قرار رسمي جديد بشأن بشأن "زي المدارس" على مستوى الجمهورية    "إسكان النواب" تكشف أسباب عدم تطبيق التصالح في مخالفات البناء    نبيل الحلفاوي يكشف عن ظاهرة غير مسبوقة لجماهير الأهلي بعد فوزه على الجونة    خاص| زاهي حواس يكشف تفاصيل جديدة عن البحث على مقبرة نفرتيتي    عوض تاج الدين: ندرس مقترح تأجير المستشفيات الحكومية للقطاع الخاص    بالصور.. الأجراس والترانيم تتعالى داخل كنائس وأديرة جنوب سيناء    بالصور.. إقبال كبير على كنائس المنيا في قداس عيد القيامة المجيد    قداس بدولة الهند احتفالا بعيد القيامة    المحبة والأخوة.. محافظ الغربية يشهد قداس عيد القيامة بكنيسة ماري جرجس بطنطا    محافظ بني سويف يشهد مراسم قداس عيد القيامة المجيد بمطرانية ببا    عيار 21 بعد الارتفاع الجديد.. أسعار الذهب اليوم الأحد 5 مايو 2024 في مصر المصنعية (تفاصيل)    أسعار سيارات مرسيدس EQ في السوق المصري    التحالف الوطني يكرم ذوي الهمم العاملين بالقطاعين العام والخاص بالأقصر    ب 150 ألف مقدم.. تفاصيل شقق الإسكان المتميز قبل طرحها بأيام- (صور)    رئيس الغرفة التجارية بالجيزة: شركات عدة خفضت أسعار الأجهزة الكهربائية بنسب تصل إلى 30%    مهران يكشف أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في التأمين    ضياء رشوان: لم يتبقى أمام نتنياهو سوى العودة بالأسرى بعد فشل إسرائيل.. فيديو    أهالي الجنود لجيش الاحتلال: اقتحام رفح يعني فخ الموت.. لم نعد نثق بكم    قتيلان وجرحى في هجمات روسية على 3 مناطق أوكرانية    نميرة نجم: قرارات المحاكم الدولية لها أثر إيجابي على القضية الفلسطينية    أوكرانيا تعلن إسقاط طائرة روسية من طراز "سوخوي - 25" فوق دونيتسك    ألمانيا تحقق مع متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين    نميرة نجم: هناك محاولات لتقويض أحكام الجنائية الدولية ضد قادة إسرائيل    غصة للاحتلال .. "السنوار" يهاتف فصائل فلسطينية لبحث ملف التفاوض بعد تجوله بغزة    وزارة العمل تكشف اخر مستجدات قانون العمل    سيدات طائرة الزمالك يحافظن على لقب إفريقيا أمام الأهلي ويتأهلن لمونديال الأندية    حقيقة وصول عروض احتراف لنجم الجونة    رونالدو: الهدف رقم 900؟ لا أركض وراء الأرقام القياسية    أول تعليق من حمدي فتحي بعد إنجاز الوكرة القطري    أتلتيكو مدريد يواصل انتصاراته في الليجا على حساب ريال مايوركا    ملف رياضة مصراوي.. طاقم تحكيم الزمالك.. صعود سام مرسي.. وفوز الأهلي    الزمالك وديربي إنجليزي.. مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    تحذير من الأرصاد بشأن الطقس اليوم: عودة الأمطار وانخفاض مفاجئ فى درجات الحرارة    نجل «موظف ماسبيرو» يكشف حقيقة «محاولة والده التخلص من حياته» بإلقاء نفسه من أعلى المبنى    شديد الحرارة ورياح وأمطار .. "الأرصاد" تعلن تفاصيل طقس شم النسيم وعيد القيامة    المنيا تستعد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    إصابة 3 أشخاص في حادث بالوادي الجديد    عمرها 60 سنة..مصرع عجوز دهسها قطار في سوهاج    بمشاركة رؤساء تحرير الصحف القومية.. مكتبة مصر العامة تناقش دور الصحافة في دعم الدولة المصرية    برج العقرب .. حظك اليوم الأحد 5 مايو 2024 : مشاعر غير متوقعة    الحبايب.. تهنئة عيد شم النسيم 2024 للأهل والجيران والأصدقاء    سعاد صالح: لا أهتم بالانتقادات والبعض يقوم بتشويه وبتر حديثي عن الدين    عمرو أديب يوجه رسالة إلى التجار ويحذر: «علامة مش كويسة للسوق» (فيديو)    حظك اليوم برج العذراء الأحد 5-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حظك اليوم برج الميزان السبت 27-4-2024 مهنيا وعاطفيا    فستان حورية البحر.. نجوى كرم تثير الجدل بأحدث إطلالة| شاهد    حكم سفر المرأة الكبيرة للحج دون محرم.. دار الإفتاء ترد    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    زغاريد وترانيم فرايحي بقداس عيد القيامة المجيد فى الدقهلية    "زلزال".. تعليق صادم من تامر أمين على صورة حسام موافي وأبو العينين (فيديو وصور)    أسهل طريقة لعمل الطحينة بالفول السوداني في المنزل.. أساسية بشم النسيم    من القطب الشمالي إلى أوروبا .. اتساع النطاق البري لإنفلونزا الطيور عالميًا    مختلف عليه..ما حكم أكل الفسيخ في الإسلام؟    قتل «طفل شبرا الخيمة».. أوراق القضية تكشف دور تاجر أعضاء في الواقعة    طلاب إعلام جامعة القاهرة يطلقون حملة توعية بإيجابيات ومخاطر الذكاء الاصطناعي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    رمضان عبد المعز يطالب بفرض وثيقة التأمين على الطلاق لحماية الأسرة المصرية    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ من الفشل: الحوار الوطني من مبارك إلى مرسي
نشر في البوابة يوم 01 - 12 - 2012

في الوقت الذي نجحت فيه الثورة المصرية من التخلص من النظام السابق، لم تنجح في تطوير آليات ديمقراطية محددة، يتم من خلالها التوافق والاتفاق على خطوات المرحلة الانتقالية بين جميع الحركات والائتلافات والأحزاب السياسية؛ مما انعكس بصورة أو بأخرى على المشهد السياسي حتى الآن.
على الرغم من وجود رئيس منتخب، فشركاء ميدان التحرير أصبحوا فرقاء الآن، كل منهم له أهدافه ومشاربه الخاصة، دون مراعاة للمصلحة العليا للوطن أو أهداف الثورة العظيمة، التي لم يجنِ منها المواطن البسيط شيء يذكر حتى هذه اللحظات، سوى ارتفاع غير مبرر ومتتالي في الأسعار، وما زال أيضًا في حالة ترقب ووضع اقتصادي سيئ، ويزداد سوءًا يومًا تلو الآخر. من ناحية أخرى، لم تستطيع الثورة أن توجد لها قيادة محددة بالرغم من مرور عامين عليها.
يعتبر البعض أن «جبهة الإنقاذ» تمثل بديلًا عن القيادة الموحدة، إلا أن الجبهة لا تعتبر مظلة موحدة بين جميع الأحزاب المعارضة تجاه السلطة الجديدة، كما أن النظام الجديد استطاع -وبسرعة فائقة- أن يلصق بها العديد من التهم. ففي أيام النظام السابق كانت المعارضة متهمة دائمًا بمحاولة الاستقواء بالخارج، أما في عهد الدكتور محمد مرسي أضيف للمعارضة تهم جديد مثل: «الخيانة العظمي، ومحاولة قلب نظام الحكم، والانقضاض على السلطة»؛ وهو ما يمثل مفارقة غريبة تضاف إلى المفارقات التي أوجدتها النخبة الجديدة للثورة المصرية.
ومما لا شك فيه فإن الذكرى الثانية لثورة 25 يناير مثلت انحرافًا عن المسار الطبيعي السلمي للثورة، التي جاءت مدنية ملتزمة متزنة في فعلها الثوري منذ لحظاتها الأولى. ويشارك الجميع الآن، بقصد وبدون قصد، في تأجيج العنف بدلًا من احتوائه؛ بممارسة ما يعرف باسم «العناد السياسي» غير المسبوق في مصر من السلطة والمعارضة، في ظل وضع مأزوم على المستويات المختلفة؛ وكما قال الرئيس السابق مبارك، بأنه معه «دكتوراه في العند»، فإن السلطة والمعارضة الآن في مصر تمنح درجة «الأستاذية» في العند والغباء السياسي.
ومجمل القول: وصمت جلسات الحوار الوطني دائمًا بسوء السمعة، ربما منذ حوارات الاتحاد الاشتراكي، تلك الحوارات التي كانت تتم بقرار علوي سيادي من جانب الحاكم؛ لتمرير بعض القرارات أو الأوراق السياسية، مثل الميثاق وغيره.
وبالنسبة لعصر مبارك، اتسم ذلك العصر بكثرة الحوارات، بداية بالحوار الاقتصادي الذي أدى إلى المؤتمر الاقتصادي في عام 1982 نهاية بحوارات عمر سليمان –نائب رئيس الجمهورية– مع القوى السياسية أثناء ثورة يناير 2011.
وتتميز هذه الحوارات بالديكورية؛ إذ تتعمد السلطة دعوة الكثيرين إلى هذه الحوارات؛ حتى تضيع الرؤية، ويحدث الخلاف؛ فتمرر الدولة بعد ذلك ما تراه من قوانين وقرارات، حتى وصل عدد المشاركين في أحد الحوارات حوالي 300 متحاور، وبذلك تضيع القضايا الأساسية.
هناك دائمًا مهندس للحوارات، عادة ما يكون أحد رجال النظام المخضرمين العارفين باللعبة السياسية، وكيفية التعامل مع المعارضة من وجهة نظر السلطة، وفي بداية عصر مبارك كان يوسف والي هو من يقوم بهذا الدور، ثم تولى صفوت الشريف ذلك الدور بعد ذلك.
اللافت للنظر أن لغة الحوار السياسي شبه معدومة بين السلطة والمعارضة في مثل هذه الحوارات؛ إذ تبدأ الحوارات بكلمات معسولة من جانب النظام، مثلما أعلن جمال مبارك في 2008: «هناك مجال كبير للحوار حتى مع اختلاف توجهاتنا السياسية واختلاف فكرنا ورؤيتنا للمستقبل». وتنتهي حالة الحوار المزعومة باتهام السلطة للمعارضة، مثلما قال جمال مبارك عن المعارضة بأنها «جوفاء».
وفي المقابل كانت المعارضة تطالب بأجندة وجدول أعمال واضح، وفترة زمنية محددة، وطرح الحوار على الرأي العام عن طريق الإعلام القومي، وألا تقبل المعارضة الحوار بدون ضمانات حقيقية.. ولعمري، فهي نفس المطالب التي تطالب بها جبهة الإنقاذ حاليًّا الرئيس مرسي.
ولعل أهم الحوارات التي تمت في عهد مبارك هو الحوار الاقتصادي 1982، الذي أسفر عن مؤتمر اقتصادي انتهى بتقرير للحالة الاقتصادية، رأت المعارضة أنه تجاهل رؤيتها الاقتصادية، ومال كثيرًا إلى رؤية الحزب الوطني ورجاله. وفي عام 1986 عقد حوار وطني حول مشكلة الدعم، تمخض عن مؤتمر وطني، وانتهى المؤتمر إلى انسحاب حزبي التجمع والوفد؛ لعدم رضاهما عن سياسات الحزب الوطني. وفي عام 1988 تم عقد حوار آخر حول قضايا الإصلاح السياسي وقانون الطوارئ، وفي أثناء المؤتمر أعلن مبارك مد قانون الطوارئ!!
ولعل أهم الحوارات أيضًا في عصر مبارك كان في عام 2005 بمناسبة الانتخابات الرئاسية، والحوار على معايير انتخاب رئيس الجمهورية، وفي أثناء الحوار أصدر مبارك التعديل الشهير بالمادة 76 من الدستور، هذا التعديل الذي أثار المعارضة المصرية، وعليه انسحبت قوى المعارضة الفاعلة من الحوار. وبالجملة يصف أحد أقطاب المعارضة حالة الحوار في عصر مبارك مخاطبًا أحزاب المعارضة في عام 2008 قائلًا: «ماذا استفدنا من الحوار منذ الثمانينيات وحتى الآن؟!».
وسوف نتناول في هذه الدراسة، بالرصد والتحليل، الحوارات المصرية منذ اندلاع الثورة وحتى الآن .
أولا: الحوار الوطني من ثورة يناير إلى رحيل مبارك
في 31 يناير 2011، وفي أوج الانتفاضة الثورية، قام الرئيس مبارك بتشكيل حكومة جديدة برئاسة الفريق أحمد شفيق، وكلف النائب عمر سليمان بإجراء اتصالات مع جميع القوى السياسية؛ لبدء حوار حول مختلف القضايا المثارة المتعلقة بالإصلاح الدستوري والتشريعي، على نحو يخلُص إلى تحديد واضح للتعديلات المقترحة والتوقيتات المحددة‏.
في البداية قالت أحزاب المعارضة المصرية إنها غير مستعدة للحوار مع السيد/عمر سليمان، نائب الرئيس حسني مبارك، إلابعد تنحي الأخير، كما أبدت حكومة أحمد شفيق استعدادها للحوار مع جميع القوى السياسية المعترف بها والمحجوب عنها الشرعية القانونية.
