السفير ماجد عبدالفتاح يكشف تفاصيل موافقة 143 دولة على منح فلسطين عضوية الأمم المتحدة    اتهام جديد ل عصام صاصا بعد ثبوت تعاطيه مواد مُخدرة    النائب شمس الدين: تجربة واعظات مصر تاريخية وتدرس عالميًّا وإقليميًّا    تراجع عيار 21 الآن.. سعر الذهب في مصر اليوم السبت 11 مايو 2024 (تحديث)    القانون يحمى الحجاج.. بوابة مصرية لشئون الحج تختص بتنظيم شئونه.. كود تعريفى لكل حاج لحمايته.. وبعثه رسمية لتقييم أداء الجهات المنظمة ورفع توصياتها للرئيس.. وغرفه عمليات بالداخل والخارج للأحداث الطارئة    زيادات متدرجة في الإيجار.. تحرك جديد بشأن أزمة الإيجارات القديمة    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن قمح    وزير الرى: الانتهاء من مشروع قناطر ديروط 2026    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    بلينكن يقدم تقريرا مثيرا للجدل.. هل ارتكبت إسرائيل جرائم حرب في غزة؟    يحيى السنوار حاضرا في جلسة تصويت الأمم المتحدة على عضوية فلسطين    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو بالدعوة لإنشاء إدارة مدنية لقطاع غزة    مجلس الأمن يطالب بتحقيق فوري ومستقل في اكتشاف مقابر جماعية بمستشفيات غزة    نائب بالشيوخ: موقف مصر ثابت تجاه القضية الفلسطينية    سيف الجزيري: لاعبو الزمالك في كامل تركيزهم قبل مواجهة نهضة بركان    محمد بركات يشيد بمستوى أكرم توفيق مع الأهلي    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    الاتحاد يواصل السقوط بهزيمة مذلة أمام الاتفاق في الدوري السعودي    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    المواطنون في مصر يبحثون عن عطلة عيد الأضحى 2024.. هي فعلًا 9 أيام؟    بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن حالة الطقس اليوم: «أجلوا مشاويركم الغير ضرورية»    أسماء ضحايا حادث تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    إصابة 6 أشخاص إثر تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    مصرع شاب غرقًا في بحيرة وادي الريان بالفيوم    عمرو أديب: النور هيفضل يتقطع الفترة الجاية    حظك اليوم برج العقرب السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    حظك اليوم برج العذراء السبت 11-5-2024: «لا تهمل شريك حياتك»    بتوقيع عزيز الشافعي.. الجمهور يشيد بأغنية هوب هوب ل ساندي    النجم شاروخان يجهز لتصوير فيلمه الجديد في مصر    رد فعل غريب من ياسمين عبدالعزيز بعد نفي العوضي حقيقة عودتهما (فيديو)    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    5 علامات تدل على إصابتك بتكيسات المبيض    لأول مرة.. المغرب يعوض سيدة ماليا بعد تضررها من لقاح فيروس كورونا    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    الطيران المروحي الإسرائيلي يطلق النار بكثافة على المناطق الجنوبية الشرقية لغزة    الخارجية الأمريكية: إسرائيل لم تتعاون بشكل كامل مع جهود واشنطن لزيادة المساعدات في غزة    تفاصيل جلسة كولر والشناوي الساخنة ورفض حارس الأهلي طلب السويسري    مران الزمالك - تقسيمة بمشاركة جوميز ومساعده استعدادا لنهضة بركان    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    «آية» تتلقى 3 طعنات من طليقها في الشارع ب العمرانية (تفاصيل)    نيس يفوز على لوهافر في الدوري الفرنسي    انخفاض أسعار الدواجن لأقل من 75 جنيها في هذا الموعد.. الشعبة تكشف التفاصيل (فيديو)    تراجع أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 