يظن البعض أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بمظاهرها المختلفة،هو عادة تقتصر على المصريين فقط، لكن الواقع عكس ذلك، حيث تتسم بلدان المغرب العربي بعاداتها الخاصة وطقوسها التي تتفرد بها في الاحتفال بهذه الذكرى العطرة، وفي تونس مظاهر منها ما هو يتشابه مع مصر مثل الاحتفالات والاذكار وبعض المأكولات الشعبية وزيارة الاضرحة وما يختلف عنها في اسلوب وطريقة الاحتفال وطبيعة الاكلات الشعبية حيث تعتبر العصيدة الزقوقو التونسية أشهر الاكلات بهذه المناسبة فيما تغيب عرائس المولد التي ليس لها مكان في تونس. تشير كتب التاريخ في تونس الى أن تونس هي أول من شهد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عام 912 ميلادية حيث تم الاعلان عن تأسيس الدولة الفاطمية في مدينة المهدية التونسية، وذلك قبل فتح الفاطميين لمصر عام 969 ميلادية وتأسيس القاهرة التي اتخذوها مركزا لنشر ثقافتهم وعاداتهم الروحية. تقول نجاة الهمامي المسئولة بوزارة الشئون الدينية التونسية لموفد وكالة أنباء الشرق الاوسط بتونس إن مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في تونس على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي كبيرة جدا، حيث تعم تلك المظاهر ربوع المساجد في عموم البلاد يسبقها عمليات ترميم وتزيين للمساجد واعادة كسوة اغلبها بسجاجيد جديدة، حيث تحتضن لندوات وحفلات ذكر يحضرها كبار المسئولين في الدولة بداية من رئيس الجمهورية وحتى الوزراء والنواب والولاة وحتى افراد الشعب. وأضافت ان تونس تشهد احتفالين رئيسيين بهذه المناسبة الاول في مسجد الزيتونة بالعاصمة ويكون في اليوم الذي يسبق موعد المولد النبوي الشريف ويحضره رئيس البرلمان وعدد من الوزراء ونواب الشعب وكبار المسئولين، والاخر يكون بمسجد عقبة بن نافع بمدينة القيروان ويحضره رئيس الدولة وعدد اخر من الوزراء ويتم ايضا دعوة سفراء الدول الاجنبية في تونس. وأوضحت ان المساجد تعمر بحفلات الذكر المحمدية والسيرة النبوية ومسابقات كبرى لحفظ القرآن والحديث والسنة، وتلاوة قصيدة "الهمزية" في مدح الرسول الكريم للامام البصيري بكل المساجد، لافتة الى ان منطقة القيروان تشهد المظاهر الكبرى للاحتفال بهذه المناسبة العطرة متمثلة في فعاليات دينية وثقافية وتجارية واقتصادية وموسيقية واسواق تقام خصيصا لهذه المناسبة وتنتعش فيها الحركة السياحية من عديد البلدان الاجنبية. ويقول الباحث والمؤرخ التونسي عبد الستار عمامو إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عادة حافظ عليها ملوك وزعماء وورؤساء تونس منذ قرون عديدة، تمتد الى العهد الفاطمي سنة 900 ميلادية أي منذ اكثر من الف ومائة عام عندما ادخلها الفاطميون الذين يعتبرون انهم يستمدون شرعيتهم من آل البيت. وأضاف ان بعض المتشددين يروج ادعاءات بان الاحتفال بمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم بدعة محرمة الا ان علماء الدين والمؤرخين في تونس يعتبرونها "بدعة حسنة" باعتبارها مناسبة لتكريم سيد المرسلين وتكريس البعد الديني لدى الناشئة، مشيرا الى انه منذ العصور الوسطى اعتاد الناس في تونس على الاجتماع ليلة المولد الموافق 12 ربيع الثاني في مقامات