وقد رفضت المعارضة المصرية بكافة أطيافها خطاب الرئيس السابق، محمد حسني مبارك، الذي تعهد فيه بعدم الترشح مجددًا للرئاسة بعد انتهاء ولايته، ففي حين وصفه البعض بالخدعة، اعتبر آخرون أنه لا يلبي الحد الأدنى من تطلعات الشعب المصري.
كانت جماعة الإخوان قد رفضت جميع أشكال الحوار مع الحكومة، وقالت إنها فاقدة للشرعية، معتبرة أن الشرعية الوحيدة التي يمكن الانطلاق منها هي الشرعية الشعبية، وكان التعبير الأكثر وضوحًا على ذلك بيان الائتلاف الوطني للتغيير، الذي ضم عددًا من القوى والأحزاب السياسية المعارضة، والذي أكد أن قبول المعارضة للحوار جاء «حفاظًا على أمن وسلامة واستقرار الوطن، وأنهم لا يملكون توجيهًا لأحد غير أنفسهم»، مطالبين بالتمسك الكامل بمطالب الإصلاح التي رفعتها غالب القوى الاجتماعية والشبابية، على وجه الخصوص يوم 25 يناير، كأساس للحوار ومنها:
(أ‌) تشكيل حكومة وحدة وطنية وجمعية تأسيسية لوضع دستور جديد.
(ب‌) حل المجالس النيابية.
(ج) إجراء تعديلات على المواد 76 و77 و88 و93، مع إضافة مادة جديدة تسمح للرئيس بالدعوة لانتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد، مع الفصل الكامل خلال الفترة الانتقالية بين رئاسة الدولة والحزب الوطني.
غير أن قوى معارضة أخرى أكدت، في إطار اللجنة الوطنية لمتابعة مطالب الثورة الشعبية المنبثقة عن البرلمان الشعبي، اجتمعت صباح 2 فبراير بمقر حزب الغد، رفض ما جاء في خطاب الرئيس مبارك، والتأكيد على استمرار الاعتصام والإضراب، والاستعداد الكامل لجمعة رحيل مبارك. وقال المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير (عبد الجليل مصطفى) إن اللجنة «ليست ضد التفاوض ولكنه مشروط برحيل الرئيس».
فيما أبدى مؤسس حزب الغد، أيمن نور، في تصريحه، أن الحوار مع الرئيس أصبح «مستحيلًا»، موضحًا أن الغد يقبل بالحوار فور تنحي الرئيس، وصولًا لأجندة تتمثل في «تفكيك منظومة الفساد والاستبداد وأولها الحزب الوطني، مع إعادة هيكلة مباحث أمن الدولة وتحرير السياسة من القبضة الأمنية».
وفي 4 فبرايرأعلنت جماعة الإخوان المسلمين قبولها الحوار،‏ بشرط أن يكون حوارًا جادًّا منتجًا مخلصًا يبتغي المصلحة العليا للوطن، وذلك شريطة أن يتم في مناخ طبيعي، ولا يحمل لغة التهديد والوعيد؛ بغية التوافق حول طريقة الخروج من الأزمة العنيفة.
وقد شارك في الحوار 21 من الأحزاب الصغيرة في مقر مجلس الوزراء، إلا أنه، وفي 3 فبراير، أعلنت أحزاب المعارضة الرئيسية رفضها تلبية دعوة عمر سليمان للحوار من أجل الخروج من الأزمة الحالية، ومنها الوفد، والتجمع، والناصري، والجبهة، وخبراء قانونيون، ورجل الأعمال المصري نجيب ساويرس.
كما أعلن الائتلاف الوطني المصري للتغيير، الذي يضم 10 من أحزاب المعارضة، تعليقه لأي مفاوضات مع النظام الحاكم قبل رحيل الرئيس مبارك. وفي الصدد نفسه قال المتحدث باسم الائتلاف، د. محمد أبو الغار: «موقفنا واضح، لا مفاوضات مع الحكومة قبل مغادرة مبارك». وفي ذات السياق أعلن حزب الوفد المعارض في مصر تعليقه بدء الحوار الذي دعا إليه نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان مع أحزاب المعارضة، مطالبًا بوقف ما أسماه «الأحداث الإجرامية»، في إشارة إلى المواجهات التي شهدها «ميدان التحرير» بين المتظاهرين المطالبين بتنحي مبارك ومناصرين له.
في هذا الإطار طالبت لجنة الحكماء، التي شكلها عدد من السياسيين والمفكرين، الدولة بتحمل المسئولية كاملة عن سلامة أبناء مصر جميعًا، وفي طليعتهم الشباب المصري، وتضمن البيان 4 مطالب هي:
1. تأمين حياة وحقوق وحريات جميع المحتجين من شباب مصر في ميدان التحرير وسائر ميادين القاهرة وجميع محافظات مصر، بما يضمن حقهم في الدخول إلى الميادين والخروج منها.
2. ضمان التوقف الفوري عن أعمال البلطجة وطرق التعدي الهمجي والوحشي على المواطنين.
3. التوقف الفوري عن اعتقال المشاركين في التجمعات التي تطالب بالتغيير والإصلاح.
4. تنتظر اللجنة كما ينتظر جميع الشباب من القوات المسلحة أن تؤدي دورها الوطني الذي اعتاد المواطنون أن يثقوا به.
وقد أعلن السيد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية وعضو لجنة الحكماء (وقتئذ)، استعداده لخلافة الرئيس حسني مبارك، أو خدمة بلاده في أي منصب كان.
في 6 فبراير2011، شارك في الحوار كل من الدكتور محمد مرسي والدكتور محمد سعد الكتاتني، عضوا مكتب الإرشاد، في أولى الجلسات الخاصة بالحوار الوطني الذي دعا إليه عمر سليمان، نائب الرئيس، في مقر مجلس الوزراء. وصرح الإخوان بأنهم ذهبوا للحوار بقناعة كاملة لضرورة الحفاظ على مكتسبات الثورة الشعبية التي شهدتها مصر يوم 25 يناير الماضي، موضحين أنه جرى حوار موسع مع مختلف المشاركين الذين مثلوا معظم الأحزاب السياسية، فضلًا عن بعض الشخصيات العامة.
بيان الإخوان 6 فبراير :
جاء في بيان عممته جماعة الإخوان بعد المؤتمر الصحفي: «إلحاقًا بالبيان الذي أصدرناه وشرحنا فيه موقفنا من الحوار من حيث المبدأ والمناخ والشكل والموضوع، وبعد أن تمت جولة الحوار الأولى؛ فإنه التزامًا منا بحق الشعب والرأي العام المصري، صاحب السيادة في تقرير مصيره ومستقبله، نعرض، وبمنتهى الصدق والشفافية موقفنا، وما تم في هذه الجولة، ونؤكد:
- أننا جزء من شعب مصر العظيم، لا يمكن أن ننفصل عنه، ولا نتأخر في تحمل مسئوليتنا أو واجبنا في مشاركته في السراء والضراء والتضحية والفداء.
- أننا لم نغير موقفنا من التمسك بالمطالبة بجميع مطالب الشعب الذي نحن جزء من نسيجه.
- أننا قبلنا الدخول في جولة الحوار رغبة في توصيل هذه المطالب مباشرة للمسئولين الجدد؛ حتى نختبر جديتهم في الاستجابة لها، وحتى نجنب شعبنا وبلدنا مزيدًا من الخسائر نتيجة تصلب النظام وعناده.
- أن دخولنا هذا الحوار إنما هو لمصلحة الثورة ولمصلحة الشعب والوطن، ونحن مع استمرارها حتى نراقب ونتأكد من تحقيق مطالبها.
- أننا حريصون على وحدة القوى الوطنية والسياسية والشعبية والشبابية؛ ولذلك اشترطنا أن يتم هذا الحوار جماعيًّا، بحيث تمثل فيه كل أطياف قوى الوطن، وعلى رأسهم الشباب- صاحب الفضل في هذه الثورة المباركة- حتى يسمع المسئولون رأي الشعب ومطالبه الموحدة والمجمع عليها، وإذا كانت بعض هذه القوى قد غابت هذه المرة عن الحوار فلا بد من تدارك ذلك في المستقبل.
- لقد طلبنا أن يتم تغيير المناخ الذي يتم فيه الحوار عن المناخ الحالي لبعث قدر من الثقة المفقودة بين الشعب والنظام؛ ولذلك طلبنا تنفيذًا فوريًّا لكثير من الإصلاحات التي لا تحتاج لإجراءات دستورية وقانونية؛ لطمأنة الشعب، ولإثبات الجدية وحسن النية في الاستجابة لباقي المطالب.
- ليست لنا أجندة خاصة، ولا نريد ركوب الموجة كما يدعي المبطلون، ولقد كررنا كثيرًا أننا لسنا طلاب سلطة، ولا متطلعين إلى منصب ولا جاه، وكذلك فلن نرشح أحدًا منا لرئاسة الدولة.
- ومن أهم النقاط التي تم الاتفاق عليها في ذلك الحوار:
§ الإقرار بأن حركة الشعب، التي بدأت في 25 يناير الماضي، حركة وطنية وشريفة.
§ ضرورة الحفاظ على سلامة المتظاهرين، والإقرار بحقهم الكامل في التظاهر السلمي في أي وقت؛ لمراقبة تنفيذ مطالبهم، والتعبير عن رأيهم.
§ إنهاء حالة الطوارئ بمجرد تحسن الظرف الأمني وقبل إجراء أية انتخابات قادمة.
§ تعديل المواد (76)، (77)، (88)، وما يلزم من تعديلات دستورية أخرى تتطلبها عملية الانتقال السلمي للسلطة.
§ تشكيل لجنة تضم أعضاء من السلطة القضائية وبعض الشخصيات السياسية، تتولى دراسة واقتراح التعديلات الدستورية، وما تتطلبه من تعديلات تشريعية لبعض القوانين المكملة للدستور في ميعاد ينتهي في الأسبوع الأول من مارس.
§ ملاحقة الفاسدين والتحقيق مع المتسببين في الانفلات الأمني، والآمرين والمنفذين لإطلاق النار على الشباب، ومحاكمتهم فورًا.
§ تحرير وسائل الإعلام والاتصالات، وعدم فرض أية قيود على أنشطتها تتجاوز أحكام القانون؛ ومن ثم وقف الحملات الإعلامية الموجهة لتشويه ثورة الشعب.
§ تشكيل لجنة وطنية للمتابعة، تضم شخصيات عامة ومستقلة وممثلين عن الحركات الشعبية، تتولى متابعة التنفيذ الأمين لما تم التوافق عليه.
هذا وقد حدث خلاف في الرأي حول بقية المطالب التي يطالب بها الشعب، وأكدت الجماعة أنها تتمسك بمطالب الشعب، فالكلمة النهائية للجماهير.
إننا دخلنا هذا الحوار من مركز متكافئ مع الطرف الآخر، ووفق إرادة حرة، واستجابة النظام للمطالب الشعبية هي التي ستحدد إلى متي سيستمر الحوار، كل ذلك والتظاهر السلمي المليوني مستمر لتحقيق مطالب الشعب ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)﴾ (آل عمران)».
وطرح د. مرسي ما أطلق عليه «الآلية الدستورية لتنحي الرئيس»، وهي أن يتولى رئيس مجلس الشعب مهام الرئيس بحكم الدستور، ولكن في ظل سقوط شرعية الرئيس وشرعية البرلمان ورئيسه، يمكن بحكم الدستور أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا مهام تسيير أمور البلاد، وإجراء انتخابات حرة نزيهة تأتي ببرلمان شرعي يجري تصحيحًا للتعديلات الدستورية، وعليه تجري انتخابات رئاسية حرة نزيهة، وأشار إلى أن هذه الآلية دستورية، تتفق مع الشرعية الشعبية التي أوجدتها ثورة الشعب.
وفيما يتعلق بمقولة ضرورة بقاء الرئيس حتى لا يحدث فراغ دستوري قال د. عصام العريان إن التعلل بالفراغ الدستوري هروب من المواجهة، ولا بد للرئيس أن يتخلى عن عناده، ويحدد جدولًا زمنيًّا للرحيل؛ حتى يهدأ الناس ويشعروا أن هناك استجابةً لمطالبهم، فالشعب في ثورته أكسب البلاد شرعية شعبية وقام بإسقاط النظام.
وأكد د. الكتاتني أن الإخوان ربطوا مشاركتهم واستمرارهم في الحوار بشرط أن يكون بنَّاءً، ويترتب عليه خطوات ترضي طموح المتظاهرين في ميدان التحرير، وإلا فإن الإخوان سوف يعلنون مقاطعتهم للحوار؛ لأنه لم يرق لمطالب الشعب وجماهيره الثائرة.
في 6 فبراير تم التوافق خلال الحوار على مايلي:
1. تشكيل لجنة لإعداد تعديلات دستورية في غضون شهور.
2. العمل على إنهاء حالة الطوارئ.
3. تحرير وسائل الإعلام والاتصالات.
4. ملاحقة المتهمين في قضايا الفساد.
5. تشكيل لجنة وطنية للمتابعة والتنفيذ.
كما تم عقد أول لقاء مباشر مع نائب رئيس الجمهورية، عمر سليمان،‏ وعدد من شباب الثورة، إلا أن عمر سليمان رفض مطلب شباب الثورة بأن يعلن الرئيس تفويض صلاحياته لنائبه.
