يحيي العالم، غدا الجمعة، اليوم الدولي للقضاء العنف ضد على المرأة 2016 تحت شعار (لنجعل العالم برتقاليا: لنحشد المال للقضاء على العنف ضد المرأة)، حيث يسلط الاحتفال هذا العام الضوء على حقيقة أن من أكثر التحديات التي تواجه الجهود المبذولة لمنع وإنهاء العنف ضد النساء والفتيات حول أنحاء العالم هي النقص في التمويل بشكل كبير؛ وبالتالي تفتقر المبادرات الرامية إلى منع وإنهاء العنف ضد النساء والفتيات آليات الدعم والتنفيذ. وتظل الأطر المبشرة لمكافحة العنف ضد المرأة، مثل الأهداف الإنمائية المستدامة، رهينة النقص في التمويل وضعف إمكانيات إحداث تغييرات حقيقية وكبيرة في حياة النساء والفتيات. ويهدف النشاط المناهض للعنف القائم على نوع الجنس، المصاحب لليوم العالمي لحقوق الإنسان في الفترة من 25 نوفمبر وحتى 10 ديسمبر، على تسخير 16 يوما لرفع الوعي العام وحشد الناس في كل مكان لإحداث تغيير لصالح النساء والفتيات. وتشير إحصائيات الأممالمتحدة إلى أن أكثر من 70 % من النساء يعانين من العنف في حياتهن، وتتعرض 35 % منهن لنوع من أنواع العنف الجنسي. وفي بعض البلدان، تسببت أعمال العنف من قبل الشريك الحميم في مقتل 40 إلى 70 % من الضحايا الإناث. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت القرار 134/ 54 في 17 ديسمبر عام 1999، باعتبار يوم 25 نوفمبر اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، ودعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية إلى تنظيم أنشطة في ذلك اليوم تهدف إلى زيادة الوعي العام لتلك المشكلة. واستُمد ذلك من الاغتيال الوحشي في سنة 1960 للأخوات الثلاثة ميرابال اللواتي كن من السياسيات النشيطات في الجمهورية الدومينيكية، وذلك بناء على أوامر الحاكم الدومينيكي روفاييل تروخيليو (1936-1961). وفي 20 ديسمبر 1993، اتخذت الجمعية العامة القرار 104/ 48 حول إعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة. وأشار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في رسالته، إلى أنه أخيرًا وبعد طول انتظار، أخذ اعتراف العالم يتزايد بأن العنف ضد النساء والفتيات هو انتهاك لحقوق الإنسان، وجائحة تمس الصحة العامة، وعقبة خطيرة أمام التنمية المستدامة. بيّد أنه لا يزال هناك الكثير مما يجب علينا فعله لتحويل هذا الوعي إلى إجراءات مجدية في اتقاء هذا العنف والتصدي له. وأضاف مون أن العنف ضد النساء والفتيات يفرض تكاليف ضخمة على الأسر والمجتمعات المحلية والاقتصادات؛ فعندما تعجز المرأة عن العمل نتيجة لتعرضها للعنف، فإن ذلك يهدد فرص عملها، وبالتالي فرص الدخل الذي تشتد حاجتها إليه، لتحقيق استقلالها، والتخلي عن العلاقات التي تتعرض فيها للأذى. ويتسبب العنف ضد المرأة أيضا في خسائر للمؤسسات التجارية من حيث الإنتاجية، ويستنزف الموارد من الخدمات الاجتماعية، ونظام العدالة، ووكالات الرعاية الصحية. ولا يزال العنف العائلي مستشريان، وهما يتفاقمان بفعل انتشار الإفلات من العقاب على تلك الجرائم. والمحصلة النهائية لذلك هي قدر هائل من المعاناة، واستبعاد للمرأة من النهوض بالأدوار الصحيحة والكاملة المنوطة بها في المجتمع. وأشار مون إلى أنه ليس في إمكان العالم أن يدفع هذا الثمن، ولا في مقدور النساء والفتيات تحمل هذه التكلفة - بل ولا ينبغي أن يضطررن إلى تحملها. ومع ذلك، فإن هذا العنف لا يزال مستمرا بصفة يومية في جميع أنحاء العالم، موضحا أنه تولى منذ عام 2008 قيادة حملة "اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة" للدعوة إلى اتخاذ إجراءات على الصعيد العالمي من أجل زيادة الموارد والتشجيع على إيجاد الحلول. ودعا الحكومات إلى إبداء التزامها من