11 مايو 2024    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    طولان: محمد عبدالمنعم أفضل من وائل جمعة (فيديو)    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    وظائف جامعة أسوان 2024.. تعرف على آخر موعد للتقديم    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    إدراج 4 مستشفيات بالقليوبية ضمن القائمة النموذجية على مستوى الجمهورية    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    لماذا سمي التنمر بهذا الاسم؟.. داعية اسلامي يجيب «فيديو»    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة رأس الحسين بمصر المحروسة
نشر في المسائية يوم 30 - 10 - 2010

الفاطميون اشتروا الرأس من حاكم عسقلان بثلاثين ألف قطعة ذهبية
قام بالرحلة
حسين الطيب
تزينت مصر وتجملت وتجمع اهلها واصطف القاصي والداني والصغير قبل الكبير ورفرفت الأعلام وأضيئت المصابيح انتظارا وشوقا لحضور رأس سيدنا الحسين إليها وكان ذلك مع منتصف العام الثامن والأربعين بعد المائة الخامسة من الهجرة وبينما كانت مداهمات الحملات الصليبية تشتد علي الأراضي الشامية وسقوط الكثير منها تحت وطأة الخيانات الخسيسة لبعض حكام الولايات الاسلامية..وترامت الي الأسماع أن الصليبيين لا يحملون في صدورهم أي تقدير للمقدسات الاسلامية بل إنها أصبحت محل انتهاك وتخريب علي يد جنود جاءوا الي الشرق طمعا في كنوزه ولياليه الزاخرة بالنساء "البيض الحسان" مما أوجس القلق والخوف داخل نفس الوزير الفاطمي ابن طلائع الذي لقب بالصالح طلائع متحكما في أمر الحكم المصري بعدما استطاع الحفاظ علي جدران الدولة الفاطمية بعد مقتل الخليفة الظافر حيث كثرت الفتن وتهدد القصر الفاطمي فبعث له نسوة القصر يستنقذن به في الأخذ بثأر الظافر فسار طلائع يريد القاهرة لمحاربة الوزير نصر بن عباس قاتل الظافر والذي فر من أمامه ليدخل طلائع القاهرة ويتسلم الوزارة ونعت منذ ذلك الحين بالملك الصالح فارس المسلمين نصير الدين . واستبد بالأمر لصغر سن الخليفة الفائز ومنذ ذلك الأمر أصبح الوزير ابن طلائع ذا كلمة نافذة في حكم الشئون الفاطمية ولأنه كان عالما ومؤلفا وشاعرا وقارئاً للتاريخ وقبل كل ذلك شيعيا من أخمص الرأس حتي القدمين فقد أرقه انتهاك حرمة قبر رأس حفيد رسول الله الحسين بن علي بن أبي طالب بعسقلان والذي كانت استقرت به بعد قرابة نصف القرن من موقعة كربلاء الحزينة عام 61 هجريا عن عمر يناهز السابعة والخمسين حيث طاف قتلة الحسين برأسه الشريف علي أسنة الرماح بعدما اجتزها شمر بن ذي الجوشن وذهب بها الي يزيد بن معاوية في الشام لينال مكافأته بولاية احدي المدن الاسلامية فأمعن يزيد في فعلته الشنعاء وعلق الرأس علي أبواب منازل المشتركين في المعركة بدمشق ليزيد الناس ارهابا .. وقد وجد الرأس بخزائن السلام بدمشق بعد وفاته وذلك بعد الطوفان بها المدن الاسلامية لتستقر كما ذكر المؤرخون بعسقلان حيث دفن هناك في تلك المدينة الساحلية بفلسطين وحتي يكون بعيداً كل البعد عن نصرة الحسين وأتباعه فاستقرت هناك قرابة الخمسة قرون حتي اشتد وطيس الحملات الصليبية علي فلسطين فخاف الصالح طلائع وكان شيعيا شديد التشيع مثلما كان مشهورا عن بيت الخلافة الفاطمية بمصر فأوعز النصح للخليفة الفائز وأجزل في نصحه له بالتفاوض مع بلدوين الثالث قائد الحملة الصليبية علي عسقلان بدفع مبلغ مالي كبير مقابل الحصول علي الرأس الشريف واعادة دفنه بمصر خاصة وأن ابن طلائع كان علي علم بالأوضاع المالية السيئة للحملة وشدة احتياجها للمال لتدبير المؤن لهم.