وفي 8 فبراير قرر الرئيس حسني مبارك تشكيل لجنة دستورية تتولى دراسة التعديلات المطلوبة في الدستور، ولجنة للمتابعة تتولى متابعة التنفيذ لما تم التوافق عليه بين أطياف الحوار الوطني. كما قرر إنشاء لجنة ثالثة لتقصي الحقائق تكون نزيهة، ومستقلة، ومحايدة، من شخصيات مصرية مشهود لها بالنزاهة والمصداقية؛ لتتولى تقصي الحقائق حول أحداث 2 فبراير 2011، والتجاوزات المرفوضة في حق المتظاهرين وما أوقعته من ضحايا أبرياء بين أبناء الوطن.
وقد اتفق المتحاورون على ترتيبات وإجراءات سياسية ودستورية لنقل السلطة تتم في الفترة الانتقالية تحت سقف بقاء الرئيس في الحكم لحين إنهاء ولايته بعد 6 أشهر، وهو ما رفضته العديد من القوى المعارضة والمتظاهرون؛ مما ادخل الأزمة في مرحلة جديدة من الاحتقان السياسي.
وذكرت مصادر المعارضة -آنذاك- أن عمر سليمان رفض مطلبها الداعي إلى تفويض سلطات الرئيس إلى نائبه، بينما أعلنت جماعة الإخوان المسلمين أن مقترحات النظام لا تكفي لقضية الإصلاح، وأنها تؤيد مطالب الشباب المتظاهرين في الشارع، وعلى رأسها تنحي الرئيس فورًا، متوقعة أن يستغرق هذا الحوار وقتًا طويلًا.
وقد جدد رئيس الوزراء أحمد شفيق (آنذاك) تأكيد ضرورة بقاء الرئيس مبارك في منصبه حتى نهاية فترة ولايته الرئاسية. وقال شفيق: «إننا في مصر نصر على أن يستكمل الرئيس مبارك فترة ولايته الرئاسية حتى نهاية شهر سبتمبر القادم».
وفي 9 و10 فبراير من أيام الحوار ، رفض نائب الرئيس ما طلبه عبد الرحمن يوسف، ممثل حركة شباب 25 يناير، من استخدام نص المادة 193 لنقل الرئيس صلاحياته للنائب، قائلًا إن هذا سيؤجل التعديلات الدستورية المطلوبة، ولن يلبي مطلب السماح بإزالة المعوقات من المادة 76 من الدستور بشأن ضمانات الترشح للرئاسة، وكذلك يمنع الحديث عن تعديل المادة 77 بشأن مدد الرئاسة، وهو ما أجابه د. يحيى الجمل، أستاذ القانون الدستوري وعضو لجنة الحكماء، بالموافقة على رأي نائب الرئيس، وأيده في ضرورة وجود الرئيس لسرعة إنجاز واستمرارية هذه التعديلات.
جماعة الإخوان المسلمين كان لها عدة مطالب وردت في ورقة مقترحات، وتمت مناقشتها أثناء الاجتماع، الذي تم تمثيلهم فيه بكل من د. محمد سعد الكتاتني ود. محمد مرسي المتحدثين الإعلاميين باسم الجماعة، فعندما تم الحديث عن الأزمة الدستورية في تنحي الرئيس وأزمة الفراغ الدستوري، قال د. محمد مرسي في أثناء اللقاء إن لديهم آليات قانونية ودستورية اتفق عليها فقهاء قانونيون، وهي: حل مجلسي الشعب والشورى قبل رحيل الرئيس، وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا السلطة، والدعوة لانتخابات جديدة للبرلمان تنتهي في شهرين على الأكثر، ولا يحتاج الأمر إلى تعديلات دستورية فيما يتعلق بالانتخابات إلا بعد انتخاب برلمان جديد، وبعدها يتم الدعوة لانتخابات رئاسية جديدة فورًا.
طرح محمود أباظة، رئيس حزب الوفد السابق، الذي كان ضمن أعضاء حزب الوفد في اللقاء، حل البرلمان، وأكد السيد عمر سليمان أنهم سينفذون جميع قرارات محكمة النقض أولًا بأول، وأن هذا سيعمل على تصحيح العضوية وتواجد المعارضة، إلا أن سعد الكتاتني رد بأنهم لا يريدون تنفيذ قرارات النقض فقط، بل جميع أحكام القضاء، خاصة القضاء الإداري، سواء ما يتعلق بالانتخابات أو بعيدًا عنها، فرد سليمان بأن لديهم فعليًّا إجراءات لتنفيذ جميع الأحكام القضائية طالما كانت أحكامًا نهائية وباتة.
أثناء الحوار تطرق الأمر لمصير المسئولين عن الانفلات الأمني والفراغ الذي حدث يوم الجمعة 28 يناير، فأكد سيد الغضبان، أحد الشخصيات المستقلة التي شاركت في الحوار، أنه لا يصلح أن يتم احتجاز هذه الشخصيات والمسئولين فقط دون أن يتم إعلان محاكمتهم بأسرع وقت، بل وتكون محاكمة علنية وشفافة تعلن نتائجها على الرأي العام، ورد عليه سليمان بأن هذا هو السبيل والطريق الذي تم فعليًّا، إلا أن سعد الكتاتني طالب بمصادرة أملاك وأموال كل من تربح بدون وجه حق واستفاد من سلطته وموقعه الحزبي أو الحكومي في الفترة الماضية.
الحوار توصل إلى 6 إجراءات، منها: تشكيل لجنة تضم أعضاء من السلطة القضائية، وعددًا من الشخصيات السياسية؛ لدراسة واقتراح التعديلات الدستورية، وما تتطلبه من تعديلات تشريعية لبعض القوانين المكملة للدستور، في موعد ينتهي في الأسبوع الأول من مارس، بجانب إعلان الحكومة عن فتح مكتب لتلقي الشكاوى عن معتقلي الرأي من جميع الانتماءات والإفراج عنهم فورًا، مع تعهد الحكومة بعدم ملاحقتهم، أو التضييق عليهم في ممارسة نشاطهم السياسي، إضافة إلى تحرير وسائل الإعلام والاتصالات، وعدم فرض أي قيود على أنشطتها تتجاوز أحكام القانون، مع تكليف الأجهزة الرقابية والقضائية بمواصلة ملاحقة الفاسدين والمسئولين عما شهدته البلاد من انفلات أمني خلال الأحداث الأخيرة ومحاسبتهم.
وطرح مصطفي بكرى، البرلماني السابق، أثناء الحوار-سواء المنفرد أو الجماعي- أن الإعلام الحكومي كان سيئًا وموجهًا ويزيد من حالة الاحتقان في الشارع، ويتعمد توجيهه.
وفي لقاءات يوم الأحد 6 فبراير بيْن نائب رئيس الجمهورية وشباب المتظاهرين قال د.مصطفى النجار: «نحن نقدر اجتماع عمر سليمان معنا بشكل منفصل بعد اجتماع عام مع كل القوى السياسية»، مضيفًا أنهم طالبوا بتحول ديمقراطي كامل وليس إصلاحات جزئية، لكن سليمان رد بالقول: «الديمقراطية تتحقق على مراحل، وأنا حريص على أن يكون هناك فترة تحول سلمي وحكم مدني».
أما الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع، الذي اجتمع باسم الحزب مع نائب رئيس الجمهورية، فقال إنه مع عدد من ممثلي الأحزاب اعترضوا أثناء اجتماعهم مع اللواء عمر سليمان على استمرار بقاء الرئيس مبارك في منصبه حتى انتهاء ولايته الخامسة في سبتمبر 2011، وطالبوا بضرورة تنحي الرئيس الآن، إلا أن سليمان طالب الحضور بضرورة احترام قائد البلاد، لا سيما أن الفترة المتبقية في ولايته لن تزيد على عدة أشهر، كما أوضح أن تنحي رئيس الجمهورية الآن سيتسبب في أزمة دستورية خطيرة.
وأكد أنه خلال الحوار كان لافتًا أن آراء الدكتور حسام بدراوي، الأمين العام الجديد للحزب الوطني، كانت متطابقة مع رؤية ممثلي أحزاب وقوى المعارضة.
أما سامح عاشور، القائم بأعمال رئيس الحزب الناصري، فتقابل منفردًا مع عمر سليمان السبت 5 فبراير، ولكنه نقل أن سليمان تمسك بضرورة انتهاء الفترة الرئاسية للرئيس مبارك في موعدها، مشيرًا إلى أنه لم يقبل أي اقتراحات بشأن هذه النقطة؛ بدعوى أن وجود الرئيس في منصبه أمر ضروري لإجراء الإصلاحات الدستورية، لكنه أوضح أن نائب رئيس الجمهورية أبدى مرونة لقبول مطالب المعارضة؛ بإضافة تعديل المادة 88 من الدستور إلى قائمة المواد التي سيتم تعديلها في الدستور، كما أبدى استعداده لإجراء أي تعديلات دستورية تطالب بها المعارضة، كما أن سليمان رفض اقتراحات حل مجلس الشعب، واقترح في المقابل أن يتم تنفيذ الطعون وتصحيح عضوية مجلس الشعب؛ باعتبار أن حل مجلس الشعب قد يحول دون تنفيذ الإصلاحات الدستورية، لافتًا إلى أنه من المقرر أن تجتمع جميع الأحزاب غدًا (اليوم اليالي) مع نائب رئيس الجمهورية.
أما منير فخري عبد النور، السكرتير العام لحزب الوفد، الذي شارك ضمن عدد من ممثلي الوفد، فقال إن الحزب تقدم بورقة باسم الوفد إلى اللواء عمر سليمان،، تتضمن رؤية شاملة للخروج من الأزمة، ووصف عبد النور سليمان بأنه مستمع جيد جدًّا، مضيفًا أن اللواء سليمان أكد لهم أثناء حديثه على المخاطر التي تحيط بمصر، وأن هناك مؤامرات تحاك من أطراف عديدة في الداخل والخارج، وركز أثناء حديثه على خطورة الموقف الحالى.
في 11 فبراير تنحى الرئيس مبارك عن الحكم مفوضًا سلطاته للمجلس العسكري .
في 23 فبراير تقرر أن يشرف نائب رئيس مجلس الوزراء، الدكتور يحيي الجمل، على شئون مجلسي الشعب والشورى, والمجلس الأعلى للصحافة، كما يرأس لجنة الحوار الوطني التي تقرر إنشاؤها بهدف إجراء حوار موسع مع مختلف القوى الوطنية في مصر حول القضايا التي تهم الوطن والمجتمع والمستقبل.
من السرد سالف الذكر لوقائع الحوار الذي جرى في أجل سياسي وأمني اتسم بالاضطراب في الرؤى، والتناقضات بين عديد أجهزة ومؤسسات الدولة القومية حول أساليب إدارة الأزمة على كافة المحاور؛ برز بوضوح ما يلي:
1) أن المعالجة الأمنية اتسمت بالعجز والجمود وإعادة انتاج أساليب قمعية تقليدية، بدت غير قادرة على إحداث الرهبة والخوف والروع لدى القوى الشبابية والجيلية المنتفضة، والتي يزداد إصرارها على استمرارية التظاهر والاعتصام، وتمدد المعارضة السياسية للنظام جغرافيًّا.
2) ضعف الخيال السياسي لدى العناصر الفاعلة في السلطة السياسية، لا سيما في الدعوة إلى الحوار، الذي كان تعبيرًا عن التعامل مع الأزمة من خلال القوى المعارضة الرسمية، والمحجوب عنها الشرعية القانونية كجماعة الإخوان المسلمين، من ناحية أخرى بروز بعض وجوه جديدة شابة شكلت سريعًا بعض ما يسمى ب«الائتلافات الثورية»، التي انفجرت في سياق وأثناء وبعد الحوار.
3) أن الحوار كان يدور بين نائب رئيس الجمهورية -آنذاك- السيد عمر سليمان بعقليته الاستخباراتية والأمنية، وبين قوى سياسية متعددة، وواقع سياسي جديد ومفاجئ لغالب الأطراف، وفي ظل تسارع وارتفاع حدة المطالب السياسية التي تجاوز بعضها الأطراف السياسية المتحاورة.
4) الحوار كان يدور وفق منطق الاحتواء من قبل نائب رئيس الجمهورية، وفق مألوف الدعوات السابقة للنظام للحوار؛ وهو ما يعني استمرارية ذات الذهنية السياسية التي ران عليها الجمود، وإعادة إنتاج خبراتها السابقة في دور الحوارات الاحتوائية والتمريرية لقرارات سياسية محورية في تطور النظام.
5) قامت قوى المعارضة السياسية الرسمية والمحجوب عنها الشرعية القانونية بإعادة إنتاج ذات أساليبها في المساومات السياسية الجزئية مع النظام، والتي كانت ترمي إلى تحقيق بعض المطالب التي تستهدف مكاسب سياسية جزئية. يلاحظ في هذا الصدد أن تطور المطالب السياسية لقوى الاحتجاج الثوري المتسارع آنذاك أدى إلى تطور في مطالب قوى المعارضة بما فيها جماعة الإخوان المسلمين.
6) دارت غالب المطالبات السياسية للقوى المختلفة حول تغييرات دستورية وقانونية، واتسم البعد السايسي في معالجة الأزمة والخروج من دائرتها بالمحدودية والافتقار للخيال.
