحكومة، لكنها كانت تدفع الدولة إلى تقديم تنازلات لمصلحة التيار الإخوانى الذى يتنصل من الشيخ، بمعنى أن هناك طرفًا يدفع وطرفا آخر يقطف الثمرة، وكان الإخوان يؤدون دورهم بذكاء يحسدون عليه فنحن كنا ندفع ثمن مغامراتنا والإخوان يظهرون أنفسهم على أنهم الطرف الهادئ الذى لا يميل إلى العنف. الدكتور «عمر» كان يملك الكلمة، كانت كلماته هى المشكلة الكبيرة التى جرت شبابًا كثيرين إلى ساحات القتل بعد ذلك، ولو أدرك خطورة كلماته لما فعل الكثير ولما ذهب إلى هذه اللقاءات والمعسكرات. أشهد أننى لا أعرف المرتبة العلمية التى وصل لها، ولا أقصد الشهادة التى حصل عليها الرجل فهذا يعرفه علماء المسلمين الذين حازوا العلم، لكننى أشهد بفصاحة الرجل التى أعجبتنا. الشيء الغريب والعجيب يومها أن الشيخ وهو يتكلم سقط فأر من سقف مسجد أبى بكر الصديق بأسيوط فصرخ أحد الحضور وظنه ثعبانًا وصرخ من بجواره، وقام الحضور ظنًا منهم أن قوات الأمن ستقتحم المسجد، وحدث الهرج والمرج وساد الصخب والهتافات ضد الحكومة إلى أن هدأ الأمر بأعجوبة! كانت كل كتيبات وأبحاث الجماعة فى هذا الوقت مكتوب عليها تحت إشراف فضيلة الدكتور عمر عبدالرحمن، وبعد المبادرة تبين لنا أن الرجل لم يكن موافقًا على كل ما كتب ولا كل ما قيل! لقاؤه بوزير الداخلية فى عام 89 اعتقل الشيخ الضرير بتهمة التظاهر فى الفيوم ثم خرج وظل فى حظرٍ أمنى فى منزله بالفيوم فترة طويلة حتى التقى بوزير الداخلية عبدالحليم موسى فى مكتبه، وبعدها مباشرة فى اليوم الأخير من شهر رمضان سنة 1410، أى فى أواخر شهر أبريل من سنة 1990، سمحت الجهات الأمنية فى مصر له بالسفر لأداء العمرة، لكنه حين وصل إلى مطار القاهرة كانت رؤية هلال شهر شوال قد ثبتت، ولذا لم يسمح له بالسفر إلى الأراضى الحجازية لأن تأشيرة العمرة التى كان قد حصل عليها كانت محددة بانتهاء شهر رمضان، فقرر السفر إلى الخرطوم، ومنها حصل على تأشيرة دخول إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، ورغم أن حصول الشيخ فى تلك الفترة على تأشيرة دخول لأمريكا كان يعد أمرًا غير مستغرب، إلا أن البعض أطلق عدة شائعات حول علاقته ببعض الأجهزة الأمريكية، وهذه الشائعات ثبت زيفها وبطلانها، وكنا نحن القواعد من عامة الجماعة نرى أن سفر الدكتور عمر إلى أمريكا انتصارا جديدا للجماعة وانطلاقًا ناحية العالمية. سافر الشيخ إلى أمريكا بعد أدائه فريضة الحج فى تلك السنة 1410ه، وفى شهر يوليو من عام 1990م وصل إلى الولاياتالمتحدة، ثم حصل على الإقامة الدائمة بصفته إمامًا وخطيبًا لأحد مساجد «بروكلين». فى العام التالى 1411ه أى فى أوائل صيف عام 1990م سافر الشيخ إلى الأراضى الحجازية مرة أخرى للحج، ولدى عودته بدأت المضايقات الأمنية له حيث احتجز