أهل مصر يحتفلون بمولده يوم دفنه بمصر وليس لتاريخ ميلاده
انفراد: بنشر صورة تابوت رأس الحسين في العهد الفاطمي
المصريون يخلعون أحذيتهم لاستقبال الرأس بالصالحية
جامع الحسين كان قصر الحكم الفاطمي ولم يكن مسجداً
وبعد عدة جولات مكوكية من المفاوضات استخدم فيها ابن طلائع كل حيل الترغيب والحجج والأسانيد اتفق ابن طلائع علي أن يدفع الفاطميون ثلاثين ألف قطعة ذهب ( دينار) مقابل الرأس الشريف وبالفعل تمت الصفقة بين الطرفين وذهب الأمير الأفضل ابن أمير الجيوش بدر الدين الجمالي فوقف علي القبر حتي استقر عند الرأس الشريف فحمله علي صدره من عسقلان في يوم الأحد الثامن من جمادي الآخرة لتصل يوم الثلاثاء العاشر من نفس الشهر الموافق العام 548 الموافق يوم 31 أغسطس عام1153 ميلاديا وقد سار بها في موكب مهيب تقشعر له الأبدان وتخلج له جنبات الصدور وتنتشي بعزته كل فخور فرحا بنقل الرأس الشريف إلي مصر المحروسة التي كانت وستظل إلي أبد الآبدين كنانة آل بيت رسول الله في الأرض وقيل أيضا إن الذي وصل بالرأس من عسقلان الأمير سيف المملكة تميم واليها.. وفي اليوم المشهود خرج السلطان الفائز بصحبة الصالح طلائع لاستقبال الرأس الشريف عند مدخل مدينة الصالحية وقد اتخذت مصر زينتها وتهيأت وتعطرت وارتدت ثوب الفرحة واكتست بوشاح السرور وعلي كل باب أضيأت المصابيح استقبالا لشرف الرأس الحسيني وابتهاجا بتشريفه الديار المصرية .. واجلالا لشرف الاستقبال قام المصريون بخلع نعالهم حتي لم يكن بينهم من هو مرتديا نعله وذلك زيادة في اجلال وتقديس الرأس الشريف وهو ما عرف عن الشيعة في معاملاتهم مع أهل البيت وعند الصالحية استقبلها القوم بكل ما تعرفه البشرية من مباهج الفرحة والمحبة السمو الروحاني الذي كان مسيطرا علي أهل مصر في ذلك الوقت انتظارا لوصول الرأس اليها .. وعلي الفور جرت مراسم التسليم الشريفة عند حدود الصالحية ليحملها الموكب السلطاني وتوضع في كيس من الحرير الأخضر وتحمل علي كرسي من الأبانوس وتسير ويسير خلفها كل من فيه الروح بأرض مصر فرحين مهللين مكبرين من الصالحية وحتي بوابة مسجد طلائع الذي كان تحت الإنشاء حيث تم بناؤه خصيصا ليدفن به رأس الحسين .. ولم يكن الرأس يمر بقرية أو مدينة حتي يلقي لها الأهالي والأحباب بالورود والعطور والرياحين فكان الرأس يرد عليهم نفحات الطيب والعطر الذي انتشر بأرجاء المحروسة من روائح آل بيت النبوة , وكأن كل مراقد آل البيت في كل قري ونجوع مصر قد هبوا من مراقدهم ليكونوا في شرف استقبال سيد شهداء أهل الجنة الحسين بن علي الحاصل علي جراءة جده نبي الله عليه وعلي آل بيته أجمل تحية وأشرف تسليم وأتم صلاة الي يوم الدين وأقرب آل بيت النبي شبها لجده المصطفي .