7) كان الحوار يستهدف خلق تناقضات بين بعض الأطراف السياسية، ريثما يتم التعامل مع الانتفاضة الثورية، التي كانت تتطور يومًا بعد الآخر، ويزداد إصرارها على ضرورة تغيير وإسقاط النظام في ضوء خطابها العام حول الحرية والكرامة العدالة الاجتماعية.
8) أن العملية الحوارية كانت تدور حول المطالب السياسية لأطرافها، بينما كان ضغط القوى الاجتماعية المنتفضة في الميادين المصرين الثائرة يتزايد؛ حتى تمكنت من إجبار رئيس الجمهورية السابق على تركه لموقعه.
9) يلاحظ أيضًا أن ثمة عدم تكامل بين مراكز صنع القرار، التي كانت تدير البلاد في اثناء أزمة سياسية حادة، لم يستطع أطرافها تكييفها وبلورة أساليب تتسم بالتجانس في التعامل معها.
10) أن ضغط الميادين الثائرة كانت تؤثر على مسارات الحوار، وعلى مواقف أطرافه، وسعي كل طرف من أطرافه إلى محاولة توظيف فائض الاحتجاج السياسي الثوري المتنامي في «المزايدات» البينيه فيما بين بعضهم بعضا.
11) يبدو أيضًا من بعض المؤشرات أن بعض الأطراف المتحاورة كانت تميل إلى إجراء مفاوضات أخرى مع السلطة؛ للحصول على بعض المكاسب السياسية؛ للمشاركة في تطويق الأزمة من وجهة نظر النظام ومصالحه، وهي أمور لا تزال المعلومات حولها شحيحة، وتعتمد فقط على بعض الإشارات السياسية، مثلها في ذلك مثل دور بعض الأطراف الأقليمية والدولية من الأزمة ومن الحوار بين كافة الأطراف السياسية.
12) أن الأجندة الحوارية كانت تخضع للاتساع والعمومية وعدم التحديد في بعض موضوعاتها؛ وذلك لتتاح لحركة الانتفاضة الثورية وأشكال الاجتماع السياسي على اختلافها.
وجيز ما سبق أن إدارة (الأزمة)، من وجهة نظر النظام وأطراف الحوار، اتسمت بالبطء والتلكؤ والنمطية في التفكير، والتوصيف والتحليل وأساليب العمل، وعندما انكسرت المنظومة الأمنية وأداءاتها، انعكست سلبًا على تفكير قادة النظام عند القمة، بينما كانت أطراف فاعلة بدأت في بلورة مواقعها من الانتفاضة التي انتهت برحيل الرئيس السابق عن السلطة؛ ومن ثم ذهب الحوار أدراج الرياح.
ثانيا: الحوار الوطني أثناء وزارة شرف الأولى
في العاشر من مارس 2011 أعلن نائب رئيس الوزراء، يحيى الجمل، عن إنشاء لجنة الحوار الوطني؛ ليشارك فيه كل فئات المجتمع؛ في محاولة للوصول لرؤية اجتماعية للمرحلة المقبلة .
وبدأت أولى جلسات الحوار الوطني، التي نظمتها اللجنة يوم الأربعاء الموافق 30/3/2011. وترأسها يحيى الجمل، نائب رئيس مجلس الوزراء، وتمت بحضور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء؛ لمناقشة والاتفاق على الخطوط العريضة لإدارة المرحلة الانتقالية.
حضر الجلسة أكثر من 100 شخصية عامة، ووزراء: التعليم العالي عمرو عزت سلامة، والتربية والتعليم أحمد جمال الدين، والسياحة منير فخري عبد النور، والأوقاف عبد الله الحسيني، وممثلو القوى السياسية وشباب الثورة، أبرزهم المرشح الرئاسي عمرو موسى، وعبد المنعم أبو الفتوح كممثل عن جماعة الإخوان المسلمين، وعصام سلطان من حزب الوسط، ومفكرون بارزون مثل جلال أمين، وجورج إسحاق، وغيرهم من الشخصيات العامة.
ووجه شرف كلمة في بداية الجلسة، وصف فيها جلسات الحوار بأنها حدث على درجة كبيرة من الأهمية، ويعد بمثابة قص الشريط لمصنع مهم جدًّا، وهو صناعة مستقبل هذه الأمة. وأعرب عن أمانيه بتواجد أكثر كثافة للشباب الذي شارك في الثورة، وكذلك القوى الوطنية، وقال إن الحوار مفتوح أمام كل القوى الوطنية. كما طالب الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، بضرورة تشكيل مجلس رئاسي مدني يضم مجموعة من القضاة وممثلًا عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لحين وضع دستور جديد للبلاد.
وكانت قد قررت اللجنة عقد عدة جلسات مع ممثلي الأحزاب السياسية والنقابات وممثلي شباب الثورة والقوى السياسية وكبار المفكريين، تحت عنوان: «نحو عقد اجتماعي جديد». وسعى الحوار إلى إيجاد توافق وطني بشأن كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخاصة في القضايا التي تحتاج إلى الاستماع لكافة وجهات النظر؛ مثل التحول الديمقراطي، والحكم الرشيد، والمواطنة، وقواعد التعامل مع أعضاء النظام القديم ومشاركتهم في المجتمع الجديد وشروط المصالحة، وسياسة التمثيل العادل لكافة فئات المجتمع، والعدالة الاجتماعية، والتنمية والإنتاج، والإعلام، والتحول لمجتمع المعرفة، بالإضافة إلى سياسة مصر تجاه العالم الخارجي.
في 2 إبريل 2011 أسند عصام شرف ملف الحوار الوطني لعبد العزيز حجازي بدلًا من يحيى الجمل. وبعدها عقد حجازي اجتماعًا مع أعضاء لجنة الحوار الوطني، وقرر إعداد أوراق عمل حول المحاور التي سيناقشها الحوار الوطني في جلساته، وهي الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية والبشرية، والمحور الثقافي وحوار الأديان، وأخيرًا علاقات مصر الخارجية بعد ثورة 25 يناير.
وعقدت جلسات الحوار الوطني بحضور الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء، وأكثر من 500 شخصية من ممثلي كافة التيارات والتوجهات الفكرية والسياسية والأحزاب القائمة وتحت التأسيس وشباب الثورة، وعدد من الشخصيات العامة المعنية بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية، وتحت رئاسة الدكتور عبد العزيز حجازي، في الفترة ما بين 22 مايو وحتى 24 مايو 2011 يوميًّا.
وبدأت أولى هذه الجلسات في 22 مايو برئاسة الداعية الإسلامي صفوت حجازي تحت عنوان «شباب 25 يناير». وشهدت الجلسة مشادات وتبادل الشتائم والسباب واتهامات ب«التخوين»، انتهت بانسحاب ائتلاف شباب الثورة وحركة 6 إبريل من الحوار، بعد اعتلاء عدد من الشباب المنصة اعتراضًا على وجود عدد كبير من رموز الحزب الوطني المنحل، ومع زيادة حدة المشادات وارتفاع الهتافات المطالبة برحيل أعضاء الحزب الوطني المنحل من مقر الحوار؛ اضطر حمدي خليفة، نقيب المحامين، للانسحاب، وكذلك انسحب الكاتب الصحفي عمرو عبد السميع، والدكتور صبري الشبراوي، خبير التنمية البشرية، والدكتورة ليلي عبد المجيد، والدكتور أحمد درويش، ومرتضى منصور، وموسى مصطفى موسى، ومفيد فوزي.
حضر الجلسة حوالي 155 من شباب الثورة، وممثلون عن الإخوان وكافة تيارات المجتمع المدني، وافتتح الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء الجلسة.
وعقب الجلسة أصدر شباب الثورة بيانًا قالوا فيه إنه لا فائدة من الحوار الذي يجمع الحزب الوطني المنحل بالقوى السياسية.
في الجلسة الثانية التي عقدت في 23 مايو ارتكز الحوار على مناقشة سياسة مصر الخارجية بعد ثورة يناير، وحضرها عدد كبير من الشخصيات البارزة، وعدد من السفراء والدبلوماسيين. وشددوا على ضرورة أن تتخذ مصر اتجاهًا جديدًا في السياسة الخارجية يتحرر من القيود، ويعزز القوى الناعمة لمصر، وأكدوا على أهمية مساندة ثورات الربيع العربي، واتخاذ موقف ايجابي من الانتفاضات التي تجري بالعالم العربي، بالإضافة لإنشاء مجلس أمن قومي.
وشهدت آخر جلسة من جلسات الحوار الوطني التي عقدت في 24 مايو مشاركة ضعيفة، واستمرت المشادات بين الحضور حول القضايا الخلافية، حيث وصلت في بعض الأحيان لحد السباب والتلاسن.
كما تم عقد جلسات للحوار الوطني في عدد من المحافظات . ففي يوم الثلاثاء الموافق 23 مايو 2011 شهدت الجلسة التي عقدت في محافظة الدقهلية مشادات ومشاجرات بين «ائتلاف شباب الثورة»، والمسئولين عن الحوار، وأصدر الائتلاف بيانًًا برفضه حضور الجلسات؛ بسبب إصرار المحافظ اللواء محسن حفظي، على وجود من وصفهم الشباب ب«فلول الحزب الوطني السابق»، واتهم البيان «حفظي» ورموز «الوطنى» بقتل المتظاهرين، وطالب بتعيين محافظ مدني. وفي الأقصر انسحب شباب الثورة من الحوار الوطني الذي عقد في نفس اليوم؛ اعتراضًا على وجود رموز من الحزب الوطني حاضرين في جلسة الحوار.
وتكرر السيناريو في عدد من المحافظات، إثر انطلاق فعاليات الحوار؛ حيث جرى الاعتراض على وجود رموز الحزب الوطني «المنحل» وقيادات المحليات ضمن الفعاليات، فيما تحفظت جماعة الإخوان المسلمين على المشاركة، وأكدت مصادر الجماعة أن بعض الأفراد سيشاركون، ولكن بشكل شخصي وليس باسم الجماعة.
وبعد انتهاء الحوار الوطني خرجت اللجنة بوثيقة نصت على أهم التوصيات والمبادئ التي تم التوافق عليها. ونصت هذه الوثيقة على أنه تم التوافق على ما يلي:
1) سرعة إجراء الانتخابات للمجالس النيابية والرئاسية .
2) تدشين شرعية جديدة تجسد الأهداف الأساسية للثورة، والمطالب التي رفعها المواطنون، وذلك من خلال تشريعات وسياسات عامة تحقق ذلك .
3) إجراء الإصلاحات الدستورية التي تمثل الأساس للتحولات السياسية، على أن يتم ذلك خلال فترة زمنية محددة .
4) إصلاح الخلل في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية على نحو يحد من تغلغل السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية؛ مما نتج عنه في السابق انتهاك حقوق الإنسان، وغياب قدرة ممثلي الشعب المنتخبين على محاسبة المسئولين التنفيذيين. وفي هذا الصدد فإن مشاركة أعضاء البرلمان المنتخبين في وضع الدستور الجديد يمثل تفعيلاً لدور المؤسسة التشريعية، وتمهيدًا للقيام بدورها الأصيل في التشريع والرقابة .
5) تطوير نظم الانتخابات بحيث تعمق مشاركة الناخبين، وتسمح بدخول قوى سياسية متنوعة أو جديدة إلى الساحة السياسية .
6) تشكيل لجنة عليا تشرف على الانتخابات باختلاف مراحلها، منذ إعداد الكشوف الانتخابية وحتى إعلان النتائج، تتمتع بصلاحيات قانونية، وحيادية سياسية، وكفاءة إدارية على نحو يمكنها من وقف كافة صور سرقة الصوت الانتخابي، بما يستعيد ثقة المجتمع في الانتخابات خاصة، وفي مجمل العملية السياسية عامة .
ثالثا: الحوار الوطني اثناء وزارة شرف الثانية
في اجتماع ضم العديد من القوى السياسية؛ عرض الدكتور علي السلمي، نائب رئيس الوزراء في وزارة عصام شرف الثانية، « وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور» يوم الثلاثاء 1 نوفمبر 2011. وأثارت الوثيقة جدلاً واسعًا؛ حيث رحبت بها بعض القوى مع إبداء بعض التحفظات، بينما رفضتها القوى الإسلامية رفضًا تامًّا.
أكثر المواد التي تسببت في جدل واسع كانت المادة التاسعة، التي تتعلق بموازنة الجيش؛ إذ تنص على أنه «يختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره بالنظر في كل ما يتعلق بالشئون الخاصة بالقوات المسلحة ومناقشة بنود ميزانيتها، على أن يتم إدراجها رقمًا واحدًا في الموازنة العامة للدولة». واعتبر الكثير من الأحزاب في الاجتماع أن هذا البند يضفي حصانة على القوات المسلحة، ولا ينظر إليها على أنها مؤسسة من مؤسسات الدولة يجب أن تخضع للمراقبة والمراجعة المالية من قبل البرلمان المنتخب .
كما تتضمن الوثيقة معايير لاختيار 80 عضوًا في لجنة وضع الدستور، كما تنص الوثيقة على أنه يجب ألاّ يخالف الدستور الجديد نصوص الإعلانات الدستورية التي أصدرها المجلس العسكري منذ تنحي مبارك. وكان من المقرر أن تقدم الوثيقة للجنة التأسيسية لصياغة الدستور، وكان من المقرر أيضًا أن تكون مواد الوثيقة إلزامية.
