في الإسكندرية العاصمة الثانية وعروس البحر الأبيض المتوسط مدينة الإسكندر الأكبر، مدينة تجمع ثقافات عديدة وحضارة وأولياء لله أو كما يطلق عليها مدينة كوزموبوليتان، كتب فيها الكثير من الاشعار وغني له المطربين وقام المبدع يوسف شاهين بعمل درامي يحمل اسمها، "اسكندرية ليه". في هذه المدينة الساحرة سمعنا عن قصة نقلتها لنا مواقع التواصل الاجتماعي عن قصة سيدة عجوز دخلت إلي الكوافير وبعد ذلك خرجت ترتدي فستان زفاف وتمشي وحدها في الشارع فسألها أحد رجال الإسكندرية المشهورين بالجدعنة وخفة الدم أين عريسك؟ فقالت له لا يوجد عريس، فابتسم وقال لها أنا عريسك، وبدأتالناس يجتمعون حولها وتزفها في الشارع حتى وصلوا إلى قاعة أفراح ووجدوا أن هناك قاعة محجوزة باسمها فعلا، وبدأوا يدعون أصدقاءهم ومعارفهم للاحتفال لأن العروسة لا يوجد لديها أقارب أو معارف. تكلمت العروس وقالت بعد صمت طويل وهي تجلس في الكوشة أخيرا حققت حلمي، البعض يحكي أيضا إنها أيضا اشترت عفش ورممت شقتها، الحكاية تبدو طريفة ولكنها عميقة جدا وإنسانية جدا وتطرح عدة مشاكل في المجتمع بطريقة غير مباشرة، الأغلبية من من سمعوا الحكاية أو قرأوا عنها يتساءلون ما الذي دفع السيدة العجوزة للإقدام على هذا الفعل؟ البعض قال إنها مريضة نفسية وتقوم بفعل تصرفات به هوس البعض الآخر تعاطف وقال إنها كانت تحاول إسعاد نفسها وتحقيق حلمها بلبس فستان الزفاف والجلوس في الكوشة، الحلم الذي تحلمه كل إمراة مهما بلغ قدره أو شأنها، كما غنت الجميلة نانسي عجرم في أغنيتها الشهيرة يا بنات:مش خايفة ليه من الزفة من صغرك فاهمة وعارفة، عايزة الطرحة يا عروسة من وانتى يادوب فى اللفة. البعض طرح على سؤال هل تؤدي العنوسة إلى مرض نفسي؟ وما هي أسباب ارتفاع معدل العنوسة في مصر؟ هناك أمراض نفسية مرتبطة بثقافة المجتمع ومفاهيم يختلف تعريفها من مكان لآخر، حتى في نفس البلد، ويتناول علم النفس الاجتماعي تحليل هذه الظواهر والمصطلحات، ويتناول الطب النفسي الثقافي، والذي زاد الاهتمام به في العشر السنوات الأخيرة؛ نظرا لثقافة العولمة السائدة، وأن العالم أصبح قرية صغيرة، ومن الممكن أن يذهب الطبيب إلى أي منطقة في العالم بسهولة، وأن يعالج عن طريق الإنترنت والتليفون، فيجب عليه أن يتعرف على مختلف الثقافات، ولذلك علينا فهم مفهوم العنوسة في مختلف أنحاء العالم. دراسات نادرة حول الظاهرة نأتي إلى العنوسة والوصمة التي توصم بها الفتاة في العالم العربي بسببها، فمصطلح العنوسة يختلف في مصر من مكان إلى الآخر، فالعانس في الأرياف والصعيد الجواني والبدو هي التي تخطت الواحد العشرين ولم تتزوج بعد. أما في القاهرة والحضر فهي التي تخطت الثلاثين ولم تتزوج بعد، العانس في الصعيد والريف الجواني مرتبطة بالدمامة وعدم الجمال أو الإصابة بالإعاقة والتشوه، أما الحضر والقاهرة فالعنوسة للأسف تقع بين الفتيات الأكثر تعلماً وثقافة وجمالاً، فتجد نسبة ليست بالقليلة من الطبيبات ومعيدات الجامعة والصحفيات والموظفات في شركات متعددة الجنسيات، ولكنهن لم يتزوجن بعد. مفهوم العنوسة في شمال أفريقيا كله مماثل لنظيره في مصر، وكذلك الشام، أما في الخليج فالعنوسة في السعودية والكويت تبدأ من 24 في الحضر والمدن، ومن 20 في البدو. أما في الولايات المتحددة وأوروبا، فالعانس هي التي تخطت العشرين ولم تقع في علاقة حب رومانسية أو ما زالت عذراء أو عازبة وليس لديها أولاد من حبيبها. وقد حاولت أن أجد أبحاث أجنبية حديثة عن نفسية العانس أو الأمراض النفسية التي قد تصيب العانس، فوجدت أن الأبحاث