خلال زيادة الإنفاق الوطني بشكل كبير في جميع المجالات ذات الصلة، بما في ذلك دعم الحركات النسائية ومنظمات المجتمع المدني، مطالبا قادة العالم بالمساهمة في هيئة الأممالمتحدة للمرأة وصندوق الأممالمتحدة الاستئماني لدعم الإجراءات الرامية إلى القضاء على العنف ضد المرأة. وأضاف "اليوم، نشهد العالم وقد أضاءه اللون البرتقالي، ليرمز بذلك إلى مستقبل مشرق ينتظر النساء والفتيات. وفي وسعنا أن نبقي على هذه الأضواء ساطعة، وأن نعلي حقوق الإنسان، ونقضي على العنف ضد النساء والفتيات إلى الأبد من خلال تخصيص الاستثمارات لهذا الغرض". وتعرف الأممالمتحدة العنف الممارس ضد المرأة بأنه أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة. والعنف الممارس من قبل الشريك المعاشر، يعني سلوك منتهج يتسبب في حدوث ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي، بما في ذلك الاعتداء الجسدي والإيذاء النفسي وسلوكيات السيطرة. أما العنف الجنسي فيعني أية علاقة جنسية، أو محاولة للحصول على علاقة جنسية، أو أية تعليقات أو تمهيدات جنسية، أو أية أعمال ترمي إلى الاتجار بجنس الشخص أو أعمال موجهة ضد جنسه باستخدام الإكراه يقترفها شخص آخر مهما كانت العلاقة القائمة بينهما وفي أي مكان. وتصف "فومزيل ملامبو نكوكا"، المديرة التنفيذية لهيئة الأممالمتحدة للمرأة، العنف ضد الفتيات بأنه أحد أخطر خروقات حقوق الإنسان، وأكثرها عرضة للتسامح. وتشير تقديرات الأممالمتحدة إلى أن أكثر من 130 مليون فتاة وامرأة قد تعرضن لتشويه أعضائهن التناسلية فيما يعرف بالختان، خاصة في إفريقيا وبعض دول الشرق الأوسط. وعلى الصعيد العالمي، يُقدر عدد الأحياء من النساء اللواتي تزوجن ولم يزلن صغيرات ب 700 مليون امرأة، منهن 250 مليون تزوجن دون سن 15، ومن المرجح ألا تكمل الفتيات اللواتي يتزوجن تحت سن 18 تعليمهن، كما أنهن أكثر عرضة للعنف المنزلي ومضاعفات الولادة. وأشار مختصون في الأممالمتحدة إلى أن عواقب العنف ضد المرأة تستمر لأجيال، محذرين من الآثار السلبية لذلك، إذ أنها تعيق التقدم في العديد من المجالات مثل القضاء على الفقر ومكافحة فيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز" والسلام والأمن. وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية بشأن انتشار العنف الممارس من قبل الشريك المعاشر والعنف الجنسي في المواقع التي لا تشهد حدوث نزاعات، إلى أن ما يصل إلى 70% من النساء في بعض البلدان تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من جانب شريك حميم، مما تسبب في بعض البلدان في مقتل 40 إلى 70 % من الضحايا الإناث. وتتعرض 35% منهن لنوع من أنواع العنف الجنسي. كما تشير التقارير إلي تعرض 7 من كل 10 نساء إلى هذا النوع من سوء المعاملة. وأشار التقرير الأول المتعلق بالدراسة التي أجرتها منظمة الصحة العالمية عن صحة المرأة والعنف المنزلي الممارس ضدها في عدة بلدان، وشملت 10 بلدان ذات دخول منخفضة ومتوسطة، بشأن النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا: حيث أبلغت 15% منهن في اليابان و71% منهن في إثيوبيا وبيرو عن تعرضهن لعنف جسدي أو عنف جنسي مارسه ضدهن شركائهن؛ وأبلغت 3ر0% إلى 5ر11% من النساء عن تعرضهن لعنف جنسي مارسه ضدهن أشخاص غير عشرائهن منذ سن 15 عامًا. كما أجرت منظمة الصحة العالمية دراسة حديثة، بالاشتراك مع كلية لندن لشؤون الصحة والطب الاستوائي ومجلس البحوث الطبية، على أساس البيانات الواردة حاليًا من أكثر من 80 بلدًا، تبين منها أنه يوجد 35% من النساء في العالم قد تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي على يد شركائهن الحميمين أو للعنف الجنسي على يد غير