ليلة نعق فيها الغراب، وملأ صوته جنبات بيت؛ لتعصف ريح حاملة قبضة قلب لأم ثكلى ليذرف دمعها دون مقدمات، وعلى شاشة التلفاز ترى صورة لشباب مقطعة رءوسهم، وإذا بها تتفحص الصورة بعد أن رأت ملابس ابنها المجند "عبدالفتاح عبدالحميد" وتتفحص الرءوس المتطايرة، وتزداد قبضة قلبها وتغرورق عينها رويدا رويدا، ومع نبرة صوت المذيع يعلن أسماء الشهداء الذين لقوا مصرعهم وبلغ عددهم "25" مجندًا تسمع اسم فلذة كبدها الشهيد المجند "عبدالفتاح عبدالحميد" من محافظة الشرقية. إثر سماعها الخبر سقطت على الأرض مغشيًا عليها لتجتمع الأسرة فردًا فردًا حول التلفاز غير مصدقين، حتى يأتى اتصال من هيئة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة تبلغهم باستشهاد ولدهم فى حادث إرهابى على طريق رفح. يمر يوم تلو الآخر، ونار ذوي الشهداء لا تهدأ، لتنتشر الأسئلة كالوحوش التى تنهش رءوسهم، من المنفذ ومن أين؟! لتطالعنا أشرطة الاخبار أن منفذ العملية هو الإرهابي "عادل حبارة" والذى يقطن قرية الأحراز التابعة لمركز أبو كبير. الأعين محدقة، الأفواه مفتوحة واللهيب يحرق قلوبهم، بات ذلك حال أسرة الشهيد مجند "عبدالفتاح عبدالحميد" ابن قرية المهدية التابعة لمركز ههيا والملاصقة لقرية "حبارة"، لتنطلق الأعيرة النارية المهددة بالانتقام ولكن حبارة لاذ بالفرار بعد مهاجمة قوات الأمن له فى منزلة بقرية "الأحراز". وبالهرب من جحر لآخر يقع الثعبان تحت قدمى الصقر، لتلقى قوات الأمن القبض عليه وبعد محاكمات عدة، يصدر قرار إعدامه شنقًا ليتبعه تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسى على القرار نفسه، لتثلج قلوب أمهات ثكلى وآباء حرموا من فلذات اكبادهم، لتكون الكاميرات لقنوات أجنبية وعدسات لفضائيات مصرية تسجل اللحظة التاريخية لدفن الإرهابى "عادل حبارة". وتأتى المفارقة، فبجوار قبره يرقد الشهيد الذى قتله والذى لم تغفر له صلة دم أو جوار مكان أو قسمات وجه أن يستثنيه من القتل، وهو ما جعل أم الشهيد المجند تصرخ مطالبة بعدم دفن حبارة القاتل بجوار ولدها إلا أن طلب الأم لم يجد صداه ودفن القاتل والمقتول في بقعة واحدة، وكأن الارض لم تفرق بين جثة وأخرى لتستقبل الشهيد ومن اقترف الذنب، ولكن على كل باب وضع اسم المتوفي وأمام كل مقبرة دليل على من فيه، فالخضرة تملأ محيط قبر الشهيد وكل من يغدو ويروح يتمتم بالآيات ويختمها بالترحم عليه، والآخر قبر أقفر تفوح منه رائحة الخيانة وتتطاير أمام اعين الناس قطرات دماء ابن بلدهم الذى ينتمى لنفس جيل "حبارة". "فالدم المغدور والوطن الذى خانه" بات عنوان سيرة حبارة فى حياته قبل مماته.