يحيي العالم بعد غد الأربعاء، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة 2015 تحت شعار " من السلام في المنزل إلى السلام في العالم: تعليم آمن للجميع"، ويركز الاحتفال على إظهار الآثار الضارة التي يخلفها هذا العنف في تعليم الفتيات والنساء. وتشير التقارير إلى أن عدد الأحياء من النساء اللواتي تزوجن ولم يزلن صغيرات يقدر ب700 مليون امرأة، منهن 250 مليون تزوجن دون سن 15، ومن المرجح ألا تكمل الفتيات اللواتي يتزوجن تحت سن 18 تعليمهن، كما أنهن أكثر عرضة للعنف المنزلي ومضاعفات الولادة. كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت بموجب القرار 134 / 54 في ديسمبر عام 1999، يوم 25 نوفمبر اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، ودعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية إلى تنظيم أنشطة في ذلك اليوم تهدف إلى زيادة الوعي العام لتلك المشكلة. وقد درج أنصار المرأة على الاحتفال بيوم 25 نوفمبر بوصفه يومًا ضد العنف منذ عام 1981. وقد استمد ذلك التاريخ من الاغتيال الوحشي في سنة 1960 للأخوات الثلاثة ميرابال اللواتي كن من السياسيات النشيطات في الجمهورية الدومينيكية، وذلك بناء على أوامر الحاكم الدومينيكي روفاييل تروخيليو (1936-1961). وفي 20 ديسمبر 1993 اتخذت الجمعية العامة قرار برقم 104 / 48 حول إعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة. وأشارت إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو في رسالة لها بهذه المناسبة إلى أن العنف ضد المرأة يمثل عقبة كبري تعترض سبيل تحقيق الإنسان الأساسية، ويهدد مباشرة صحة ملايين الشابات والنساء حياتهن. كما يمثل عقبة خطيرة تعترض سبيل بناء المجتمعات الشاملة والمستدامة، ويفتت العنف ضد المرأة المجتمعات من الداخل لأنه ينشئ جوًا من الخوف، حتى في كنف العائلة أحيانًا، ويزعزع الثقة المتبادلة ويضعف النسيج الاجتماعي كله نساءً ورجالًا بلا تمييز. وأضافت بوكوفا أن اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة يشدد هذا العام على الآثار الضارة التي يخلفها هذا العنف في تعليم الفتيات والنساء، فالتعليم حق إنساني لا جدال فيه، وهو شرط لممارسة العديد من الحقوق الأساسية الأخري ممارسة كاملة، واليوم يرغم عدد كبير جدًا من الفتيات والنساء على ترك المدرسة بسبب حالات الزواج المبكر أو القسري. وتفصح طفلة من أصل خمس أطفال عن وقوعها المتكرر ضحية الترهيب في المدرسة. وتدل الأوضاع في عام 2015 على أن فتاة من أصل 10 فتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عامًا قد سبق لها أن تعرضت للعنف الجنسي، وتحدث حالات العنف هذه في معظم الأحيان على الطريق المؤدي إلى المدرسة أو في المؤسسات التعليمية، وتمثل المدرسة المكان الملائم بامتياز الذي نكتسب فيه الثقة اللازمة للتفتح والتطور، فيجب أن تكون صرحًا آمنًا مكرسًا للدراسة، ولا يجوز لنا أن نسمح بأن تكون المدرسة مكانًا للخوف أو العنف أو التحرش، وتقول بوكوفا إن التعليم حليفنا أيضًا في محاربة العنف وحماية الفتيات ومساعدتهن على حماية أنفسهن بأنفسهن. وتلتزم اليونسكو مع شركائها بتعزيز التعليم الشامل والجيد للجميع، وضمن مبادرة الأممالمتحدة لتعليم الفتيات، تعد اليونسكو في آسيا أدوات تتيح للمعلمين وسائل لمكافحة أشكال التمييز ضد المرأة والحد من العنف، كما تضع اليونسكو إرشادات تقنينية لاسيما بالتعاون مع هيئة الأممالمتحدة للمرأة، لمساعدة الدول الأعضاء في القضاء على أشكال العنف الجنسي في البيئة المدرسية. وتشير رسالة