قليلة وغير حديثة، لأن خبراء علم النفس والطب النفسي الأوروبيين لا يعترفون بوجود هذه الظاهرة عندهم، فالعلاقات بين الجنسين مفتوحة ولا يوجد بها ضوابط ومعايير، ولا اهتمام بالشكليات التي يهتم بها العالم العربي. تشير دراسة أجراها مركز الخليج للبحوث الاجتماعية في الدوحة عام 2012 أن عدد الفتيات اللواتي تخطين سن 24 ولم يتزوجن في العالم العربي يقارب 30 مليونا، وأن ثلثهم في مصر حوالي 9 ملايين، وأن حوالي 10 ملايين من هؤلاء الفتيات تخطت أعمارهن سن 35 عاما. وتجمع أغلب الدراسات أنه كلما اقترب العمر من الأربعين قلت أو انعدمت فرص الزواج. كليشيهات العنوسة تسمع تفسيرات عديدة لهذا الموضوع، وأظن أنكم سمعتم منها الكثير، وهي: أصلها طالعة في العالي ومش عاجبها حد. مركزة في الماجستير والدكتوراة. جادة أوي وماحدش بيعرف يتكلم معها. شخصيتها قوية والناس بتخاف تقرب منها. ناجحة في عملها ومشهورة وده هيخلي ماحدش يتقدم لها عشان الراجل بيحب يبقى مسيطر. مرتبها كبير فترفض عشان الناس طمعانة فيها. جميلة بزيادة وده بيخلي الرجالة تقلق، خصوصًا إن الرجل غيور وما يحبش حد يبص لمراته. مثقفة وبتحب الشعر والمسرح والروايات والرجالة مش غاوية الكلام ده. متحررة جدا وشغلها فيه اختلاط ومفيش عندها قواعد. أهلها مهمين وأغنياء والتعامل معهم صعب وعايزين مستوى معين. مش مهتمة بنفسها ومظهرها ومهتمة بالشغل بس. ثورية ودماغها لاسعة. مش عايزة تسافر برة مصر ورفضت أغلب العرسان اللي بيشتغلوا في الخليج. بتكمّل دراستها برة مصر وعايزة عريس يوافق على كده، وطبعا أم العريس مش موافقة على الكلام ده. خايفة من فشل تجربتها كما فشلت الكثير من تجارب صحباتها. كما ذكرت وجدت أن الأبحاث الأجنبية قليلة جدا، ولكني وجدت رسالة للباحثة هبة متولي، مقدمة لنيل درجة الماجستير في الآداب من الجامعة الأمريكية قسم الصحافة والإعلام تتكلم عن دور الإعلام في رسم صورة ذهنية سلبية عن المرأة العازبة، ورصدت الدراسة أيضا التأثير النفسي على العانس بسبب نظرة المجتمع لها. الباحثة بذلت مجهودا كبيرا جدا، فرصدت وأحصت وأجرت أكثر من استطلاع ومقابلات في محافظات كثيرة ورصدت مشكلة العنوسة منذ القدم عند الفراعنة حتى الآن. مجهود بحثي يشبه ما نفعله في الأبحاث والرسائل التي نجريها في كليات الطب. اتبعت منهج علمي. وآمل أن تتم ترجمة الرسالة للغة العربية لأن الرسالة باللغة الإنجليزية. وهناك ترجمة فقط للاستبيان. وعن نفسي رصدت في عيادتي أعراض اكتئاب تفاعلي وقلق وتوتر مرتبط بالعنوسة، وتأخر سن الزواج، وأسباب الضغط والقلق عديدة، منها نظرة المجتمع وضغط الأهل المستمر والخوف من تأخر سن الزواج، وتأثير ذلك على تقليل فرص الحمل. بجانب أيضا أمهات يعانين من القلق الشديد بسبب تأخر زواج بناتهن. عندما أبدأ في التحدث معهم ومع الأهل أو الفتاة، وتبدأ جلسات العلاج بالفضفضة. تجد بعض منهن تسأل: (دكتور ممكن أسأل حضرتك سؤال بدون إحراج؟) أقول لها: (تفضلي)، وبنسبة 90% أكون عرفت السؤال قبل أن يُسأل. السؤال هو: (حضرتك متجوز ولا كنت متجوز وطلقت ؟) الإجابة تأتي بلا، وأغلق باب الأسئلة، وأبدأ في تحويل الموضوع إلى نقاش في موضوع آخر، لأن السؤال التالي سوف يكون: (طيب لماذا لم تتزوج حتى الآن؟ وعندك شقة؟ وساكن فين؟ وعربيتك نوعها إيه؟ ومواصفات العروسة؟) وتكون المفاجأة عندما يبدأون في عرض مجموعة من الصور وأرقام تليفونات أهل العروسة. كل هذا يفسر ما قامت به السيدة العجوزة أنها لا تكذب ولكنها تتمني وتحلم، ارحموها واتركوها تحلم وتفرح حتي لم لا يكون فرح حقيقي،