لعدة ساعات فى مطار «كيندى»، وسحبت منه بطاقة الإقامة بحجة أنه لم يذكر فى طلب الإقامة أنه متزوج فى مصر باثنتين، وهو ما يعد مخالفة لقوانين الهجرة والجنسية، ثم غيروا التهمة بعد ذلك إلى كونه وهو الرجل الكفيف، يشكل خطرًا على الأمن القومى الأمريكي، مطالبين بترحيله إلى مصر، إلا أنه ظل لفترة مطلق السراح فى انتظار قرار المحكمة فى مسألة ترحيله، وفى أوائل يوليو 1993 أصدرت وزيرة العدل الأمريكية قرارًا باعتقال الشيخ لحين البت فى قضية الهجرة، مستندة إلى بند استثنائى فى القانون الأمريكى يسمح لها بذلك، ولما تفاوضت محامية الشيخ مع السلطات الأمريكية على السماح للشيخ بمغادرة الولاياتالمتحدة إلى بلد غير مصر، أبدت تلك السلطات موافقة مبدئية على ذلك بشرط أن تعلن دولة ثالثة استعدادها لقبول الشيخ، ولم يتردد حكمتيار فى التجاوب مع هذه الدعوة، بل بادر بإعلان قبول الشيخ فى أفغانستان إذا طلب اللجوء السياسى إليها، لكن أعلن الادعاء الأمريكى بعد يوم واحد من إعلان حكمتيار - أى فى الخامس والعشرين من أغسطس 1993 - عن توجيه عدة تهم للدكتور عمر عبدالرحمن منها التحريض على ارتكاب جرائم العنف والاغتيال، والتحريض على نسف المنشآت العسكرية الأمريكية، والتآمر لنسف وتدمير بعض المبانى المهمة فى نيويورك، والتآمر والتحريض على اغتيال الرئيس حسنى مبارك أثناء زيارة كانت مقررة له إلى نيويورك فى تلك الفترة. ظهر فى أثناء محاكمة الشيخ أن تلك التهم كانت مبنية على أقوال صدرت من الشيخ ردًا على استفتاءات كان يصوغها بعناية وإلحاح عميل مصرى يدعى عماد سالم، دسه عليه جهاز المباحث الفيدرالية الأمريكية. السجن مدى الحياة فى بداية عام 1995م بدأت محاكمة الشيخ، وفى اليوم الثانى من أكتوبر من عام 1995، أصدرت المحكمة حكمها على الشيخ بالسجن مدى الحياة بالإضافة إلى 65 سنة أخرى. عرضنا فى مسجدنا أكثر من عشرة أفلام فيديو للشيخ عمر، وهو يخطب فى أفغانستان، وهو يجيب عن أسئلة المستمعين فى إذاعة ال«بى بى سى»... إلخ. المهم أن الدكتور عمر عبد الرحمن كان يجيب عن الأسئلة بشجاعته المعروفة، وكنا نلتقط بالطبع هذه الإجابات دون نظر للواقع ودون وعي، وحين اعتقل الدكتور عمر فى أمريكا ورأى مجلس شورى الجماعة أن يرد على ما حدث فقمنا بعرض كتابه أمام المسجد وهو «الله أكبر فليستقل شيخ الأزهر». يمثل الدكتور عمر أسطورة كالخومينى، وكانت الجماعة تحاول أن تجعله يبدو أمام الناس بهذه الصورة رغم الخلاف الجوهرى بين الشخصيتين والظروف المتباينة بين البلدين مصر وإيران. قال لنا محمد جمال أحد أعضاء مجلس شورى المنيا فى اجتماع فى مسجد الجهاد بأرض سلطان بالمنيا، إن الثورة الإيرانية قامت بشرائط الخومينى وإننا نستطيع أن نفعل الكثير، كما أننا لا بد أن ندرك أننا