بوكوفا إلى أن اليونسكو تتعاون مع نقابات المعلمين في الفلبين ؛ السنغال ؛ جنوب أفريقيا ؛ لبنان؛الأرجنتين ؛ وغيرها من البلدان لإيجاد حلول لهذا العنف، وهذا هو أيضًا - حسب الرسالة - مغزي القرار الذي اعتمده المجلس التنفيذي لليونسكو مؤخرًا " التعليم دون خوف". وأكدت بوكوفا أنه ليس بإمكان أي مجتمع أن يزدهر إذا كان نصف سكانه يعيشون في الخوف من أشكال العنف، ويبقون خاضعين لتأثير الأحكام المسبقة. وقد آن الأوان لنذكر ببعض المبادئ البسيطة: يولد جميع الناس أحرارًا متساوون في الكرامة والحقوق، ويجب أن يكون بمستطاع النساء ممارسة حرياتهن واتخاذ القرارات المتعلقة بأمورهن والإسهام في القرارات التي تحدد مجري المجتمعات على قدم المساواة مع الرجال، وإذا تساوت الأعمال بين الرجل والمرأة، فيجب أن تتساوي المرتبات بينهما. وجاء في الرسالة " والآن وقد مضي 20 عامًا على إعلان بيجين وبرنامج العمل المرتبط به، وقد اعتمدت الأممالمتحدة مؤخرًا خطة التنمية المستدامة لعام 2030، بات من الواضح أن المساواة بين الرجل والمرأة واستقلال المرأة لم يكونا أمرًا ملحًا لهذه الدرجة في أي وقت مضي، ويمثل هذا اليوم مناسبة للعمل من أجل تنفيذ هذا البرنامج". وتعرف الأممالمتحدة العنف الممارس ضد المرأة بأنه " أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة"، أما العنف الممارس من قبل الشريك المعاشر يعني سلوك منتهج ضمن علاقة معاشرة أو من قبل شريك سابق يتسبب في حدوث ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي بما في ذلك الاعتداء الجسدي والعلاقات الجنسية القسرية والإيذاء النفسي وسلوكيات السيطرة. أما العنف الجنسي فيعني أي علاقة جنسية أو محاولة للحصول على علاقة جنسية، أو أية تعليقات أو تمهيدات جنسية، أو أية أعمال ترمي إلى الإتجار بجنس الشخص أو أعمال موجهة ضد جنسه باستخدام الإكراه يقترفها شخص آخر مهما كانت العلاقة القائمة بينهما وفي أي مكان. وتشير تقارير هيئة الأممالمتحدة للمرأة، إلى أن نسبة 35% من النساء والفتيات على مستوى العالم تتعرض لنوع من أنواع العنف الجنسي، وفي بعض البلدان تتعرض 7 من كل 10 نساء إلى هذا النوع من سوء المعاملة، ويقدر بقاء ما يقرب من 30 مليون فتاة تحت سن 15 تحت تهديد خطر تشويه الأعضاء الجنسية للإناث، في حين تعرضت أكثر من 130 مليون امرأة وفتاة إلى تلك الممارسة على مستوى العالم، كما تشير التقديرات إلى أن أكثر من 130 مليون فتاة وامرأة - على القيد الحياة اليوم – قد تعرضت لتشويه أعضائها التناسلية (فيما يعرف بالختان)، ولا سيما في أفريقيا وبعض دول الشرق الأوسط. وقد أجرت منظمة الصحة العالمية دراسة حديثة بالاشتراك مع كلية لندن لشئون الصحة والطب الاستوائي ومجلس البحوث الطبية على أساس البيانات الواردة حاليًا من أكثر من 80 بلدًا، وتبين من الدراسة أنه يوجد على الصعيد العالمي نسبة 35٪ من النساء قد تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي على يد شركائهن الحميمين أو للعنف الجنسي على يد غير الشركاء. ويمارس الشريك الحميم معظم هذا العنف، ويتعرض تقريبًا ثلث إجمالي عدد النساء في العالم أي 30 % من المرتبطات بعلاقة مع شريك للعنف الجسدي أو الجنسي على يد شركائهن الحميمين، وترتفع نسبتهن إلى أكثر من ذلك بكثير في بعض المناطق، وهناك على الصعيد العالمي نسبة تصل إلى 38% من جرائم قتل النساء التي يرتكبها شركاء حميمون. ويعتبر الرجال - حسب التقرير - هم المسئولون بالدرجة الأولى عن العنف الممارس ضد المرأة من قبل شريكها المعاشر أو العنف الجنسي الممارس ضدها، ويلحق