يتجنى البعض على حق المرأة فى الميراث، وخاصة فى بعض قرى الصعيد، فيمتنعون عن إعطائها حقها الشرعى، وهو ما دفع الكاتب قاسم أمين إلى تأليف كتابيه «تحرير المرأة» و«المرأة الجديدة»، لذلك فإن الإشكالية قديمة متواصلة منذ عقود، حتى جاءت موافقة مجلس الوزراء على مشروع قرار بتعديل بعض أحكام القانون رقم «77 لسنة 1943» بشأن «المواريث» والمنازعات المتعلقة به. التعديلات أضافت مادة جديدة خاصة بالعقوبات لم تكن موجودة فى القانون القديم المكون من 48 مادة، وتنص على: «تجريم الامتناع العمدى عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعى من الميراث»، و«المعاقبة بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تتجاوز 100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعى من الميراث». وفى إطار ما يدور عن قضية الميراث، خرج الباحث الأزهرى على محمد شوقى، بكلية الشريعة والقانون بالأزهر الشريف، بكتابه الثانى فى موضوع حقوق المرأة فى الميراث فى ظل التشريع الإسلامى، وبعد كتابه الأول «إتحاف الكرام بمئة وأربعين حالة ترث المرأة فيها أضعاف الرجل فى الإسلام»، أخرج كتابًا آخر وضع فى رفوف معرض القاهرة للكتاب عنوانه: «تكريم المرأة فى التوريث الإسلامى»، الصادر عن «دار التقوى للطباعة والنشر». وخلص كتابا «شوقى» إلى وجود 147 حالة فى الإسلام تثبت أن المرأة ترث ضعف وأضعاف الرجل، ويقول فى مقدمة الكتاب الجديد: «راعيت فيه ما يتناسب مع ما وصلت إليه الثقافة المعاصرة من فِكْر؛ لأننى أعتقد جازمًا أنه لا ينبغى أن يَقتصر البيان فى هذا الباب على المقارنة بين الجاهلية والإسلام، حتى تكون النتيجة أن يُقال: لقد أعطى الإسلام المرأة حق الإرث بعد أن منعتها الجاهلية إيَّاه، وهذا بلا شك حقٌّ، ولكن الاقتصار عليه لا يُقيم الحُجَّة الواضحة على المخالف؛ لأن كثيرًا من الدول المتقدمة غير الإسلامية قد أعطت كذلك – فى هذا العصر- هذا الحق للمرأة، وإنما نريد طَرْح الحُجَّة القَويَّة التى تواكب فَلْسَفة ما بعد الحَدَاثة، والتى تُثبت أن التشريع الإسلاميَّ للميراث هو خير تشريع للبشرية فى كل زمان ومكان». وأضاف فى المقدمة: «بما أننا نؤمن ونعتقد أن الإسلام هو دين الله سبحانه وتعالى الصالح لكل زمان ومكان؛ فلا يصح أن نقف فى طرحه للناس عند رؤية وثقافة وواقع عصور قد مضت، طالما لم يُخالف ذلك نصًّا صحيحًا صريحًا أو إجماعًا، وهذا هو معنى تجديد الخطاب الدينيِّ فى صورته النقيَّة». المبحث الأول فى الكتاب، أثبت فيه الباحث الأزهرى تأصيل الإسلام منذ بداية عهده لحق المرأة فى الميراث، وبين هذا التأصيل فى 3 قضايا، أولها تسمية السورة التى جاء فيها تشريع الميراث باسم «النساء»، وتحدث عن أهمية الاسم بالنسبة للمسمَّى، وأهمية العنوان بالنسبة للنصِّ، وقال: «قبل النَّص هناك العنوان، وبعد النَّص يبقى العنوان». وبيَّن المؤلف أن تسمية سورة النساء بهذا الاسم هى من تسمية النبى صلى الله عليه وسلم نفسه، وليست من تسمية أحد أصحابه أو عالم من علماء