المراسم الجنائزية للدفن بمصر
وسادت احتفالات المصريين بقدوم الرأس أياما وليالي حتي استقرت بمسجد طلائع في كيسه الحريري الأخضر الذي بناه لينال شرف افتخار دفن الرأس الشريف به وهو أحد ثلاثة مساجد معلقة بمصر ولعل الناظر الي المسجد يشعر وكأنه قد بني علي استعجال حتي يحوي ثراه الرأس مما يؤكد أن المصريين لم يكن لهم تخطيط مسبق في الحصول علي رأس الحسين ولكن الحملات الصليبية هي التي جعلت من الحصول علي الرأس حتمية لابد منها فأمر ابن طلائع ببناء المسجد خارج القاهرة وفي الجهة الشرقية المقابلة لباب زويلة وكأن المسجد قد بني ليرقد به الرأس ناظر علي بوابة القاهرة القديمة .. وأخيرا تدخل من بوابة المسجد الي ساحته فتوضع علي لوح من خشب معطرة بالمسك وأطيب العطور الزكي ومازالت تلك الخشبة موجودة أعلي واجهة المسجد من الداخل وكأن ابن طلائع وضعها كدرة تاج للمسجد ويعرفها جيدا أهالي الدرب الأحمر بالقاهرة الفاطمية وهم يعرفونها بمغسلة سيدنا الحسين وموجودة بهذا المسجد ويؤيد هذه الرواية ما كشفت عنه الحفائر التي أجريت عام 1945 من وجود مبان بجوار الجهة الشريقة للواجهة البحرية لجامع الصالح طلائع عليها كتابات أثرية منها ( ادخلوها بسلام آمنين ) ومثل هذه العبارة تكتب عادة علي مداخل المدافن ولذلك فإنه من المرجح أن تكون هذه الآية من بقايا المشهد الذي بناه الصالح طلائع مجاوراً لمسجده لكي يدفن فيه رأس الأمام الحسيني كما ذكره ابن دقاق .
ولكن بيت الحكم الفاطمي بمصر لم يرض بأن يدفن الرأس الحسيني بعيدا عن مقر الحكم فدب الخلاف بين الصالح طلائع والخليفة الفائز علي شرف دفن الرأس بالقرب منه حتي استقر الأمر بينهما بأن يغسل الرأس في مسجد طلائع ويدفن في قصر الزمرد .. وهنا نتساءل كيف يغسل رأس الحسين وهو شهيد وأيضا قد مر علي دفنه بعسقلان قرابة الخمسمائة سنة ؟ فكانت الاجابة لدي المؤرخين أن حاكم عسقلان ورسل الخليفة الفاطمي حينما حفروا لاستخراج الرأس من مرقدها وجدوا دماءها لم تجف وكذلك قد تعفرت من التراب المهال فوقها فكان الغسل لها ليس تغسيلا بمعناه المفهوم لدي العامة ولكنه تنظيفا وتعطيرا وتضميدا لجرح مازال ينزف بقلب كل مسلم محب لآل بيت رسول الله .وبعد الاتفاق بين طرفي الحكم بمصر تم حفر نفق يقول المؤرخون إنه مازال موجودا بدايته أسفل باب زويلة ونهايته بمحل دفن رأس الحسين رضي الله عنه بقصر الزمرد أسفل قبة الديلم أسفل دهليز باب الخدمة بقصر الزمرد عند الباب الأخضر والمعروف حاليا بالمئذنة القديمة لمسجد الحسين وذلك لاتمام اجراءات نقل الرأس بعد مكوثه بمسجد طلائع وحتي لايعاد مشهد النقل ثانية بين العامة من الناس حيث تم وضع رأس سيدنا الحسين في الكيس الحريري ووضع علي كرسي من الأبانوس وقيل من خشب الساج صنع له خصيصا و عليه طست من الذهب وكان ذلك عام 549 هجريا ليصبح ذلك اليوم احتفالا لدي شعب مصر معروفا عند الجميع بمولد سيدنا الحسين وهنا نكتشف أن ميعاد مولد الحسين لم يكن يوم مولده وانما يوم دفنه تحت قبة الديلم في مصر وانما ولد الحسين عليه السلام في الخامس من شهر شعبان في السنة الرابعة من الهجرة النبوية الشريف .وبفعل التاريخ تحول مقر الحكم الفاطمي من قصر الزمرد الي مسجد سيدنا الحسين ليكون مقصدا للمسلمين من شتي بقاع الأرض .. ولقد دخلنا من الباب الأخضر نسبة الي الحرير الأخضر الذي يكسو الرأس الشريف ولاحظنا بأسفل المئذنة بشباك من الطوب المسدود وكأنه كان علي شكل طاقة رؤيا من تلك التي كانت معروفة قديما في العمارة الاسلامية. وتم سد الطاقة بعد التجديدات والتوسعات الأخيرة للمسجد عام 1965 حيث كان الشباك يطل مباشرة علي سرداب الدفن الذي يحوي الرأس الشريف في حجرة يتوسطها الطست الذهبي. واعتلي المرقد تابوت خشبي (مقصورة خشبية )من أجود أنواع الأخشاب الهندية ومحفوظة الآن في متحف الفن الاسلامي تحت رقم( 15025) و الذي عثر عليه ملاصقا لجدار الغرفة التي تحت أرض القبة الحالية لهذا المشهد بالقاهرة وصاحب الفضل في العثور عليه المرحوم حسن عبدالوهاب. كما ورد في عبد العزيز مرزوق، الفن الإسلامي في العصر الأيوبي، ص 25.