وقود الثورة المقبلة فى مصر، لذا علينا أن ندرك أننا سنضحى بالكثير من وقتنا ومالنا. لا الدكتور عمر كان الخوميني، ولا مصر مثل إيران، وتمر السنون ليموت الدكتور عمر غريبًا، فى سجون أمريكا. قال لهم: لا تنسوا دمى ولا تضيعوه رغم خلافاتهم.. الإسلاميون أجمعوا على «النعى» رغم الخلافات والمزايدات القائمة بين جماعات الإسلام السياسي، إلا أن جميعهم توحد على موقف معين منذ أعلن أبناء الشيخ عمر عبدالرحمن عن وفاته فى سجنه بولاية «نورث كارولاينا»، إذ بادرت الجماعات إلى نعيه بعد الوصية المنسوبة إليه وقال فيها: «أيها الإخوة.. إنهم إن قتلوني-ولا محالة هم فاعلوه- فشيعوا جنازتى وابعثوا بجثتى إلى أهلى، لكن لا تنسوا دمى ولا تضيعوه، بل اثأروا لى منهم أشد الثأر وأعنفه، وتذكروا أخا لكم قال كلمة الحق وقتل فى سبيل الله». وفى هذا، أصدرت جماعة الإخوان بيانًا نعته فيه، لتلحقها فى نفس الخط حركة حسم الإخوانية، أحد اللجان النوعية للجماعة، بعدها أصدرت الجماعة الإسلامية بيانًا كان الأجرأ وسط بيانات باقى الحركات الإسلامية، عندما وصفت الرجل ب«قائد وزعيم الأمة»، ثم كان بيان الدعوة السلفية التى حاولت النأى بنفسها قدر الإمكان عن مواقف الرجل المتشددة. كانت البداية من تنظيم «القاعدة» الذى يعتبر «عبدالرحمن» أحد أبنائه، إذ استبق التنظيم خبر الوفاة ببث كلمة لزعيمه أيمن الظواهري، بعنوان «أحمل سلاح الشهيد»، وذلك قبل الإعلان عن وفاة الشيخ عمر عبد الرحمن بدقائق قليلة. ورثا الظواهرى فى كلمته التى بلغت مدتها ساعة و7 دقائق القيادى السابق فى الجماعة الإسلامية بمصر رفاعى طه، الذى قتل بغارة جوية فى سوريا. وكشف زعيم تنظيم القاعدة عن موقف «عبدالرحمن» الرافض لمراجعات الجماعة الإسلامية، وفقًا لما نقله له رفاعى طه فى أفغانستان. وأوضح «الظواهري» أن عمر عبدالرحمن، كان يظن أن مبادرة وقف العنف التى أطلقتها الجماعة الإسلامية مجرد هدنة، لذا أيدها فى بادئ الأمر عبر كلمته الشهيرة «وقفوا لله وأوقفوا لله»، ثم تراجع عن ذلك فى شهر صفر من العام 2000 وسحب فيه تأييده لوقف العنف. فى السياق ذاته، كان أجرأ بيان نعى من نصيب الجماعة الإسلامية التى وصفت الشيخ بزعيم وقائد العالم الإسلامي، فيما يعكس رضا الجماعة عن شيخها الذى شرع لها عمليات التفجير والقتل التى قامت بها فى التسعينيات. وجاء فى البيان: «إن حياة حافلة بالعطاء والتضحية وكفاحا طويلا فى الصدع بكلمة الحق ونشر الدعوة ونصرة قضايا الأمة ختمها بما يربو على عقدين من الزمان فى حبس انفرادى لا إنسانى، بعد أن تعرض لظلم فادح بالحكم عليه بالسجن مدى الحياة فى قضية ملفقة، زج به فيها زورًا وبهتانًا». على عكس ذلك، كانت الدعوة السلفية التى رأت تقدير الرجل لأنه كان شجاعا فى تأييد مبادرة