· مواقف القوى السياسية من الوثيقة:
تباينت ردود الأفعال حول وثيقة السلمي، حيث رفضتها العديد من القوى السياسية، وكان من أبرز الرافضين لهذه الوثيقة التيارات الإسلامية، المتمثلة في حزب الحرية والعدالة والقوى السلفية، والتي رفضت هذه الوثيقة بشدة.
في هذا الصدد قال الدكتور عادل عفيفي، رئيس حزب الأصالة السلفي: إن الإسلاميين لن يصمتوا أمام هذا المخطط، وسيكون الرد بالقضاء والتظاهر والاعتصام. وأكد الدكتور خالد سعيد، المتحدث الرسمي للجبهة السلفية، أن حملة ستنطلق لجمع ملايين التوقيعات ضد المبادئ فوق الدستورية. كما أرسل ممدوح إسماعيل، وعدد من المحامين، إنذارًا على يد محضر للدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء، ونائبه الدكتور علي السلمي؛ لإلغاء مشروع الوثيقة.
وأطلقت جبهة الإرادة الشعبية حملة لإرسال مليون فاكس ورسالة بريد إلكتروني إلى مجلس الوزراء، ضد المبادئ الحاكمة للدستور.
ووصفها الدكتور البرادعي بأنها وثيقة مشوهة، وأكد على رفضه لأن تكون القوات المسلحة دولة داخل دولة، ورفضها السيد عمرو موسى، وحزب المصريين الأحرار، والدكتور محمد سليم العوا، الذي رفض هيمنة المجلس العسكرى. وقد دعت قوى وطنية إلى تنظيم مليونية لرفض وثيقة «المبادئ الدستورية»، والتي أُطلق عليها «وثيقة السلمي»، في 18 نوفمبر 2011 تنديدًا ورفضًا لهذه الوثيقة.
وقال السعيد كامل، رئيس حزب الجبهة: إن الحزب سيرفض الوثيقة إذا تم التمسك بالمادتين 9 و10.
§ القوى الرافضة للوثيقة:
أعلنت القوى التي قاطعت الاجتماع عن عقد جتماع ضم القوى الرافضة لاستكمال المناقشات الخاصة بالوثيقة. وانبثق عن هذا الاجتماع لجنة سميت ب«لجنة المتابعة» ترأسها وحيد عبد المجيد، وضمت اللجنة كلاًّ من طارق الزمر، القيادي البارز ب «الجماعة الإسلامية»، ممثلاً لحزب «البناء والتنمية»، وعصام سلطان، نائب رئيس حزب «الوسط»، والدكتور أسامة ياسين القيادي بجماعة «الإخوان المسلمين»، والدكتور أحمد شكري.. لمناقشة التعديلات التي أدخلها السلمي على الوثيقة، ومن بينها المادتان التاسعة والعاشرة المتعلقتان بالقوات المسلحة .
الخلاف الحاد الذي أثارته مسودة وثيقة الدكتور السلمي دارت حول موقع المؤسسة العسكرية في النظام الدستوري المأمول للبلاد، وارتكز الخلاف على صياغة ومضمون المادتين التاسعة والعاشرة، اللتين جرى نص كل منها على النحو التالي:
Ø المادة (9 )
«الدولة وحدها هي التي تنشئ القوات المسلحة، وهي ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها، والحفاظ على وحدتها، وحماية الشرعية الدستورية، ولا يجوز لأية هيئة أو جماعة أو حزب إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية . .ويختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره بالنظر في كل ما يتعلق بالشئون الخاصة بالقوات المسلحة ومناقشة بنود ميزانيتها، على أن يتم إدراجها رقمًا واحدًا في موازنة الدولة، كما يختص دون غيره بالموافقة على أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره. ورئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ووزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعلن رئيس الجمهورية الحرب بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الشعب».
Ø المادة (10 )
«يُنشأ مجلس يسمى “,”مجلس الدفاع الوطني“,” يتولى رئيس الجمهورية رئاسته، ويختص بالنظر في الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها، ويبين القانون اختصاصاته الأخرى. والدفاع عن الوطن وأرضه واجب مقدس، والتجنيد الإجباري وفقًا للقانون، كما تنظم التعبئة العامة بالقانون».
وفي ضوء الانتقادات الحادة للصياغة السابقة لكلتا المادتيين، أعاد الدكتور علي السلمي طرح الوثيقة مع التعديلات التالية لكل من المادتتين على النحو التالي:
المادة (9): « الدفاع عن الوطن وأرضه واجب مقدس، والتجنيد إجباري وفقًا للقانون، والتعبئة العامة تنظم بقانون، والدولة وحدها هي التي تنشىء القوات المسلحة، وهي ملك للشعب، مهمتها حماية أمن الوطن واستقلاله والحفاظ على وحدته وسيادته على كامل أراضيه، ولا يجوز لأية هيئة أو جماعة أو حزب إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية، ويختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالنظر في كل ما يتعلق بالشئون الخاصة بالقوات المسلحة ومناقشة بنود ميزانيتها، على أن يتم إدراجها رقمًا واحدًا في موازنة الدولة، ويجب عرض أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ووزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعلن رئيس الجمهورية الحرب بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الشعب».
المادة (10): « ينشأ مجلس للدفاع الوطني، يتولى رئيس الجمهورية رئاسته، ويختص بالنظر في الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها، ومراجعة واعتماد موازنة القوات المسلحة وبين القانون اختصاصاته الأخرى».
§ القوى المؤيدة للوثيقة:
أعلنت الجمعية الوطنية للتغيير أن تأييدها للوثيقة يأتي انطلاقًا من أنها من شأنها «حماية الدولة المدنية، وأنها تطمئن الجميع، وتنزع القلق المجتمعي الواسع، والشقاق السياسي الراهن، الناتج عن تواتر نظرات الغلو والتشدد في خطاب بعض التيارات»، واتهمت الجمعية هذه التيارات بأنها «تسعى لفرض طريقة تعامل أحادية مع تلك القضية، عن طريق بسط هيمنتها على البرلمان، وتشكيل لجنة تحقق أغراضها»، دون أن تراعي أن من بين من أعلنوا رفضهم للوثيقة قوى وشخصيات غير محسوبين على قوى الإسلام السياسي، وبينهم مرشحون للرئاسة، كالدكتور محمد البرادعي والدكتور أيمن نور . كما أعلن حزب الوفد وحزب التجمع تأييدهم للوثيقة.
وأعلن حسين عبد الرازق، القيادي في حزب التجمع، عدم مشاركة حزبه في المليونية التي تمت الدعوة لها من بعض أحزاب التيار الديني لرفض وثيقة علي السلمي. وقال
عبد الرازق: إن هذا الموقف هو أمر انتهازي من حزب الحرية والعدالة والأحزاب السلفية؛ لأنها شاركت من البداية في كل الحوارات التي دارت حول صياغة وثيقة دستورية عامة، بداية من مؤتمر الوفاق الوطني الذي أعده الدكتور يحيى الجمل، مرورًا بوثيقة البرادعي والتحالف الديمقراطي، وما طرحه علي السلمي في يوم 15 أغسطس .
رابعًا: المجلس الاستشاري (الأسباب، التكوين، الأهداف)
في إطار الاهتمام بتدعيم فكرة المشاركة في إدارة شئون الدولة والاستفادة من الخبرات التي توجد في البلاد في الحكم، قام المجلس العسكري في أثناء إدارته للمرحلة الانتقالية بتشكيل مجلس استشاري له في الثامن من ديسمبر 2011؛ عقب قيام احتجاجات ومظاهرات واسعة في مصر، بداية من يوم السبت 19 نوفمبر، على إثر قيام قوات الشرطة المدنية والشرطة العسكرية باستعمال القوة لفض اعتصام في ميدان التحرير؛ مما أدى إلى إصابة أكثر من 500 شخص، وأدى إلى توافد العديد من المتظاهرين إلى ميدان التحرير للاحتجاج على الاستخدام غير المبرر والمفرط للقوة في فض الاعتصام. وقد تطورت هذه المواجهات في اليوم التالي (20 نوفمبر 2011)، بقيام الشرطة العسكرية والمدنية بإخلاء الميدان مرة ثانية بالقوة، وأدت إلى وقوع أكثر من 15 قتيلاً من المتظاهرين. وأدت صور هؤلاء الضحايا إلى تأجيج ما سماه البعض مجازًا ب«موجة الثورة الثانية».
وفي هذا السياق أعلن المجلس العسكري عن تشكيل مجلس استشاري للمشاركة في إدارة شئون البلاد، والذي ضم عددًا من الشخصيات، هم: المهندس أبو العلا ماضي، السيد أحمد خيري أبو اليزيد، الدكتور أحمد كمال أبو المجد، الدكتور السيد البدوي شحاتة، الدكتور حسن نافعة، الدكتور حنا جريس قلدس، السيد زياد محمد وفيق أحمد علي، السيد سامح عاشور، السيد شريف محمد زهران، الدكتور عبد العزيز حجازي، السيد أشرف عبد الغفور، الدكتور عبد الله المغازي، الدكتور عصام النظامي، السيد عماد عبد الغفور، السيد عمرو موسى، السيد لبيب السباعي، السيد محمد أسامة برهان، السيد محمد سلماوي، الدكتور محمد سليم العوا، السيد صلاح فضل، السيد محمد عبد المجيد سالم برغش، السيد محمد علي الخولي، الدكتور محمد نور فرحات، الدكتور مصطفى كامل السيد، الدكتور معتز بالله عبد الفتاح، الدكتورة منار الشوربجي، السيد منصور حسن، الدكتورة نادية مصطفى، المهندس نجيب ساويرس، الدكتورة نيفين عبد المنعم مسعد“,”.
وقد حدد المجلس العسكري للمجلس العديد من الاختصاصات، يمكن رصدها فيما يلي:
Ø اختصاصات المجلس:
يختص المجلس الاستشاري بإبداء الرأي في ما يتعلق بشئون البلاد ويهم الرأي العام من قضايا مطروحة على الساحة السياسية المصرية. ومن ثم اختصاصاته فيما يلي:
1) ما يعرض عليه من المجلس الأعلى للقوات المسلحة من شئون البلاد.
2) مشروعات القوانين والاتفاقيات الدولية إلى أن يتم انعقاد مجلسي الشعب والشورى. ويجب إبداء الرأي خلال أسبوع من تاريخ إرسال الموضوع إليه.
3) وللمجلس اقتراح ما يتراءى له من موضوعات أو وسائل التعامل مع ما قد ينشأ من أزمات أو أوضاع تمس المواطنين أيًّا كان مجالها.
وفي أول اجتماع للمجلس الاستشاري (في 11 ديسمبر 2011)، تم انتخاب السيد منصور حسن رئيسًا للمجلس، والمهندس أبو العلا ماضي والسيد سامح عاشور نائبين. كما تم اختيار الدكتور محمد نور فرحات أمينًا عامًّا له، كما ناقش موضوعين، هما: مشروع قانون انتخاب رئيس الجمهورية، والذي سيحال بعد مناقشة المجلس الاستشاري والحكومة له إلى المحكمة الدستورية العليا، أما الموضوع الثاني فهو مشروع قانون إجراءات انتخاب أو اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية التي ستضع الدستور.
كان من المقرر عقد اجتماع للمجلس الاستشاري مرة كل أسبوع، ومرة كل شهر على الأقل مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ لمناقشة ما قام به المجلس الاستشاري من اقتراحات، وهل نفذت أم لا، إلى جانب مناقشة ما أصدره المجلس من قرارات أو إجراءات، وما سبق أن أصدره من بيانات.
عُقد أول اجتماع للمجلس الاستشاري بعد الاجتماع الأول الخاص بالأمور الإجرائية والتنظيمية في العمل، وهو اجتماع طارئ بشأن أحداث مجلس الوزراء في مساء يوم 16 ديسمبر 2011 في مركز إعداد القادة بالعجوزة، والذي قدم فيه تسعة أعضاء من المجلس الاستشاري استقالتهم؛ اعتراضًا على طريقة تعامل المجلس العسكري مع الأحداث، واستخدام القوة المفرطة من قبل الشرطة العسكرية والشرطة في فض الاعتصام في ميدان التحرير، وكان من بين الذين قدموا استقالاتهم كل من: الدكتور معتز بالله عبد الفتاح، والسيد أحمد خيري أبو اليزيد، والدكتورة نادية مصطفى، ومنار الشوربجي، وزياد علي، ولبيب السباعي، وحسن نافعة، وشريف زهران، وحنا جرجس، فضلاً عن تقديم أبو العلا ماضي استقالته يوم 17 ديسمبر 2011. حضر الاجتماع نيابة عن المجلس العسكري كل من اللواء محمد العصار، عضو المجلس، واللواء محمد صابر، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة. وأكد منصور حسن أنهما «حضرا بناءً على طلبه الشخصي»، في حين تغيب عن الاجتماع عدد من أعضاء المجلس الاستشاري، منهم سامح عاشور، وعبد العزيز حجازي، والسيد البدوي، ونجيب ساويرس، ونيفين مسعد؛ لظروف سفرها، ومعتز عبد الفتاح، وأحمد خيري؛ لإعلانهما استقالتهما من المجلس، وأ.د. نادية مصطفى، التي سبق أن علقت عضويتها أيضًا.
