قال إن أفضل نصيحة تلقتها المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية هيلارى كلينتون قبل المناظرات هى أن تترك منافسها دونالد ترامب يتحدث وتتجنب مقاطعته كلما أمكن، لكى يفضح جهله وعيوبه ويشنق نفسه. أظهرت هذه الاستراتيجية نجاحها فى المناظرتين اللتين أجريتا حتى الآن، ولا يبدو أن الأمر سيتغير فى المناظرة الثالثة الأخيرة قبل الانتخابات التى لم يتبَق عليها سوى 26 يوًما. ففى كل مرة يتحدث فيها، يكشف ترامب للناس جانبا من شخصيته المتغطرسة، وجهله الفاضح، وعنصريته وغوغائيته. هكذا بدأت أخطاؤه المتكررة تطغى على المشهد، وعيوبه تتكشف أمام الملأ سواء فى المناظرات، أو المقابلات الصحفية، أو المداخلات والتغريدات على «تويتر»، ومؤخرا فى الفيديوهات والتسجيلات الفضائحية التى تخرج إلى العلن، ومنها الفيديو الأخير عن تصريحاته بشأن معاملته ونظرته للنساء. الإعلام وجد أيًضا مادة دسمة فى هفوات الرجل المتكررة، وتصريحاته الغبية، وسجله الحافل بالفضائح، فأفرد لها الوقت والمساحات فى وقت حرج لحملة الملياردير الطامع فى الرئاسة. ترامب بدأ يشكو اليوم من تغطية وسائل الإعلام ويلومها على مشكلاته، علًما بأنه كان يتباهى حتى الصيف الماضي، بأنه لم يصرف دولاًرا من جيبه الخاص لتمويل حملاته الإعلانية لأن الإعلام يعطيه حيًزا كبيًرا فى التغطية الإخبارية. وقتها لم تكن فضائحه هى الطاغية، كما لم تكن الحملة الانتخابية فى مراحلها الحرجة. لكن الصورة تبدو مختلفة اليوم بعد أن كثرت أخطاء الرجل وتصريحاته الفجة والغبية، وبعد أن وصلت غالبية وسائل الإعلام الكبرى إلى قناعة بأنه لا يصلح للرئاسة بل يشكل قنبلة موقوتة تهدد أمريكا فى الداخل والخارج، وبالتالى أعلنت تأييدها لمنافسته هيلارى كلينتون. حتى مجلة «السياسة الخارجية» (فورين بوليسي) التى كانت تفاخر بحيادها الانتخابى منذ تأسيسها قبل 46 عامًا، أعلنت هذا الأسبوع تخليها عن تقاليدها معلنة تأييدها لانتخاب هيلارى للرئاسة، واصفة ترامب بأنه أسوأ مرشح عن حزب كبير فى تاريخ الانتخابات الأمريكية، وأن انتخابه سوف يكون أكبر تهديد لأمريكا. حملة ترامب بدأت تتأثر بشكل واضح من الفضائح والأخطاء المتكررة، خصوًصا بعدما أعلن عدد كبير من القيادات الجمهورية عن سحب التأييد منه، وطالبه بعضهم بالانسحاب لصالح مرشح آخر، لكن الرجل رفض بشدة هذه المطالب وشن هجوًما عنيًفا على منتقديه الذين وصفهم بعدم الولاء وبالضعف، مهدًدا بصب مزيد من الزيت على نيران الخلافات التى تعصف بالجمهوريين قبل أسابيع قليلة من الانتخابات التى ستحسم مصير الرئاسة والكونجرس أيًضا. ففى سلسلة من التغريدات والتصريحات الغاضبة، أمس الأول، هاجم القيادات الحزبية التى سحبت تأييدها له، وقال إنهم ضعفاء عديمو الكفاءة «لا يعرفون كيف يفوزون، وأنا سأعلمهم»، وفى لهجة تنذر بمزيد من المشكلات للجمهوريين أعلن أنه سعيد لأنه تحرر من القيود الحزبية وسيخوض الانتخابات بالطريقة التى يريدها. ترامب يتصرف الآن مثل ثور هائج، مما يعنى أن الفترة المتبقية على الحملة الانتخابية ستكون أشرس فى السباق الذى يصفه البعض بأنه سباق نحو الأسفل. هذه بالتأكيد أخبار سيئة للجمهوريين ومفرحة للديمقراطيين الذين يرون الآن فرصة سانحة لكى يحولوا مصائب ترامب إلى فوائد انتخابية لهم. فترامب الهائج سيرتكب مزيدا من الأخطاء، ويكشف عن عيوب شخصيته، وسوف يؤجج الحرب داخل حزبه، مما قد يدفع كثيرا من الناخبين الذين كانوا سيصوتون للحزب الجمهورى لمقاطعة الانتخابات أو للتصويت لطرف آخر. استطلاعات الرأى الأخيرة تعزز هذا الرأي، إذ كشفت، إضافة إلى تراجع مركز ترامب، عن أن الديمقراطيين عززوا موقفهم فى عدد من الولايات ومن بينها ولايات متنازع عليها، مما قد يمنحهم فرصة الفوز فى انتخابات الرئاسة وربما فى انتخابات الكونجرس الجزئية أيًضا. المشكلة بالنسبة للقيادات الجمهورية التى تستشعر الآن حجم المشكلة التى سببها لهم ترامب، أن الوقت تأخر وربما فات على الإطاحة به، واختيار بديل منه، إلا فى حالة الوفاة. لذلك فإن كثيًرا من هؤلاء ربما يرون أنه لا خيار أمامهم سوى إدانة تصرفات ومواقف مرشحهم للرئاسة، على أمل إنقاذ صورة الحزب وحملات مرشحيهم فى انتخابات الكونجرس، ولو خسروا الرئاسة لدورة ثالثة، لكن هذا الموقف ربما لا يكون كافًيا لإنقاذ الحزب الذى اهتزت صورته بسبب ترشيح ترامب، وتضرر موقفه أمام النساء والأقليات. الجمهوريون أيًضا فى ورطة مع قطاع كبير من مؤيديهم البيض الذين أوصلوا ترامب إلى الفوز بفرصة الترشح عن الحزب، والذين قد يقررون الآن معاقبة أعضاء الكونجرس الذين سحبوا تأييدهم لترشيحه، بالتصويت ضدهم فى الانتخابات، ترامب يراهن على دعم هؤلاء ولن يتوانى عن تأجيج الحرب داخل الحزب من أجل طموحاته.. فالرجل أحمق وعيوب شخصيته التى جعلته خطرًا على حزبه، تجعله بالتأكيد خطرًا على أمريكا والعالم لو انتخب.. وهو احتمال قائم وإن بدأ يهتز لحسن الحظ. نقلًا عن «الشرق الأوسط»