الصلح، بحسب قولها، فيما يعكس حرس الدعوة على التأكيد الضمنى على اعتدالها. وتأكيدا على تطرف الشيخ الضرير كما يعرف، كان موقف حركة «حسم» الإخوانية التى نشرت عبر حسابها على «فيسبوك»، و«تليجرام» رثاء للرجل، مشيرة إليه فقيدًا للأمة، فيما نشرت صفحة إعلام المقاومة القريبة من الإخوان السيرة الذاتية للشيخ، قائلة إنه يدعى فى أوساط الإسلاميين ب«الشيخ المجاهد». وصية «التحريض» «انتقموا لى ثم شيعوا جنازتى وابعثوا بجثتى إلى وطنى» بعد ساعات من إعلان نبأ وفاة الشيخ «عمر عبدالرحمن»، أمس الأول، نشر موقع «صدى الجهاد ومنبر التوحيد والجهاد» وصيته الأخيرة، والتى أرسلها عبر محاميه إلى عائلته قبل أشهر قليلة من وفاته، والتى جاء فيها: «إن الحكومة الأمريكية رأت فى سجنى ووجودى فى قبضتها؛ الفرصة السانحة، فهى تغتنمها أشد اغتنام لتمريغ عزة المسلم فى التراب، والنيل من عزة المسلم وكرامته». وقال عمر عبدالرحمن فى وصيته: «إنهم يحاصرونني.. ليس الحصار المادى فحسب، إنهم يحاصروننى حصارا معنويًا أيضا، حيث منعوا عنى المترجم والقارئ والراديو والمسجل.. فلا أسمع أخبارا من الداخل أو الخارج، وهم يحاصروننى فى السجن الانفرادي، فيمنع أحد يتكلم العربية أن يأتى إلي، فأظل طول اليوم.. والشهر.. والسنة... لا أكلم أحدا ولا يكلمنى أحد، ولولا تلاوة القرآن؛ لمسنى كثير من الأمراض النفسية والعقلية، وكذلك من أنواع الحصار أنهم يسلطون على كاميرا-ليلا ونهارا-لما فى ذلك من كشف العورة عند الغسل وعند قضاء الحاجة، ولا يكتفون بذلك؛ بل يخصصون مراقبة مستمرة على من الضباط، وكانوا يستغلون فقد بصرى فى تحقيق مآربهم الخسيسة، فهم يفتشوننى تفتيشا ذاتيا، فأخلع ملابسى كما ولدتنى أمي، وينظرون فى عورتى من القبل والدبر.. وعلى أى شيء يفتشون؟ على المخدرات أو المتفجرات.. ونحو ذلك، ويحدث ذلك قبل كل زيارة وبعدها، وهذا يسيء إليَّ، ويجعلنى أود أن تنشق الأرض ولا يفعلون معى ذلك، وهم يمنعوننى من صلاة الجمعة والجماعة والأعياد وأى اتصال بالمسلمين.. كل ذلك يحرموننى منه، ويقدمون المبررات الكاذبة ويختلقون المعاذير الباطلة، وهم يسيئون معاملتى أشد الإساءة، ويهملون فى شئونى الشخصية -كالحلق وقص الأظافر- بالشهور، كذلك يحملوننى غسل ملابسى الداخلية؛ فإن قتلونى وهم فاعلون لا محالة، فانتقموا لي، ثم شيعوا جنازتي، وابعثوا بجثتى إلى أهلى ووطنى». عائلته: لا تظلموه.. وسنظل نفتخر به تستعد عائلة الشيخ «عمر عبدالرحمن»، الذى وافته المنية السبت بأحد السجون الأمريكية عن عمر يناهز 79 عامًا، لاستلام الجثمان لدفنه بمقابر العائلة بالجمالية التابعة لمحافظة الدقهليةمسقط رأسه، بناء على وصيته. وقالت فوقية عبدالرحمن، المحامية، نجلة شقيق الشيخ عمر عبدالرحمن، إن نجلة الشيخ عمر