وقد انتهي الاجتماع بإجماع أعضائه تعليق اجتماعات المجلس لحين استجابة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتوصياته، والتي تتمثل في: وقف العنف فورًا ضد المعتصمين، وإحالة المسئولين عن الأحداث لتحقيق فوري شفاف يرأسه قاضٍ من محكمة الاستئناف ينتدبه وزير العدل، اعتذار المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن أحداث العنف، وصرف مستحقات الشهداء ومصابي الثورة، والإفراج الفوري عن معتقلي هذه الأحداث وما سبقها، وإحالة المسئولين عن هذه الأحداث وما سبقها للتحقيق.
ونتيجة عدم تفعيل اللقاء الدوري والشهري بين المجلس الاستشاري والمجلس العسكري، وكذلك عدم عرض مشروعات القوانين على المجلس الاستشاري لمناقشتها والتي تعتبر أحد اختصاصاته، قدم أمين عام المجلس الاستشاري الدكتور محمد نور فرحات استقالته. خاصة بعد تراجع المجلس العسكري عن إصدار إعلان دستوري خاص بمعايير اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وعقب ذلك قدم عدد من الأعضاء استقالاتهم، مثل الدكتور حسن نافعة، الذي قدم استقالته اعتراضًا على أسلوب إدارة المجلس العسكري لشئون البلاد، وتكرار الاعتداء على المتظاهرين.
ومن ثم تم دعوة عدد من الشخصيات العامة والمتخصصين، مثل الأستاذة سكينة فؤاد، الدكتور أسامة الغزالي حرب، ومنى مكرم عبيد، لعضوية المجلس الاستتشاري بدلاً من الأعضاء المنسحبين، كما أصبح عبد الله المغازي أمينًا عامًّا للمجلس؛ خلفًا للدكتور محمد نور فرحات.
اجتمع المجلس العسكري مع المجلس الاستشاري اجتماعًا طارئًا في الرابع من يونيو 2012 لمناقشة الانتخابات الرئاسية، والجمعية التأسيسية لوضع الدستور، ومناقشة الأوضاع الراهنة والاعتصامات في مختلف ميادين مصر بعد الحكم في قضية قتل المتظاهرين المتهم فيها الرئيس السابق حسني مبارك، ونجليه ورموز نظامه.
وقد انتهى الاجتماع إلى تعديل المادة 60 من الإعلان الدستوري بما يعطي الحق للمجلس تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، بعد اختيار الجمعية التأسيسية، يتم اختيار 20 شخصية عامة، يتم الاتفاق عليها، من أجل إكمال عدد أعضاء الجمعية التأسيسية، ويكون اختيارهم من النساء والشباب والأقباط، لضمان عدم الاستحواذ على الجمعية التأسيسية، وضمان استقلالها.
في ذات الإطار اجتمع المجلس العسكري مع المجلس الاستشاري وعدد من الخبراء القانونيين والدستوريين يوم 16 يونيو 2012 لبحث إصدار المجلس العسكري إعلانًا دستوريًّا مكملاً يتضمن تحديدًا واضحًا للصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية القادم وتحديد السلطة التشريعية.
من هنا نستطيع أن نعتبر تجربة الحوار بين المجلس الاستشاري والمجلس العسكري لم تكن ذات فعالية، حيث لم يقم المجلس بممارسة اختصاصاته كما كان منصوصًا عليه في قرار إنشائه، ولم يتم عقد الاجتماعات المشتركة بين المجلس العسكري والمجلس الاستشاري بصورة منتظمة كما كان مقررًا.
§ اجتماع فيرمونت:
قبيل الإعلان عن نتيجة الانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية، وكرد فعل سريع على عقد المرشح الرئاسي المنافس آنذاك، الفريق «أحمد شفيق»، لمؤتمر في «ماريوت» على الطريق الدائري للقاهرة، سارع المرشح الرئاسي الدكتور «محمد مرسي» بعقد مؤتمر مماثل في فندق « فيرمونت» في الحادي والعشرين من يونيو 2012. سبق أن أعد حزب الحرية والعدالة لهذا المؤتمر جيدًا؛ في محاولة لجمع القوى الثورية والسياسية المختلفة للوقوف بجانب مرشحهم في الانتخابات الرئاسية، حيث تم تكليف الدكتور محمد البلتاجي -أمين عام حزب الحرية والعدالة في القاهرة آنذاك- بتنظيم المؤتمر، والاتصال بالقوى السياسية المختلفة لدعوتها لحضور المؤتمر، وقد حاول الدكتور البلتاجي الاتصال بالدكتور محمد البرادعي لحضور هذا المؤتمر، ولكن الدكتور البرادعي رفض بشكل ضمني، فقام الدكتور عصام العريان بالاتصال بالدكتور البرادعي وأقنعه بالحضور، ووافق آنذاك الدكتور البرادعي على الحضور، وتم دعوة عدد من الشخصيات العامة وشباب الثورة لحضور هذا المؤتمر، فكان من أبرز الحضور -بجانب الدكتور البرادعي- وائل غنيم، علاء الأسواني، سكينة فؤاد، وائل قنديل، حمدي قنديل، وأحمد ماهر منسق حركة 6 أبريل.
كما دعا البتاجي قرابة 20 شخصية من مختلف التيارات السياسية. وكان من أبرز من تغيب عن الحضور حزب الوسط وممثلاه عصام سلطان وأبو العلا ماضي، حيث لم توجه الدعوة إليهما منذ البداية، كما لم توجه الدعوة لعدد من التيارات والقوى السياسية مثل التيار السلفي والاشتراكيين الثوريين.
هذا وقد ساد الحوار انتقاد واضح لحزب الحرية والعدالة من الحضور، وساد نوع من التوتر إزاء بعض الكلمات التي ألقاها عدد من الحضور والمدعوين، ونقدهم لأداء حزب الحرية والعدالة.
وقد حذر بعضهم وقتها من احتمال عقد الإخوان صفقة مع المجلس العسكري مثلما فعل النظام السابق، كما انتقد استعلاء جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة على القوى السياسية الأخرى.
وقد انتهى اللقاء، الذي استمر حتى الواحدة وخمسة وأربعين دقيقة صباح يوم 17 يونيو 2012، إلى إصدار بيان، أعلنه الإعلامي حمدي قنديل، الذي استطاع أن يحتوي التوترات التي سادت هذا المؤتمر، وقد نص البيان على الآتي:
أولاً: رفض القوى الوطنية تزوير إرادة الشعب وممارسات المجلس العسكري الأخيرة، واعتبار ما يجري حاليًّا تضليل للرأي العام عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، والتأكيد على الشراكة الوطنية، وأن المشروع الوطني الذي يعبر عن أهداف الثورة وكافة مكونات الشعب المصري ممثل فيه المرأة والأقباط والشباب.
ثانيًا: أن يضم الفريق الرئاسي وحكومة الإنقاذ الوطني كافة الطوائف، وأن يكون رئيس الحكومة شخصية وطنية مستقلة.
ثالثًا: تكوين فريق «إدارة أزمة» يشمل رموزًا وطنية للتعامل مع الوضع الحالي؛ لضمان استكمال إجراءات تسليم السلطة لرئيس منتخب وفريقه الرئاسي وحكومته بشكل كامل.
رابعًا: رفض الإعلان الدستوري المكمل، والذي يؤسس لدولة عسكرية، ويسلب الرئيس صلاحياته، ويستحوذ على السلطة التشريعية، ورفض القرار الذي اتخذه العسكري لحل البرلمان الممثل للإرادة الشعبية، وأيضًا رفض تشكيل مجلس الدفاع الوطني.
خامسًا: السعي لتحقيق التوزان في تشكيل لجنة تأسيسية للدستور بما يضمن صياغة دستور لكل المصريين.
سادسًا: التعامل بالشفافية والوضوح مع الشعب في كل ما يستجد من المتغيرات التي تشهدها الساحة السياسية.
واختتم المؤتمر بالقول إن القوى الوطنية تؤكد –وبوضوح- على استمرار الضغط الشعبي السلمي في كل أرجاء الجمهورية لتحقيق مطالب الثورة المصرية وجميع المصريين.
إن فكرة المجلس الاستشاري التي طرحتها السلطة الفعلية الحقيقية في البلاد –المجلس العسكري– تشير وبوضوح من التسمية إلى أن دور هذا المجلس هو تقديم الاستشارات والأفكار وبعض الحلول التي تساعد المجلس العسكري على إدارة شئون البلاد.
هذا النمط من المجالس الاستشارية ليس جديدًا في التجرية المصرية طيلة تطور نظام يوليو 1952، فبعضها كان أقرب إلى الديكور السياسي الشكلي لاستيعاب بعض الكوادر البيروقراطية في أجهزة الدولة الأمنية أو في الأجهزة البيروقراطية، أو من التكنوقراط أو العسكريين المقتاعدين. من ناحية أخرى بعض هذه الأشكال الاستشارية كانت تقدم محض استشارات غير ملزمة لرئيس الجمهورية، من قبيل المجالس القومية المتخصصة، التي انشأها الرئيس السابق محمد أنور السادات، واستمرت طيلة حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك حتى إلغائها بعد 25 يناير 2011.
لم يكن هذا الشكل الاستشاري من المجالس مجديًا، وظل شكلانيًّا محضًا، لكن هناك أشكالاً استشارية أخرى كانت أكثر جدوى في إطار جهاز الدولة ذاته أو حول رئيس الجمهورية.
تجربة المجلس الاستشاري كانت أيضًا تدور في إطار السعي لمحاولة تخفيف وطأة الفشل، وعدم الخبرة السياسية أو الفنية للسلطة الفعلية في إطار إدارتها المتخبطة لشئون البلاد في المرحلة الانتقالية.
اتسم أداء المجلس العسكري بالتخبط والاعتماد على سياسة رد الفعل لسياسة الميادين/ الشوارع دون أن تكون هناك رؤية تنظيم تحثها سياسته وقراراته السياسية، بالإضافة إلى تأثير ضغوط وأدوار بعض الفاعلين الإقليميين والولايات المتحدة الأمريكية.
من ناحية أخرى لم يستطع المجلس الاستشاري أن ينهض بالأدوار الاستشارية التي نيطت به؛ لعديد من الاعتبارات، أولها طبيعة ونوعية واختصاصات أعضائه، وغلبة الطابع التكنوقراطي أو الديني أو الطائفي في تشكيله. من ثم غلبت الطبيعة الفنية على الطبيعة السياسية على غالب التشكيل؛ ومن ثم ضعف الأداء السياسي أو الفني، وغلب تأثير المجلس العسكري على بعض أعضائه.
يمكن القول أيضًا إن بعض أعضاء المجلس الاستشاري كانوا جزءًا من تأثيرات سياسة الميادين والشوارع؛ ومن ثم أثرت التباينات والتناقضات فيما بين أعضائه على عمل المجلس من ناحية، من ناحية أخرى كان المجلس العسكري يجري تفاهمات من الجانب الآخر مع بعض القوى الإسلامية السياسية على نحوٍ أثر على أداء المجلس الاستشاري، بل ودروه، وضعف تأثيره على الحالة السياسية المضطربة، أو على الأداء السياسي والتشريعي للمجلس العسكري.
ترتيبًا على ذلك لم يكن المجلس العسكري بعيدًا عن إطار لحالة حوارية مع أطراف يمثلون فواعل رئيسة على الساحة السياسية المصرية الجديدة بعد 25 يناير 2011، وإنما كان جزءًا من «الماكياج» السياسي حول السلطة الفعلية؛ ومن ثم بلا تأثير على القرارات والسياسات الفعلية.
خامسًا: الحوار الوطني برعاية مرسي
بدأ الحوار الوطني عقب إصدار الإعلان الدستوري -الذي تم إصداره في 21 نوفمبر 2012- في 8 ديسمبر ، وتحت ضغط المظاهرات الحاشدة في الشارع، التي وصلت حتى بوابة قصر الاتحادية، في ذلك الوقت؛ رفضت العديد من القوى المدنية حضور الحوار، كان أبرزها جبهة الإنقاذ، بالإضافة إلى الكنائس المصرية الثلاث؛ اعتراضًا على الإعلان الدستوري، وكانت الجلسة الأولى مخصصة للحوار حول الإعلان الدستوري والأزمة التي تسبب فيها، وعقدت الجلسة برعاية الوزير الدكتور محمد محسوب، والمستشار محمود مكي نائب رئيس الجمهورية، وبحضور 54 شخصية، واستمرت الجلسة من الساعة 2 إلى 11، وأسفر الحوار عن تشكيل لجنة قانونية بعضوية الدكتور ثروت بدوي، وأحمد كمال أبو المجد، ومحمد محسوب، وأيمن نور، ومنال الشوربجي، والمستشار محمد جاب الله مستشار رئيس الجمهورية، ومحمد سليم العوا. وأعلنت اللجنة توصياتها بإلغاء الإعلان الدستوري، وإصدار إعلان دستوري جديد، كما أوصت اللجنة بانتداب قضاة تحقيق للتحقيق في أحداث العنف التي وقعت في محيط قصر رئاسة الجمهورية أو ارتكاب جرائم الإرهاب أو التحريض عليها.
بالفعل أصدرت اللجنة القانونية إعلانًا دستوريًّا جديدًا في نفس الليلة ألغى الأعلان الدستوري الصادر بتاريخ 21 نوفمبر، وأبقى على آثاره، مع التأكيد على إجراء الاستفتاء في موعده. واعتبرت هذه الجلسة هي بداية الحوار الوطني، وتقرر أن يكون هناك جولات أخرى.