الأدلة التاريخية علي وجود الرأس بمصر
وبعد رحلتنا مع الرأس الشريف من عسقلان وحتي مدفنها بقصر الزمرد سوف يتساءل الكثيرون والمعرضون والمتشككون في رحلتنا مع الرأس انتهاجا لبعض الأقاويل المكذبة لحقيقة وجود رأس الحسين بمصر وإذا كان البعض يقولون بأن الشيعة قد اخذوا الرأس ودفنوها مع الجسد في كربلاء فنحن نقول لهم إن الأولي لهم أن يأخذوه يدفن تحت ولايتهم وأمام أعينهم وفي مقر حكمهم بمصر وليس من الفطنة أن الذهاب به إلي العراق مقر الحكم العباسي ومعروف ما بين الفاطميين والعباسيين من خلافات وحروب وأيضا لدرء الشبهات فسوف نعرض في السطور القادمة خلاصة البحث الذي قام به الباحثان عادل سعد زغلول والمستشار رجب عبدالسميع في كتابهما (تصحيح مفاهيم خاطئة في طريق النصرة الواجبة ..تحقيق وإثبات مراقد مشاهير آل البيت في مصر) الذي اشرف علي اعداده دكتور السعيد محمد إمام مسجد سيدنا الحسين .. وللحقيقة فإن بحثهما الذي جمعا ودققا فيه كل ما ورد عن انكار أو اثبات وجود الرأس بمصر وكذلك ردهم علي الانكار بمباحث دقيقة تنفي المزاعم الكاذبة لنكران دفن الرأس بمصر المحروسة .. قد استطاعا فيه رفع اللثام عن الكثير من التساؤلات التي كانت تدور برءوس الكثير من المصريين وفي البداية يسأل الباحثان سؤالا هاما..
لماذا دفن الرأس في عسقلان؟
وما السبب في اختيار مدينة عسقلان بالذات لكي تكون مقراً للرأس؟ ونجد الشيخ محمد زكي إبراهيم يذكر ثلاثة احتمالات هي:
(1) البحث عن مدينة تكون بعيدة كل البعد عن الشيعة وليست مركزاً لهم.
(2) اختيار مدينة قريبة من بيت المقدس.
(3) اختيار مدينة قريبة من الساحل حيث يمكن نقلها في يسر إلي شمال إفريقيا وبلاد المغرب حيث اتجه عدد عظيم من الشيعة. وأيدت الرأي الأخير د. سعاد ماهر ونري أن الصحيح هو الرأي الأول حيث إن مدينة عسقلان مدينة بعيدة عن ساحل البحر تبعد عن مركز الشيعة والعلويين وهم المقصودون من إخفاء الرأس عنهم لما سبق بيانه.
كما أن الدولة العباسية ابتعدت عن البحر واتجهت نحو المشرق الذي هو سر نجاحها واتخذت بغداد عاصمة بدلاً من دمشق وعليه تم إخفاء الرأس في مكان بعيد (عسقلان) عن مقر الخلافة ببغداد حتي إذا ما ظفر العلويون أو الشيعة بالرأس وقاموا بثورات مضادة للعباسيين استطاع الخليفة العباسي القضاء عليها بسهولة وكان ذلك بعيداً جداً عن مقر الخلافة.