تتواصل مع الخارجية المصرية والسفارة المصرية بالولاياتالمتحدة، لنقل جثمان الراحل إلى مصر لدفنه بمقابر الأسرة. وأضافت: «أننا كعائلة نفتخر بأن الفقيد ينتمى لنا، ولا يجوز لنا الحديث عن أى شيء سوى أن نترحم على الراحل ونذكر محاسنه، مشيرة إلى أن ما يتردد عن كون الشيخ كان داعمًا للحركات الإرهابية ويتعامل مع المخابرات الأمريكية، وأفتى بقتل الرئيس الراحل أنور السادات، عارٍ تمامًا من الصحة ومحاولات لتشويه صورته». وأكدت فوقية، أن العائلة تعيش حالة حزن فور علمها بخبر وفاة عمها فى السجون الأمريكية، والذين كانوا يتمنون أن تتدخل السلطات المصرية للإفراج عنه، وإعادته لمصر. وأضافت أن العائلة اجتمعت فور سماع الخبر بمنزلهم استعدادًا لإجراءات عودة جثمانه لمصر لدفنه بمقابر الأسرة بمدينة الجمالية، مشيرة إلى أن والدها سبق أن زاره فى السجن عام 1999، وأوصى وقتها بأن يتم دفنه بمقابر الأسرة بالجمالية فى حالة وفاته. وناشدت السلطات المصرية بأن تتدخل لسرعة إنهاء إجراءات عودة جثمانه إلى مصر مشيرة إلى أنهم يتواصلون مع أبنائه فى الخارج. جدير بالذكر أن الشيخ عمر عبدالرحمن كان قد اعتقل في الولاياتالمتحدة ويقضى فيها عقوبة السجن المؤبد بتهمة التآمر، فى قضية تفجيرات نيويورك سنة 1993، والتى قام بنفيها عمر، وظل بالسجن حتى وفاته. من مذكرات «عمر عبد الرحمن» حرّم الصلاة على «عبدالناصر».. وبرأته المحكمة فى اغتيال «السادات» حصل على «الدكتوراه» سرًا.. وتم منعه لأعوام من التدريس بالجامعة يقول الدكتور عمر عبدالرحمن فى مذكراته التى بدأ بها مرافعته أثناء محاكمته، فى كتاب «كلمة حق». «أنا عمر أحمد عبدالرحمن تاريخ ميلادي: 3/5/1938، محل الميلاد: الجمالية، مركز المنزلة، دقهلية. الأولاد: محمد 10 سنوات، أحمد 9 سنوات، عبدالله 8 سنوات، فاطمة 6 سنوات، عبدالرحمن 4 سنوات، أسامة 3 سنوات، الحسن 2 سنة، عمار أطال الله فى عمره». «نشأت بين أبوين فقيرين.. قالا لي: إنك فقدت البصر بعد عشرة أشهر من ولادتك.. وفى طفولتى المبكرة كان خالى يصحبنى للمسجد، ويقرئنى القرآن، حتى إذا ما بلغت الخامسة أدخلونى معهدًا من معاهد الأكفَّاء وهو «معهد النور للأكفاء» لتعليم القراءة والكتابة بطريقة «برايل»، وكان هذا معهدًا داخليًا ب«طنطا» أخذت فيه الحضانة الابتدائية، ثم ذهبت إلى البلدة، وأكملت حفظ القرآن فى سن الحادية عشرة، ثم التحقت بالمعهد الدينى ب«دمياط»، ومكثت فيه أربع سنوات حصلت بعدها على الشهادة الابتدائية الأزهرية. ثم التحقت بعد ذلك بمعهد المنصورة الديني، وكان حديث العهد بالافتتاح والكل فرح به، وكان يضم 3000 طالب، مكثت فيه خمس سنوات حتى حصلت على الثانوية الأزهرية سنة 1960، وكان معروفا أن سنوات الثانوى الأزهرى تعد سنوات التحصيل