الشركاء، كما تصل نسبة جرائم قتل النساء التي يرتكبها شركاء حميمون عالميا إلى 38%. كما توضح الدراسات الدولية أن 20% تقريبًا من النساء وأخرى تتراوح بين 5 -10% من الرجال يبلغون عن تعرضهم للعنف الجنسي في مرحلة الطفولة. وأشار التقرير إلى أن هناك بعض العوامل المرتبطة بمقترفي العنف وأخرى مرتبطة بضحايا العنف، وهناك بعض العوامل المرتبطة بكلا الفئتين: تدني مستويات التعليم؛ التعرض للإيذاء في مرحلة الطفولة؛ عنف الأبوين؛ اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؛ تعاطي الكحول على نحو ضار؛ تعدد العشيرات أو اشتباههن في خيانة العشير؛ والسلوكيات التي تميل إلى تقبل العنف وعدم المساواة بين الجنسين. وأوضح التقرير الآثار الصحية لمثل هذه الممارسات؛ إذ أصيبت 42% من النساء اللواتي يتعرضن لعنف الشريك الحميم بإصابات جسدية؛ بالإضافة إلى احتمالية أن يخلف عنف الشريك حالات حمل غير مرغوب فيها وحالات إجهاض محرض عليها ومشاكل صحية نسائية والإصابة بعدوى أمراض منقولة جنسيًا، ومنها "الإيدز"، حيث تبين من تحليل أُجرِي في عام 2013 أن احتمال إصابة النساء اللاتي يتعرضن لاعتداءات جسدية أو جنسية بعدوى مرض منقول جنسيًا، وبفيروس الإيدز في بعض المناطق، هي أعلى بمرة ونصف المرة من سواهن من غير المعرضات لعنف الشريك. ويمكن أن تؤدي هذه الأشكال من العنف إلى الإصابة بالاكتئاب واضطرابات الإجهاد اللاحقة للرضوخ ومشاكل في النوم واضطرابات في الأكل ومحن عاطفية ومحاولات انتحار. ورأت الدراسة نفسها أن الآثار الصحية يمكن أن تشمل أيضًا الإصابة بالصداع وآلام في الظهر والبطن واضطرابات في الألياف العضلية والجهاز الهضمي ومحدودية الحركة واعتلال الصحة بشكل عام. كما يمكن أن يؤدي العنف الجنسي، لاسيما أثناء الطفولة، إلى زيادة احتمال التدخين وإدمان المخدرات والكحول وانتهاج سلوكيات جنسية خطرة في مرحلة لاحقة من العمر. وأوضح التقرير الآثار التي يتحملها الأطفال جراء العنف، حيث من المرجح أن يواجه الأطفال الذين نشأوا في أسر ينتشر فيها العنف الممارس من قبل الشريك المعاشر طائفة من الاضطرابات السلوكية والعاطفية يمكن أن تؤدي بهم إلى اقتراف ذلك العنف أو الوقوع ضحية له في مرحلة لاحقة من حياتهم. أما عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية للعنف، فأوضح التقرير أن العنف الممارس ضد المرأة يؤدي إلى تكبد تكاليف اجتماعية واقتصادية ضخمة تخلف آثارًا عديدة على المجتمع قاطبة. فقد تعاني النساء من العزلة وعدم القدرة على العمل وفقدان الأجر ونقص المشاركة في الأنشطة المنتظمة وعدم التمكن من الاعتناء بأنفسهن وأطفالهن إلا بشكل محدود. وتتعاون منظمة الصحة العالمية مع عدد من الشركاء على مواجهة العنف ضد المرأة عن طريق القيام بما يلي: إنشاء قاعدة بيانات خاصة بحجم العنف الممارس ضد المرأة وطبيعته في أماكن مختلفة، ودعم الجهود التي تبذلها البلدان من أجل توثيق وقياس هذا العنف وعواقبه، وهي عملية تمثّل خطوة رئيسية في فهم حجم المشكلة وطبيعتها على الصعيد العالمي واستهلال العمل بشأنها في البلدان؛ وتعزيز البحوث والقدرات البحثية لتقييم التدخلات اللازمة لمعالجة مشكلة عنف الشريك؛ ووضع إرشادات تقنية فيما يخص الوقاية من العنف الممارس من قبل الشريك المعاشر والوقاية من العنف الجنسي بالاستناد إلى البيّنات. وفيما يتعلق بتعزيز استجابة القطاع الصحي لهذين الشكلين من العنف؛ فيتم نشر المعلومات على البلدان ودعم الجهود الوطنية من أجل المضي قدمًا بحقوق المرأة وتوقي العنف الممارس ضد المرأة، والاستجابة لمقتضياتهما؛ والتعاون مع الوكالات والمنظمات الدولية من أجل الحد أو التخلص من العنف الممارس ضد المرأة في جميع أنحاء العالم.