أما ما ذكره ابن تيمية من أن الغرض هو تعفية القبر فهو صحيح ولكنه لم يصب الحقيقة إذ قال إن المرابطين يظهرونه وعليه يعرف القبر.
فذلك مردود عليه بأنه لم يعلم أن يذكر بوجود مرابطين في هذا الثغر في هذا الوقت وذلك نظراً لما رأوه من قيام الجيش العباسي بالتنكيل لبني أمية المرابطين في مدينة الرملة كما سبق بيانه وعليه فقد فروا من ثغر عسقلان خشية ذلك وترك الثغر خاوياً مما يستبعد معه قول ابن تيمية بأنه كان فيه مرابطون لو أخفي الرأس لأظهروه كما أنه غاب عن ابن تيمية أن الإخفاء والتعفية للرأس تم في بداية العصر العباسي الأول سنة 132 ه/750 م ونهاية وانهيار الدولة الأموية وليس في عهد يزيد بن معاوية كما زعم 60 ه/680 م.
وقد غاب عنه أيضا أن الفترة الزمنية بين مقتله عام 61 ه وقيام سليمان بن عبد الملك بدفن الرأس قرب باب الفراديس عام 96 ه حوالي خمسة وثلاثين عاماً ومن 96 ه حتي 132 ه نجد أن هناك ستة وثلاثين عاماً وبالتالي يكون هناك فترة زمنية قدرها 71 عاماً سقطت من حسابات ابن تيمية ونسيها تماماً.
كما أنه أهمل جانب خشية العباسيين من العلويين وشيعتهم ومحاولة طمس أسباب قوتهم وتوحدهم حول ثأر الحسين. أما ما ذكره من أنه لو فرض جدلاً أن الهدف التبرك فقد كفانا هم الرد في ذلك لأنه أقر بأن ذلك لا يجوز بل يستحيل أن يحدث من قاتلي الحسين.و مما يثبت وجود الرأس الشريف، أن الأيوبيين الذين انهوا الحكم الفاطمي الشيعي بمصر، حيث قام صلاح الدين بإجراءات مكثفة لمحو أثر كل ما هو فاطمي بمصر مثل:
محو آثار الدولة الفاطمية بإنشاء المدارس السنية في مصر.
عين القضاة علي المذهب الشافعي بعد أن عزل القضاة علي المذهب الشيعي.
دعا للخليفة العباسي علي المنابر سنة 567 ه وأرسل رسله لمكة لتأييد الدعاء للعباسيين.
حرق الأوراق الخاصة والوثائق الهامة والسرية للدولة الفاطمية فيما عدا الوثائق التي خبأها الفاطميون في المسجد الذي أنشأوه في دير سانت كاترين وهي التي وصلت إلينا وذلك لمحو التاريخ الفاطمي .
سيطر علي الحجاز بما فيها الحرمين واهتم بهما لما لهم من أهمية روحية ودينية في العالم الإسلامي وأعلن ولاءهم للدولة العباسية.
1248 م حصل حريق بالمشهد, فلم يلبث أن أصلح. ولذلك لما زاره الرحالة ابن بطوطة، الذي زار مصر حوالي سنة 727 ه - 1327 م وصفه بقوله. "ومن المزارات الشريفة المشهد المقدس العظيم الشأن حيث رأس الحسين بن علي عليهما السلام. وعليه رباط ضخم عجيب البناء علي خشب أبوابه حلق الفضة وصفائحها وهو موفي الحق من الإجلال والتعظيم".ويقول ابن كثير (البداية والنهاية ج 8 ص 204) في وجود الرأس بالقاهرة: (وادعت الطائفة المسمون بالفاطميين الذين ملكوا الديار المصرية قبل سنة أربعمائة إلي ما بعد سنة ستين وستمائة، أن رأس الحسين وصل إلي الديار المصرية ودفنوه بها وبنوا عليه المشهد المشهور به بمصر، والذي يقال له تاج الحسين بعد سنة خمسمائة) ويضيف ابن كثير فيقول: (وقد نص غير واحد من أهل العلم علي أنه لا أصل لذلك، وإنما أرادوا أن يروجوا بذلك بطلان ما أدعوه من النسب الشريف، وهم في ذلك كذبة خونة، وقد نص علي ذلك القاضي الباقلاني وغير واحد من أئمة العلماء في دولتهم في حدود سنة أربعمائة). وهذا النص مردود عليه بأنه من المعروف أن الدولة الفاطمية كانت من سنة 