والفهم، والتعمق فى العلوم الدينية واللغوية. «التحقت بكلية أصول الدين بالقاهرة، ومكثت فيها خمس سنوات، حيث تخرجت فيها سنة 1965، وكانت سنوات الدراسة فيها 4 سنوات، لولا أن مدير جامعة الأزهر حينئذ كان مقتنعا بعد قوانين تطوير الأزهر بأن يطور الدراسة أيضا فى كليات هذه الجامعة، وإضافة سنة احتوت فى منهجها على بعض المواد الحديثة، وبذلك يكون بهذه السنة الإضافية قد أضاع علينا سنة من أعمالنا». «تخرجت فى الكلية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، ومع ذلك لم أعين فى الكلية، وإنما عينت فى وزارة الأوقاف، حيث لم تطلب الكلية معيدين وقتها، فعينت إماما لمسجد بقرية من قرى محافظة الفيوم، ذلك أنهم عينوا دفعة من الأئمة كان نصيبى فيها هذه القرية التى تسمى «فيدمين»، وهى قرية يسكنها نحو 000‚20 نسمة يشكل النصارى فيها ما يزيد على الثلث، وتشتهر بزراعة الزيتون والليمون، وهى بلدة تجارية يغلب على أهلها الطابع السوقى وكثرة الحلف بالطلاق، وبتوفيق الله تعالى بذلت الجهد، وعملت قدر المستطاع فى هذا العمل الذى أهواه وأحبه حبًا جمًا، وهو «إمام المسجد» فامتلأت الصفوف، واتجه الجميع، الصغير والكبير، الرجال والنساء إلى المسجد. فى السنة الثانية للتخرج مباشرة أخذت السنة الأولى فى الدراسات العليا المعروفة بالدبلومة، وفى السنة الثانية أخذت الدبلومة الأخرى، وهاتان السنتان تعادلان الماجستير، بالإضافة إلى بحث يقدم ويناقش فيه ثلاثة من الأساتذة، وكان موضع بحث الماجستير هو «الأشهر الحرم»، وبذلك أكون قد حصلت على الماجستير بعد حرب 5 يونيو سنة 1967 بما يقرب من شهرين، وفى هذه السنة كنت قد انتقلت إلى عاصمة المحافظة، وبدأت أخطب فى مساجدها متنقلا من مسجد إلى مسجد آخر. «فى إبريل سنة 69 فوجئت باستدعائى إلى إدارة الأزهر، حيث التقيت بالأمين العام للأزهر الذى أخبرنى بأننى قد أحلت إلى الاستيداع، ويظهر أنها عقوبة عسكرية انتقلت إلى الجهات المدنية. فى أواخر سنة 69 أبلغت أن عقوبة الإحالة إلى الاستيداع قد رفعت، ولكنى نقلت من الجامعة من معيد بها إلى إدارة الأزهر بدون عمل، واستمر الحال على ذلك وأنا أخطب فى قرى الفيوم معلنًا عن مكانى تارة، ومستخفيا تارات أخرى حتى اعتقلت فى 13 أكتوبر 1970، وكان عبد الناصر قد هلك فى سبتمبر سنة 1970، ووقفت على المنبر وقلت: لا تجوز الصلاة عليه، ومنعنا الناس من الصلاة عليه، وعقب ذلك اعتقلت فى سجن القلعة لمدة 8 أشهر أغلبها فى زنزانة 24، وهى حبيبة إلى نفسى كلما حاولوا إخراجى منها لزنزانة أخرى طالبت العودة إليها، وخرجت من القلعة يوم 10 يونيو عام 1971». «عدت إلى معهد الفيوم لمدة 3 أشهر، وطلبوا منى أن أذهب إلى معهد المنيا، فراوغتهم شهرين حتى أتم رسالة الدكتوراه، وقد كان نقلى إلى المنيا