الاحتفال بالمولد النبوي الشريف دائمًا ما يثير خلافات بين الفقهاء، ولكن المسلمين في كل مكان يحتفلون مع اختلاف طريقتهم. في مصر مثلا، بدأ الاحتفال بالمولد من عهد الفاطميين حيث كان الخليفة الفاطمي يخرج راكبا حصانه ومن خلفه سيدة القصر في هودجها في موكب مهيب يبدأ من قصر الخلافة وحتي مشهد الحسين بن علي بالقاهرة. ومن هذا الموكب ظهر مايعرف بحصان المولد وعروسة المولد المصنوعين من السكر. وتطور الاحتفال بهذا الحدث حتي صار من أهم الأعياد عند المصريين، حيث يحتفلون به بشراء "حلاوة مولد النبي" التي يبتكرون منها أنواعًا جديدة كل عام وعلي رأسها السمسمية والفولية والمبروشة. الحصان المصري ومن العادات المصاحبة لهذا اليوم موكب الحصان الذي كان حتي وقت قريب منتشراً في أغلب البلدان المصرية، ولكن نراه في كل عام بشكل رئيسي متحركا من منطقة الدراسة ويسير في شارع الأزهر حتي يصل إلي مشهد الحسين بالقاهرة وهوعبارة عن حصان مزين بملابس عليها ذكر الله وأسماء الخلفاء الراشدين الأربعة والصلاة علي محمد نبي الإسلام ويلتف حوله زعماء الطرق الصوفية حاملين الرايات ويحتشد الآلاف سنويا عند مشهد الحسين في هذا الوقت. كما اشتهرت مصر بخيام المولد النبوي حيث كانت تشهد تلك الخيام تواجداً للفرق البهلوانية، وفرق السيرك، إلا أن المتعارف عليه أن عدلاً بأس به يتوجه إلي مسجد السيد الحسين والسيدة زينب للدعاء هناك، إضافة إلي أن الكثير يعد الأمسيات الشعرية في مدح الرسول، والأمسيات الثقافية التي تروي السيرة النبوية. وسيلة النجاة وكعك القنديل وتعد تركيا ثاني أكبر دولة اسلامية تحتفل بذكري مولد النبي حيث تحظي باهتمام كبير منذ عصر السلطان مراد الثالث وحتي نهاية السلطنة العثمانية. ومن أبرز مظاهر الاحتفال المعروفة حتي اليوم انشاد القصيدة الشعرية الطويلة المسماة ب"وسيلة النجاة" أومولد النبي التي كتبها الشاعر سليمان شلبي في مدح رسول الله صلي الله عليه وسلم، والتي ما زالت تقرأ في ذكري المولد في كل التجمعات التي تعرف اللغة والثقافة التركية والذي يقام عادة في الجوامع والمساجد والجمعيات الأهلية ويأخذ أشكالا أدبية مثل: إلقاء الكلمات والقصائد الشعرية، وتنظيم مسابقات ثقافية بين الشباب، وتوزيع الهدايا العينية والمعنوية للفائزين. ومنذ تحول نظام الدولة إلي العلمانية، أصبح الاحتفال لا يأخذ أي طابع رسمي، وذلك بفعل التطبيقات العلمانية التي تمنع الاحتفالات الدينية. وعلي المستوي الشعبي بالمدن والمحافظات الريفية التركية يباع كعك يسمي ب"قنديل سميطي: كعك القنديل" وهورمز وإشارة للقناديل التي كانت تضاء بها مآذن الجوامع في الماضي. هذا الكعك يكون علي شكل حلقات مطعمة بالسمسم توضع في علب كرتونية صغيرة تباع علي قارعة الطرق وفي المخابز ومحلات بيع الحلويات يتهادي بها الناس فيما بينهم. أما في المنازل والبيوت فتتجمع السيدات والبنات وقت صلاة الظهر وحتي وقت العصر لقراءة آيات من الذكر الحكيم والصلاة، وفي المساء تتجمع العائلات بعد صلاة المغرب لتناول الطعام الجماعي وأداء صلاة العشاء معا رجالا ونساء وأطفالا، ويقرأ القرآن الكريم، ومن ثم يدعوالحضور باريهم ويطلبون الجنة والشفاعة. السبحة الألفية وفي السعودية، تعد الأسر المكية في السعودية والتي انتقلت منها العادة إلي مدينة جدة هي الأكثر تفاعلاً مع المناسبة، حيث جرت العادة في هذا اليوم أن تتجمع نساء الأسرة الواحدة في أحد البيوت لتلاوة القرآن والصلاة علي النبي وترديد التواشيح الدينية. أما الرجال فيجتمعون لسماع محاضرة عن السيرة النبوية للتعرف إليها أكثر، وتختتم الجلسة بالدعاء للأمة الإسلامية. وهناك ما يسمي السبحة الألفية والتي عرفت في بلاد الشام، والمتوارثة عن العهد التركي وكثيرا ما تكون هذه السبحة متواجدة في هذا اليوم مع بعض السيدات اللواتي يحرصن علي التسبيح عليها. العصيدة التونسية رغم تغير العادات في تونس، مازالت الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف تحتل مكانة متميزة في حياة التونسيين، حيث تستعد العائلات التونسية لهذه المناسبة قبل أيام، وتخصص لها موازنة خاصة، مثلها مثل بقية الأعياد الدينية. وتتميز الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، بطهي "العصيدة" التي تحضر بعجينة فاكهة "الزقوقو" التي يكاد يقتصر استخدامها علي المولد النبوي أوحب الصنوبر الحلبي. ويوم المولد النبوي الشريف، تتبادل العائلات التونسية الزيارات، وأواني "العصيدة". المزخرفة بإتقان، وهوعنصر أساسي، يرمز إلي صفاء القلوب وعمق الروابط العائلية. كما يجلب الشبان الي خطيباتهم، الهدايا او"الموسم"، الذي يعتبر فرضية علي كل رجل، في هذه المناسبة الدينية. وتتحول مدينة القيروان، خلال "المولد" وقبله، الي مزار للتونسيين، والضيوف العرب. وتقام الندوات واللقاءات والمسامرت الدينية. وتتزين المدينة استعدادا لاستقبال ضيوفها.