358 حتي 567 ه وليس 660 ه كما ذكر ابن كثير كما أنه في حدود سنة أربعمائة لم يكن الرأس قد نقل إلي مصر: هذا وعدم الدقة في التواريخ التي وردت في هذه الرواية يقلل كثيراً من قيمتها أن الفاطميين لم يكونوا بحاجة إلي أن يروجوا صحة إثبات هذا المشهد ليوهموا الناس بصحة نسبهم. حيث لا علاقة بإقامة المشهد بعسقلان أو نقله لمصر والنسب سالف الذكر فسواء أكان النسب صحيحاً أو مكذوباً فلم يكن هناك أية حاجة في وقت النقل إلي ذلك حيث لو كان الرأس موجوداً في مكان آخر غير عسقلان سواء في الشام أو خارجها لما عز علي خلفاء الفاطميين الوصول إليه، وهم كما نعلم من الشيعة الإسماعيلية، وقوتهم الدينية تعتمد في أكثر ما تعتمد علي نسبهم لفاطمة الزهراء، أما قوتهم السياسية فقد فاقت قوة الدولة العباسية، إذ امتدت الدولة الفاطمية من مصر وبلاد الشام والحجاز واليمن شرقاً إلي شمال افريقيا وبلاد المغرب غرباً. بل إنه حدث في عهد الخليفة المستنصر أن نادي البساسيري أحد أعوانهم من الشيعة بسقوط الدولة العباسية في بغداد والبصرة وواسط وجميع الأعمال وذكر اسم الخليفة المستنصر الفاطمي علي منابرها في خطبة الجمعة، وفي هذا أكبر شاهد علي تلك القوة .
لماذا لم يهدم الصليبيون قبر الحسين بعسقلان وقبلوا الفدية؟
حيث من المعلوم أن الصليبيين قاموا بنبش قبور الصالحين نكاية في المسلمين وأن المقريزي ذكر في اتعاظ الحنفا أنهم هدموا مشهد الخليل إبراهيم في بيت المقدس، ويروي ابن العديم في زبدة الحلب، ج 2، ص 224]: (أن الصليبيين أتوا في تلك الغزوة مساوئ كثيرة فنبشوا قبور موتي المسلمين وأخذوا توابيتهم إلي الخيم وجعلوها أوعية لطعامهم، وسلبوا الأكفان، وعمدوا إلي من كان من الموتي لم تنقطع أوصاله فربطوا في أرجلهم الحبال وسحبوهم مقابل المسلمين، وجعلوا يقولون: هذا نبيكم محمد وآخر يقول: هذا عليكم. وأخذوا مصحفاً من المشاهد بظاهر حلب وقالوا يا مسلم أبصر كتابكم ... وثقبه الفرنجي بيده .
وهنا بعد عرض هذا النص يثور تساؤل هام هو لماذا لم يهدم الصليبيون قبر الحسين .. حين استولوا علي عسقلان؟ وللإجابة عن ذلك لابد أن نوضح نقاطاً معينة يعرف منها سبب ذلك وهي أنه:
أن التبادل التجاري بين المسلمين والصليبيين رغم ما بينهم من حروب كان قائماً بشكل ظاهر جلي. وفي ذلك يقول ابن جبير في (رحلته ص 288) أن: (ومن أغرب ما يحدث في الدنيا أن قوافل المسلمين تخرج إلي بلاد الفرنج وسبيهم يدخل إلي بلاد المسلمين). وكذلك ابن جبير في رحلته
أن الجيش الصليبي حينما استولي علي عسقلان (في عهد بلدوين الثالث) كان يعاني من نقص في الامدادات والنفقات اللازمة واحتياج الأموال لدرجة أن بلدوين الثالث لكي ينفق علي جيشه تعرض للاستدانة علي نطاق أدي إلي الحد من حريته في المناورة السياسية، خاصة حروبه مع نور الدين محمود حول دمشق وحلب واحتياجه الشديد للأموال والموارد المالية لتجهيز الجيش. فإذا ما علمنا ذلك تبين لنا بوضوح كيف تمت المفاوضات مع سفراء طلائع بن زريك والصليبيين في ظل الرواج التجاري والقائم وكذلك لماذا قبل الفدية عندما طلب منه الفاطميون رأس الحسين .. مقابل ثلاثين ألف درهم ورشاء طلائع لهم بالمال من أجل أن يسمحوا له بنقل الرأس إلي مصر. حيث إن احتياج الصليبيين للمال هو الذي منعهم من هدم قبر الحسين .