عقابًا لي، لأنهم يعلمون أننى مستقر فى الفيوم، فأرادوا تكديري، فذهبت إلى المنيا وأنا متخوف من مشاق الذهاب والعودة والمسكن والمأكل وغير ذلك، ولكنى وجدت فى المنيا خير إخوان لي، منهم الشيخ «محمود عبد المجيد» رحمه الله تعالى، وإخوة كرام كانوا خير عون لى على متاعب الحياة ومشاقها، ولقد تعاونت إدارة معهد المنيا مع المباحث فى إلحاق الضرر بي، وأن تكون المشقة بالغة علي، فوزعوا الجدول الدراسى على ستة أيام من أولها إلى آخرها، وحذرنى وكيل المعهد أن أتصل بأحد، أو يتصل بى أحد، وضيقوا الخناق على فى تحركاتي، ومع هذا التضييق الشديد كنت أذهب للفيوم مساء الخميس والجمعة للإجهاز على ما بقى من طبع الرسالة، وبقى تحديد موعد المناقشة، وأخذت الموعد سرا من عميد أصول الدين الشيخ «محمد أبو شهبة»، وكان بعد أسبوع، وذهبت إلى العضوين الآخرين وأبلغتهما بالموعد، وعدت إلى الفيوم، وأبلغت معهد المنيا فى برقية أننى مريض لا أستطيع الحضور للمعهد هذا الأسبوع، وفى يوم الاثنين 13/3 سنة 1972 دون أن أعلن أحدًا، لا من الفيوم ولا من المنيا ولا من مسقط رأسي، حتى أخي، ذهبت إلى الكلية ولا يعلم أحد بمناقشة الرسالة إلا العميد والعضويين، وقبل الموعد المحدد بنحو ساعة وضعنا إعلانا صغيرًا فى الكلية يحدد موعد مناقشة الرسالة، وكان موضوعها هو «موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة»، ونوقشت الرسالة ولم تستطع المباحث وقفها كما تفعل كثيرًا، وفوجئ الجميع، المباحث والناس بمنشور فى الجرائد فى اليوم التالى يعلن أن الشيخ عمر عبدالرحمن قد حصل على درجة الدكتوراه، ومنح «رسالة العالمية» بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، ومع ذلك منعت المباحث تعيينى فى الكلية حتى ولو بصفة معيد، واستمر المنع حتى صيف 1973، حين اعترضت إدارة التنظيم والإدارة على هذا الوضع، وكتب رئيسها- رغم أنى لم أكن أعرفه ولا يعرفني- ما يقرب من عشر صفحات يندد بهذا العمل وبإبعادى عن الجامعة، وأنها سابقة لم تحدث قبل ذلك، وطلب تعميم هذه المذكرة على جميع الوزارة والجهات المعنية رحمه الله، وفى صيف 1973 استدعتنى الجامعة وأخبرتنى أن هناك وظائف شاغرة وأعلنوا عنها بكلية البنات وأصول الدين، وطبعا اخترت أسيوط، مكثت بالكلية أربع سنوات حتى سنة 77، ثم أعرت للسعودية وإلى كلية البنات بالرياض حتى سنة 1980، وكانت مستحقة لى سنة أخرى تنتهى سنة 1981 لولا أن الأقدار ساقتنى هذا العام لمصر، وفى سبتمبر عام 1981 طلبت للاعتقال فيما أسموه قرارات التحفظ، ففررت حتى قبض على فى أكتوبر 1981 وحوكمت فى قضية مقتل السادات كأمير تنظيم الجهاد أمام المحكمة العسكرية ومحكمة أمن الدولة العليا، وقضى الله تعالى ببراءتي، فى القضيتين.. ولله الفضل والمنة، وخرجت من المعتقل فى 2/أكتوبر/1984». من ينفذ الوصية ويأخذ بالثأر؟ عمر عبدالرحمن، وسيد قطب، وبن لادن، هم الوحيدون فقط الذين اجتمعت عليهم الجماعات الجهادية والتكفيرية، حتى حسن البنا نفسه اختلفت عليه كل التنظيمات، وهذا ما يضعنا أمام رؤية، تؤكد على رمزية الشيخ الضرير، وأنه من الممكن أن يدفع موته فى أحد السجون الأمريكية إلى الأخذ بثأره، خاصة أن الرجل فى وصيته دعا للأخذ بثأره، وقام القاعدة وزعيمه الظواهرى، فى تسجيل مصور بالحديث عن الشيخ، الذى أبى الموافقة على وقف العنف. أمس الأول، بثت مؤسسة السحاب التابعة لتنظيم القاعدة كلمة جديدة لأيمن الظواهرى زعيم التنظيم، بعنوان «أحمل سلاح الشهيد»، وذلك قبل الإعلان عن وفاة الشيخ عمر عبدالرحمن بدقائق قليلة. وأضاف زعيم تنظيم القاعدة أن رفاعى طه أخبره فى أفغانستان بأن عمر عبدالرحمن رفض مراجعات الجماعة الإسلامية لوقف العنف. وأشار «الظواهرى» إلى أن عمر عبدالرحمن كان يظن أن مبادرة وقف العنف التى أطلقتها الجماعة الإسلامية مجرد هدنة، لذا أيدها فى بادئ الأمر فقط. حديث الظواهرى، لم يأت من فراغ، بل يأتى عن محاولة ارتباط وثيق بالشيخ الضرير، واحتكاره لتنظيم الجهاد والقاعدة، بعد معارك ضارية مع الجماعة الإسلامية قديمة، حول جواز إمارة الضرير والأسير. من المناسب أن نؤكد أن التنظيم الذى يترأسه رسميًا عمر عبدالرحمن، الجماعة الإسلامية، اكتفى بكلمات النعى، وما زال يعلن مرارًا أنه مصر على وقف العنف، إلا أنه فى ذات الوقت قد انضوت عناصر له، فى القتال بسوريا، أو الانضمام إلى بعض المجموعات الإخوانية المسلحة، وهذا ما ثبت فى أكثر من واقعة، وهذا سيحيلنا إلى أن موت الشيخ الضرير قد يدفع إلى مزيد من الحنق، وزيادة الغضب، ويساهم فى تحولات قد تدفع جيلا من هؤلاء الشباب إلى العنف، خاصة أن رمزية عمر عبدالرحمن أصبحت كبيرة جدًا بالنظر إلى رمزية بن لادن وقطب وحسن البنا. الإخوان التى كانت لا تترك فرصة لاستنكار فتاوى عمر عبدالرحمن وأعمال جماعته، نعت بكل الصنوف والأشكال والشخصيات، موت عمر عبدالرحمن فى سجون أمريكا، ولا تنسوا أن الرئيس الإخوانى مرسي، فى قلب ميدان التحرير، أشار إلى أنه سيسعى للإفراج عنه، إلا أن الإخوان لم تتعد ولن تفعل أكثر من النعى، لحسابات تتعلق بالعلاقات مع الغرب، وترامب، وبمعنى أدق، ممارسات الإخوان تتعامل دائما وفق سياسات. أعتقد أن تنظيم القاعدة، أو مجموعات قريبة منه، مثل تلك المجموعة، التى أطلقت على نفسها بليبيا، جماعة عمر عبدالرحمن، من الممكن أن تقوم برد فعل لمصالح أمريكية، أو تقوم بموجة من العمليات، تطلق عليها عمليات عمر عبدالرحمن، ولا أرجح أن تقوم داعش بذلك، نظرًا لانشغالها بالدفاع عن الموصل، وعاصمتها الرقة، التى أصبحت مهددة بشكل مباشر الآن.