المسلمين، واستدلَّ على ذلك بقول النبى صلى الله عليه وسلم لابن مسعود: «اقْرَأْ عَلَيَّ سُورَةَ النِّسَاءِ»، وقوله لعمر: «أَلَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِى فِى آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ؟». ورفض القول بأن سورة النساء سميت بهذا الاسم لأنها اشتملت على أحكام للنساء، وقال إن هذه التسمية سطحية؛ لأن هناك سورا كثيرة تحدثت عن النساء، ومع ذلك لم تسمَّ بهذا الاسم، وبين الحكمة من هذه التسمية فى وجهة نظره قائلًا: «هذه التسمية تُوجِّه للمرأة رسالة إيجابية عن مكانتها ودورها فى الحياة الجديدة فى ظل الإسلام... أنه سيكون لها اعتبارها فى التشريعات التى جاءت فى السورة ومنها تشريع الميراث». ثانى قضايا إثبات تأصيل الإسلام منذ بداية عهده لحق المرأة فى الميراث هى: «نزول آيات المواريث بسبب النساء»، واستدل ب 4 آيات شرَّع فيها القرآن الكريم الميراث، هى الآيات (7، 11، 12، 176) من سورة النساء، وذكر مع كل آية حديثًا يثبت أن هذه الآية نزلت بسبب امرأة، سواء كانت أمًّا أو بنتًا أو زوجةً أو أختًا شقيقة أو لأب. القضية الثالثة فى المبحث هى: «جَعَل الإسلام ميراث المرأة هو الأصل فى التشريع وعليه يحمل ميراث الرجل»، وبين أن آية «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» ليست انتقاصًا لحق المرأة كما يتصور البعض، بل هو تكريم لها من وجه لطيف، وهو أن الله أراد أن يكون المقياس، أو المكيال هو حظ المرأة، ويكون حظ الرجل هنا منسوبًا إلى المرأة؛ لأنه قال: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، ولو قال: «للأنثى نصف حظ الرجل»، لكان المقياس هو الرجل، لكنه سبحانه جعل المقياس للأنثى. وانتقل المؤلف للمبحث الثانى والذى بين «زجر الإسلام لمن تعدَّى على حق المرأة فى الميراث»، وعرض فيه 4 قضايا تثبت ذلك إثباتًا عمليًّا، أهمها: «زَجْرُ الإسلام لمن طلَّق امرأته فى مرض موته فرارًا من توريثها»، موضحًا أن المطلقة طلاقًا بائنًا لو كان زوجها قد طلَّقها فى مرض الموت؛ فإنَّها ترثه عند جمهور الفقهاء: الحنفية، والمالكية، والحنابلة، والمذهب القديم للشافعية، معاملة له بنقيض قصده؛ إذ إنه قد قَصَدَ حرمانها من الميراث، ولذلك يُسمى الفقهاء هذا الطلاق: (طلاقُ الفارِّ أو الفرار)، وقال بأن هذا هو المعمول به فى جميع قوانين الميراث فى البلاد الإسلامية، وفى المبحث الثالث بيَّن فيه المؤلِّف تكريم المرأة فى أبواب علم المواريث؛ وحدَّد المواطن التى كُرِّمَتْ فيها المرأة أو رُجِّحت على الرجل، أو انفردت بها من دون الرجل، وقسم مبحثه إلى 8 مطالب، كل مطلب منها يبحث بابًا من أبواب علم الميراث، وهى: «تكريم المرأة فى باب الحقوق المتعلقة بالتركة، تكريم المرأة فى بَابَيْ الوارثين والوارثات، تكريم المرأة فى باب الفروض المقدرة، تكريم المرأة فى باب التعصيب، تكريم المرأة فى باب الحجب، تكريم المرأة فى باب المُشرَّكة، تكريم المرأة فى باب الأكدرية، تكريم المرأة فى باب العول».