ويضيف الباحثان أن الدكتورة سعاد ماهر في كتابها "أولياء الله الصالحون" من ص 374 تقول في انتقال الرأس إلي عسقلان وهي مدينة لم تحدثنا كتب التاريخ بأنها كانت مركزاً من مراكز الشيعة مثلاً اللهم إذا أريد أن يكون الرأس في مكان قريب من بيت المقدس من جهة وقريب من الساحل من جهة إخراجها من الشرق حيث لاقي الشيعة الشيء الكثير من اضطهاد الأمويين أولاً ثم العباسيين ثانياً ليمكن نقلها في يسر إلي شمال أفريقيا وبلاد المغرب مثلاً حيث أتجه عدد عظيم من الشيعة ( ومما يؤيد وجود الرأس بعسقلان في العصر الفاطمي ) نص تاريخي منقوش علي منبر المشهد الذي أعاد بناءه بدر الجمالي وأكمله أبنه الأفضل في عصر الخليفة المستنصر ولما نُقل الرأس الشريف إلي مصر نُقل المنبر إلي المشهد الخليلي بالقدس والمنبر ما زال موجوداً حتي الآن هناك ولقد نقل الرأس بعد ذلك من عسقلان إلي مصر ومما يؤكد ذلك ما ذكرته الأستاذة عطيات الشطوي المفتشة بالآثار المصرية التي أشرفت علي تجديد القبة في القرن الماضي تقول أن وثائق هيئة الآثار تؤكد أن رأس الامام الحسين نقل من عسقلان إلي القاهرة وهذا ما ذكره المقريزي في خططة أن الرأس نقل في يوم الأحد الثامن من جمادي الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة الموافق 31 أغسطس سنه 1153م وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان الأمير سيف المملكة تميم وليها وحضر في القصر يوم الثلاثاء العاشر من جمادي الآخرة المذكور الموافق 2 من سبتمبر 1153م ويضيف المقريزي أن الذي قدم بالرأس مكنون في عشاري من عشاريات الخدم ونزل به إلي الكافوري ( حديقة ) ثم حُمل إلي السرداب إلي قصر الزمرد ثم دفن في قبة الديلم بباب دهليز الخدمة (القصر الحالي ) والدليل علي وجودها بمصر الآتي .
أولاً : فقد عثر الباحثون بالمتحف البريطاني بلندن علي نسخة خطية محفوظة من ( تاريخ آمد ) لابن الأورق المتوفي عام (572 ه) وهي مكتوبة عام (560 ه) أي قبل وفاته باثنتي عشرة سنة ومسجلة بالمتحف المذكور تحت رقم ( 5803 شرقيات ) قد أثبت فيها صاحب هذا التاريخ بالطريق اليقيني أن رأس الامام الحسين قد نقل من عسقلان إلي مصر عام ( 549 ه ) أي في عهد المؤرخ وتحت سمعه وبصره وبوجوده ومشاركته ضمن جمهور أهل مصر الذين كانوا في استقبال الرأس الشريف.
وفي نهاية رحلتنا ما بين مؤيدي وناكري وجود الرأس في مصر فإننا نختتم رحلتنا مع الرأس الشريف داخل مصر بأنه إن لم يكن دفنت بمصر فكيف تناقل الرحالة والمؤرخون مراحل انتقاله ودفنه وتجديدات مرقده في مصر وإلا فإن كل هؤلاء سكري والمنكرون علي أدلة واهية هم فقط المتنبهون والعالمون بما لا يعلمه البشر علي مدار أكثر من 1300 سنة هجرية .
h4eltaibe.hotmail.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.