الاعتداء الجنسي على الأطفال الضرر بالفتيان والفتيات على حد سواء، فالدراسات الدولية تبين أن نسبة 20% تقريبًا من النساء وأخرى تتراوح بين 5 و10% من الرجال يبلغون عن تعرضهم للعنف الجنسي في مرحلة الطفولة، كما يشكل العنف فيما بين الشباب، بما فيه العنف الممارس أثناء المواعدات الغرامية، مشكلة كبرى. وفى سياق متصل، يشير "أنطونيو غوتيريس" المفوض السامي للأمم المتحدة لشئون اللاجئين - في تقرير له - إلى أن حجم العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس بات مقلقًا للغاية على الرغم من الجهود التي تبذلها المفوضية وشركاؤها لمناهضة الانتهاك الشائن لحقوق الإنسان. ويقول غوتيريس أنه خلال عام 2013، أفادت التقارير الواردة إلى المفوضية بوقوع نحو 12 ألف حادث عنف جنسي قائم على نوع الجنس، بيد أن العديد من الحالات الأخرى لا يتم الإبلاغ عنها أبدًا، وأضاف " إنه في إطار الفكرة المطروحة للعام الحالي -"الأمان في المدرسة" تهدف المفوضية إلى جمع الفتيان والفتيات والمعلمين وأولياء الأمور والمجتمعات والشركاء معًا لإيجاد حلول دائمة تقوم على أساس المجتمع لمنع العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس في المدارس". وأوضح غوتيريس أن الأزمات الإنسانية، مثل الصراع في سوريا والإعصار هايان في الفلبين تؤثر على نحو غير متناسب على الأطفال والمراهقين، مشددًا على أن يكون الفتيان والفتيات والشباب معرضين بدرجة أكبر للعنف الجنسي والقائم على نوع الجنس لفقدان أفراد العائلة والمنازل وضياع المستقبل في نهاية المطاف فضلًا عن عدم تحقق المساواة وتعطل العمل بالأنظمة الوقائية القائمة في السابق أيضًا. وأضاف المفوض السامي "إن ما يقدر ب60 مليون فتاة في جميع أنحاء العالم يتعرضن للاعتداء الجنسي في طريقهن إلى المدرسة كل عام، ويواجه العديد من الفتيان والفتيات أيضًا مثل هذا العنف في فصولهم الدراسية والأفنية"، وتابع قائلًا "تتكبد مجتمعاتنا أيضًا تكاليف إنسانية واجتماعية واقتصادية باهظة جراء هذا الانتهاك الشائن لحقوق الإنسان، ومن منطلق إدراك المفوضية للمخاطر المتعددة الأوجه الناجمة عن العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس التي يواجهها الأطفال والمراهقون والدور الوقائي الذي يمكن أن يلعبه التعليم، ركزت المفوضية عام 2013 على تكامل إستراتيجياتها في المجالات الأساسية الثلاثة للحماية المتمثلة في الحماية من العنف الجنسي والجسماني، وحماية الطفل، والتعليم. وأشار إلى أن هناك العديد من الإجراءات تستهدف تطوير برامج متبادلة لتعزيز حماية الفتيات والفتيان من الشعور بالقلق من العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس في محيط المدرسة، وتعهد غوتيريس - في تقريره - بأن تزيد المفوضية من حجم الجهود المبذولة من خلال العمل عن كثب مع الشركاء المحليين والسلطات الوطنية كي تكفل بيئات تعلم آمنة، ويكون ذلك عن طريق الربط بين المعلم وولي الأمر، ونوادي الشباب، والأنشطة الخارجة عن المنهج، وإنفاذ قواعد السلوك، وآليات سرية لإحالة الطلاب للحصول على الخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية. وقال غوتيريس - في ختام تقريره - " إنه عن طريق تبني نهج مراعٍ لنوع الجنس عند تقديم الخدمات المتعددة القطاعات، يمكننا أن نجعل الفتيات والفتيان يشعرون بالأمان بدرجة أكبر في المدرسة، مثل إنشاء مراحيض منفصلة في المدارس، أو تعزيز توظيف معلمات، وغيرها من التدابير، إن العنف ضد المرأة والفتيات ليس بالأمر الذي لا يمكن اجتنابه، فمكافحته أمر ممكن وحتمي".