الأولياء الصالحين والمساجد لسرد السيرة النبوية وترديد قصائد في مدح الرسول. وأوضح أن العثمانيين حافظوا على هذه العادات من بعد قدومهم إلى تونس بعد سقوط الدولة الفاطمية بنحو نصف قرن بل أضافوا عليها طابعا رسميا بتنظيم مواكب في قصور البايات (الباي لقب يطلق على حاكم تونس وهو لقب اقل من الباشا والخديوي ويمنحه السلطان العثماني) ويدعو إليها كبار رجالات الدولة والائمة والوعاظ وأمراء ووجهاء البلاد في تونس. وأشار الى انه من مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي في تونس القديمة انه كان عندما يصل الراوي داخل المسجد الرئيسي بالزيتونة لسيرة النبي عليه افضل السلام الى قيام السيدة آمنة بوضع الرسول (ص) فكانت المدافع تطلق خارج اسوار المساجد ويرفع الاذان وتتبخر المنازل وتشرع النساء في طهي المأكولات الشعبية المعروفة في تونس مثل العصيدة وهي الاكلة التي يروى ان السيدة أمنة أم الرسول قد طهتها بعد مولده وذلك تباركا وتفاؤلا بهذه الاكلة. وتقول هاجر بن حسن وهي من سكان مدينة بنزرت التونسية الساحلية، إن مظاهر الاحتفال بميلاد النبي صل الله عليه وسلم في تونس كبيرة، مشيرا الى ان غالبية التونسيين يذهبون الى الاسواق قبل موعد المولد بيوم لشراء مستلزمات الاكلات التي يتم صنعها خصيصا لهذه المناسبة مثل "العصيدة" وهي اكلة شعبية في تونس اشبه بأكله المكسرات في مصر ومكونة من الفواكة والدقيق والحليب والسكر والبيض وهي أكلة لها اشكال مختلفة بحسب الجهة والمنطقة لكن الاشهر منها في هذه المناسبة هي عصيدة الزقوقو وهي اكلة يضاف اليها حبوب سوداء اشبه بحبوب القمح ويتم طحنها واضافة الماء والسكر والبندق والمكسرات عليها. وأضافت أن الاجواء تكون احتفالية داخل المنازل التونسية وعلى المستوى العائلي والاهل والاقارب والجيران حيث يتم تبادل اكلات العصيدة التونسية، كما يتم عمل احتفالات كبرى داخل المساجد عامة والمساجد الرئيسية خاصة في الزيتونة والقيروان حيث مسجد عقبة بن نافع وتتلى الاناشيد والاحاديث والمدائح وتجرى المسابقات ويحرص ان يشارك فيها الاطفال حتى ينشأوا على حب الرسول الكريم. ولخص المهدي بن عمرو –اعلامي تونسي- العادات التونسية للاحتفال بالمولد النبوي الشريف في 3 مظاهر رئيسية، الاول رسمي يتمثل في مشاركة رئيس الدولة والوزراء والولاة وكبار المسئولين لبعض الفعاليات في المساجد الرئيسية مثل الزيتونة وعقبة بن نافع او غيرها من المساجد، وتكون هذه الفعاليات بها بعض الذكر والاناشيد وتنظيم المسابقات لحفظ القران والحديث. وأضاف ان المظهر الثاني يتمثل في الاحتفال الشعبي بهذه المناسبة وتتمثل ايضا في المديح والاناشيد في اغلب المساجد التونسية وذكر السيرة المحمدية ويحبب فيها مشاركة الاطفال، أما المظهر الثالث فهو اشبه بالعادات والتقاليد التونسية القديمة المتمثلة في صنع بعض الاكلات الخاصة مثل عصيدة الزقوقو التونسية ويتم تبادلها بين الاهل والجيران والاقارب. وأشارالى أن فئة قليلة من التونسيين تحبذ زيارة الاضرحة لاولياء الله الصالحين في تونس ومنها اضرحة سيدي بلحسن الشاذلي بتونس العاصمة وسيدي بوسعيد الباجي بمنطقة سيدي بوسعيد وسيدي ابولبابة الانصاري بولاية قابس وسيدي منصور بولاية صفاقس.