وبالفعل في 11 ديسمبر عقدت ثاني جلسات الحوار بحضور المستشار محمود مكي نائب رئيس الجمهورية، إلى جانب ممثلين عن حزب مصر القوية، الذي شارك لأول مرة في الحوار، والتيار المصري، بالإضافة إلى اللجنة القانونية التي شكلت في الجلسة الأولى، واستمرت الجلسة ل5 ساعات، وكان من المفترض أن تناقش هذه الجلسة التعديلات الدستورية التي قيل وقتها إن الرئيس سيطلب تعديلها بعد التوافق عليها، وخرج بعد الجلسة بيان مبهم من رئاسة الجمهورية اعتبر أن الجلسة تم الاستماع فيها ل جميع الأفكار والمقترحات من جانب ممثلي القوى الوطنية والشعبية؛ لوضع خارطة طريق للتحول الديمقراطي وتحقيق الاستقرار الدستوري والتشريعي في مصر .
وكان من المقرر أن تكون الجلسة الثالثة في اليوم التالي يوم 12 ديسمبر، ولكن تم تأجيلها ليوم واحد، وعقدت يوم 13 ديسمبر بحضور نفس القوى التي شاركت في الجلستين السابقتين، وتم الاتفاق في هذه الجلسة على معايير اختيار أعضاء مجلس الشورى في حالة الموافقة على الدستور وإقراراه، وفي البيان الصادر عن الجلسة أعلن عن الاتفاق على معايير موضوعية لا ختيار المرشحين للتعيين من كافة القوى السياسية الحزبية الفاعلة، سواء تلك التي شاركت في الحوار أو التي لم تشارك، وكذلك تمثيل الهيئات الدينية، كالأزهر الشريف والكنائس المصرية الثلاث، وشخصيات قانونية وشخصيات عامة تمثل كافة ألوان الطيف المصري.
وفي الجلسة الرابعة التي عقدت يوم 19 ديسمبر ، شاركت لأول مرة الكنائس المصرية الثلاث بممثلين لها، بالإضافة للجنة القانونية المشكلة من قبل، وبحضور 12 حزبًا، هي: الحرية والعدالة، النور، والوسط، غد الثورة، مصر، الأصالة، البناء والتنمية، الإصلاح والتنمية، مصر الحديثة، الحضارة، مصر القوية، والتيار المصري .
استعرض الاجتماع ما وصلت إليه اللجنة المصغرة في آخر اجتماعاتها، وتمت مناقشة المسار المستقبلي للحوار في ضوء نتائج الاستفتاء سواء بالموافقة أو الرفض . واتفق الحاضرون أنه في حالة الموافقة على مشروع الدستور سيتم مناقشة قانون انتخابات البرلمان، وأيضًا مناقشة المواد المقترح تعديلها في مشروع الدستور لعرضها على البرلمان المقبل. أما في حالة عدم الموافقة فسيتم مناقشة قانون انتخابات الجمعية التأسيسية الجديدة .
وعقدت الجلسة الخامسة يوم 26 ديسمبر بعد الموافقة على الدستور، ورأسها الرئيس الدكتور محمد مرسي، واقتصرت الجلسة على مناقشة قانون الانتخابات البرلمانية، وتقديم المقترحات الخاصة بالقانون؛ تمهيدًا لعرضها على مجلس الشورى.
وعقدت الجلسة السادسة في 30 ديسمبر بمشاركةٍ أكبر من القوى السياسية؛ للنقاش حول قانون الانتخابات، وخرجت الجلسة -التي استمرت 9 ساعات- بتصور لقانون الانتخابات تمهيدًا لعرضه على رئيس الجمهورية قبل إرساله لمجلس الشورى، وكانت أبرز ملامح القانون المقترح هو استخدام نظام القائمة المغلقة، مع وضع عتبة أو حد أدنى، هو ثلث عدد الأصوات المقررة للمقعد الواحد في الدائرة، مع بقاء تقسيم الدوائر على وضعه الحالي؛ لأنه يحتاج إلى نقاش مجتمعي وتشريعي كبير ومتسع . وباستثناء القوائم المكونة من 4 مرشحين والتي لا بد من وجود مرشحة سيدة فيها، فإن باقي القوائم لا بد من وجود المرأة في نصف القائمة الأول.
و في 9 يناير عقدت الجلسة السابعة للحوار الوطني ؛ لمناقشة تعديلات الدستور وتقديم المفترحات بشأنها، وكان من المقرر أن يحضر هذه الجلسة عدد من قيادات جبهة الإنقاذ بعد إعلان المستشار محمود مكي عن تلقيه وعدًا بمشاركة 8 ممثلين لجبهة الإنقاذ الوطني، وهو ما لم يحدث.
وخرج بيان رئاسة الجمهورية عن الجلسة ليعلن أن الجولة السابعة من جلسات الحوار الوطني اختصت بمناقشة بعض مواد الدستور المطلوب التوافق حولها، والآفاق المستقبلية لهذا الحوار.
وخلال تلك الجلسة تم ضم المستشار محمد أمين المهدي، والدكتور فتحي فكري، إلى اللجنة القانونية المصغرة؛ وذلك بناء على ترشيح بعض الأحزاب والقوى السياسية غير المشاركة في الحوار، والتي نقلها للحضور إبراهيم المعلم المشارك في جلسات الحوار، بحسب ما ورد في البيان الذي أعلنته رئاسة الجمهورية.
وبذلك أصبحت اللجنة القانونية المصغرة للحوار الوطني مشكلة من د. محمد سليم العوا، ود. ثروت بدوي، والدكتور أحمد كمال أبو المجد، والمستشار محمد فؤاد جاب الله، ود. محمد محسوب، ود. جمال جبريل، ود. سوزي حنا ناشد، والمستشار محمد أمين المهدي، ود فتحي فكري . ولكن خلال مناقشات مجلس الشورى لقانون الانتخابات، لم يتم الالتزام بنتائج الحوار الوطني، وخرج قانون الانتخابات مخالفًا للتصور الذي تم الاتفاق عليه أثناء الحوار، بعد إعلان حزب الحرية والعدالة أن نتائج الحوار غير ملزمة؛ وترتب على ذلك إعلان عدد من القوى السياسية والشخصيات انسحابهم من الحوار الوطني، أبرزهم حزب غد الثورة، وحزب التيار المصري، وحزب الإصلاح والتنمية.
وعلى خلفية أحداث العنف التي اندلعت في الذكرى الثانية للثورة، وفرض حالة الطوارئ في مدن القناة الثلاث، دعت الرئاسة لحوار وطني جديد، يوم 28 يناير ، ووجهت الدعوة لرؤساء 11 حزبًا وأربع شخصيات عامة لحضور الجلسة، ولكن اعتذرت أحزاب الوفد والمصري الديمقراطي والدستور والتحالف الشعبي الاشتراكي، ومن الشخصيات العامة اعتذر حمدين صباحي وعمرو موسى .
عُقدت الجلسة برئاسة الدكتور محمد مرسي، وحضرها الدكتور محمد سليم العوا والدكتور أيمن نور من الشخصيات العامة، والدكتور عبد المنعم أبوالفتوح، وكيل مؤسسي حزب مصر القوية، والدكتور محمد سعد الكتاتني، رئيس حزب الحرية والعدالة، والمهندس أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، ويونس مخيون، رئيس حزب النور.
وخلصت الجلسة إلى بيان هزيل طالبت فيه القوى السياسية بإدانة العنف بشكل واضح، والتبرؤ منه، والدعوة إلى عدم الانخراط فيه، كما أشار البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية إلى أن الحضور قد أكدوا وجوب قيام الدولة بالحسم في ضبط الأمن في مصر كلها، ووعد الرئيس مرسي خلال الجلسة بعرض الحالة الأمنية العامة في جلسة الحوار المقبلة؛ وبناء على الوضع سيتم إما تقليص مدة الطوارئ أو بقائها على ما هي عليه .
وقبل جلسة الحوار الوطني أعلن حزب النور عن مبادرة للخروج من الأزمة، تشمل تشكيل حكومة جديدة، والتوافق حول تعديلات دستورية، وعرضت المبادرة على رئيس الجمهورية، وأعلن أنها ستضم إلى جلسة الحوار الوطني للتوافق حولها، ولكن تم تأجيل الجلسة عدة مرات؛ بدعوى سفر بعض المشاركين، وفي النهاية أعلن الرئيس محمد مرسي، في حواره الذي أجراه مع الإعلامي عمرو الليثي، عن استئناف جلسات الحوار الوطني؛ لمناقشة ضمانات نزاهة العملية الانتخابية، كما أعلن أن الجلسات ستكون منقولة على الهواء مباشرة لضمان الشفافية، وبالفعل يوم 26 فبراير، بدأت جلسة الحوار الوطني بحضور الرئيس محمد مرسي، الذي ألقي كلمة افتتاحية، لتبدأ الجلسة بعدها، ولمدة ساعتين، قامت القوى السياسية بعرض مقترحاتها لضمانات العملية الانتخابية، ورفعت الجلسة بعد ساعتين للاستراحة، واستُؤنفت بعدها بدون الرئيس مرسي، الذي غادر لارتباطه بمواعيد أخرى، وفي نهاية الجلسة خرجت 7 مقترحات، أعلن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة عن توجيهها ل لجنة العليا للانتخابات، وهي:
§ تشكيل لجنة من الأحزاب المشاركة للتواصل مع اللجنة العليا للانتخابات .
§ قيام اللجنة العليا بتوجيه الجهات المعنية لوضع معايير موضوعية وشفافة لاختيار الفريق الإداري المعاون للجنة .
§ وضع آلية لرصد أية تجاوزات تختص بالعملية الانتخابية، واتخاذ الإجراءات العقابية، والإعلان عنها، سواء فيما يتعلق بالدعاية أو وضع سقف للمال السياسي المستخدم في الدعاية والصمت الانتخابي، مع وضع ميثاق شرف إعلامي وعدم استخدام دور العبادة .
§ تفعيل دور اللجنة الإعلامية بما يعزز من منظومة عمل اللجنة ويجعلها تتعامل بشكل استباقي، وسرعة الإعلان عنها .
§ تشكيل لجنة للتواصل مع القوى السياسية الغائبة للانضمام للانتخابات .
§ تأمين العملية الانتخابية دون الافتئات على الحرية الشخصية للمواطنين .
§ تفعيل دور منظمات العمل المدني سواء محلية أو دولية .
أسباب رفض الحوار:
القوى السياسية المعارضة، وعلى رأسها جبهة الإنقاذ، رأت أن الحوار الوطني عبر جميع مراحله لم يكن على مستوى الحدث، ولم يتسم بالجدية؛ ولذا كانت دائمًا تضع شروطًا وتعتبرها لأزمة قبل بدء أي حوار . فأثناء الحوار حول الإعلان الدستوري، رفضت جبهة الإنقاذ المشاركة إلا بعد إلغاء الإعلان الدستوري، وبعد أن توضع ضمانات حقيقية لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه في الحوار .
وفي الحوار الوطني الذي تلا أحداث الذكرى الثانية للثورة، رفضت جبهة الإنقاذ أن تشارك في الحوار، وأصدرت بيانًا أعلنت فيه رفضها الانجرار إلى حوارات إعلامية شكلية قبل أن تتوقف الاعتداءات ضد المتظاهرين، وأعلنت 5 مطالب أساسية رأت أنها كفيلة بإنهاء الاحتقان في الشارع، وتصحيح المسار السياسي، وتمثلت هذه المطالب فيما يلي :
1) تشكيل حكومة إنقاذ أو وحدة وطنية.
2) لجنة لتعديل الدستور.
3) إزالة آثار الإعلان الدستوري وإقالة النائب العام.
4) تشكيل لجنة قضائية للتحقيق في سقوط الشهداء والمصابين.
5) إخضاع جماعة الإخوان المسلمين للقانون بعد أن أصبحت طرفًا أصيلاً في إدارة البلاد دون سند شرعي .
وبالطبع لم تلتفت الرئاسة لمطالب الجبهة وتجاهلتها، وأعلنت أن الحوار الوطني مستمر، ولكن جاء قانون الانتخابات، وعدم وفاء حزب الأغلبية بتعهداته وتعهدات الرئيس، ليعمق من شكوك القوى السياسية تجاه جدية الحوار وجدواه .
وهو ما جعل جبهة الإنقاذ ترفض المشاركة في الحوار الوطني التالي الذي عقد في 26 فبراير ، وأعلنت أنها لن تشارك في الحوار دون أجندة واضحة أو آليات تضمن الالتزام بما يتم الاتفاق عليه، كما استنكرت أن تأتي الدعوة للحوار بعد تحديد موعد الانتخابات البرلمانية، والذي لم يتم التشاور بشأنه مع كل القوى السياسية .
وخلال أيام كانت الجبهة قد اتخذت قرارها بمقاطعة الانتخابات البرلمانية، ودعت الشعب أيضًا إلى المقاطعة وعدم الاعتراف بالعملية الانتخابية؛ في ظل الغياب الكامل لضمانات نزاهتها.
سادسًا: أسباب فشل مبادرات الحوار
في محاولة للخروج من المأزق، وهذه الحالة غير المسبوقة من الانشقاق والتناحر السياسي؛ خرجت علينا العديد من المبادرات للم الشمل الوطني، من الأحزاب السياسية والمؤسسات والشخصيات العامة، للدرجة التي وصل فيها إحساس في المجال العام بأن كل مواطن لديه مبادرة لاحتواء الأزمة. وعلى الرغم من ذلك باءت كل هذه المبادرات بالفشل، ولم تنجح في تحقيق توافق وطني حقيقى، أو على الأقل أن توقف المظاهرات أو بعض أعمال العنف المصاحبة لها.
ومما لا شك فيه أن أسباب فشل هذه المبادرات يعودة إلى عدة أسباب، تتمثل فيما يلي:
أولاَ: حالة فقدان الثقة غير المسبوقة من جميع الأطراف تجاه جميع الأطراف، وفقدان حالة الثقة هذه صاحبها حالة من حالات «التخوين المتبادلة»، لم تشهد لها مصر مثيلاً في تاريخها الحديث. بمعنى آخر، هناك حالة فقدان ثقة من المعارضة تجاه السلطة والعكس، كما أن حالة فقدان الثقة هذه امتدت وانتقلت إلى الشارع، والشباب على وجه التحديد، تجاه النخبة السياسية الجديدة (الحاكمة والمعارضة).
ثانيًا: فشل الحوار الوطني الأول، والذي جاء تحت رعاية الدكتور مرسي شخصيًّا، وكانت أطرافه غير ممثلة للأوزان السياسية الحقيقية على الأرض، وكان حوارًا أقل ما يقال عنه هو حوار «العائلة الواحدة»، فكانت أغلب أطرافه من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وبعض الشخصيات التي نفد بالفعل رصيدها في الشارع. والأهم من كل ما سبق، أن هذا الحوار المزعوم لم ينجز شيئًا يذكر أثّر إيجابيًّا في المشهد السياسي، بل على العكس زاد الأوضاع تعقيدًا، فعندما أقر هذا الحوار مبادئ عامة لقانون الانتخابات الجديد، لم يأخذ به، وأكدت قيادات الحرية والعدالة حينئذ بأن نتائج الحوار غير ملزمة لها.
ثالثًا: قيادة الشارع (الشباب) للسياسة والساسة في مصر ؛ حيث لم تستطيع قوى المعارضة والسلطة استيعاب الشباب الذي فجر الثورة، وتبارت المعارضة والسلطة في مليونيات ومليونيات مضادة؛ لإظهار القوة واستعراض العضلات السياسية، بدون وعي منهم بأن الشارع بات يلفظ الجميع، وهو ما أدركته مؤخرًا «جبهة الإنقاذ» التي باتت تتخذ قرارتها بناء على رد فعل الشارع. وكان هناك إحساس من السلطة والمعارضة بأنهم أمام «مباراة صفرية» لا كاسب ولا خاسر فيها، ولكن هذا الاعتقاد خاطئ تمامًا؛ لأن الجميع أمام مبارة صفرية من نوع خاص، ليس فقط الخاسر فيها السلطة والمعارضة ولكن الشعب نفسه هو الخاسر الأكبر؛ لأنه يتحمل أعباء وأخطاء النخبة الجديدة.
رابعًا: فشل الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في أن تستوعب الفائض الهائل من القدرات الشبابية في مؤسساتهم، وأن تفسح أمامها المجال لتولي زمام المبادرة داخل هذه المؤسسات، وأن يقوموا بتفجير طاقاتهم الإبداعيه بداخلها. ولكن ما حدث هو العكس تمامًا؛ حيث ظل الرعيل الأول من القيادات الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني متحكمًا في كل شيء، بل على العكس مارس أسوأ أنواع الاستبداد تجاه الشباب، وأصبح الشباب الذي فجر الثورة هو الطرف المدان من قبل هؤلاء؛ لأنه عديم الخبرة والكفاءة، وما زالت هناك فرصة أمامه لأن يتعلم من الجيل الأكبر، بالإضافة إلى أنه ما زال صغير السن. ولم يتواكب مع هذه الثورة العظيمة تغير في البنية الفكرية لأغلب فئات المجتمع، وما زال التفكير بنفس الطريقة القديمة على مستوى إدارة البلاد والعباد في مصر المحروسة، وهذا هو لب المشكلة الحقيقية في مصر الآن.
خامسًا: عدم وجود آلية ملزمة لجميع الأطراف (السلطة والمعارضة) في هذه المبادرات، أو ضمانات حقيقية يلتزم بها الجميع؛ مما أدى إلى استمرار حالة فقدان الثقة، بالإضافة إلى التخوين والتربص المتبادل.
سادسًا: محاولات استدعاء المؤسسة العسكرية في الصراع السياسي؛ وذلك نتيجة عدم وضع حدود فاصلة أو ضوابط بين العلاقات العسكرية المدنية حتى هذه اللحظات، ويعتقد الكثيرون من البسطاء، وبعض المحللين السياسيين، بأن الخلاص من هذا الوضع الحالك، الذي لم يتعوده المصريون من ذي قبل، يتمثل في استدعاء المؤسسة العسكرية مرة أخرى، خاصة وأنها تمتلك وتتمتع بقدرة كبيرة من النظام والحزم، ولها رصيد كبير في الشارع المصري. ونسي الجميع بأن استدعاء المؤسسة العسكرية سلاح ذو حدين؛ فالحد الأول، وهو الخاص بعودة الأمن والاستقرار، وهي بالفعل قادرة على ذلك. أما الحد الثانى، فستقوم هذه المؤسسة بتكبيل بعض الحقوق والحريات العامة لتحقيق الهدف الأول. والسؤال الذي يجب أن يحاول كل مصري أن يجيب عليه: أيهما نُعلي: الأمن والاستقرار أم تكبيل الحقوق والحريات من أجل قيمة الأمن الغائب بفعل المصريين أيضًا؟
سابعًا: سيناريوهات متوقعة الحوار الوطني
عمليًّا، هناك محددان في غاية الأهمية سيتوقف عليهما أي سيناريو للحوار مستقبلاً بين المعارضة والسلطة، ومستقبل هذه الثورة العظيمة. يتمثل العامل الأول في تقديم السلطة بعض التنازلات، والتخلي عن حالة العناد السياسي واللجوء إلى مليونيات مضادة؛ من أجل تهدئة الشارع السياسي من خلال الاستجابة إلى إقالة الحكومة وإعادة تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وتشكيل لجنة من فقهاء القانون الدستوري وعلماء الاجتماع؛ لإعادة النظر في الدستور والمواد التي يوجد عليها عدم اتفاق. أما العامل الثاني فيتمثل في قبول جبهة الإنقاذ في الدخول في حوار مباشر مع السلطة بدون شروط إذا استجابت السلطة إلى المطالب سالفت الذكر.
وبناء عليه، تتمثل سيناريوهات الحوار الوطني، بافتراض توافر الشروط السابقة، فيما يلي:
السيناريو الأول: وهو الأكثر تفاؤلاً، ويتمثل في نجاح الحوار الوطني، ومن ثم هناك ضرورة ملحة بأن تكون جميع ألوان الطيف السياسية ممثلة فيه (مدنية، شبابية، دينية) وسيخرج الحوار ببنود واشتراطات محددة ستلتزم بها السلطة والمعارضة معًا.
وسيترتب على هذا السيناريو عدة نتائج على المستوى الداخلي والخارجى. فعلى الصعيد الداخلي، سيهدأ الشارع المصري؛ ومن ثم الحفاظ على سلمية ومدنية الثورة المصرية، وحقن دماء المصريين، ومحاسبة المتورطين في الأحداث الأخيرة، وإحداث التوافق على الدستور بعد إعادة النظر فيه والقوانين المنبثقة عنه، وسيكون بداية الطريق لتقنين جماعة الإخوان المسلمين أوضاعها، والأهم من كل ما سبق –من وجهة نظري المتواضعة- هو الذهاب إلى صناديق الاقتراع في انتخابات مجلس النواب والأعصاب السياسية أهدأ؛ ومن ثم قبول الجميع بنتائجها، وتشكيل الحزب صاحب الأغلبية الحكومة الجديدة، وإعادة جسور الثقة بين جميع الأطراف السياسية، وإنهاء حالة التخوين والاستقطاب السياسي الذي يشهده المجتمع.
أما خارجيًّا، سيترتب على هذا السيناريو الحفاظ على نظرة العالم الخارجي إلى الثورة المصرية ذات الطابع السلمي والمدني، وتدفق السياحة إلى مصر، وربما مزيد من المعونات الاقتصادية والاستثمارات، وربما عودة الدور المصري الإقليمي والخارجي أسرع مما يتوقعه الجميع.
السيناريو الثاني، فشل الحوار الوطني، وهو السيناريو الكارثي على الجميع، السلطة والمعارضة. وسينتج هذا السيناريو من خلال تصلب الشرايين والقنوات السياسية بين السلطة والمعارضة، وعدم تقديم السلطة أية تنازلات للمعارضة أو تحقيق مطالب الثورة.
وسينتج عن هذا السيناريو داخليًّا، المزيد من العنف والمليونيات في الشارع، وربما الوصول إلى «الطامة الكبرى»، عن طريق مواجهات مسلحة بين الثوار وبعض الأحزاب ذات المرجعية الدينية، والتي تعتقد وتتصور بشكل خاطئ بأن هناك من يريد إجهاض التجربة الإسلامية في حكم مصر. ومن ثم سيرتفع سقف المطالب الثورية، والتي ربما تصل، وهو ما بدأ الآن، بمحاكمة الرئيس مرسي من خلال تحميله المسئولية السياسية والجنائية عن الدماء التي أريقت حتى هذه اللحظات، والتي ربما تزداد أيضًا في المستقبل القريب. ومن نتائج هذا السيناريو، وهو ما يتمناه المواطن البسيط حقيقةً الآن، عودة الجيش للحكم من جديد في مصر، ولكن هذه المرة سيكون مبررًا للجيش استخدام كل أنواع القوانين الاستثنائية لتحقيق الأمن والسيطرة على الشارع.
وخارجيًّا، سيترتب على هذا السيناريو وقف المساعدات الاقتصادية لمصر، وسيؤثر على العمالة المصرية الموفدة للخارج، وعلى عبور السفن في قناة السويس، وربما تلجأ بعض الدول إلى إجراءات حظر السياحة إلى مصر، بالإضافة إلى وقف التفاوض ليس فقط على قرض صندوق النقد الدولي، ولكن أيضًا على الأمول المصرية المهربة للخارج.
السيناريو الثالث: هو استمرار الوضع كما هو عليه، بمعنى استمرار حوار شكلي، غير معبر عن الأوزان الحقيقية للمعارضة ولمطالب الشارع، أو الاستجابة إلى بعض المطالب السياسية الجزئية لتهدئة الأوضاع لعدة أشهر أو أيام حتى يتم إجراء انتخابات برلمانية.
وعلى الرغم من أن هذا السيناريو هو الأقرب إلى الواقع حتى الآن، فإنه سيترتب عليه خارجيًا آثار سياسية هي الأقل بالنسبة لمصر، من توقف حركة السياحة، وإدانة وشجب بعض الدول والمنظمات الدولية للوضع العام في مصر، وحالة حقوق الإنسان التي تتراجع يومًا تلو الآخر، عكس ما كان متوقعًا من الثورة العظيمة.
وعلى المستوى الداخلي، سيترتب على هذا السيناريو توقف أعمال العنف تارة واستمرارها تارة أخرى؛ مما سيؤثر ليس فقط على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولكن على إحداث تغيير في بنية وطبيعة المجتمع المصري الوسطية للميل للعنف دومًا، ليس في السياسي فقط، ولكن تجاه أفراد المجتمع وبعضه البعض.
ومجمل القول: إن السيناريوهات الثلاثة السابقة مرتبطة ببعضها البعض، وتقع جميعها على خط مستقيم، تمثل أطرافه النقيض، وإن كنا نتمنى تحقيق السيناريو الأول. وسيكون واهمًا من يتصور بأن الذهاب إلى صناديق الاقتراع هو نهاية المطاف أو سيحقق الاستقرار، حيث ذهب المصريون إلى صناديق الاقتراع خمس مرات بعد الثورة، مرتين للاستفتاءات على الدستور، ومرتين للانتخاب مجلس الشوري والشعب، والأخيرة للانتخابات الرئاسية، ومع ذلك لم يحدث الاستقرار. وعلى الجميع أيضًا أن يعلم أن الأخذ بإجراءات الديمقراطية غير كافٍ على الإطلاق، ولا بد من الأخذ بقيم وروح الديمقراطية والتي تتمثل في التوافق الوطني، على الأقل في هذه اللحظة الحرجة وحالة المخاض العثر التي تواجه مصر.
وبناء عليه، فإن الحل الوحيد أمام المصريين الآن، يتمثل في إعادة بناء جسور الثقة مرة أخرى، وتشكيل لجنة من فقهاء القانون الدستوري وعلماء الاجتماع المستقلين؛ لإعادة النظر في الدستور برمته، بعيدًا عن المحاصصة والحزبية، وعلى السلطة ألا تلجأ إلى فرض قوانين استثنائية لمواجهة مطالب الشارع، وتشكيل الدكتور مرسي حكومة من التكنوقراط برئاسته هو، وأن تقوم جماعة الإخوان المسلمين بتقنين وضعها القانوني، والاتفاق بين السلطة والمعارضة على تطبيق القانون على الجميع بشفافية كاملة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.